المكتب الوطني المغربي للسياحة يستقطب المؤتمر السنوي لوكلاء السفر الهولنديين إلى المغرب    ملعب طنجة الكبير، صرح رياضي عالمي بمعايير "فيفا 2030"    مبديع: "أنا ماشي شفار ومنطيحش ريوكي على فلوس الجماعة"    ثلاثة أعمال أدبية مغربية ضمن القوائم القصيرة لجائزة "سرد الذهب 2025"    وزارة الصحة تطلق حملة وطنية للكشف والتحسيس بداء السكري    جنوب إفريقيا تحتجز 150 فلسطينيا    فرنسا.. مقتل شقيق الناشط البيئي أمين كساسي في مرسيليا رميا بالرصاص    بوانوو: بلاغ وزارة الصحة لم يحمل أي معطى حول شبهة تضارب المصالح ولم يشرح التراخيص المؤقتة للأدوية التي يلفها الغموض التام    بطولة اسكتلندا.. شكوك حول مستقبل المدرب أونيل مع سلتيك    أكثر من 170 لاعباً يحتجون في الدوري الكولومبي بافتراش أرض الملعب    الصناعات الغذائية.. مسؤول حكومي: "التعاون المغربي-الإسباني رافعة للفرص أمام المصدرين المغاربة"    المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب يقوي ويؤمن تزويد مدينة طانطان والمناطق المجاورة لها بالماء الشروب    توقيف عشريني متلبس بحيازة وترويج المخدرات وتعريض سلامة رجال الشرطة للخطر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    قتيل وجرحى في حادثة سير بإقليم سطات    بوانو: بلاغ وزارة الصحة لا يجبب على شبهات الفساد في الصفقات والموضوع يحتاج لجنة لتقصي الحقائق    شَرِيدٌ وَأَعْدُو بِخُفِّ الْغَزَالَةِ فِي شَلَلِي    متابعة "ديجي فان" في حالة سراح    إحباط محاولة لاغتيال أحد كبار المسؤولين الروس    دراسة: ضعف الذكاء يحد من القدرة على تمييز الكلام وسط الضوضاء    لوديي: تراجع حصة ميزانية الدفاع من الناتج الداخلي الخام رغم ارتفاع الغلاف المالي إلى 73 مليار درهم وإطلاق 10 مشاريع صناعية دفاعية    الملك يهنئ خالد العناني بعد انتخابه مديرا عاما لليونسكو    حرائق غابات ضخمة في الجزائر تهدد حياة السكان والسلطات تتحرك    شركة الإذاعة والتلفزة تسلط الضوء على تجربة القناة الرابعة في دعم المواهب الموسيقية    موقع عبري: الجالية اليهودية في المغرب تفكر في استخراج جثمان أسيدون ونقله إلى مكان آخر بسبب دعمه ل"حماس"    الحكم على سائق "إندرايف" سحل شرطيا ب11 شهرا حبسا وغرامة مالية    الإطار الاستراتيجي لتعامل الصحراويين مع مقترح الحكم الذاتي المغربي: دروس من التجربة الكتالونية    استفادة "تجار الأزمات" من أموال الدعم.. الحكومة تقر بوجود ثغرات وتؤكد ضرورة تصحيح اختلالات المقاصة    تصفيات مونديال 2026.. مدرب إيرلندا بعد طرد رونالدو "لا علاقة لي بالبطاقة الحمراء"    منتشين بفوزهم الساحق على كاليدونيا.. أشبال الأطلس يتحدون أمريكا لمواصلة الحلم    بأغلبية 165 صوتا.. مجلس النواب يقر الجزء الأول من مشروع قانون المالية    استطلاع: 15% من الأسر المغربية تفضل تعليم الأولاد على الفتيات.. و30% من الأزواج يمنعون النساء من العمل    إدارة مستشفى محمد الخامس بالجديدة توضح: جهاز السكانير متوفر والخدمات الطبية مفتوحة للجميع    رشق الرئيس السابق لاتحاد الكرة الإسباني بالبيض في حفل إطلاق كتابه    بوعلام صنصال بعد الإفراج: "أنا قوي"    استغلال إصلاحات الإنارة يثير جدلا سياسيا بمكناس وحزب فدرالية اليسار يطالب بفتح تحقيق    نقابات مركز التوجيه والتخطيط تتهم الإدارة بالتضليل وتطالب بالتحقيق في اختلالات التسيير    ملكية واحدة سيادة واحدة ونظامان!    