برقية تعزية ومواساة من الملك محمد السادس إلى أفراد أسرة المرحوم الفنان محمد الشوبي    أخنوش يطلق من الداخلة "مسار الإنجازات": أنجزنا في 4 سنوات ما عجزت عنه حكومات متعاقبة    الوافي: بنكيران لا يواكب المرحلة    توقيف شخص وحجز 4 أطنان و328 كلغ من مخدر الشيرا بأكادير    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    مجموعة أكديطال تعلن عن نجاح أول جراحة عن بُعد (تيليجراحة) في المغرب بين اثنين من مؤسساتها في الدار البيضاء والعيون    وصول 17 مهاجراً إلى إسبانيا على متن "فانتوم" انطلق من سواحل الحسيمة    العد التنازلي بدأ .. سعد لمجرد في مواجهة مصيره مجددا أمام القضاء الفرنسي    الملك: الراحل الشوبي ممثل مقتدر    الدرهم يرتفع بنسبة 0,18 في المائة مقابل الأورو    كلية العلوم والتقنيات بالحسيمة تحتضن أول مؤتمر دولي حول الطاقات المتجددة والبيئة    مؤسسات فلسطينية في اليوم العالمي لحرية الصحافة: نشهد أكثر مرحلة دموية بتاريخ الصحافة    الإمارات وعبث النظام الجزائري: من يصنع القرار ومن يختبئ خلف الشعارات؟    تير شتيغن يعود لحراسة مرمى برشلونة بعد غياب 7 أشهر بسبب الإصابة    دار الطالب بأولاد حمدان تحتضن بطولة مؤسسات الرعاية الاجتماعية    الإقبال على ماراثون "لندن 2026" يعد بمنافسة مليونية    العصبة تفرج عن برنامج الجولة ما قبل الأخيرة من البطولة الاحترافبة وسط صراع محتدم على البقاء    الملك محمد السادس يبارك عيد بولندا    الأزمي: لم تحترم إرادة الشعب في 2021 وحكومة أخنوش تدعم الكبار وتحتقر "الصغار"    إسرائيل تعيد رسم خطوط الاشتباك في سوريا .. ومخاوف من تصعيد مقصود    تونس: محكمة الإرهاب تصدر حكما بالسجن 34 سنة بحق رئيس الحكومة الأسبق علي العريض    كازاخستان تستأنف تصدير القمح إلى المغرب لأول مرة منذ عام 2008    بيزيد يسائل كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري حول وضعية مهني قوارب الصيد التقليدي بالجديدة    يونس مجاهد يكتب: حرية الصحافة المزعومة    الداخلة-وادي الذهب: البواري يتفقد مدى تقدم مشاريع كبرى للتنمية الفلاحية والبحرية    منحة مالية للاعبي الجيش الملكي مقابل الفوز على الوداد    أصيلة تسعى إلى الانضمام لشبكة المدن المبدعة لليونسكو    الكوكب يسعى لوقف نزيف النقاط أمام "الكاك"    اللحوم المستوردة في المغرب : هل تنجح المنافسة الأجنبية في خفض الأسعار؟    المغرب يطلق مشروعا كبيرا مع الولايات المتحدة لتصنيع مقاتلات F-16    استقدمها من علبة ليلية بأكادير.. توقيف شخص اعتدى على فتاة جنسيا باستعمال الضرب والجرح بسكين    "كان" الشباب: المنتخب المغربي ينهي تحضيراته استعدادا لمواجهة نيجيريا وسط شكوك حول مشاركة الزبيري وأيت بودلال    "هِمَمْ": أداء الحكومة لرواتب الصحفيين العاملين في المؤسسات الخاصة أدى إلى تدجينها    غوارديولا: سآخذ قسطًا من الراحة بعد نهاية عقدي مع مانشستر سيتي    كيوسك السبت | الحكومة تكشف بالأرقام تفاصيل دعم صغار الفلاحين و"الكسابة"    ألمانيا تهتز على وقع حادث دموي في شتوتغارت.. سيارة تدهس حشداً وتصيب 8 أشخاص    كبرى المرافئ الأميركية تعاني من حرب ترامب التجارية    الموت يغيّب المنتج