حجز 14 طنا من البطاطس بتطوان قبل توجيهها للبيع لانعدام شروط النظافة والسلامة    الملك محمد السادس يقود مبادرة إنسانية جديدة لفائدة الشعب الفلسطيني    البطولة الإحترافية 2025/2026: المرشحون والوجوه الجديدة ومباريات الجولة الأولى في إعلان MelBet    الدوري الإسباني.. ريال مدريد يستهل مشواره بالفوز على أوساسونا (1-0)    جمعية باقي الخير تستنكر منع شابة من ذوي الاحتياجات الخاصة من دخول فضاء ألعاب بطنجة بدعوى أنها "قد تُخيف الأطفال"    إسبانيا تواجه أضخم حريق في تاريخها: 343 ألف هكتار محروقة وآلاف المُهجّرين والحرائق ما تزال متواصلة    حفل استقبال بهيج: مؤسسة طنجة الكبرى للعمل التربوي والثقافي والاجتماعي والرياضي تستقبل أطفال القدس الشريف    بدر لحريزي يفوز بمنصب ممثل كرة القدم النسوية في عصبة الرباط سلا القنيطرة    تكريمات تسعد مقاومين في خريبكة    المركز الفرنسي للسينما يكرّم المخرجة المغربية جنيني ضمن سلسلة "الرائدات"    كزينة ونجوم الراب يشعلون الليلة التاسعة من المهرجان بحضور جماهيري قياسي    إدارة سجن "طنجة 2" تكشف سبب وفاة نزيل وتنفي مزاعم "تصفيته"        معاداة السامية .. الكذبة الإسرائيلية لتبرير جرائم الاحتلال    المينورسو تستقبل بالعيون وفد مكتب "حفظ السلام" بوزارة الخارجية الأمريكية    تداولات بورصة البيضاء تتوشح بالأحمر    التصنيف الائتماني للمغرب.. تقرير يوصي بشفافية البيانات وتنويع مصادر التقييم    عشريني يُعرض حياة أمنيين للخطر    الرجاء الرياضي يطوي صفحة النزاعات    السودان يصل ربع نهائي "الشان"    10 أعمال مغربية ضمن قائمة ال9 لأفضل الأعمال في جائزة كتارا للرواية العربية    48 قتيلا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    المغرب يسجل مستوى قياسيا في الحرارة    البيت الأبيض يعلن موافقة بوتين وزيلينسكي على الجلوس لطاولة الحوار    أسعار الخضر والفواكه تسجل انخفاضا في أسواق المملكة    الوكيل العام للملك يكشف حيثيات العثور على سيون أسدون مغمى عليه بمنزله    تخمينات الأطباء تقادمت.. الذكاء الاصطناعي يتنبأ بموعد ولادة الأطفال بدقة عالية    تيكاد-9 .. وزير الشؤون الخارجية الياباني يجدد التأكيد مرة أخرى على عدم اعتراف طوكيو بالكيان الانفصالي    النيابة العامة تكشف الحقيقة الكاملة في حادث سيون أسيدون وتفند الروايات الكاذبة    مهرجان القنيطرة يفتح أبوابه للاحتفاء بالإبداع ويجمع نجوم الفن والرياضة في دورة شبابية مميزة    الجديدة.. إيداع شخص رهن الحراسة النظرية للاشتباه في هتك عرض طفل والتحقيقات متواصلة    الشعب المغربي يخلّد الذكرى ال72 لملحمة ثورة الملك والشعب    إنجاز علمي مغربي.. رسم الخريطة الجينية الكاملة لشجرة الأركان يمهد لآفاق جديدة    مساعدات المغرب لغزة تعزز التضامن    إسبانيا.. توقيف عنصرين موالين ل»داعش» بالتعاون مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني    وزارة الصحة تطلق صفقة ضخمة تتجاوز 100 مليون درهم لتعزيز قدرات التشخيص الوبائي    محامي عائلة "محمد إينو" يعلن عن تطورات جديدة