سعيد بعزيز: لوبي الفساد تحرك داخل البرلمان وانتصر في إدخال تعديلات لفائدة مقاولات التأمين    مدير المخابرات الفرنسية: المغرب شريك لا غنى عنه في مواجهة الإرهاب    المركز الثقافي الصيني بالرباط يُنظّم حفل "TEA FOR HARMONY – Yaji Cultural Salon"...    منح 10 تراخيص لمشاريع الصناعة الدفاعية بقيمة 260 مليون دولار.. و5 أخرى قيد الدراسة (لوديي)    مجلس النواب يمرر الجزء الأول من قانون المالية    شركة الطرق السيارة تعلن عن افتتاح مفترق سيدي معروف في وجه مستعملي الطريق السيار القادمين من الرباط والمحمدية    "كاف" تطرح المزيد من تذاكر "الكان"    تحطم مقاتلة يصرع طيارين في روسيا    على هامش تتويجه بجائزة سلطان العويس الثقافية 2025 الشاعر العراقي حميد سعيد ل «الملحق الثقافي»: التجريب في قصيدتي لم يكن طارئاً أو على هامشها    المسلم والإسلامي..    الترجمة الفلسفية وفلسفة الترجمة - مقاربة استراتيجية    سدس عشر نهائي مونديال قطر لأقل من 17 سنة.."أشبال الأطلس" يرغبون في الزئير بقوة أمام المنتخب الأمريكي    نجاح واسع لحملة الكشف المبكر عن داء السكري بالعرائش    ثَلَاثَةُ أَطْيَافٍ مِنْ آسِفِي: إِدْمُون، سَلُومُون، أَسِيدُون    دراسة: لا صلة بين تناول الباراسيتامول خلال الحمل وإصابة الطفل بالتوحد    مرض السل تسبب بوفاة أزيد من مليون شخص العام الماضي وفقا لمنظمة الصحة العالمية    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعايش «التنازعي» للمشروعيات
نشر في المساء يوم 16 - 09 - 2010

كل حديث عن المشروعية هو حديث عن مجال تسعى السلطة السياسية إلى احتكاره ولا تريد أن تجعله موضوع نقاش أو تساؤل بل تريد أن تحيطه بهالة من القدسية، هاته القدسية التي تنقل المشروعية كإشكالية من حقل المفكر فيه إلى حقل المسلم به.
لا يمكن لأي نسق سياسي أن يضمن لسلطته الاستقرار والاستمرارية إلا إذا استطاع أن يدخل المشروعية التي يرتكز عليها إلى دائرة المسلمات، ولا نقول الممنوعات لأن فاعلية أية مشروعية تكمن في جعلها غير قابلة للنقاش أو التفكيك، ولكن ذلك لن يتم إلا إذا استطاع النسق السياسي أن يجعل مصدر المشروعية مصدرا مفارقا علويا. في هذا السياق، يمكن أن نفهم أسباب انتعاش المشروعيات الدينية.
حين نتطرق لإشكالية المشروعية فإننا نتطرق، في الواقع، للأسس النظرية التي ترتكز عليها الأنساق السياسية القائمة لتبرير أحقيتها في الوجود. إن هذا التبرير مشروط، أولا وأخيرا، بمجموعة من المعطيات الموضوعية، لذلك فإن دراستنا لإشكالية المشروعية في المغرب تستحضر أمامها هاته المعطيات الموضوعية، سواء على مستوى المجال أو على مستوى الدعائم.
