تتوجه أنظار عشاق السينما الى مدينة طنجة، التي احتضنت اليوم الجمعة حفل افتتاح الدورة الخامسة والعشرين للمهرجان الوطني للفيلم، بمشاركة 60 فيلما تتنافس ضمن أربع مسابقات رسمية، في أجواء تجمع بين الاحتفاء بالرواد السينمائيين الوطنيين والانفتاح على تجارب الشباب المبدع. وتتميز هذه الدورة بأجواء استثنائية تمزج بين تكريم رواد السينما المغربية الذين تركوا بصماتهم في تاريخ الفن السابع، والانفتاح على التجارب الجديدة والمبدعة للشباب السينمائي، ما يجعلها منصة للإبداع والتبادل الفني بين الأجيال. و قدم حفل افتتاح الدورة الخامسة والعشرين للمهرجان الوطني للفيلم اليوم تكريما خاصا لأحمد المعنوني، وهو أحد رواد السينما المغربية، الذي بدأ مشواره الفني في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، تاركا من خلال مسيرته الطويلة بصمة واضحة في تطوير الصناعة السينمائية الوطنية، عبر أعمال جمعت بين العمق الاجتماعي والإبداع الفني والواقعية التعبيرية. ويعد أحمد المعنوني مخرجا ومصورا سينمائيا وكاتبا مسرحيا ومنتج أفلام، صاحب مجموعة من الأعمال التي أصبحت علامات بارزة في تاريخ السينما المغربية. كما كان عضوا مؤسسا لجمعية السينمائيين العرب بفرنسا وممثلا لأوروبا في الغرفة المغربية لمنتجي الأفلام. و انطلقت مسيرته الفنية بوسائل بسيطة، قبل أن يبدع تحفتيه الشهيرتين "الحال" و"آليام آليام" بين سنتي 1979 و1982، والتي ساهمت في دفع السينما المغربية من نطاق محلي إلى العالمية، مستفيدة من التراث الثقافي والشعبي والموسيقي والغنائي للمغرب، وهو ما يعكس ذكاءه الفني وقدرته على المزج بين الأصالة والابتكار السينمائي الحديث. وتتميز هذه الدورة كذلك، التي ينظمها المركز السينمائي المغربي، أيضا بتكريم أسماء لامعة بصمت تاريخ الفن السابع بالمغرب، مثل الفنان والإعلامي الراحل علي حسن والممثلة القديرة فاطمة عاطف، ما يعكس تقديرا للإسهامات التاريخية التي ساهمت في بناء السينما المغربية الحديثة. ويرأس لجان تحكيم المسابقات الرسمية نخبة من السينمائيين المغاربة والعرب، حيث يقود المخرج حكيم بلعباس لجنة تحكيم الأفلام الطويلة الروائية، ويشارك في عضويتها كل من الممثلة نادية كوندي، والمخرجة ياسمين بنكيران، والمنتجة مريم لي أبو النعوم، والكاتب عبد القادر الشاوي، ومدير التصوير التونسي أمين مسعدي، والمخرج كمال لزرق. كما يترأس لجان تحكيم الفئات الأخرى كل من محمد العبوديوحليمة الورديغي ومولاي الطيب بوحنانة، ما يعكس التوازن بين التجربة والخبرة والانفتاح على الأصوات السينمائية الجديدة. ويعد المهرجان الوطني للفيلم منصة متكاملة، تجمع بين المنافسة الفنية والملتقيات الفكرية، حيث يتضمن برنامج الدورة ندوات وورشات حول السينما والتقنيات الحديثة والتحولات الرقمية في الصناعة السينمائية، ما يتيح للمشاركين فرصة الاطلاع على أحدث الاتجاهات ومناقشة القضايا المتعلقة بالإبداع السينمائي في المغرب وإفريقيا والعالم العربي. أما مسابقة الأفلام الطويلة الروائية، فتشهد منافسة شديدة بين عشرة أفلام تتنوع بين الدراما الإنسانية والخيال والقصص الاجتماعية، ومنها: "افريكا بلانكا" لعز العرب العلوي، عن شاب سنغالي وأمهق يهربان من الاضطهاد والتقاليد البالية. "أتومان" لأنور معتصم، قصة أول بطل خارق مغربي في مواجهة قوى الشر. "أوتيستو" لجيروم كوهن أوليفار، دراما أم تواجه قرار إدخال ابنها المصاب بالتوحد إلى مؤسسة متخصصة. "شذرات" لجنان فاتن محمدي وعبد الإله زيراط، ثلاث حكايات مترابطة بين مكناس والرباط تستكشف الذاكرة والحب وأسرار الماضي. "في حب تودا" لنبيل عيوش، رحلة فتاة تحلم بأن تصبح "شيخة" حقيقية وتغادر بلدتها نحو الدارالبيضاء. "عزيزي الصغير" لكريمة كنوني، رحلة شابة لتهريب أخيها المصاب بالتوحد، لتكتشف معنى الحرية والحب. "حرب الستة أشهر" للجيلالي فرحاتي، قصة حب بين شابين من ديانتين مختلفتين تواجهها عقبات اجتماعية وعائلية. "المرجا الزرقا" لداوود أولاد السيد، رحلة طفل فاقد للبصر يكتشف العالم من خلال كاميرا. "الوصايا" لسناء عكرود، امرأة تواجه معركة قضائية وتكتب وصاياها التسع للنساء. "حب في الداخلة" لخالد براهيمي، شابتان تبحثان عن السلام الداخلي وسط طبيعة الداخلة الساحرة. ويحمل الملصق الرسمي للدورة الخامسة والعشرين رمزية خاصة، حيث جاء تكريما للفيلم المغربي البارز "ابن السبيل"، اعترافا بالفنان الراحل علي حسن، كما يمثل تحية لرواد آخرين مثل نور الدين الصايل، المنتج وكاتب السيناريو، ومؤسس مهرجان خريبكة للسينما الإفريقية، رمزا للتاريخ الفني الوطني الذي ساهم في بناء البنية التحتية للسينما المغربية. وفي كلمة افتتاحية، شدد مدير المركز السينمائي المغربي على أن الدورة الخامسة والعشرين للمهرجان لا تمثل مجرد احتفال سنوي، بل منصة لتشجيع المواهب الشابة، ودعم الإنتاج الوطني، وتعزيز التبادل الفني والثقافي بين السينمائيين المغاربة والعرب والأفارقة، مع التأكيد على دور السينما في تعزيز الهوية الوطنية ونقل رسالة المغرب الثقافية إلى العالم. وبهذا، تؤكد طنجة مكانتها كعاصمة للسينما المغربية، حيث يمتزج الوفاء للماضي بروح الإبداع المتجدد، ويصبح المهرجان منبرا حقيقيا لتعزيز التنوع الفني والمنافسة الشريفة، مع فتح المجال أمام السينمائيين الشباب لاستكشاف آفاق جديدة، وإثراء المشهد السينمائي الوطني برسائل ثقافية وفنية حية تعكس دينامية المغرب السينمائية على مستوى القارة الإفريقية والعالم العربي.