تراجع عجز السيولة البنكية إلى 142,1 مليار درهم    اتحاد طنجة يفوز على ضيفه نهضة بركان (1-0)    تتويج المغربي بنعيسى اليحياوي بجائزة في زيورخ تقديرا لالتزامه بتعزيز الحوار بين الثقافات    "أسود الفوتسال" بنهائي ألعاب التضامن    بنكيران: "البيجيدي" هو سبب خروج احتجاجات "جيل زد" ودعم الشباب للانتخابات كمستقلين "ريع ورشوة"    الأقاليم الجنوبية، نموذج مُلهم للتنمية المستدامة في إفريقيا (محلل سياسي سنغالي)    نبيل باها: عزيمة اللاعبين كانت مفتاح الفوز الكبير أمام كاليدونيا الجديدة    مجلس الشيوخ الفرنسي يحتفل بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    نصف نهائي العاب التضامن الإسلامي.. تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة أمام السعودية    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    كرة القدم ..المباراة الودية بين المنتخب المغربي ونظيره الموزمبيقى تجرى بشبابيك مغلقة (اللجنة المنظمة )    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    بعد فراره… مطالب حقوقية بالتحقيق مع راهب متهم بالاعتداء الجنسي على قاصرين لاجئين بالدار البيضاء    حماس تدعو الوسطاء لإيجاد حل لمقاتليها العالقين في رفح وتؤكد أنهم "لن يستسلموا لإسرائيل"    أيت بودلال يعوض أكرد في المنتخب    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    شباب مرتيل يحتفون بالمسيرة الخضراء في نشاط وطني متميز    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتاوى ضد القانون.. ادفع الرشوة ثم استغفر الله
نشر في المساء يوم 17 - 07 - 2008

تنشر يومية «التجديد» منذ مدة من الزمن سلسلة من «الفتاوى» الموسومة في نظرنا بطابع التخلف، والمناهضة لقيم العلم والحداثة ودولة القانون وحقوق الإنسان. وفي الجزء الأول من هذا المقال لم نقدم أمثلة عن مختلف أنواع هذه الفتاوى، بل تم الاقتصار فقط على تلك التي تحمل مضمونا مخالفاً لما جاء مسطرا في القوانين، والتي تسهم بالتالي في نشر ثقافة مضادة لمؤسسة القانون. ويسوق الجزء الثاني من المقال أمثلة أخرى عن هذا الصنف الأخير من الفتاوى «التجديدية».
* ففي العدد 1916 من «التجديد» (18 يونيو 2008)، ورد السؤال بالصيغة التالية: «زوجتي لا تصلي، وتشاجرت معها عدة مرات حتى حلفت عليها يمين طلاق أن تصلي، فماذا أفعل معها حتى أقنعها بضرورة أن تصلي؟».
وجاء في سياق جواب الأستاذ مصطفى بنحمزة: «لعل الأخ السائل تعجل حينما ربط بين الصلاة والطلاق. وبما أن الأمر صار واقعاً، فإن طلاقه ذلك يصبح معلقاً على الصلاة، فإن أمهلها مدة معقولة ولم تصل، كان طلاقه طلقة واحدة رجعية إن لم يكن قد سبق له أن طلقها مرتين سابقتين، وحينذاك فهو بالخيار بأن يستأنف معها حياة زوجية على أمل أن تصلي مستقبلاً أو يبقى على موقفه السابق».
بينما تنص المادة 91 من مدونة الأسرة على أن «الحلف باليمين أو الحرام لا يقع به الطلاق»، وتنص المادة 93 على أن «الطلاق المعلق على فعل شيء أو تركه لا يقع».
وهكذا، تقول المدونة بعدم نفاذ الطلاق المعلق، ويقول فقيه التجديد بنفاذه، وهو بذلك يقدم للسائل حلولاً مناقضة للقانون، ويوقعه في ورطة، فعندما سيطلب السائل توثيق طلاقه، ويُوَاجه بأن هذا الطلاق ليس قائماً أصلاً، فستكون الفتوى قد زرعت بذور الشك في طبيعة علاقته بزوجته هل هي حلال أم حرام؟
ولم يكن نشر هذه الفتوى قد تم سهواً، أو في غفلة عن الجهاز الرقابي في العقل «التجديدي»، فقبل ذلك نشرت نفس الفتوى في 4 شتنبر 2007، وبعد ذلك نشرت فتوى الأستاذ محمد أصبان في 26 يونيو 2008، حيث قرر بصدد الزوج الذي خاطب زوجته بقوله «إذا ذهبت عند أهلك تكونين طالقاً» أن «التلفظ بالطلاق في حالة الوعي هو طلاق حتى وإن كان مزاحاً، فحالة هذا الزوج تعتبر طلقة شرعية».