في ملف "القتل العمد ضد مجهول"    مهرجان سينما الشاطئ يحط الرحال بأكادير    بعد زيادتين متتاليتين.. انخفاض محدود في سعر الغازوال    تربية الأحياء المائية.. الوكالة الوطنية تنطلق في مراجعة المخططات الجهوية    صيادلة المغرب يحتجون بحمل الشارات السوداء ويهددون بالتصعيد ضد الوزارة (فيديو)    20 غشت.. ذكرى ثورة الملك والشعب    الألماني هانزي فليك يضغط على إدارة برشلونة لتسجيل مارتن    ارتفاع طفيف للدولار أمام العملات الرئيسية    دراسة: المعمرون فوق المئة أقل عرضة للإصابة بالأمراض المتعددة    البرغوثي المحرر من السجن في فلسطين ينضم إلى أزلام المطبعين مع الانحلال في المغرب    بطولة انجلترا: الاسكتلندي بن دوك ينتقل من ليفربول لبورنموث    أفغانستان.. زلزال بقوة 5,1 درجات يضرب منطقة هندوكوش    خبيرة أمريكية تكشف مدة النوم الضرورية للأطفال للتركيز والتفوق    "غوغل" تضيف تحديثات إلى تطبيق الترجمة    المغرب.. حين تُحلّق الطائرات محمّلة بالحياة نحو غزة    مؤسسة المهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية بطنجة تنعي الروائي الكبير صنع الله إبراهيم    مهرجان الشواطئ يواصل جولته ويشعل مرتيل والناظور والسعيدية    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في وداع صديقي وأخي المهندس الإِحصائي والسفير سي شوقي بنْعَزُّو


المَغْرب يَفْقِدُ عَالِمًا كبيرًا
فجأةً، نَزَلَ عليَّ النبأ كالصَّاعقة. ففي فصل بارد، شمسُه شاحبة، وتلقي فيه الجائحة بظلالها على المغرب وعلى العَالَم فتترك ضحاياها هنا وهناك، ويفقدُ الناسُ أقرَبَ النَّاس، آثَرَ صديقي وأخي سي شوقي بَنْعَزُّو أن يغادرنا إِلى دار البقاء متأثرًا بِعِلَّتِهِ ودائه العُضَال. وهاهو الحزنُ الشخصي يجتاحُني مثلما سيَجْتَاح عددًا من أقرباء الفقيد الكبير وأصدقائِهِ ورفاقِ طريقه مِمَّن اقتسموا معه مساره الدراسي والعِلْمي أو شاركُوهُ وشَارَكَهُم محطات الالتزام الوطني والسياسي الحزبي داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
كثيرٌ من مناضلينا ومناضلاتنا، خصوصًا من الأَجيال الجديدة، قد لا يعرفون من هو شوقي بِنْعزّو وما رصيدُهُ الفكري والعلمي والنضالي، لكنني أريد أن أقُولَ في بضْعِ كلماتٍ
مكثَّفَة إن المغرب يفقد برحيل الأَخ شوقي أحد علمائه وباحثيه الأَفذاذ مثلما تفقد الحركة الاتحادية مع غيابه أحد أبنائها الصادقين النزهاء المخلصين. ولكنها إِرادةُ اللَّه وقَضاؤُهُ
وقَدَرُهُ، وإن كانت ستظل للفقيد العزيز امتدادات في كتبه ودراساته وأبحاثه، خصوصا كتابه بالفرنسية حول: «المغرب في مواجهة الدَّيْن الخارجي: ميزان الأداءات والدين العمومي الخارجي ]1973-1983[.»(1987)، وكذا أعماله العلمية حول «الماء : التحدي المستمر» (1994)، والشراكة الأورو-متوسطية: أي آفاق؟ «كما سيظل له حضوره الراسخ في ذاكراتِ وذكريات زملائِهِ وطُلَّابِهِ في المعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، ثم لاحقًا في السلك الدبلوماسي عندما اختاره جلالة الملك الحسن الثاني رحمه لله أول سفير للمغرب في أندونيسيا.