المصري وليد مصطفى    زيارة صاحبة السمو الملكي الأميرة للا أسماء لجامعة غالوديت تعزز "العلاقات الممتازة" بين الولايات المتحدة والمغرب (الميداوي)    قصف منزل يخلف 11 قتيلا في غزة    توقيع اتفاقية إطار بشأن الشراكة والتعاون من أجل تطوير الحكومة الإلكترونية وتعميم استخدام ميزات الهوية الرقمية    حين تصبح الحياة لغزاً والموت خلاصاً… "ياقوت" تكشف أسراراً دفينة فيلم جديد للمخرج المصطفى بنوقاص    أشغال تجهيز وتهيئة محطة تحلية مياه البحر بالداخلة تبلغ نسبة 60 بالمائة    الفنان محمد الشوبي في ذمة الله    الصحة العالمية تحذر من تراجع التمويل الصحي عالميا    "إغلاق أخضر" في بورصة البيضاء    دراسة: هذه الأطعمة تزيد خطر الوفاة المبكرة    دراسة: مادة كيمياوية تُستخدم في صناعة البلاستيك قتلت 365 ألف شخص حول العالم    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    خُوسّيه سَارَامَاغُو.. من عاملٍ فى مصنعٍ للأقفال إلى جائزة نوبل    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بورتريه : في رحاب المسرحي المغربي والعربي الكبير الأستاذ الدكتور مصطفى رمضاني

صورة فوتوغرافية توثق للحظة فعل ، تبقى للتاريخ شاهدة على زمن أحد أعلام المسرح المغربي ، يظهر فيها بذراعين مفتوحين، تعكس سعة صدره ، وبزي أبيض أنيق ، يوحي بصفاء روحه ، يبعث على الاسترخاء والأريحية، ويعزز تلقائيته التي تجعله مستعدا للكتابة في كل آن.
الأستاذ الدكتور مصطفى رمضاني خلق لأن يكون مبدعا ، ويصبح علامة مميزة في عالم الركح.
لقد رأى النور في بيت مفعم بالألفة والمحبة ، يتواجد وسط حارة شعبية في قلب مدينة أبركان ، وقد كان تأثيرها عميقا على مساره الإبداعي.
أخذ عن والدته التشبث بالتقاليد و»النية»، وورث الاعتزاز بالنفس و الانتماء من والده الذي كان قريبا منه وهو طفل ، حيث كان يرافقه كل يوم ثلاثاء إلى السوق الأسبوعي الخاص بالمدينة ، فيجد نفسه في فضاء يعج بالحركة، يشعر وكأنه في مهرجان لتقديم الفرجة ، فكان ينتقل من حلقة إلى أخرى ، و يستمتع وهو يشاهد عروض الرقص أو الألعاب السحرية، أو ترويض الأفاعي على حركات الناي ، وكان يقف كثيرا عند حلقة القص الشعبي ، مما رسخ عنده حب الثقافة الشعبية ، وكبر معه هذا العشق ، فأضحى أحد الباحثين الأفذاذ في التراث اللامادي ، ولذلك تجد المسرح الاحتفالي يشكل عصب الأساس في سيرته.
بدأ مساره الفني بالموهبة ، حيث كان يشارك أقرانه في تقليد بعض وجوه الحلقة، ويؤلف نصوصا ، عبارة عن حوارات بسيطة ، ولكنها تتسم بعمق التعبير، وقوة الانفعالات وهو ما زال تلميذا ، يتابع دراسته في مدرسة قريبة من مسكن شقيقته الكبرى القريب آنذاك من دار الشباب ، مما شجعه على الانضمام إلى أحد انديتها الثقافية، ومن هنا بدأت حكايته التي لاتنتهي ، بطلها أكاديمي باحث،وعشيقته «الدراما «بعينها.
بعد دراسته الجامعيةالناجحة، استهلها بالدراسات الأدبية، و أنهاها متخصصا مسرحيا، و بشهادة دكتوراه الدولة ، مما أهله ليشغل منصب محاضر بجامعة محمد الأول ، ولكنه اختار أن يعيش المسرح تطبيقا و ممارسة، ولا يبقى عنده مجرد نظرية أكاديمية، فكتب نصوصا عديدة ، أشرف على إخراج البعض منها بنفسه ، وقدم جلها لغيره.
