ما يزيد عن عقد من الزمن، قررت وزارة التربية الوطنية الاعتماد على شركات خاصة لحراسة المؤسسات التعليمية العمومية و بالتالي منع توظيف اعوان الخدمة. وكانت الفكرة ساعتها ترمز من جهة الى الرفع من اداء هذا القطاع و تحسين مردوديته التي ستعود على المؤسسات التعليمية المستفيدة بالمنفعة. ومن جهة اخرى تخفيف العبء المادي على الوزارة لشريحة مهمة من عمالها ثم لتلميع صورة المؤسسة التعليمية و تشديد الرقابة الامنية على ابوابها و منع ولوج عدة ظواهر اضحت تشكل خطرا على شباب المجتمع المغربي. لكن مع الوقت، فقدت المؤسسة التعليمية مقوماتها في هذا المجال،حين كانت تعتمد على اعوان الخدمة، حيث كان الاحترام و التقدير من التلاميذ للحارس او الحارسة وحتى الاسر كانت تتعامل مع اغلب الاعوان بنوع من الاحترام و التقدير والثقة. على العكس ما يجري اليوم في العديد من المؤسسات حيث اصبح محيطها يعج بالكثير من السلوكات المشينة و الظواهر الخطيرة تتسبب يوما بعد يوم في استقطاب عدد من التلميذات قبل التلاميذ. فأمست ابواب العديد من المؤسسات التعليمية اسواق مفتوحة لترويج شتى انواع المخدرات بل هناك من استطاع تسلق اسوار هذه المؤسسات. ما ذا وقع بالضبط ؟ الجواب لا يتطلب بحث عميقا و لا مراجع برفوف المكتبات العتيقة. فقط وقفة امام بعض هذه المؤسسات التعليمية لتجد ان من اسندت اليه مهمة الحراسة هم من يسهلون هذه العمليات المشينة، كيف ذلك ؟ ان ما لا يعرفه العديد من المسؤولين هو ان الشركات التي رست عليها العروض من الاكاديميات الجهوية لم تحترم دفتر التحملات و لم توف بالوعود و الالتزامات الموقع عليها انطلاقا من اختيار عناصر الحراسة : من هندام العمل ووسائل الاشتغال. فالعناصر التي يتم توظيفها لم يسبق لها ان خضعت لاي تكوين في الموضوع و لم تستفسر حتى عن سوابقها. وبالتالي تمنح فرص العمل كحارس لمؤسسة تربوية في العديد من الحالات لمدمنين و لذوي سوابق عدلية، فما يلبث هذا العنصر أن يُظهر مع مرور الايام حقيقة امره، فيصبح المزود بانواع المخدرات يتردد عليه مكتشفا مكانا جديدا لترويج بضاعته المسمومة، حتى اصحاب ترويج و بيع مشروب ماء الحياة سرعان ما يجدون زبناء جددا ليسو سوى تلاميذ و تلميذات. اكثر من ذلك اصبح هذا الحارس كيفما كان عمره شابا او متقدما في السن اصبح متواطئا على امن المؤسسة ،حين اصبح مسخرا من طرف العديد من التلاميذ والتلميذات ومسهلا لهم طرق الوصول الى هذه السموم أو الى سلوكات اخرى. في غياب مراقبة صارمة من المسؤولين عن الشركة،طبيعي جدا ان لانستغرب هذه السلوكات المسيئة للمدرسة. لكن لماذا غياب هذه المراقبة ؟ السبب بسيط و هو ان بعض المسؤولين في الشركة الفائزة بهذا العرض يقدمون الى ادارة المؤسسات التي ستستفيد من هذا النوع من الحراسة و يطلبون من احد الاداريين ان هو اراد ان يوظف اي عنصر في حراسة هذه المؤسسة ما عليه الا ان ياتي بصورتين شخصيتين و صورة شمسية للبطاقة الوطنية. وبعد احضار هذه الوثائق يسلم له البذلة الخاصة بالحراسة دون ان يُتعرف عليه شخصيا .