اللغة أساس مهم للحياة الاجتماعية أو ضرورة من أهم ضروراتها لأنها أساس لوجود التواصل في هذه الحياة وأساس لتوطيد سبل التعايش فيها ووسيلة للإنسان للتعبير عن حاجاته ورغباته وإحساسه ومواقفه . كما أنها أداة للتخاطب مع الآخرين وتبادل الأفكار والآراء معهم وبالتالي فاللغة تصبح أساسا لتوفير الحماية والرعاية للإنسان بين أفراد مجموعته وتسهل سبل تنشئته وتيسر أمور عيشه في إطار هذه المجموعة , إنها الكيان و الهوية وهذا ما كان يعنيه (هيدجر) في قوله ( إن اللغة هي منزل الكائن البشري) واللغة لا تقتصر على نقل أو تصوير أو محاكاة الأحاسيس و المشاعر والأفكار بل إنها تعمل وتدفع إلى التفكير كما تنمي القدرات الإبداعية للإنسان وهذا ما دفع الكثيرين إلى ربط اللغة بالتفكير مثل واطسون وآرثر كيسلر اللذين رأيا أن اللغة هي التفكير نفسه . لذا ركز عليها علماء التربية وعلماء النفس باعتبارها أداة لقياس ذكاء الأطفال فكلما تطورت وتوسعت لغة الطفل المتعلم كلما ارتقت قدراته العقلية ونما ذكاؤه وقوي تفكيره. لقد أكد الفيلسوف الفرنسي اثيان كوندياك CONDILLAC-ETIENNE على أن المعارف والمفاهيم والخبرات تستمد أساسا من الإحساسات ومن التجارب الحسية ولكن الواسطة الأولى لاكتساب هذه المعارف والمفاهيم هي اللغة كما رأى بياجيه PIAGET أن الأفكار والمفاهيم تكسب في المجتمع لكن الوسيلة الأساسية لاكتساب هذه الأفكار والمفاهيم ونموها فهي اللغة. وبناء على ما سبق اعتبرت المهارات اللغوية مقياسا مهما لمعرفة نسبة الذكاء , يقول لويس تيرمان أن الاختبار اللغوي له قيمة أعظم في أي اختبار أخر للذكاء وبالتالي هناك علاقة تفاعلية ايجابية بين الاكتساب الجيد للغة ونسبة الذكاء فكلما زادت نسبة الذكاء لدى الطفل أو الفرد عموما زادت قدرته على فهم ما يقراه أو يسمع من الجمل والكلمات والعبارات ومن ثم اتضحت له العلاقة بين المفردات اللغوية ومدلولاتها وبالتالي زادت حصيلته اللغوية , وعلى العكس من ذلك كلما قلت نسبة ذكاء الفرد المتعلم ضعف فهمه لما يقرؤه أو يسمعه ومن تم ضعف إدراكه للعلاقات اللغوية وقلت حصيلته من المفردات والمعاني . السلبيات الناجمة عن نقص الحصيلة اللغوية ان صعوبات اكتساب اللغة تخلف أضرارا وأمراضا اجتماعية ونفسية وتربوية منها: العزلة الاجتماعية أو العزلة عن المجموعة إذا كانت القدرة على التفكير اللغوي من أهم الدوافع لإنشاء العلاقات مع الآخرين , حيث الإنسان مدفوع بفطرته إلى الاجتماع والى العلاقات مع أفراد مجموعته ليلبي رغباته و احتياجاته وليكتسب المهارات التي تحقق له حياة أفضل ووسيلته ألأولى لإنشاء وتوطيد هذه العلاقات هي اللغة ولغة الكلام بالدرجة الأولى فإذا ما قل محصوله اللغوي وضعفت عباراته وأساليبه قلت قدرته على التواصل والتخاطب والتفاهم مع الآخرين (المؤسسة – الأسرة – المجتمع) وبالتالي سيؤدي به ذلك إلى الشعور بالفشل أو الشعور بالنقص والتخلف عن مستوى أولئك الأفراد مع الرغبة في عدم جدوى إنشاء علاقات معهم . إن ضعيف اللغة غالبا ما يميل إلى العزلة لخوفه من الوقوع في الخطأ في التعبير أو التعثر في الفهم وما سيعرضه ذلك له من مواقف محرجة مع الأخر أو الخوف من الفشل و يرى النفسانيون أن مثل هذا الوضع يولد نوعا من التوتر ويؤدي بالفرد إلى تجنب المواقف والآراء التي يواجه فيها الموضوع الذي يخاف منه ويدفعه للهروب إلى الأمام. هذه الظاهرة تتواجد بحدة بين الأطفال والمراهقين الذين يعانون من بعض المشاكل النفسية حيث تتآزر هذه المشاكل النفسية مع مشكلة الفقر اللغوي فتتولد لديه نوعا في النفور والرغبة في الانعزال وثم بعد ذلك يحصل الهذر المدرسي. 