تنسيق أمني مغربي مالي يمكن من تحرير أربعة مغاربة كانوا مختطفين من طرف تنظيم إرهابي    الصين: نمو تجارة الخدمات بنسبة 8 بالمائة في النصف الأول من 2025        مصرع شخصين في حادثة سير مروعة بضواحي طنجة    تنسيق أمني مغربي-مالي يُنهي كابوس السائقين المغاربة المختطفين    سلطات المضيق تباغث من جديد المركبات السياحية والسكنية وتحجز عشرات المظلات والكراسي    علي الصامد يشعل مهرجان الشواطئ بحضور جماهيري غير مسبوق    الرباط تحتضن النسخة الأولى من "سهرة الجالية" احتفاءً بالمغاربة المقيمين بالخارج    توقيف قائد للاشتباه في تورطه بإحدى جرائم الفساد    تحرير السائقين المغاربة من يد تنظيم داعش الإرهابي إنتصار إستخباراتي مغربي يعيد رسم معادلات الأمن في الساحل    منخرطو الوداد يطالبون أيت منا بعقد جمع عام لمناقشة وضعية الفريق عبر مفوض قضائي    ديون وادخار الأسر المغربية.. قروض ضمان السكن تتجاوز 32 مليار درهم    حادثة سير مروعة تخلف قتيلين على الطريق الوطنية الرابطة بين الحسيمة وتطوان    المندوبية السامية للتخطيط: جهة الشمال تسجل أدنى معدل في البطالة بالمغرب    مؤسسة محمد الخضير الحموتي تفضح مؤامرات النظام الجزائري.. وتؤكد: من يعبث بوحدة المغرب ستحرقه نار الانفصال    من قلب الجزائر.. كبير مستشاري ترامب للشؤون الأفريقية يكرّس الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء ويدعو لمفاوضات على أساس الحكم الذاتي    الانتخابات التشريعية في خطاب العرش: رؤية ملكية لاستكمال البناء الديمقراطي وترسيخ الثقة    شخصيات فلسطينية تشيد بالمبادرة الإنسانية التي أطلقها الملك محمد السادس    الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في ليبيا تشيد بالتزام المغرب وتعرب عن تقديرها العميق للمملكة لتيسير الحوار الليبي-الليبي    النقص الحاد في المياه يفاقم مآسي الجوع والنزوح في قطاع غزة    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    غينيا تهزم النيجر بهدف في "الشان"    رابطة الكتبيين بالمغرب تحذر من أساليب تجارية «مضلّلة» وتدعو لحوار وطني حول مستقبل الكتاب المدرسي    أولمبيك آسفي يتعاقد رسميا مع الإيفواري "أبو بكر سيلا"    قضية حكيمي تثير جدلًا حقوقيا وقانونيا.. ونشطاء فرنسيون يطالبون بإنصافه    موجة حرّ قياسية تصل إلى 47 درجة وأمطار رعدية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة هذا الأسبوع    "فدرالية ناشري الصحف" تدعو الحكومة لمراجعة موقفها من قانون مجلس الصحافة    الرئيس الأيرلندي يدعو غوتيريش لتفعيل الفصل السابع ضد إسرائيل    بنكيران يدخل على خط مهاجمة الريسوني للتوفيق ويعتبر أنه من غير "اللائق أن ينعت وزارة الأوقاف بتشويه الإسلام"    كوندوري تلتقي بوفد من المستشارين    الدار البيضاء تستضيف الدورة الأولى من مهرجان "عيطة دْ بلادي"    باحث يناقش رسالة ماستر حول الحكامة المائية في ضوء التجارب الدولية بكلية الحقوق بالدار البيضاء    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    انخفاض أسعار النفط بعد اتفاق "أوبك+" على زيادة الإنتاج    فنادق أوروبا تلاحق "بوكينغ" قضائياً    إسبانيا تنفي إنزال علمها من جزيرتي الحسيمة    "الجايمة"..