نؤكد على انخراطنا المسؤول والمبدئي في بناء وحدة نقابية قوية، قادرة على مواجهة السياسات اللاشعبية أخواتي، إخواني، تحية نضالية عالية، مفعمة بالوفاء لتاريخ نضال الطبقة العاملة المغربية، وبالإصرار الثابت على مواصلة المسير النضالي من أجل مغرب الكرامة والعدالة الاجتماعية، بروح التحدي المتجدد، والعزيمة المتقدة، والإقبال على المستقبل بكل رهاناته، وإكراهاته، واستحقاقاته. نلتقي اليوم، كما في كل فاتح ماي، لا لنحتفل فحسب بهذا اليوم الأممي، بل لنُجدّد العهد مع دروب النضال، ولنرفع صوتنا الجماعي الصادق في وجه كل السياسات اللاشعبية، التي تُمعن بإصرار في تكريس التفاوتات، وتفكيك المكتسبات، وشرعنة الهشاشة والتهميش، والتخلي عن إقرار إصلاحات حقيقية وملموسة، تستجيب لانتظارات الشغيلة، وتنسجم مع شعار الدولة الاجتماعية. نلتقي في سياق دولي موسوم بالأزمات المتتالية المتشابكة، والحروب المدمّرة التي تحصد الأرواح وتزرع الفوضى، وتحكم الرأسمال المتوحّش في مصائر الشعوب ومقدرات الأمم، في غياب توازن قيمي وأخلاقي. وفي وجه هذا المد النيوليبرالي العابر للحدود، الذي يسعى إلى السيطرة على مقدرات الشعوب وحقوق العمال والكادحين، نجد أنفسنا، كحركة نقابية ديمقراطية وتقدمية، أمام مسؤولية تاريخية وأخلاقية تحتم علينا الوقوف صفًا واحدًا، وموقفًا موحدًا، من أجل نظام اقتصادي عالمي عادل ومتوازن، يحمي حقوق الشغيلة في كل مكان، ويعيد الاعتبار للعمل المنتج والكرامة الإنسانية، ويجعل من تثمين جهد العمل رافعة حقيقية وأساسية لبناء مجتمعات التقدم والمعرفة والعدالة. أخواتي، إخواني، يحل فاتح ماي هذه السنة، وآلة الحرب الصهيونية لا تزال مستمرة في حصد أرواح الأبرياء من المدنيين، وضحايا العدوان الغاشم من النساء والأطفال والشيوخ، ولا يسعنا، في هذه المناسبة الأممية، إلا أن نرفع صوتنا عاليًا تضامنًا مع الشعب الفلسطيني البطل، الذي يواجه أبشع أشكال القهر والظلم والتقتيل الجماعي، لنندّد بجرائم الاحتلال الصهيوني في غزة، وفي باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة، ونطالب بإلحاح بمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم أمام العدالة الدولية. إن القضية الفلسطينية ستظل، على الدوام، في قلب انشغالات الطبقة العاملة المغربية، بوصلةً أخلاقية ونضالية لا تحيد، ومرآة لقيمنا التحررية. ففلسطين ليست مجرد قضية جغرافية أو حدودية، بل هي قضية إنسانية كبرى، وقضية كرامة وحرية وعدالة، تمس ضمير الإنسانية جمعاء. ولا يفوتنا، في هذه المناسبة النضالية، أن نجدد التأكيد على انخراطنا الدائم والمسؤول في الدفاع عن وحدتنا الترابية، ودعمنا الكامل لمبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي واقعي للنزاع المفتعل، وتجنّدنا الدائم إلى جانب كل القوى الوطنية الحية لاستكمال السيادة الوطنية، على كل شبر من تراب هذا الوطن. فقضية الصحراء المغربية تظل في صلب ووجدان الشغيلة المغربية، نضالًا ووحدةً وسيادةً كاملة، منوهين، في هذا السياق، بمكتسبات الديبلوماسية المغربية بقيادة جلالة الملك محمد السادس، التي