و هكذا يكون هذا الاخير مطمئنا على هذه المؤسسة لانه متيقن انه لا أحد سيقدم اي شكاية ضد هذا الحارس ان كان ما يدعو لذلك. فقد اصبح محميا من طرف الذي توسط له في العمل. سلوكات و ظواهر خطيرة اصبحت تمارس و تقترف بمحيط العديد من المؤسسات التعليمية لا يسع المجال لحصرها كاملة لكن على العموم لم تكن متابعة شاملة لانجاح هذا المشروع الذي ولد ميتا و تسبب في كوارث لا يعلمها الا بعض الاسر التي تؤدي اليوم الثمن باهظا . بعد هذا المردود السلبي الذي خلفه عقد من الزمن كتجربة لهذا النوع من الحراسة. وبعد تعرض العديد من المؤسسات التعليمية للسرقة. و بعد ان كثرت الشكايات من الاسر التي تعرضت بناتها الى التحرش الجنسي او السرقة او التهديد، دخلت ادارة العديد من المؤسسات التعليمية بجهة الدارالبيضاء الكبرى في حوار مع جمعيات الاباء و الامهات و الاولياء.و نظمت لقاءات تواصلية مع مجالس التدبير للوقوف على خطورة هذا الوضع و للتفكير في حلول تحد من هذه السلوكات السلبية و القضاء عليها. فرغم ان عدد المؤسسات التعليمية العمومية التابعة للاكاديمية الجهوية لجهة الدارالبيضاء تصل الى 837 مؤسسة خلال هذا الموسم، فان عدد المؤسسات المستفيدة من الحراسة الخاصة بلغ 612 مؤسسة اغلبها يعاني من ما سبق ذكره .فاسفرت اللقاءات التي قامت بها ادارة بعض المؤسسات مع جمعيات الاباء و الامهات و مجالس التدبير الى وضع كاميرات في واجهات المؤسسة تضمن مراقبة محيطها من الخارج و ممرات المؤسسة و مرافقها بالداخل. فهناك من وضع 16 كاميرا موزعة على كل المرافق و مدخل المؤسسة و محيطها ثم وضع شاشة كبيرة بمكتب المدير الذي اصبح يراقب مؤسسته من داخل مكتبه. واذا ما ظهرت له حركة غير عادية او مشتبه فيه او غريب ولج باب المؤسسة نادى على المكلف بالجناح او المرفق او المدخل. وهكذا بهذه العملية حتى و ان كانت جد مكلفة ماليا الا انها احدى الوسائل التي استطاع كل من عمل بها ضبط المؤسسة و فرض نظامها الداخلي بل حتى العاملين بالمؤسسة اصبحوا جميعهم منضبطين كل في مهمته. هذه العملية ساعدت الى حد كبير على ايقاف العديد من الغرباء و من المروجين لانواع من المخدرات. فكلما تم ضبط احدهم الا وحضرت العناصر الامنية بعد ابلاغها. و الاهم من هذا ان هذه الكاميرات تحتفظ بالصور و المشاهد لمدة 3 اشهر ليل نهار و منها من تعمل بالليل بالاشعة فتظهر الصورة كاملة حتى في منتصف الليل. انها بادرة طيبة و مبادرة تستحق التنويه لكنها ليست في متناول جميع المؤسسات. في هذا الموضوع اكدت فعاليات تربوية للجريدة ان الفكرة ممكن تعميمها ان هي ادرجت في مشروع المؤسسة او انها مولت من مالية جمعية دعم مدرسة النجاح بالنسبة للمؤسسات التي لا تستطيع جمعيات الاباء و الامهات بها توفيرها نظرا لدخلها الهزيل من الانخراطات. وهناك من الاراء من يرى وضعها نقطة من النقط الاساسية في دفتر التحملات لشركات الحراسة الخاصة، الا ان بعض الجمعيات المجتمع المدني التي لها علاقة ميدانية مع المؤسسات التعليمية تفكر مليا في وضع مشاريع في هذا الباب للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية لكي تستفيد من هذا النوع للحراسة المؤسسات التي لا تستطيع بمواردها الخاصة زرع عدد من الكاميرات للحفاظ على سلامة تلاميذها و مرافقها و اجهزتها. و في انتظار تعميم هذه الظاهرة، اصبح على الاكاديميات الجهوية للتربية و التكوين مراجعة دفتر التحملات لشركات الحراسة الخاصة بالمؤسسات التعليمية العمومية.