أشهر مطعم مغربي في ألميريا يُغلق أبوابه نهائيًا    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    دعوات لاحتجاجات أمام ميناء الدار البيضاء رفضا لاستقبال "سفن الإبادة"    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    لا أنُوء بغزّة ومِنْهَا النُّشُوء    مقاومة الأداء الإلكتروني بالمغرب تعرقل جهود الدولة نحو الشمول المالي    كأس أمم إفريقيا للاعبين للمحليين 2024.. المغرب مرشح قوي تترقبه أعين كل المنافسين على اللقب    إنتر ميامي يعلن غياب ميسي لأجل غير مسمى    الدخول المكثف للجالية يدفع الدرهم المغربي للارتفاع أمام الأورو    ترتيب شباك التذاكر في سينما أميركا الشمالية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين        توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين بالمغرب    وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون عن عمر ناهز 79 عاما    بطولة انجلترا: تشلسي يتعاقد مع الظهير الأيسر الهولندي هاتو    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مواقع التواصل الاجتماعي وإذكاء ثقافة الحشد والهرولة ورعاية التفاهة الشاملة في سيكولوجيا الحشد الجماهيري.. المسلك البصري نموذجا
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 17 - 06 - 2019

تكشف ظاهرة الحشد أو التجمهر لساعات طويلة لدرجة الاحتقان المروري في الشارع العام حقيقة نفسية وحالة مجتمعية لافتة، ونموذجا تربو في حاجة للتفكيك والتحليل اليوم أكثر من أي وقت مضى. ذلك أن التحلق البشري حول حادث معين مثل احتكاك بسيط بين سيارة خفيفة ودراجة ثلاثية العجلات، أو حول حالة نزاع مسلح بين شابين متهورين في أحد أحياء الهامش الشعبي للمدينة يستعمل فيها أحدهما السلاح الأبيض، فضلا عن كونه يمنع بشكل جزئي استفاء معالم النازلة، وتبين أسبابها فهو يخلق المناخ المناسب لتضميخها بتوابل متعددة النكهات والأذواق. وإذا ما قاربنا حالة التحلق العائلي حول شاشة التلفزيون خاصة خلال رمضان قبل الإفطار وبعده، سيتأكد بما لا يدعو مجالا للشك أن الظاهرة جديرة بالتأمل والملاحظة سواء كممارسة اجتماعية وأخلاقية أو كثقافة مكتسبة باتت اليوم في حاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإثارة الجدل حولها وتحليل ومناقشة أشكال التفاعل وآليات اشتغاله الذاتية والموضوعية.
فما معنى التجمهر؟ ومتى تتمكن هذه العادة من بسط سيطرتها على الكائن؟ وهل ثمة إمكانية للإقلاع عن هذه الممارسة المجتمعية التي أقل ما يقال في شأنها أنها لا تربوية وفضولية وطفيلية؟ لكن وقبل هذا وذاك كيف متى ولماذا وأين تتم؟
أسئلة وغيرها كثير زرعناها في تربة خصيب وتفاعل مع تربتها سكان العالم الأزرق بما يتمثل في أذهانهم من حمولات ننقل بعضها لقراء الجريدة في حياد وإنصات هادئ:
في محاولة للتفكيك وإعادة التركيب يتساءل الباحث في مجال علم الاجتماع عن أسباب النزول لماذا هذا الحشد وما جذوره ومسبباته ؟ لنفجر القنبلة ونجمع الشظايا في محاولة أولية لتفكيك الأوصال ومعرفة البواعث والأسباب ؟ لماذا استرخص المغاربة أذواقهم إلى هذه الدرجة من الحضيض؟ هل لذلك ارتباط بالنموذج السياسي الحاكم ؟هل سبب ذلك راجع إلى رعاية التفاهة من جهات نافذة ترى في ذلك حماية لاستقرارها، وتحكمها في رقاب صناديق الاقتراع؟ سواء عبر التزامات ووعود سياسوية او قنوات إعلامية سامة ؟ ما الدور المفترض للمدرسة المغربية؟ وكيف يقارب الإعلام بكافة تجنيساته هذه الظاهرة الأخلاقية الملفتة ؟