لقد كان المرحوم شوقي بنْعَزّو صديقًا من أصدقائي الجديرين بالصداقة، وبالزَّمَالة العِلْمية والمعرفية، وبالرفقة في الأفكار والحياة. ورغم أن مسؤولياتنا وانشغالاتنا اليومية الأكثر إلحاحًا كانت تُباعد أحيانًا ما بين لقاءاتنا الثنائية، بقينا دائمًا على صِلَة. ومع أن أَقَاليمَ الجَسَد تبتعد، حين يصبح الدَّاء أقوى أَثرًا وتأثيرًا، لم تكن ساحةُ العقلِ والفكرِ والذاكرة لتفرغ من أصدقائه، فُرادَى وجماعات، فكان يسأل، ويحرص على التواصل والمواكبة والاطمئنان. فالمرحوم سي شوقي مهندس كبير من سلالةٍ وطنيةٍ مكناسية عريقة، تخصص في علوم الإِحصاء، ويعود إليه رحمه لله الفضل في تشييد مَعْلَمَةِ علمية وطنية هي المعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي في الستينيات الماضية، وتحمل مسؤولية إِدارة المعهد منذ سنة 1967 فجعل من هذه المؤسسة الجامعية منارةً في البحث الإحصائي والاقتصادي بل وكانَ حريصًا على ربط جدلي علمي رصين بين البحث العلمي وتكوين الأطر والكفاءات في هذا المجال. وفي هذا الاتجاه، اتخذ المرحوم العديد من المبادرات الثقافية والفكرية والإدارية، وبالخصوص إشرافه على مجموعات خاصة في البحث العلمي المُنْشَغل بسيرورةِ ومَآلِ الفكر الإِحصائي وتطبيقاته وعلاقاته بمسارات وآفاق اقتصادنا الوطني.
وأَذْكُر يومَ أشرفَ شوقي على مجموعة من البحوث العلمية المتعلقة بالاقتصاد الوطني أطلق عليها اسم «بانوراما المغرب الاقتصادية» Panorama économique du Maroc من بدايات الاستقلال إِلى الثمانينيات. وكانت الفكرةُ فِكْرتَه. كما كانت فكرة تحديثية للتأريخ والتراكم والترصيد وبناء ترسانة إحصائية وطنية تؤسس للمستقبل. وفي جوهر هذه الفكرة مثلما في عُمْقِ خياراتِهِ العِلْمية، كان شوقي مُؤْمنًا إيمانًا صادقًا راسخًا بأن الموارد البشرية هي الأَساس في التفكير والتخطيط. لقد اعْتبَرَ دائمًا أن العُنْصُرَ البشري رأسمالٌ حقيقي لبلادنا، وأنه يصْعُبُ بدون هذا الرأسمال أن نُطَوِّر البحث العلمي والمجال الاقتصادي والإِحصائي. ودائماً، للشهادة، كان أخونا الراحل يعتبر الموارد البشرية أهم من الموارد المادية ؛ وكان له تَصوُّرٌ جيد في هذا السياق.
كم كان تكوين الأجيال الجديدة والمتعددة في مجال الهندسة الإِحصائية يشغَلُهُ ويشَكّل أحد هواجِسِه كعالِم ومهندس وكرَجُل مسؤولية إدارية، فَراكَمَ الشراكات مع المؤسسات والبلدان الصديقة في العَالَم مثل كندا، الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا وأنجلترا، وأسس لتقاليد مغايرة في التعاون العلمي والانفتاح على التجارب الأخرى المتطورة، وظل يَسْتَلْهِمُ باستمرار من هذه التجارب أفكارًا وتدابير وخطوات في عمله وتصوراته ومبادراته. والحق أن شوقي رحمه لله كان يمتلك روح التَّواضُع الصادق، ويُحْسنُ الإِنصات للآخرين، ويحرص على أن يتكامل مع زملائه ورفاقه وأصدقائه. كما عَهِدْتُه دائمًا رجُلَ ممارسة لا يتكلم كثيرًا، وكان الفِعْلُ مزروعاً في دَمِهِ وروحِه وكيانه كلّه. ومنْ ثَمَّ عاش المعهد الوطني للإِحصاء في الرباط فَتْرتَهُ الذَّهبية تحت إِدارة شوقي بنعزّو وبإِشرافه وحضوره وأدَائِهِ وعطائه وتضحياته.