منذ القرن التاسع عشر، بدأ الآخر يخترق الجسم السياسي المغربي. هذا الاختراق الذي سيبلغ ذروته بتجسيده قانونيا عبر معاهدة الحماية في 30 مارس 1912. ورغم أن سلطات الحماية قد حاولت، ما بين سنتي 1912 و1956، تحديث الجسم السياسي المغربي فإن محاولتها، وإن استطاعت تغيير بعض ملامح المظهر الخارجي لهذا الجسم السياسي، قد عجزت عن تغيير منطقه الباطني.
لقد كانت الحركة الوطنية تسعى إلى تحديث المجتمع عبر طرح تصور خاص للنظام السياسي في المغرب يتمثل في ملكية دستورية. كما أنه منذ الاستقلال، دخلت الحركة الوطنية في مسلسل إنتاج نظري يزكي طروحاتها حول تقييد السلطة التي يتمتع بها العاهل المغربي تاريخيا والمراقبة التي يمارسها الشعب عليه.
كان الاعتقاد السائد ما بين سنتي 1956 و1962 أن النظام المغربي قد اختار طريق التحديث السياسي، خاصة بعد إصدار مجموعة من القوانين والمؤسسات، كالمجلس الوطني الاستشاري وظهير الحريات العامة والقانون الأساسي للمملكة... إلخ، وأن دورة المشروعية الدينية في المغرب قد أزيحت أو في طريقها إلى الإزاحة لتحل محلها دورة المشروعية «المدنية»، خاصة بعدما تخلى محمد الخامس عن اللقب التقليدي «سلطان» واتخذ لقب «ملك». هذا الاعتقاد الذي سيتقوى سنة 1962 بإصدار أهم تجسيدات العقلنة السياسية: «الدستور»، ولعل هذا ما دفع بعض الباحثين الغربيين إلى القول بأن دستور 1962 يعتبر بمثابة حدث عظيم يشكل قطيعة مع ماضي المغرب السياسي والاجتماعي والنفسي، لكن سرعان ما سيتبين أن هذا «الدستور» أتى ليؤسس «تعايشا تنازعيا Coexistence conflictuelle» بين المشروعيات، وليس لتكريس المشروعية
العقلانية.
يؤسس دستور 1962 ما يسميه «Emstard» بالتعايش التنازعي للمشروعيات، بحيث كان يتضمن نمطين من المشروعية، الأولى «مدنية» كما يعبر عنها الفصل الثاني من الدستور: «السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالاستفتاء وبصفة غير مباشرة على يد المؤسسات الدستورية»، والثانية «دينية» كما يجسدها الفصل التاسع عشر من الدستور: «الملك أمير المؤمنين ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي حمى الدين، والساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وهو الضامن لاستقلال المملكة في حدودها الحقة...».
هل يمكن القول إن التعايش التنازعي للمشروعيات الذي أسسه دستور 1962 يستمد مرجعيته من المنظومة الإسلامية؟
يلاحظ «Geertz» أن المنظومة الإسلامية تتسم بوجود نوعين من المشروعية: الأولى «ذاتية Intrinseque» مطابقة للمبادئ التي تعترف للإمام بحق الحكم باسم «الله»، والثانية تعاقدية «Contractuelle» ترتكز على قبول الأمة لسلطة خاضعة لأحكام الشريعة.
على خلاف ما يذهب إليه «Geertz»، نعتقد أن نظرية «Emstard» في التعايش التنازعي للمشروعيات لا يمكن أن تنطبق على المنظومة الإسلامية، ذلك أن الإسلام لا يعترف ولم يعرف إلا شكلا واحدا ووحيدا للمشروعية: وهي المشروعية الدينية، حيث الخليفة يستمد حقه في الحكم من خلافته لله في الأرض، أما ما يسميه «Geertz» بالمشروعية التعاقدية والتي كانت تتجسد في (البيعة)، فلا يمكن اعتبارها مشروعية «Légitimité»، بل هي إحدى وسائل تجسيد المشروعية «الدينية». بتعبير آخر، فإن (البيعة) لا تشكل «مشروعية تعاقدية» بل هي «شرعنة Légitimation» ليس إلا، لكونها لا تتضمن أي بعد تعاقدي بل هي «العهد على الطاعة» كما يقول ابن خلدون.