وقد علق على ذلك الأستاذ محمد الورياغلي في جريدة الأحداث المغربية لفاتح يوليوز 2008 قائلاً إن للفقه في نفاذ الطلاق المعلق على فعل شيء أو تركه رأيين: «الأول يرى عدم نفاذه لأن صفته البدعية تجعله مجرد لغو من الكلام، والثاني يرى نفاذه بناء على نفاذ كل طلاق نطق به الزوج ولو كان بدعياً. ولوجاهة الرأي الأول، أخذت به اللجنة التي صاغت مدونة الأحوال الشخصية عام 1957، وكانت مكونة من كبار علماء القرويين. ومنذ ذلك التاريخ والقضاء المغربي يسير على عدم نفاذ الطلاق المعلق. وقد أبقت مدونة الأسرة على نفس الحكم»، ولهذا اعتبر الورياغلي أن فتوى الأستاذين بن حمزة وأصبان يمكن أن تكرس بين الناس شعوراً ب»اعتبار نفاذ الطلاق المعلق هو عين الشريعة، وليس ما في مدونة الأسرة».
* وفي العدد 1924 من «التجديد» (30 يونيو 2008)، ذكر السائل ما يلي: «عرض علي دفع مبلغ من المال مقابل إيجاد فرصة عمل. هل هذا يعتبر رشوة أم لا؟ وهل المال الذي سوف أكتسبه من وراء هذا العمل حرام؟».
ويجيب الأستاذ عبد الرزاق الجاي بما يلي: «العمل حق من حقوق الإنسان، فإذا لم توجد وسيلة للحصول عليه إلا عن طريق دفع ما يسمى بالرشوة بعد انسداد جميع الأبواب، فيجوز له أن يدفع ذلك المال، ويستغفر الله بأن يتصدق بمثله إن وجد.
أما العمل إذا حصل عليه فما يكتسبه منه حلال إن شاء الله تعالى ولا يحرم الحرام الحلال كما جاء في القاعدة الفقهية، والله الموفق».
إن إباحة الرشوة باسم الشرع في هذه الحالة ليس فقط شذوذاً بينا في «الاجتهاد»، بل يتسم بطابع استفزازي واضح. فكل من قدر أن «جميع الأبواب قد سُدت أمامه»، وهي عملياً قد سُدت في وجه أجيال بكاملها في المغرب، فما عليه إلا دفع الرشوة ثم يطلب من الله المغفرة ويتصدق بما يوازي مبلغ الرشوة المقدمة، حتى ولو كان في ذلك مخالفة صريحة لنصوص القانون وخاصة المادة 251 من القانون الجنائي التي تقضي بمعاقبة السائل في مثالنا إذا استجاب لطلب دفع الرشوة وطبق هذه الفتوى الغريبة. فأي معنى لفتوى تقود السائل إلى السجن، وتدعو الناس إلى ارتكاب الجرائم. وهل فكر المفتي في مآل الآخرين من الشباب المعطل الذي رفض دفع الرشوة وتشبث بتطبيق المقاييس القانونية للتوظيف وباحترام مبدأ المساواة بين الراغبين في العمل.
طبعاً، فالحالة التي أمامنا لا تتضمن أي عنصر يجيز إعمال عذر معف ناجم عن الاضطرار المادي وعدم إمكان اجتناب الفعل لسبب خارجي لا يستطيع الفاعل ماديا مقاومته.
* وفي العدد 1925 الصادر في فاتح يوليوز 2008 من جريدة «التجديد» ورد سؤال بالشكل التالي: «لماذا أُبيح ضرب الزوجات في حالة النشوز؟ وأين هو الحق المقابل للزوجة في حالة نشوز الزوج، هل لها أن تضربه؟ بالقطع لا، وأعتقد أن الحق الوحيد لها هو طلب الطلاق. فما رأيكم حول هذه القضية؟».
وقدم الأستاذ مصطفى بنحمزة جواباً أثار بعض الجدل، ولذلك نرى إيراد فتواه بصيغتها الكاملة وهي كالتالي: «إن حديث القرآن عن علاقة الرجل بزوجته تطبعه إشاعة الرحمة والمودة، لكن قد يعرض للحياة الزوجية ما يكدرها، وذلك كأن تصير الزوجة ناشزا رافضة للإصغاء إلى ما يراه الزوج في تسيير الأسرة، وقد يبلغ الأمر حد حديثها مع من يعتبر الزوج أن فيه ريبة.