عزمه على النهوض بالمشهد المسرحي، دفعه إلى أن يصول ويجول في المغرب والمشرق لتقديم مسرحياته ، ولذلك أصبح وجها مألوفا عند المغاربة والمشارقة ، سيما وأنه يواظب على تأطير ورشات حول المسرح سواء في الداخل او خارج الوطن، و يحرص على مواكبة البرامج الثقافية التي تذاع ، وتعرض عبر القنوات التلفزية ، إذ يكون دائما فيها فاعلا مهما ، يؤخذ عنه الكثير لثقافته الواسعة ، وفصاحته وتمكنه من اختصاصه، مما يجعله مرحبا به و بنصوصه المسرحية في مختلف الأقطار ، وليس صدفة أن يتواجد أحد مؤلفاته في خزانة الكونغرس الأمريكي…
مظهره يعطي الانطباع بأنه جدي أكثر من اللازم ، لا تعرف الابتسامة طريقها إليه.إنه عكس ذلك ، فهو رجل وديع ومرح ، لكنه يأبى أن يخلط الجد بالهزل ، ولقد عبر عن ذلك من خلال نص مسرحي صدر له تحت عنوان» سوق مطيار؟» ، يتكون من ثلاثة فصول ، تغلب عليه الكوميديا السوداء.
يأتي هذا النص لينضاف إلى سلسلة من نصوصه المسرحية التي تزخر بالأحداث المثيرة ، وتتّسم بالمبالغة في التعبير عن العواطف والانفعالات ، حيث يختفي فيها الشخص الشرير ، وتتوالى فيها الوقائع المضحكة ، المفعمة بالسخرية ، سيما وأنه يحرص على مسرحة النكتة السياسية التي تعبر عن واقع المجتمع والاقتصاد ليستلهم منها مواضيع ذات طابع اجتماعي وإنساني ، يستحضر فيها وجوها ، من الممكن ان يكون قد صادفها في حياته.
لم تأخذ الأعوام من حيويته وحماسه شيئا ، حيث بعد تقاعده لازال يواصل تعزيز حضوره من خلال بحوث ونصوص ، يتم نشرها في بعض المجلات الثقافية المغربية والعربية ، وقد زادت سفرياته في السنوات الأخيرة إلى مصر، دون إغفال تلك الدعوات التي تأتيه بين الفينة والأخرى من القارة الأورووبية للمشاركة في بعض الندوات وإلقاء محاضرات تناسب المقام، فهو لا يصبو من خلال ذلك إلى السياحة ، بل يرى بأن الانفتاح على شعريات الحضارات الأخرى يساهم في تطور التجارب وأساليب الإبداع المسرحي لصناعة فرجة مقبولة ، تبعث على التفاعل والانفعال، و تجذب متلقيا صار حاليا أحد الفاعلين الذي ينبذ النمطية، ويفرض التجدد ، ومسايرة إيقاع عصر الذكاء الاصطناعي.
ومما لا يخفى على أحد، فإن هذا المبدع يعتبر رائد النقد المسرحي الاحتفالي ، ومن الأوائل الذين عملوا على إرساء الدرس المسرحي الأكاديمي بالجامعة المغربية.
إن ذكر هذه الأشياء ، يجعلنا نستحضر واقعة تدل على جرأته وحبه لكل جديد والتي لازالت راسخة في ذهن الفنان التشكيلي المغربي العالمي محمد سعود ،حيث لما كان طالبا و تقدم ببحث حول الخط العربي ، تناول فيه تجربة الخطاط العراقي العالمي حسن مسعودي ، لم يجد من الأساتذة المشرفين إلا الدكتور مصطفى رمضاني ، هذا الرجل الأبي الذي يؤمن بالمنافسة ويحترم فكر الآخر ورؤيته ، مما جعله يتوقف مرارا عند تجربة صديقه ، وابن بلدته عبد الكريم برشيد ، وزملائه المنتمين إلى المدرسة الاحتفالية ، حيث تناولها بتصور نقدي براغماتي محايد في دراساته الصحفية المختلفة.
