نشرة إنذارية: موجة حر مع الشركي وزخات رعدية مرتقبة من الجمعة إلى الثلاثاء    مقاييس الأمطار المسجَّلة بطنجة ومناطق أخرى خلال ال24 ساعة الماضية    وفاة الفنان المصري سيد صادق    الاحتفال باليوم الوطني للمغاربة المقيمين بالخارج تحت شعار "ورش الرقمنة: تعزيز لخدمات القرب الموجهة لمغاربة العالم"    في منشور موجه لأعضاء الحكومة.. أخنوش يكشف عن معالم مشروع قانون المالية 2026    السلطات تحجز بالفنيدق طنا من البطاطس مجهولة المصدر وغير صالحة للاستهلاك    حماس: "احتلال غزة" جريمة مكتملة    قتيل بضربة اسرائيلية على جنوب لبنان    مدافع برشلونة إينيغو مارتينيز في طريقه إلى النصر السعودي    بطولة إسبانيا.. ليفاندوفسكي مهدد بالغياب عن افتتاحية الموسم بسبب الاصابة        الولاة يحصلون على صلاحية الترخيص بنقل الأسلحة والتجهيزات الدفاعية    لطيفة رأفت تعلق على "إلغاء حفلين"    النجم الحساني سعيد الشرادي يغرد بمغربية الصحراء في مهرجان "راب افريكا"        المغرب بين أكبر خمس دول مصدرة للتوت الأزرق في العالم    العربيّ المسّاري فى ذكرىَ رحيله العاشرة    سان جرمان يتوصل الى اتفاق مع ليل لضم حارسه لوكا شوفالييه        واشنطن تعلن عن جائزة 50 مليون دولار مقابل معلومات للقبض على الرئيس الفنزويلي        "أوبن إيه آي" تقوي الذكاء الاصطناعي التوليدي    وقفة احتجاجية بمكناس تنديدا ب"سياسة التجويع" الإسرائيلية في غزة    مئات الأطباء المغاربة يضربون عن الطعام احتجاجا على تجويع إسرائيل لغزة    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    الفرقة الوطنية تستدعي الكاتب العام لعمالة تارودانت على خلفية شكاية البرلماني الفايق    العقود الآجلة للذهب تقفز إلى مستويات قياسية بعد تقارير عن رسوم جمركية أمريكية على السبائك    المؤشرات الخضراء تسيطر على افتتاح بورصة الدار البيضاء    مسؤول أممي يرفض "احتلال غزة"    مدرب الرجاء يمنح فرصة لأبريغوف    الدرهم المغربي بين الطموح والانفتاح النقدي... هل يطرق أبواب "العملات الصعبة"؟    كتاب إسباني يفجر جدلاً واسعاً حول علاقة مزعومة بين الملك فيليبي السادس وشاب مغربي بمراكش (صورة)    المغرب على رادار البنتاغون... قرار أمريكي قد يغيّر خريطة الأمن في إفريقيا    كيوسك الجمعة | المغرب يحرز تقدما كبيرا في الأمن الغذائي    المال والسلطة… مشاهد الاستفزاز النيوليبرالي    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    عمليتا توظيف مالي لفائض الخزينة    ضمنهم حكيمي وبونو.. المرشحين للكرة الذهبية 2025    المنتخب المغربي المحلي يستعد لمواجهة كينيا    تدخل أمني بمنطقة الروكسي بطنجة بعد بث فيديو يوثق التوقف العشوائي فوق الأرصفة    الوداد يعقد الجمع العام في شتنبر        الملك كضامن للديمقراطية وتأمين نزاهة الانتخابات وتعزيز الثقة في المؤسسات    الماء أولا... لا تنمية تحت العطش    تيمة الموت في قصص « الموتى لا يعودون » للبشير الأزمي    لسنا في حاجة إلى المزيد من هدر الزمن السياسي        صيف شفشاون 2025.. المدينة الزرقاء تحتفي بزوارها ببرنامج ثقافي وفني متنوع    المغرب يواجه ضغوطا لتعقيم الكلاب الضالة بدل قتلها    تسجيل 4 وفيات بداء السعار في المغرب خلال أشهر قليلة    "دراسة": تعرض الأطفال طويلا للشاشات يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب    من هم الأكثر عرضة للنقص في "فيتامين B"؟        الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    جو عمار... الفنان اليهودي المغربي الذي سبق صوته الدبلوماسية وبنى جسورًا بين المغرب واليهود المغاربة بإسرائيل    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    نحن والحجاج الجزائريون: من الجوار الجغرافي …إلى الجوار الرباني    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإخوة بوريكات يتهمون الجنرال الدليمي بالتخطيط لقلب النظام
تم إرسالهم إلى معتقل تازمامارت السرّي كعقاب لهم على وشايتهم «الكاذبة»
نشر في المساء يوم 31 - 07 - 2010

كان الحسن الثاني يثق ثقة كبيرة في مجموعة من جنرالاته، الذين كانوا على رأس العديد من الأجهزة العسكرية والأمنية، بل كان يسمح لقلة منهم بزيارته في مخدع نومه دليلا على الثقة الكبيرة
التي كان يضعها فيهم، وجمعته بأغلبهم علاقات أسرية حيث كان أبناؤهم وزوجاتهم يدخلون القصر الملكي بشكل اعتيادي، لكن ما لم يكن يدور بخلد الحسن الثاني هو أن يتحول بعض هؤلاء الجنرالات إلى أشد أعدائه، بل يتجاوزون ذلك إلى محاولة تصفيته جسديا. في هذه السلسلة نحاول أن نرصد مسار أهم هؤلاء الجنرالات وعلاقتهم بالأحداث التي غيرت وجه المغرب السياسي في العقود القليلة الماضية.
استوى أحمد الدليمي، بصفته جنرالا وكبير الضباط المرافقين للملك وقائد المنطقة الجنوبية، إضافة إلى كونه المسؤول الأول عن إدارة الدراسات والمستندات (لادجيد)، وكان عليه أن يخوض حروبا على واجهات متعددة.
إنه الآن يذهب إلى باريس التي كان قد مكث فيها بضعة أشهر سجينا خلف القضبان، من موقعه الجديد كمحاور رئيسي للفرنسيين، خصوصا أولئك الذين كانوا يطالبون برأسه في قضية اختطاف واغتيال المعارض بن بركة. لا دم اليوم بين الشريكين الجديدين في تدبير ملفات أمنية وسياسية، بل هناك تنسيق محكم سيمتد نفوذه ليشمل أماكن ساخنة في القارة الإفريقية والشرق الأوسط، مرورا عبر محور جنوب إفريقيا. فالرجل، الذي كانت تشير إليه الأصابع في قضية بن بركة، انتزع من محكمة الجنايات الفرنسية براءة لفائدة الشك، وهو الآن ينتزع من الفرنسيين ذاتهم أوسمة تقدير وإعجاب لم يحظ بهما أي رجل آخر قبله وفي مثل قضيته.
في جلسات حميمية، كان يفاخر بأنه تجاوز رئيسه الجنرال أوفقير الذي لم يستطع أبدا أن يعود إلى باريس منذ الخامس من نونبر 1965. هناك، في حفل أقامته السفارة المغربية في باريس، كان الدليمي إلى جانب أوفقير يتبادلان الهمس في القضية التي كانت تشغل المنتديات السياسية في فرنسا، كانا وجها لوجه أمام كبار المسؤولين الفرنسيين الذين أدهشهم أنهم يلتفون حول طاولة واحدة مع متهمين محتملين، في غياب أدلة قاطعة، ساعد في تبديد معالمها تواطؤ فاضح لأكثر من جهة فرنسية كذلك.
يتذكر الدليمي أن الملك الراحل الحسن الثاني كان فاتحه، وهو رفقته في زيارة خاصة لباريس في يوليوز 1972، في أنه بصدد البحث في إمكان إصدار عفو رئاسي فرنسي عن الجنرال أوفقير، وغاب عن الرجلين أن الجنرال كان في الوقت ذاته بصدد رسم المعالم النهائية لخطته الرامية إلى الإطاحة بالنظام.