وفي هاته الحالات قد يكون من تسرع الزوج أن يبادر إلى الطلاق وإلى تشتيت الأسرة وهذا ما تدفع إليه الحمية والتسرع، وحتى لا يقع هذا فقد وضع الشرع الزوج أمام إجراءات متتابعة تطول ويكون في طولها ما يكون بمثابة إصلاح للعلاقة الزوجية. فيكون من واجبه أن يعظ المرأة ويذكرها بما يجب أن تكون عليه الأسرة من تعاون على الخير، فإن لم تستجب قاطعها وأعرض عنها في الفراش، وهذا من شأنه أن ينبهها إلى ضرورة وضع حل لحالة التوتر التي تحكم هذه الأسرة، وهي بحكم معرفتها لدينها قد تضع حلاً بأن تغير من سلوكها أو تطلب التطليق.
لكن إذا لم يحدث شيء من ذلك، واستمر التوتر فقد يضربها بالمعنى الذي لا يعني الإذاية الجسدية وإنما يعني كسر أنفتها وتأبيها على زوجها. وفي جميع الحالات، فإن هذا الفعل ليس ضرباً مما يمكن أن يمثل عقوبة جسدية بحال.
إن ضرب المرأة فيه ولاشك إهانة لكرامتها إذا كان بهذا النحو الذي يقدم عليه الأزواج في مختلف بقاع العالم، وهم في حالة من السكر وفقدان الوعي أو التوتر الشديد، بحيث لا تتوقع الزوجة أنها عرضة لأن تُضرب. وهو فعل يتكرر ضد النساء يومياً غير مسنود بدليل من الشرع أو بإيحاء من نصوصه وتعاليمه.
إن الواقع العملي الذي عاشه النبي صلى الله عليه وسلم يفسر طبيعة العلاقة بين الزوج والزوجة، إذ لم يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه ضرب إحدى زوجاته، بل إنه لم يضرب بيده أحداً قط إلا أن يضرب بسيف في حالة الجهاد».
بعد نشر هذه الفتوى، ظهرت مقالات صحفية مستهجنة لمضمونها، واحتجت وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، وكذا بعض المنظمات النسائية، على مضمون الفتوى. فرد الأستاذ بلال التليدي على ذلك عبر مقال بجريدة التجديد، (ع1928 بتاريخ 4-6 يوليوز 2008) معتبراً فيه أن الفتوى تعرضت لقراءات مغرضة وتم تحريف فحواها، وأن الأستاذ مصطفى بنحمزة قدم تفسيراً مستنيراً لمعنى الضرب الوارد في النص القرآني، ولم يقدم أية إشارة إلى جواز الإذاية الجسدية للمرأة، بل اعتبر تبعا لمقصد النص أن ضرب المرأة فيه ولاشك إهانة لكرامتها، وليس في الفتوى أدنى استباحة لضرب المرأة أو الاعتداء عليها.
لكن رد الأستاذ التليدي الذي أورد بعض فقرات الفتوى، فضل عدم إيراد الجملة التي حركت الاحتجاجات والتي جاء فيها (لكن إذا لم يحدث شيء من ذلك واستمر التوتر فقد يضربها). صحيح أن الأستاذ بنحمزة استدرك بعد ذلك، وبنفس الفقرة قائلاً: «وفي جميع الحالات، فإن هذا الفعل ليس ضرباً مما يمكن أن يمثل عقوبة جسدية بحال».
إن المفتي هنا يجيز فقط «الضرب الذي ليس ضرباً»، و»الضرب الذي ليس فيه إذاية جسدية»، وهذا تمييز عجيب وغريب، فلا ندري كيف يكون الفعل ضربا وليس بضرب في ذات الوقت، وكيف يكون هناك ضرب ولا يفضي إلى إذاية جسدية. لاشك أننا هنا أمام لعب بالكلمات.
نصوص القانون واضحة: فالفصل 400 من القانون الجنائي، يعاقب كل من يرتكب ضد غيره جرحاً أو ضرباً أو أي نوع آخر من العنف أو الإيذاء، والفصل 404 كما عدل وتمم يشدد العقوبة إذا كان الفاعل زوجاً أو زوجة للضحية. والمادة 99 من مدونة الأسرة تعتبر «ضرراً مبررا لطلب التطليق، كل تصرف من الزوج أو سلوك مشين أو مخل بالأخلاق الحميدة يلحق بالزوجة إساءة مادية أو معنوية تجعلها غير قادرة على الاستمرار في العلاقة الزوجية».