يتحرك هذا الرجل في مساحة فنية شاسعة بعدد من الأرواح ، يكون إنسانا عاديا ، لكن سرعان ما يتحول إلى محاضر ومؤلف وناقد وباحث ومشاهد كذلك ، وذلك حسب المزاج.
إن هذا المقام لا يسع لذكر كل ما تتسم به شخصيته العلمية والأدبية من سمات مهيبة ، يطبعها التواضع والكرم .فحين تجالسه تشعر بتلقائيته و سخائه المعرفي والثقافي من غير أن يشعرك بأنه هو الأستاذ وأنت التلميذ.
إنه فعلا أستاذ بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، فقد كان له الفضل على الكثير من المبدعين الذين تتلمذوا على يده ، ولذلك يتم تكريمه أينما حل و ارتحل ، عرفانا لما بذله من أجل خدمة الدرس الأكاديمي الجامعي المغربي ، وذلك من خلال محاضراته ومداخلاته العميقة ، وعمله البيبليوغرافي الذي اغنى المخزون الثقافي والعلمي لطلبته.
يجب النظر إلى هذا المثقف بعين ثالثة لرصد حسه الجمالي الذي يمنحه القوة الإيجابية التي لا تنضب ، و يجعله يحس بالآخر، ويؤمن بثقافة الاختلاف والتعايش ، وعدم إقصاء الغير.إنه يمثل المثقف الذي تحدث عنه يوما القاص والمسرحي الروسي الشهير أنطون تشيخوف.ذلك المثقف الذي لايحاول التلاعب بالآخرين ، بل يسعى إلى إيجاد الحلول من خلال إنتاجاته الأدبية التي تتداخل في أجناسها القيم والمبادئ الثابتة.
لو لم يكن مصطفى رمضاني لما استطاع ان يصل إلى هذه المكانة المرموقة في الوسط الاجتماعي و العلمي والثقافي ، فهو لم يعش مراهقته كالآخرين ، فقد قضاها في التحصيل و منكبا على القراءة ، وقد كانت أنشطة دار الشباب تنسيه أن يمارس كرة القدم ، رياضته المفضلة مع أصدقائه الجيران الذين كانوا ينظرون إليه كإنسان سبق زمانه ، ولكن ذلك لم يمنعه آنذاك ان يكون أحد المدمنين في وقت فراغه على مشاهدة الأفلام السينيمائية التي ربته على حب التمثيل وأتاحت له الفرصة للتعرف على كبار المخرجين و الممثلين و العالميين عبر الشاشة الكبيرة، وجعلته كما صرح بذلك يحلم بأن يكون مثلهم في يوم من الأيام ، شأنه وشان أقرانه الفقراء ، مما انعكس على كتاباته المفعمة بعبق الطفولة والأمل.أمل يدفعه إلى تخصيص جانب من فنه لمخاطبة وجدان الجمهور وتقاسمهم حلمهم ، ويبث عندهم روح التفاؤل ، مما ينعكس على شخصيته الفذة التي تنبعث مع كل يوم جديد ، حيث يستيقظ بعزيمة أقوى لترسيخ ما للمسرح من دور في تهذيب النفوس وتربية الأجيال على التشبث بالأعراف و الاعتزاز بتاريخهم المجيد ، وصون تراثهم الثقافي ، ولذلك كان يبدو منتشيا في أحد البرامج التلفزية و هو يتحدث عن رقصة الركادة ، وهي رقصة شعبية حماسية، يحبها كثيرا ، تعبر عن الزهو و الانتصار ، خرجت من المنطقة الشرقية بنكهة بركانية خالصة، وتعدت الحدود لإيقاعها الرتيب الذي بات يلهم عددا لايستهان به من الفنانين في بقاع العالم.
إذا كان المسرح يعرف بأبي الفنون ، فإن هذا الرجل الجميل الذي يرأس فرقة المسرح الجامعي للبحث الدرامي سيبقى بالنسبة لنا أبانا الروحي و أستاذنا الجليل ، يلهمنا من أفكاره السامية والنيرة على الدوام ، وسنظل نطرق باب بيته الكائن بوجدة ، حيث يستقر مع أسرته الصغيرة بدون الاقتراب منه أكثر، خشية الدوس على ظله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.