إذن، فالتعايش التنازعي للمشروعيات المؤسس من قبل دستور 1962 لا يستمد مرجعيته من المنظومة الإسلامية، بل من المعطيات الموضوعية التي أطرت النسق السياسي المغربي ما بين سنتي 1956 و1962، هاته المعطيات التي يمكن تكثيفها رمزيا في المواجهة التي كان يعرفها المغرب خلال هذه السنوات بين حقلي التقليد والحداثة، خاصة في مستواها السياسي، مواجهة بين مفهومين للسلطة:
الأول يسندها إلى الدين، والثاني إلى المجتمع المدني رغم أن طروحات الحركة الوطنية لم تكن منسجمة، فبعض أقطابها حاولوا إرجاع المشروعية «المدنية» إلى مشروعية «دينية» كمحمد بن العربي العلوي وعلال الفاسي.
عاش النسق السياسي المغربي بين سنتي 1962 و1965 في إطار وضعية تتسم بالتعايش التنازعي للمشروعيات، لكن النسق لم يكن بإمكانه الاستمرار في إطار وضعية شبيهة بهاته، لذلك سيتم وضع حد (لهاته الوضعية بمجرد التمكن من إضعاف الحركة الوطنية وإعلان حالة الاستثناء طبقا للفصل الخامس والثلاثين من الدستور دون احترام مقتضياته والذي ينص على أنه: «إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة أو إذا وقع من الأحداث ما من شأنه أن يمس بسير المؤسسات الدستورية، فيمكن للملك أن يعلن حالة الاستثناء بمرسوم ملكي بعد استشارة رئيسي المجلسين وتوجيه خطاب إلى الأمة، وبسبب ذلك فإن له الصلاحية، رغم جميع النصوص المخالفة، لاتخاذ التدابير التي يفرضها الدفاع عن حوزة التراب ورجوع المؤسسات الدستورية إلى سيرها العادي».
حين أعلن (الملك) «حالة الاستثناء» سنة 1965، فإنها لم تكن كذلك إلا في نظر (القانونيين)، أما من وجهة نظر (الملك) فإن ما عرفه المغرب ما بين سنتي 1962 و1965 هو الذي كان يشكل حالة استثناء.
منذ سنة 1965، سيضع (الملك) حدا للتعايش التنازعي للمشروعيات المؤسس من قبل دستور 1962 ليكرس مكانه المشروعية (الأحادية) المتمثلة في المشروعية «الدينية». ولقد تكرست هاته المشروعية «الأحادية» معياريا في دستور 1970. غير أن بعض مظاهر عدم الاستقرار السياسي التي عرفها المغرب ما بين سنتي 1970 و1972 جعلت السلطة السياسية تدرك أخطار الاعتماد على المشروعية الأحادية (الدينية)، وبالتالي ستحاول توسيع مجال مشروعيتها، إذ تم التخلي عن التفكير في إقصاء المشروعية «المدنية» التي سيتم «بعثها»، لكن فقط كتزكية وتدعيم للمشروعية «الدينية». في هذا السياق يندرج دستور 1972. ولعل هذا ما دفع «Guibal» إلى القول بإن دستور 1970 هو تقنين لنظرية الحكم في الإسلام.
كان دستور 1972 يستمد مقتضياته من إيديولوجية في المشروعية يمكن تسميتها بإيديولوجية المشروعية
التقليدوية Traditionnaliste، هاته الإيديولوجية في المشروعية التي تفصل وسائل الشرعنة السياسية/المدنية عن سياقها (العقلاني) لتشحنها بحمولات تقليدية/دينية كأن تصبح الديمقراطية شورى أو مجلس النواب مجلسا للشورى. إن تهميش المشروعية «المدنية» لفائدة المشروعية «الدينية» يفيد في دلالته تهميش حقل (الملكية الدستورية) لفائدة حقل «إمارة المؤمنين».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.