يقول طالب جامعي: المشكل في أن الناس يحبون التجمهر .. التكدس ويحتشدون حول أي كان وكيف ما كان ومتى كان .. وتتفاقم هذه الممارسات اللافتة للنظر، وتنمو إلى درجة المرض حين ترتبط بالتفاهة على مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر شعبية مثل الوات ساب والفايسبوك ؟
ويسوق الطالب الشاب أمثلة من الواقع الحي قائلا : في الجوهر، ثمة تماه بين يحدث في حلقيات جامع لفنا بمراكش وكذلك الحولقة الجماعية حول التلفزيون بقنواته المتعددة المسالك ليالي رمضان قبيل الإفطار وما بعد الآذان ؟
ويعود بنا أحد نشطاء الفايسبوك إلى الماضي القريب مستطردا، لعل الجميع يتذكر واقعة بولمان الشهيرة، حين أدعى أحد النكرات وجود كنز بجبل بميسور، وسرعان ما هرول الآلاف من بني تفاهته بالهجرة من كل حدب وصوب، زرافات ووحدانا إلى إقليم بولمان، بعد أن حدد الزعيم الروحي للكنز زمن ومكان وجوده، ومع مرور الوقت، حصلت الفاجعة التي لم تستغل إعلاميا وثقافيا بما فيه الكفاية من التنوير والإشعاع العقلاني سواء من قبل النخبة المثقفة أو الإعلام الناهض، فلا كنز ولا هم يحزنون، فكان أن خمدت نار التفاهة، ونام التافهون نومة نصوحة إلى حين الاستيقاظ من جديد على وقع تفاهة جديدة.
ويذكر ما أحد الفسابكة بقوله: لن ينسى المغاربة قاطبة كيف كان المدعو»المكي الترابي» أحد أكبر دجالي القرن الواحد والعشرين يصرف زبناءه المتكدسين بمحيط عيادته بتمارة من أجل العلاج ليلا ونهارا مستعملا قنينة ماء وقالب من سكر، وكانت النتيجة إفلاس عدد من أطباء المنطقة وإغلاق عيادتهم بل الأنكى من ذلك، لم تكتف فئة اجتماعية متنورة من بركة المدعو الترابي بل قامت بالدعاية له، والنتيجة انمحاء المهزلة إلى مزبلة التاريخ.
«المناخ حار والناس متوترون والضحايا في وضع حرج تقول السيدة الخمسينية إثر سقوط انقلاب دراجة ثلاثية العجلات بأحد المدارات وسط المدينة، وسقوط أحد الركاب وجرح اثنين من رفاقه، ورغم محاولة العديد من الناس تفريق الحشود إلا أن العشرات منهم تجمعوا حول الضحايا وبدأو في إطلاق العديد من الروايات والتفاصيل المفتعلة والتكهنات لأسباب الحادثة، فيما شرع البعض في إعلاء الاحتجاجات والانتقادات في إشارة إلى الاستهتار الحكومي وعدم النجاعة والفاعلية والتدخل في مثل هذه المواقف المؤسفة .
تقول طالبة من بين الحشد «أشعر بالقلق لأن أخي يمتلك دراجة ثلاثية العجلات شبيهة ومتهور في قيادته، ومثل هذه الحوادث لها تداعيات على نفوس العائلة، فدائماً ما يتم تضخيمها رغم بساطتها وتضيف: «مؤسف أننا لا نستطيع تفريق الناس وفسح المجال أمام الضحايا لاستنشاق الهواء …»
ويتساءل أستاذ مادة الإعلاميات فيما إذا كان للصحافة في شقيها المكتوبة والإلكترونية يد في هذه الجريمة الدهرية النكراء؟ وبنفس الحدة يتساءل عن حجم مسؤولية مواقع التواصل الاجتماعي في هذه الطبخة التواصلية الرديئة ؟
ويقدم أمثلة حية في هذا الاتجاه: فعندما يتحدث أحدهم بكلام تافه، وفم مخرب، وبطن به تجويفات منجمية متخلى عنها، ليتربع بذلك على عرش المشاهدات وبأرقام قياسية تدرك إلى حد سقط الوعي وانكسرت أضلاعه في مهوى سحيق.
