شكلت التساقطات المطرية والثلجية التي عرفتها مختلف جهات المملكة خلال الأسابيع الأخيرة مؤشرا لافتا على تحسن نسبي في الوضعية المائية، بعد سنوات متتالية من الإجهاد المائي وتراجع المخزونات الاستراتيجية. فالأرقام المحينة إلى غاية يوم الأربعاء 24 دجنبر تعكس هذا التحول بوضوح، حيث تناهز الموارد المائية المتوفرة بالسدود حوالي 5821 مليون متر مكعب، لترتفع النسبة الإجمالية لملء السدود على الصعيد الوطني إلى 34.7 في المائة، في وقت كانت فيه هذه النسبة، خلال فترات سابقة، لا تتجاوز عتبات مقلقة. وخلال أربع وعشرين ساعة فقط، سجلت عدة منشآت مائية واردات مهمة، كان لها أثر مباشر على رفع منسوب الحقينات وتحسين مؤشرات الأمن المائي بعدد من الأقاليم. فقد عرف سد الوحدة، بإقليم تاونات، أعلى زيادة في الواردات المائية بلغت 28.4 مليون متر مكعب، لترتفع نسبة ملئه إلى 44.1 في المائة، وهو ما يعزز مخزون هذا السد الذي يعد من الركائز الأساسية في منظومة تدبير الموارد المائية بالمغرب، بالنظر إلى دوره في تزويد مناطق واسعة بالماء الصالح للشرب ومياه السقي. وفي شمال المملكة، سجل سد وادي المخازن بإقليم العرائش ارتفاعا ملحوظا في موارده بلغ 22.9 مليون متر مكعب، لترتفع نسبة الملء إلى 81 في المائة، ما يعكس وضعية مائية مريحة نسبيا، مقارنة بسنوات الجفاف الحاد. كما عرف سد سيدي محمد بن عبد الله، الذي يزود الرباط وسلا والمناطق المجاورة، واردات إضافية في حدود 15.4 مليون متر مكعب، لترتفع نسبة ملئه إلى 82.8 في المائة، وهو تطور يكتسي أهمية خاصة بالنظر إلى الضغط الكبير على الموارد المائية بهذه الجهة. وسجلت منشآت أخرى، وإن بوتيرة أقل، تحسنا ملموسا، من قبيل سد دار خروفة الذي ارتفعت موارده ب7.4 ملايين متر مكعب، وسد الشريف الإدريسي بإقليم تطوان الذي بلغ نسبة ملء كاملة، وسد محمد الخامس بجهة الشرق الذي ارتفعت نسبة ملئه إلى 24.3 في المائة. ورغم تفاوت هذه النسب بين سد وآخر، فإن القاسم المشترك بينها يتمثل في الأثر الإيجابي المباشر للتساقطات الأخيرة، التي أعادت بعض التوازن إلى الدورة المائية، ولو بشكل جزئي. ولا يقتصر هذا الأثر على الأمطار فقط، بل يمتد بقوة إلى التساقطات الثلجية التي عرفتها المناطق الجبلية، والتي تشكل خزانا طبيعيا استراتيجيا للمياه. فحسب معطيات المديرية العامة للأرصاد الجوية، بلغت المساحة الإجمالية المغطاة بالثلوج إلى حدود 17 دجنبر حوالي 54084 كيلومترا مربعا، وهي مساحة تعادل تقريبا مساحة دولة أوروبية كاملة مثل كرواتيا، ما يمنح فكرة دقيقة عن حجم هذه الكتلة الثلجية وأهميتها الهيدرولوجية. وتكتسي هذه الثلوج دورا محوريا في تغذية الفرشات المائية والأنهار على المدى المتوسط، إذ تذوب تدريجيا مع ارتفاع درجات الحرارة، مما يضمن استمرارية الجريان المائي خلال فترات لاحقة. وتأتي هذه المعطيات في سياق تنفيذ اختيارات استراتيجية تروم تعزيز العرض المائي، حيث تم خلال السنوات الأخيرة تسريع وتيرة إنجاز السدود الكبرى، انسجاما مع التوجيهات الملكية السامية الرامية إلى تأمين حاجيات البلاد من الماء في ظل التغيرات المناخية. وقد تم بالفعل إنجاز مجموعة من السدود بعدة أقاليم، بطاقة استيعابية مهمة، إلى جانب الشروع في الملء الاستباقي لبعضها، فيما يوجد حاليا 15 سدا في طور الإنجاز، مع برمجة ملء سدود جديدة خلال السنة المقبلة. كما تمت مراجعة برنامج السدود الصغرى، مع التركيز على منشآت ذات قدرة تعبئة تناهز مليون متر مكعب، وبمواصفات تقنية تسمح بإنجازها في آجال أقصر، رغم الإكراهات المرتبطة بالعقار والتمويل. ويعكس هذا التوجه وعيا متزايدا بضرورة تنويع الحلول وعدم الاكتفاء بالمشاريع الكبرى، خاصة في المناطق القروية والجبلية التي تعاني من هشاشة التزود بالماء.