ونظرًا لتعدد اهتمامات الفقيد الكبير، فقد كان من الفعاليات الوطنية التي أسهمت بِقسْطٍ وَافرٍ في التفكير حول إِصلاح المؤسسة العمومية، خصوصًا مؤسسات القطاع العمومي أيام كان يُشْرِفُ على هذه المَهَمَّة الجسيمة سي عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب الحالي ورَجُل الاقتصاد المعروف.
وقد كان أخي شوقي بنعزُّو من هؤلاء الجامعيين والمثقفين الذين لا يقفون عند حدود الدرس الجامعي الرصين والقوي على أهميته العلمية والديداكتيكية بل كان من الذين يسهمون، فكريًا وعلميًا وتربويًا وبالممارسة الملموسة كذلك، آملين أن يغيِّروا ويطوِّروا قليلًا أو كثيرًا من أوضاع بلادهم، ويُحسِّنُوا القليل من حياة الناس وتوجُّهاتهم وأفكارهم في اتجاه المستقبل.
أَما بالنسبة لِلَّذِين واللَّائي لا يعرفون الخلفية النضالية الصادقة لأَخينا شوقي بَنْعزّو، يكفي أن أشير إِلى أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية رَشَّحَه في الانتخابات التشريعية سنة 1977، في مكناس يوم رشحَ الحزبُ عَدَدًا من أُطُرِهِ الفكرية والعلمية والجامعية في عدد من المدن الكبرى والصغرى لعل مفكرنا الكبير الأستاذ عبد لله العروي كان أشهرها حين رشحه الاتحاد آنذاك في الدار البيضاء. ولكن الظروف لم تكن هي الظروف، والشروط السائدة لم تكن قد نضجت بعد. ويكفي أن أستحضر من الذاكرة ما تَحمَّلهُ من مهام حزبية محلية وإقليمية في الرباط، خصوصًا في بدايات السبعينيات التي كان المغرب يعيش خلالها مرحلةً صعبةً وقاسيةً ومُكْلِفَة. يَوْمَها كان بيت شوقي بنعزّو شبه مقر حزبي يتردد عليه الأطر والقادة والمناضلون الاتحاديون بينهم للتذكير فحسب الإخوة عبد الواحد الراضي، الحبيب الشرقاوي،
محمد الحيحي، محمد الناصري والصادق العربي الشتوكي. وفي تلك الظروف، عاش شوقي بنعزّو رحمه لله محنة الاعتقال السياسي.
ويوم عيَّنَه جلالة الملك الراحل المرحوم الحسن الثاني سفيرًا في أندونيسيا كان الكثيرون يدركون أن الاقتراح كان اتحاديًا، وأن الشخص المقترح كان جديرًا بالتفاتةٍ وازنةٍ تُنْصِفُ الرّجُل وتستثمر كفاءَتَه وخِبْرَتَه ورصيدَه.
رحم لله أخي وصديقي العزيز سي شوقي بنعزّو وأكرَمَ مثواه، وجعله في جنةِ نعيمٍ مع النبيئين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقا. والعزاء الصادق بهذه المناسبة الأليمة لأسرة الراحل الصغيرة، خصوصًا رفيقة حياته الأخت مارية وابنتيه العزيزتين، وكذا جميع أفراد العائلة الكبرى من الأهل والأصدقاء ورفاق طريقه ومساره العلمي والمهني والدبلوماسي والنضالي.
إنّا لله وإِنّا إِليه راجعون.
(*) رئيس مجلس النواب – رئيس المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.