أما صاحب قناة استثمارية على اليوتوب، فهو لايشك لحظة واحدة في أن الذين يسعون إلى تعميم التفاهة والتافهين والسطحيين من الناس على شكل فيديوهات أو كليبات مصورة هم من أشهر المستثمرين فيها من أجل ترسيخ حضورهم وقطف الأصوات اجتماعيا وسياسيا تمهيدا للآتي من المهازل الكبرى، وهم بذلك لا يكتفون برفع منسوب التفاهة لديهم، بل يسعون إلى تضخيمها فوق درجة الابتذال والسطحية في ذاكرة المحيط الذي يأويهم. مضيفا أن هناك نخبة فاسدة ومركب مصالحي يغتني من مثل هذه المستنقعات ويعمل جاهدا على توفير الحماية اللازمة لها للانتشار ويخطط لتعميم التفاهة والسخافة والوضاعة و يحلق ويطوف حولها ومن بعيد،كما يحوم الذباب في المزابل حول قمامة ونفايات الصيف الماضي.
ومن تجليات هذه المظاهر الاجتماعية المتفشية تجد حشدا جماهيريا في شارع رئيسي او حي متوسط او حتى زنقة ضيقة مكدسا حول حادث احتكاك بسيط لسيارة مع دراجة او عربة ، مما يسبب احتقانا مروريا لساعات لا تسمع فيها سوى السب والشتم واللعن وكافة انواع التفاهة .ذلك أن مجرد تلاسن بين شابين أعزلين قادر على حشد جماهيري بالمآت من الأعناق والرقاب والهامات المشرئبة والمتلهفة لنسج السيناريوهات وحبك القصص الدرامية للحدث، فيما لم تستطع الدعاية لحدث ثقافي أن تستقطب أكثر من 20 نفرا في الحالات القصوى للتعبئة .
ويستغرب أحد الأساتذة في النكوص التربوي الحاصل قائلا : في تاريخ المغاربة لم يسبق لهم ان احتشدوا حول التفاهة مثلما هو عليه الأمر اليوم، حيث يمكن لمشعوذ دجال بلحية ولباس افغاني ان يحشد الآلاف من الأنصار حول خلطة قذرة بمجرد النقر على دف أو الكشف عن حجاب بلون النحاس أو إخراج أوتميمة من قمقم ؟ لماذا هذا الحضيض والدرك الأسفل؟
لماذا يقف المثقف المغربي مكتفيا بالمشاهدة واللعنة من بعيد وفي احسن الأحوال في مقال بجريدة لا يقرها سواه وبضع من مريديه دون ابداء موقف مناسب حاسم وفعال؟ لماذا الاضواء اليوم مسلطة بما يكفي على التفاهة سواء في التلفزيون او في شوارع المدن او مواقع التواصل الاجتماعي فيما الدولة مكتفية باستخلاص الضرائب لتوفير الذيوع والانتشار لها؟ولم إحجام الصحافة في ثوبها الحالي تحجم عن الاشعاع والتنوير نحو التضليل والتسخيف والتتفيه؟ ما معنى أ تفرد جريدة يومية صفحة كاملة بالألوان لخبرين الأول دردشات آنية مع جميلات دون موعد الثاني إشهارا مدفوعا للمعشبات. لماذا لا تقترن المشاهدة بالوعي؟
ولعل ما يحدث على مواقع التواصل الاجتماعي اليوم هو مجرد نموذج مصغر لما يحدث في حياتنا العامة في السياسة في الثقافة والفن وفي ادارة مشاريع حياتنا الخاصة والعامة فلا غرابة ان ينعكس الواقع على الافتراض …
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.