كان الدليمي، وفق رواية شهود، أكثر جرأة في تقديم التماس مهذب إلى الحسن الثاني يقضي بصرف النظر عن القضية، فقد كان يرى أن إضعاف نفوذ أوفقير لا يمكن أن يتم إلا مع إبقائه تحت المتابعة القضائية الفرنسية. هل كان بصدد نبوءة بشيء ما؟ أم إن صراعه مع الجنرال كان قد وصل إلى نقطة اللاعودة؟
في جلسة التأمت في مقر الاستخبارات الفرنسية بعد مرور سنوات على الحادث، مازح الدليمي محاوريه بالقول إن بإمكانهم الاعتماد على خبرته، وحين أحس ببعض الحرج أسعف ملاحظته بالتأكيد:
هنا في سجن باريس، قرأت الكثير عن تاريخ فرنسا ورجالاتها وسياساتها.
كان في الحقيقة يمزج بين الذكريات والآفاق، فقد كانت له قدرات عالية على النسيان، إلا أن تجربة سجنه ظلت تلازمه. وروي مرة أنه قطع مئات الكيلومترات في زنزانته الصغيرة، مشيا على الأقدام، وحين سئل كيف ذلك، رد بالقول إنه كان يمشي عبر عقله واستحضار مراحل طفولته وتجربته في الجيش، عبر التفاصيل الصغيرة. وقال أمام جلسائه ما يفيد بأن السجن مدرسة يتخرج منها الرجال، ولم يضف كثيرا حول سجون من نوع آخر كان صنعها على طريقته للاقتصاص من كثيرين.
مرة تناهى إلى علم الملك الحسن الثاني أن الجنرال الدليمي يخطط لشيء ما ضد النظام. كان الأمير الراحل مولاي عبد الله من نقل الرواية، استنادا إلى معلومات قدمها إليه الإخوة بوريكات. وكعادته، استمع الحسن الثاني إلى الرواية، ثم طلب مثول الدليمي أمامه باستعجال، فقد كانت تلك طريقته في الإنصات للحقائق عبر تقاطعاتها. سأل الدليمي عن حقيقة ما سمعه، وأشفع قوله بشهادات الإخوة بوريكات.
أقسم الدليمي على أن الأمر كذب في كذب، وأن هناك من يحوك مؤامرة ضده، وكان اللجوء إلى المواجهة المباشرة بين الجنرال وخصومه أسلوب الملك في تلمس الحقيقة، بحيث يدلي كل طرف بالدلائل الكافية حول طروحاته. وفي ما كان الإخوة بوريكات يتوقون إلى أن يجازيهم الملك جراء ما نقلوه من معلومات -لم تكن، وفق بعض المصادر، سليمة وصحيحة- دفعهم إلى مواجهة الدليمي مباشرة، وكان الجزاء الذي اختاره الجنرال يكمن في الزج بالواشين في معتقل تازمامارت الرهيب. فلم تكن القصة أكثر من صراع حول ممتلكات في المنطقة الشرقية تطال عمل إحدى الشركات التي كانت تنقب عن المعادن.
والظاهر أن الدليمي كان ينقب عن أشياء أخرى في غير لون الذهب. لذلك سيلقى الكثير من خصومه مصائر قاسية ومجهولة. فقد كان أقرب شيء إلى ذهنه أن يجعل أولئك الخصوم المحتملين يذوقون مرارة السجن، لكن ليس في مثل الشهور التي قضاها شخصيا في سجن باريس، بل في غياهب معتقلات سرية أكثر قسوة ووطأة. ولن يكتب للإخوة بوريكات ومعتقلين آخرين أن يروا النور إلا بعد رحيل الدليمي بعد تعرضه لحادثة سير بعد استقباله من طرف الملك الحسن الثاني، وفق الرواية الرسمية المتداولة.
بين لحظة وأخرى، كانت صورة السجن لا تفارقه، وكان يقوى على التغلب عليها عندما يمضي في عرض بطولاته، منذ أن كان ضابطا صغيرا في صفوف القوات المغربية إلى أن أصبح الرجل الأكثر نفوذا في المؤسسة ذاتها.
مشهد أقرب إلى الثأر من التاريخ كان يعرضه الدليمي متباهيا وقد زين صدره بنياشين وأوسمة وتجارب، فقد كان يروق له أن يجتمع بمحاوريه من جنسيات مختلفة في باريس وليس في غيرها، في مثل الحنين إلى الموقع الذي مارس فيه بطولة ما في يوم ما من عام 1965.