مكنت من حشد دعم المنتظم الدولي للمقترح المغربي، وكرست واقع مغربية الصحراء كحقيقة ثابتة وغير قابلة للارتداد. أخواتي، إخواني، إن الطبقة العاملة المغربية، التي تُعاني من الغلاء المستفحل، ومن هشاشة التشغيل، وتجميد الأجور، وتآكل المعاشات، وتردي شروط العيش الكريم، تجد نفسها اليوم في مواجهة مباشرة مع سياسات لا اجتماعية، لا تُعير اعتبارًا للعدالة الجبائية، ولا لكرامة الشغيلة، ولا للمطالب المشروعة للأجراء والموظفين. من هنا، نطالب، بكل إصرار، بزيادة عامة في الأجور والمعاشات، وبإصلاح جبائي عادل يُخفّف العبء عن الفئات المتوسطة والهشة، ويقرّ ضريبة على الثروة، ويضمن عدالة ضريبية حقيقية تحفظ كرامة المواطن وتوزع العبء بشكل منصف ومتوازن. كما نرفض بشكل قاطع، لا لبس فيه، الإصلاحات المقياسية لأنظمة التقاعد، التي تحمّل الأجير وحده كلفة العجز، وندعو إلى إصلاح شامل، عادل، وتشاركي، يعيد الاعتبار لمكتسبات الأجراء، ويوفر ضمانات حقيقية للمستقبل، في إطار من التوازن والاستدامة والعدالة الاجتماعية. نقولها بصوت واضح وجريء: وإذ نجدد موقفنا الرافض لقانون الإضراب، الذي يُفرغ الحق الدستوري في الإضراب من مضمونه، ويحيطه بعدد من الإجراءات المعطلة لممارسته، فإننا نعلن رفضنا القاطع لكل محاولات تكميم الصوت النقابي، وفصل الحركة النقابية عن مهامها الأصيلة في الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة المغربية، ومستلزمات عيشها الكريم، وأيضا وهذا هو الأهم عن دورها في بناء مغرب ديمقراطي تتكافأ فيه الفرص، وتتحقق فيه العدالة الاجتماعية للجميع. كما نغتنم هذه المناسبة النضالية لنُجدّد مطالبتنا الصريحة بإقرار قانون للنقابات، يُكرّس التعددية، ويحترم الاستقلالية، ويُهيكل الحقل النقابي على أسس ديمقراطية وتمثيلية شفافة، ويقطع مع منطق الفوضى والتسيب، التي تسيء اليوم للفعل النقابي الجاد، وتُفرغه من كل آليات العمل المنتج، والمحقق للغايات التي رسمها الدستور للنقابات العمالية، باعتبارها شريكًا أساسيًا في البناء الديمقراطي والاجتماعي. أخواتي، إخواني، ونحن نتابع تدبير ورش الحماية الاجتماعية، وما يواكبه من تخبط في التنزيل، وغياب فعالية حقيقية في ضمان استفادة الفئات الهشة من تغطية صحية لائقة، ومواكبة اجتماعية عادلة، ودخل كريم ومنصف، فإننا نؤكد، مرة أخرى، أنه لا يمكن بناء دولة اجتماعية حقيقية، دون إشراك فعلي للشغيلة في صياغة السياسات العمومية، ودون إنصات جاد لنبض المجتمع، والتقاط دقيق لتطلعاته الراهنة والملحة. إن الحماية الاجتماعية، باعتبارها مشروعًا وطنيًا كبيرًا، لا بد وأن تشمل ضمانات حقيقية للعمال في قطاعات الصحة، والتعليم، والسكن، وأن تعتمد على إرادة سياسية حقيقية، تضع الإنسان في قلب النموذج التنموي، وتكرس أولوية الاستثمار في الرأس المال البشري، باعتباره جوهر التنمية. ونُعلن، من منابر فاتح ماي، رفضنا التام والمبدئي لخوصصة قطاعي التعليم والصحة، وتشبثنا الراسخ بكون هذين القطاعين الحيويين ركيزتين أساسيتين للعدالة الاجتماعية، وحقًا إنسانيًا أصيلًا غير قابل للتفويت أو المساومة