في موكب جنائزي مؤثر، شيع جثمان الفقيدة دة. عتيقة زيوي، يوم الأحد 17 غشت 2025، إلى مثواه الأخير بمقبرة الرحمة بخريبكة، في حضور أفراد عائلتها ومعارفها، إلى جانب وجوه بارزة من المجتمع المدني والسياسي والنقابي والحقوقي والإعلامي والجامعي والاقتصادي، في مشهد يجسد مكانتها المرموقة في الحقل النقابي والسياسي والنسائي، حين اختارت أن تجعل من مسارها المدني وسيلة لفهم قضايا مجتمعية كبرى ترتبط بالهوية والتنمية والحقوق، بإقليمخريبكة، بل بجهة بني ملال – خنيفرة عموما. وقد حصلت الفقيدة على شهادة الماستر في المجال والتراث والتنمية الجهوية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال، ببحث حول: "التراث المنجمي بمنطقة خريبكة – جرد وتصنيف لأربعة مراكز منجمية"، وهو موضوع لم يكن اختياريا فحسب، بل جاء من صميم الانتماء إلى منطقة تعد من أكبر مصادر الفوسفاط على الصعيدين الوطني والعالمي، ما منح بحثها قيمة علمية خاصة لكونه انفتح على دراسة الموروث المنجمي وإدماجه ضمن مقاربة تنموية وثقافية جديدة باتجاه قراءة الذاكرة المكانية والاجتماعية لهذه المراكز. واصلت الفقيدة مسارها العلمي بتتويج مجهودها الأكاديمي بالحصول على شهادة الدكتوراه في الجغرافيا من جامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال بميزة مشرف جدا، في موضوع: "الهجرة النسائية: المسارات واستراتيجيات المهاجرات وانعكاساتها السوسيو-اقتصادية، حالة مدينتي خريبكة ووادي زم"، وهو بحث يعكس اهتمامها بقضايا الهجرة والتنمية، في ارتباط مباشر بواقع الإقليم ومحيطه الجهوي، وإلى جانب مسيرتها العلمية، اشتغلت الراحلة بالكلية المتعددة التخصصات بخريبكة. وكانت قد بصمت حضورها القوي من خلال توليها مهمة كاتبة فرع النقابة الوطنية للتعليم (الفيدرالية الديمقراطية للشغل) بالكلية المذكورة، وعضويتها في المجلس الوطني للنقابة، إضافة إلى عضويتها في المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حيث مثلت الحزب داخل مجلس جهة بني ملال – خنيفرة، وانتخبت سنة 2018 نائبة لرئيس لجنة التنمية القروية والسياحة الجبلية، وأمام اهتمامها بشؤون المرأة جرى انتخابها نائبة للكاتبة الجهوية ل "منظمة النساء الاتحاديات" بالجهة. وعلى خلفية ارتباط اسمها ارتباطا وثيقا بالدفاع عن قضايا النساء، ورئاستها ل "اتحاد العمل النسائي"، بخريبكة، بصمت سنة 2014 حدثا لافتا من خلال إشرافها على افتتاح المقر الجديد لهذا الاتحاد النسائي بحي القدس، وأكدت وقتها أن هذا الفضاء سيكون متميزا لخدمة النساء وقضاياهن الحقوقية والإبداعية، وتلقي الشكايات ومعالجتها عبر قنوات الإنصات والتوجيه والتأطير، فيما لم يفت مصادر من "رابطة كاتبات المغرب" الإشارة إلى أن الفقيدة كانت متحمسة جدا لتأسيس فرع لهذه الرابطة بخريبكة. يبقى التذكير أيضا بأن الراحلة هي رفيقة عمر المناضل إدريس السالك، الذي يعد واحدا من أبرز الوجوه المدنية والسياسية والنقابية والإعلامية في صفوف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والفيدرالية الديمقراطية للشغل، سواء على المستوى الجهوي أو الوطني، حيث ارتبط اسمه دوما بالحضور الفاعل في مختلف اللقاءات والمعارك والحوارات، دفاعا عن قضايا التعليم وحقوق العاملين فيه، إلى جانب انخراطه المستمر في ملفات سياسية واجتماعية واقتصادية، ما جعله فاعلا أساسيا في الحقل النقابي والسياسي. لقد عُرفت عتيقة زيوي بمواقفها الصلبة ودفاعها عن الحقوق الاجتماعية والسياسية، كما كرست مجهودا كبيرا في خدمة قضايا التنمية المحلية من خلال مقاربات علمية واجتماعية جعلت منها صوتا مسموعا في قضايا الهجرة والتنمية الجهوية، خصوصا في إقليم الفوسفاط خريبكة، وبرحيلها، فقدت الساحة الأكاديمية والنقابية والسياسية شخصية استثنائية طبعت مسارها بالحزم والالتزام، وبقدر ما تركت اسما وازنا خلفت إرثا معنويا سيظل شاهدا على نضالها وتضحياتها.