قدر السجناء بسجن آسفي أنهم لن يقرؤوا هذا الموضوع الذي يحكي عن تفاصيل حياتهم داخل الأسوار المحروسة، فقط لأنهم لم يعودوا يطالعون قط الصحف والمجلات وأصبحت قطعة ممزقة من صحيفة مغربية قديمة تساوي الكثير ويتنافس السجناء على تداولها من أجل قراءة مقالات غير مكتملة بفعل تمزقها،... فقط لأن الإدارة هنا لها نظرة خاصة إلى الصحف المغربية والكتب والمجلات، وترى أن قرار منعها من البيع والتداول والتوزيع داخل السجن نابع من اعتبارها إياها أخطر من «الجوانات والماحيا» التي بالرغم من حظرها التام يجري تداولها بحرية كاملة في أوساط السجناء. السجناء بسجن آسفي أصبحوا يفتشون في الأرض وفي القمامة عن قطعة من صحيفة، وتحول كثير منهم إلى ما يشبه «المقطوعين» لكن ليس من الحشيش وإنما من القراءة،... هناك لم تسقط صحيفة مغربية حديثة الصدور في أيدي السجناء منذ 15 سنة، خاصة منهم أصحاب العقوبات الثقيلة، وحتى الكتب والمجلات يتم منع تداولها، ولا يسمح به إلا بترخيص خاضع للسلطة التقديرية المطلقة لأحد الموظفين الذي هو من يمنع أو يسمح بدخول الكتب إلى السجناء. يحصل كثيرا هنا، في السجن المدني لآسفي، أن يمنع الموظف المكلف بحظر دخول الصحف إلى السجناء كتابا، فقط لأن عنوانه يحمل، مثلا، مصطلحات من قبيل «الديداكتيك، أو الميتافيزيقا»، ويقول سجناء من هناك، في سخرية لاذعة، إن ذات الموظف لا يملك معرفة وثقافة تؤهلانه للفصل بين الكتب التي قد تساهم في انتشار الفكر المتطرف والكتب التي لها علاقة بالعلوم الإنسانية والآداب والعلوم والفلسفة، وإنه تكفي أن تتضمن بعض الكتب مصطلحات يجهلها حتى يعتبرها خطرا ويمنع دخولها تماما كما يُمنع دخول قنينات «الماحيا». في سجن آسفي ما إن يرخي الليل سدوله حتى تتصاعد إلى حدود الساعات الأولى من الصباح أدخنة «الجوانات»، وتتحول الزنازين إلى قاعات سينمائية لأشرطة «الخلاعة»،... هنا حيث يوجد سجناء في عز شبابهم، أغلبهم لن يغادر السجن إلا في أفق عام 2030 أو 2040، يعيشون وسط اكتظاظ لا يطاق، فالسجن المدني لآسفي، الذي شيدوه بطاقة استيعابية رسمية لا تتجاوز 400 سجين، يضم بين أسواره اليوم وإلى حدود نهاية الأسبوع المنصرم 1872 سجينا مع 34 امرأة سجينة، ضمنهن من يقضين عقوبتهن السجنية وسط هذا العالم الرهيب مع أطفالهن. إدارة السجن المحلي لآسفي لا يزعجها ولا يقلقها وجود سجناء تحت تأثير المخدرات، ولا تنتفض لوجود عمليات تقطير «الماحيا» من قشور الفواكه بواسطة «الخميرة» داخل الزنازين، ولا للاعتداءات الجنسية على القاصرين والأحداث، ولا لنظام السخرة الذي يجعل قاصرا يخدم سجينا طوال النهار مقابل تدخين نصف سيجارة في اليوم،... إدارة السجن بآسفي يقلقها فقط بيع الجرائد في باحة السجن، ولذلك منعت دخول شركات توزيع الصحف وتداول الجرائد اليومية في أوساط السجناء. هناك سجناء بسجن آسفي، محكوم عليهم بعقوبات طويلة تمتد من 20 سنة إلى المؤبد والإعدام، حققوا نتائج دراسية مبهرة، وفيهم من راكم الباكلوريات والإجازات في مختلف التخصصات من وراء القضبان، لا يتوفر عليها حتى أولئك الذين يُعهد إليهم بحراسة السجين وإدارة السجون، ومع ذلك يحرمونهم من الحق في القراءة والتوصل بالأخبار اليومية عبر الصحف التي كانت كل عناوينها تباع وسط باحة السجن ويتداولها السجناء في ما بينهم قبل أن تصبح ممنوعة وتحل مكان أوراقها أوراق «النيبرو» التي لا تصلح للقراءة بل تعلم أصول «الفتيخ».