أو التراجع. وعلى مستوى الحوار الاجتماعي، فإننا نؤكد أن صيغته الحالية لا تستجيب لانتظارات الشغيلة، ولا ترقى إلى حجم التحديات الوطنية والقطاعية المتراكمة. ونعتبر أن مأسسة الحوار تمرُّ، بالضرورة، عبر نص قانوني يؤطرها أفقياً وعمودياً، ويُجدِّد أجندتها، ويرسِّخ إلزاميتها، ويضمن فعالية مخرجاتها. وفي هذا السياق، نسجل أن ما تضمنه بلاغ الحكومة بشأن جولة أبريل من الحوار الاجتماعي، ورغم ما حاول إبرازه من منجزات وإجراءات، لا يعكس حقيقة الانتظارات العمالية العميقة، بل يُكرّس منطق المقاربات التجزيئية، والترويج لأرقام لا تمس جوهر القضايا المطلبية، وعلى رأسها العدالة الأجرية، وتوحيد الحد الأدنى للأجور، وتحسين شروط الترقية والحماية الاجتماعية. وإذ تؤكد الفيدرالية الديمقراطية للشغل أن الحوار الاجتماعي لا يمكن أن يُختزل في بلاغات تقنية أو تدابير أحادية الجانب، فإنها تشدد، بكل وضوح، على ضرورة بنائه على تفاوض حقيقي، يُفضي إلى اتفاقات ملزمة، تُصان بها كرامة الشغيلة، وتُستعاد بها الثقة في المؤسسات، ويُبنى من خلالها تعاقد اجتماعي جديد. ونجدد التأكيد، في هذا المقام، أن تغييب الفيدرالية الديمقراطية للشغل عن هذا الحوار، رغم تمثيليتها الوازنة في قطاعات واسعة في الوظيفة العمومية، وفي قطاعات استراتيجية أساسية، يُعد انتهاكًا لروح الشراكة، ومسًا بمبادئ الديمقراطية التشاركية، وتأويلاً غير موضوعي لمنطق التمثيلية، ومن هنا نطالب بحوار اجتماعي فعلي، مؤسّس، وتفاوضي، ينطلق من احترام النقابات الجادة، ويُعزّز العدالة الاجتماعية. كما نؤكد على انخراطنا المسؤول والمبدئي في بناء وحدة نقابية قوية، قادرة على مواجهة السياسات اللاشعبية، واسترجاع المبادرة النضالية، دفاعًا عن كرامة الأجير، وحقوقه المشروعة، وحقه في العيش الكريم. ومن منطلق اعتبارنا الفعل النقابي، في مرجعيتنا، ليس فقط وسيلة للمطالبة، بل رافعة للتحول الديمقراطي، وبناء الدولة الاجتماعية، فإننا نؤكد على انخراطنا في هذا البناء، منفتحين على كل القوى التي تشاركنا نفس الطموح والمشروع، وتتقاطع معنا في المرجعية الاجتماعية الديمقراطية، وفي الالتزام التاريخي بقضايا الشغيلة، وعموم الكادحين، وفي مقدمتهم شركاؤنا الاستراتيجيون في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. إن هذه العلاقة المبدئية، المتجذّرة في النضال المشترك، تظل ركيزة من ركائز فعلنا النقابي الوحدوي، ومجالا لتكامل الأدوار السياسية والنقابية في معركة البناء الديمقراطي، والتنمية الشاملة والعادلة. أخواتي، إخواني، إن النضال من أجل الكرامة لا يختزل في رفع الشعارات فقط، بل يتطلب تنظيمًا محكمًا، وتعبئة جماعية، وصمودًا طويل النفس. فلنجعل من فاتح ماي 2025 محطة نضالية متميزة، للتعبير عن رفضنا الجماعي لكل أشكال التفقير، والتهميش، والتراجعات. ولنجعل من صوتنا الجماعي قوة اقتراح، واحتجاج، ومساءلة. لا تنازل، لا تراجع، لا مساومة على الحقوق العادلة والمشروعة. عاشت الطبقة العاملة المغربية عاشت الفيدرالية الديمقراطية للشغل نقابة وحدوية، تقدمية، مستقلة المكتب المركزي