وجه محمد بنعليلو، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، انتقادات واضحة وصريحة للبطء في تنزيل النصوص القانونية المتعلقة بالشفافية والنزاهة، مؤكدا أن المغرب ما زال يعيش فجوة بين المعايير والممارسة، وبين القوانين والتطبيق، وهو ما يجعل التحسن الكمي في مؤشرات النزاهة غير مصحوب بتحسن نوعي في الأداء الإداري ولا في مستوى الثقة العامة بالمؤسسات. بنعليلو الذي كان يتحدث في اليوم الثاني من المؤتمر الإقليمي حول النزاهة العامة في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وإفريقيا المنعقد بالرباط يوم 29 أكتوبر 2025، شدد على أن الانتقال من مرحلة النصوص إلى مرحلة الأثر الملموس ما زال يتطلب جهدا جماعيا مضاعفا وانخراطا أعمق من مختلف الفاعلين العموميين، مشيرا إلى أن التحدي اليوم لم يعد في سن القوانين ولا في صياغة الاستراتيجيات، بل في ضمان فعاليتها العملية وقدرتها على التأثير في سلوك المؤسسات والإدارات. وانتقد رئيس الهيئة الوطنية ضعف تفعيل بعض الأطر القانونية التي تهدد شفافية القرار العمومي وتجعل هذا الأخير عرضة للتأثيرات غير المشروعة وتضارب المصالح، معتبرا أن الخلل لا يكمن في النصوص بل في ضعف مراقبتها وإنفاذها. وأضاف بنعليلو أن بناء ثقافة الشفافية ما يزال في بداياته، حيث تتعامل بعض الإدارات مع الحق في الحصول على المعلومة كاستثناء لا كقاعدة، ومع النشر الاستباقي كخيار تطوعي لا كواجب مؤسساتي. وفي قراءته لتقرير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، أكد بنعليلو أن هذه الوثيقة، رغم إشارتها إلى جهود إيجابية في مجالات متعددة، تكشف في المقابل عن ثغرات تستدعي وقفة نقد ذاتي ومسؤولية مشتركة، مشيرا إلى أن اللحظة الراهنة تفرض مراجعة عميقة وتعبئة مؤسساتية لتجاوز الفجوات وتحقيق انسجام بين التشريعات والممارسة. واستشهد بنعليلو بالخطاب الملكي الذي حذر من اختزال الفساد في بعده الأخلاقي، مذكرا بأن الفساد يشكل عبئا اقتصاديا يثقل كاهل المواطنين ويقوض سيادة القانون ويؤدي إلى تردي جودة العيش، مؤكدا أن محاربته ليست معركة أخلاقية فحسب، بل هي معركة من أجل سيادة القانون وكرامة المواطن. وأوضح رئيس الهيئة أن التطور الحقيقي لا يقاس بعدد النصوص أو المشاريع، بل بمدى قدرتها على تغيير السلوك الإداري وترسيخ ثقافة الإنصاف والشفافية، داعيا إلى جعل اللقاء مناسبة للمساءلة الجماعية لا للاحتفال بالأرقام، ومشددا على أن الهيئة لن تكتفي بالإشادة بالنتائج بل ستواصل الرصد والتقييم والتوجيه بكل استقلالية ومسؤولية، وبروح من التعاون البناء مع كل القطاعات الحكومية وهيئات المجتمع المدني. وأكد بنعليلو على أن المغرب يتوفر على الرصيد المؤسساتي والإرادة السياسية اللازمة ليكون نموذجا إقليميا في ربط النزاهة بالتنمية، لكنه لن يبلغ هذا الهدف إلا إذا امتلكنا الشجاعة على الاعتراف بالثغرات والإرادة في تجاوزها والمسؤولية في تحويل النتائج إلى التزامات حقيقية، داعيا إلى الانتقال من مقاومة الفساد إلى بناء النزاهة كمنظومة متكاملة تصان داخلها القيم وتكرس فيها الثقة كأحد أعمدة الدولة الحديثة.