لم يكن يثأر لنفسه ولشهور سجنه فقط، ولكنه كان يغمز إلى الجنرال أوفقير عبر إيصال رسائل قصيرة، كأن يتحدث عن لقاء مرتقب له مع مسؤول بارز في مخابرات دولة صديقة، تحدد موعده في بارس وليس في غيرها، وكان حريصا على أن يلتقط أصداء إشاراته الموحية، لكنه ظل حذرا إزاء مواجهة الجنرال الذي كان يعرف أن لا حدود لنقمته.
أما وقد رحل بطريقة درامية أشبه بنكبات خسارة حرب غير مشروعة، فقد تحول الدليمي إلى واحة يستظل بها مقربون جدد إلى السلطة، لكن حروبه الصغيرة والكبيرة، قبل أن يلقى حتفه، ستكون مع عسكريين متنفذين، كان مهتما بأن يسحب البساط من تحت أقدامهم، معتمدا في ذلك على وضعه الاعتيادي كقائد للمنطقة الجنوبية وكرجل مهمات سياسية وعسكرية بالغة الأهمية. بيد أن مشكلته، وقد أصبح يتمتع بنفوذ قوي، أنه كان يرخي أذنيه لالتقاط ما يعجبه من الكلام وأنواع الثناء، وكان بعض المحيطين به يعرفون نقطة ضعفه هذه التي جعلته ينساق وراء معارك جانبية، إما بدافع الغرور أو بدافع فرض سطوة غير مبررة، وفي غير محلها. ولعل انقياده إلى السياسة كان في مقدمة المزالق التي لم يعرف كيف ينجو من الانحدار نحوها.
كثيرا ما ردد أمام أصدقائه أنه مجرد عسكري لا يقيم وزنا للسياسة والسياسيين، إلا أنه في غضون ذلك كان يقترب شيئا فشيئا من المحظور في عالم الانضباط العسكري. وربما لم تمكنه نزعته نحو البداوة وتغليب منطق الصراع بين أهالي المدن والقرى، من الخروج من نفق انساق نحوه بعينين مفتوحتين، فقد كان يكفي أن يزرع أحدهم في ذهنه أنه تعرض لحيف إداري لمجرد أنه لا ينتمي إلى هذه المدينة أو تلك لينصف بأكثر مما يطلبه.
ما بين تصريحاته العلنية وأسرار جلساته الحميمية، كان الدليمي يتوزع بين شخصيتين متناقضتين، فقد قال في حق المعارض المهدي بن بركة كلاما إيجابيا وصنفه في خانة الأسماء الوازنة في تاريخ المغرب الحديث، لكنه سرعان ما يناقض نفسه، إذ يعلن أنه نال ما يستحقه من العقاب. وهذا التناقض مصدره أنه لم يتخلص من كثير من عاداته القديمة، فقد كان يزايد في الولاء للقصر إلى درجة أنه رهن حياته خادما مطيعا. وفي الوقت ذاته، كان يخوض حروبا هامشية حول مربع محظور الاقتراب منه، إذ كان يتصور أن ولاءه يسمح له بالقيام بأي شيء، فقد أخذ عن الجنرال أوفقير جانبا من طموحاته، بالرغم من خلافاتهما معا. وفي الوقت ذاته لم يعد يقيس المواقف والأشياء إلا بالقدر الذي يسمح لنفوذه بالتزايد.
الراجح أنه فهم يوما أن إبعاده عن الخوض في تفاصيل سياسية ذات علاقة بتطورات ملف الصحراء، مقدمة لشيء في غير صالحه، لذلك فقد انبرى لمواجهة نفسه، بعد أن كان تعب من معارك في مواجهة الآخرين. وكانت تلك غلطته التي شكلت بداية النهاية لمسار رجل قوي أضعفه الإحساس بقوة مبالغ فيها، تماما كما يحدث في لحظات وهم يتصوره البعض حقيقة. وسيكون لافتا أن رحيله تزامن وزيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران للمغرب، في تقاطع يكاد يشي بأن صكوك الغفران لا تمنح حتى للموتى الذين تعرف قبورهم والذين لا وجود لقبورهم على الإطلاق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.