2 -اضطراب الشخصية : إن عجز الفرد عن التعبير عن مشاعره وأفكاره وعجزه عن التواصل والتخاطب يولد لديه شعورا بالنقص والدونية فيدفعه ذلك إلى حدوث صراعات نفسية و احباطات متكررة فيحس بعدم الانسجام الشخصي والاجتماعي فتظهر عليه بعض الانحرافات السلوكية لأنه يعجز عن تحديد متاعبه ومشاكله باللغة حسب أبحاث علماء النفس . إن ضعف اللغة أو ضالة المحصول اللغوي تؤدي إلى عدم القدرة على التواصل والتفاهم وتحرم من إشباع الغريزة الاجتماعية ومن تلبية الرغبات النفسية مع الآخرين وربما يشجعه ذلك على اللجوء إلى وسائل الانحراف للتخفيف من هذا القلق أو التوتر ويجعل من شخصيته شخصية مضطربة. 3 – ضيق الأفق الدراسي والمعرفي: إن اللغة هي بداية الفرد الأساسية لفهم ونقل المعارف والعلوم و بها يطور مهاراته و كفاياته وعجزه عن امتلاك هذه الوسيلة أو عن السيطرة عليها يعني عجزه عن اكتساب المعارف والخبرات الكافية وضعف حصيلة الفرد من المفردات والكلمات اللغوية وتراكيبها وصيغتها ومدلولها يجعله يتعثر فيما يسمع وما يقرا فيقوده ذلك إلى العزلة. من الواضح أن أعراض الفرد وعجزه عن القراءة يزيد بدوره من عجز ونقص حصيلته اللغوية ويضاعف من الصعوبات التي يواجهها وبالتالي يقلص حصيلته المعرفية ويؤدي به ذلك إلى فشله في الحياة الدراسية وتعثره في الحياة العامة بعد ذلك. انظر كتاب : الحصيلة اللغوية –د . احمد محمد المعتوق المدرسة كمؤسسة اجتماعية لتأهيل المتعلم في مجال التحصيل اللغوي يقول جون ديوي إن المدرسة على اختلاف مستوياتها ومراحلها هي مؤسسة اجتماعية ;وهي صورة للحياة الجماعية التي تتركز فيها جميع تلك الوسائط التي تهيئ الطفل للمشاركة في ميراث الجنس – الأمة والى استخدام قواه الخاصة لتحقيق الغايات الاجتماعية ….. وواضح أن من أهم هذه الوسائط التي تعتمد عليها المدرسة في أداء مهمتها ومن أهم القوى التي تنميها وتهيئ الطفل لاستخدامها هي اللغة , ومن هنا اعتبرت مشكلة زيادة الثروة اللغوية هي أول مشكلة تقابل المدرسة عند التحاق الطفل بها وبناء عن ذلك افترض أن تكون المدرسة من أهم الموارد التي يكتسب الناشئ منها لغته أو ينميها أو يغني حصيلته من مفرداتها وتراكيبها وأساليبها كما انه يكتسب قوة لغوية من بيئته ,هذه البيئة الممتدة من أسرته ومن محيطه الخاص . أن الطفل كما يبين (فريدريك هربرت) في نظريته التربوية انه عندما يدخل الطفل المدرسة يحمل معه ثروة فكرية ناتجة عن احتكاكه بالبيئة فيحمل معه هذه الثروة ليطورها ويقايض بها الآخرون داخل مجتمعه الدراسي أو مجتمعه الأسري ومحيطه الخارجي وهي الأداة الوحيدة لامتلاك الواقع . ولاشك أن دور المدرسة في تنمية اللغة وتطوير المهارات فيها تعتمد بشكل أساسي في طبيعة النظام التربوي المشجع في التدريس ونوعية المناهج المقررة وتأهيل المتعلمين لهذا الدور التربوي , و توافر التقنيات اللازمة لعملية تدريس اللغة , لها دخل كبير في تحديد نسبة الاكتساب في المدرسة. إن المدرسة ليست بطبيعة الحال المسؤول الوحيد عن ضعف التلاميذ في لغتهم أو غربة اللغة في بيتها أو مجتمعها ولا عن الأسباب التي أدت إلى هذا الضعف اللغوي أو هذه الغربة ولكن هي مسؤولة عن تقصي العوائق وبحث المشاكل التي تواجهها في تأديتها لهذا الدور من قبيل :أساليب ونظم التعليم المتبعة في تدريس اللغة-الكتب والمناهج الدراسية-تقنيات وأساليب تنمية القدرات اللغوية أما اعتبار الازدواج اللغوي سببا رئيسيا فهذا فيه نقاش علمي حيث بينت الدراسات والبحوث أن (إتقان الفرد لغته الأولى يسهل عليه تعلم اللغة الثانية) لأنه يكسب خبرة في تعلم اللغة بشكل عام , كما بينت البحوث والدراسات أن الأطفال الذين يتعلمون اللغة الثانية قبل إتقان اللغة الأولى يعانون من اللغة الأولى واللغة الثانية على السواء ويضعفون في اللغتين معا لهذا فان تعليم اللغة الثانية بعد إتقان اللغة الأولى قرار في صالح اللغتين في أن واحد وبناء عليه فان اكتساب اللغة الأولى يؤدي إلى تهيئ المجال لإتقان اللغة الأجنبية الثانية ولممارسة التعلم بها بنجاح دون أن يكون هناك خطر على اللغة الوطنية أو اللغة الأم . * مدير ثانوية بالدشيرة الجهادية