والأكثر من ذلك أن مدونة الأسرة ألغت التزام الزوجة بطاعة زوجها التي وردت بمدونة الأحوال الشخصية سابقاً، وألغت رئاسة الزوج للأسرة، وبالتالي لم يعد هناك مجال لاستنتاج وجود حق للزوج في تأديب زوجته كحق مترتب عن مقتضيات طاعتها له. فالأسرة تقوم اليوم تحت رعاية الزوجين معا (المادة 4 من مدونة الأسرة)، والزوجة تتحمل مع زوجها مسؤولية تسيير ورعاية شؤون البيت والأطفال، والقرارات المتعلقة بذلك تخضع للتشاور (المادة 51)، والالتزام بمعاملة الشريك الآخر باحترام ومودة ورحمة يقع على كاهل الطرفين معاً (م51).
أما الأستاذ بنحمزة، فتحدث عن نموذج أسرة غير ذاك الذي وضعته مدونة الأسرة، فيعتبر أن مما يكدر الحياة الزوجية أن ترفض الزوجة الإصغاء إلى ما يراه الزوج في تسيير الأسرة، وأن الضرب في مثل هذه الحالات إنما يهدف إلى «كسر أنفتها وتأبيها على زوجها»، أي إلى معاقبتها بسبب تطاولها على مجال محفوظ للرجل وتراميها على سلطات مقررة بصورة نهائية له، فهو الحاكم المطلق لمملكة الأسرة، وهو الذي يقرر وحده في كل شؤون البيت. وهكذا لم ينتبه المفتي إلى أن هذا أصبح جزءاً من الماضي القانوني للمغرب!
إن الصيغة الملتبسة التي وردت بها فتوى ذ بنحمزة تعكس أزمة الفكر الأصولي، فهو عندما يروج لمقولة «الضرب الذي ليس بضرب وليس فيه إذاية!؟»، يريد أن يقول بجواز ضرب الزوجة وبعدم استحسان ضربها، إنه يريد أن يكون منسجما مع حرفية النص القرآني -لكي لا يجرد نفسه من السلاح الذي يحارب به خصومه، إذ درج على اتهامهم بمحاولة تجاوز النص- ويريد في ذات الوقت الظهور بمظهر المدافع عن حقوق المرأة. وفحوى الخطاب في النهاية هو الآتي: الأحسن عدم ضرب الزوجة اقتفاء لأثر السنة النبوية مادام رسولنا الكريم لم يضرب زوجة من زوجاته، ونهى عن الضرب بصيغ أقرب إلى التحريم، ولكن الضرب جائز مادام ورد في القرآن.
فلماذا لا نسير في الاتجاه الذي تبناه محمد عبده وعبد الهادي بوطالب وعبد السلام حادوش وغيرهم، باعتماد المنع الكلي لضرب الزوجة على أساس أن أحاديث النهي عن ضرب النساء ناسخة لحكم ضرب النساء في آية النشوز (واضربوهن). وهو الاتجاه الذي يكون المشرع المغربي قد تبناه بتحريم الضرب ولكن ذ بنحمزة تجاهله.
* وفي جريدة (التجديد) بتاريخ 27 يناير 2008 ورد في صيغة السؤال ما يلي: «نحن كمحامين تضطرنا مهنتنا في كثير من الأحيان إلى تسلم قضايا مشبوهة، كأن يتم الدفاع على أحد الزبناء بصفته مظلوما، وبعد مرور الوقت يكتشف المحامي أنه الجاني، فما هو وجه التعامل آنذاك، مع العلم أنه لا يمكن للمحامي أن يتراجع في القضية لأن مصداقيته المهنية ستتأذى؟».
وجاء في جواب الأستاذ محمد بن عبد السلام اليوسفي ما يلي: «فإذا تحقق المحامي من أن موكله ظالم، يجب أن يتوقف عن مرافعته في الحال، ويقدم توبته إلى الله لقوله تعالى «ولا تركنوا للذين ظلموا فتمسكم النار»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «من مشى مع ظالم لينصره، عاقبه الله بجهنم».
هذه الفتوى مناقضة لمهام ووظيفة المحامي والتزاماته كما سطرها قانون تنظيم المهنة ل10 شتنبر 1993، وخاصة المادة 1 التي تعتبر المحامين جزءاً من أسرة القضاء، فمهامهم متنوعة (م29) وتروم حسن سير العدالة عموماً، وليس لها هذا المعنى الضيق الوارد في الفتوى (السعي دائما إلى تبرئة المذنبين). والمحامي مبدئياًَ ملزم بقبول الترافع في إطار المساعدة القضائية (م40) وتتبع القضية المكلف بها إلى نهايتها (م45) والاستثناءات على ذلك منظمة بشكل دقيق.
ولهذا، يمكن للمحامي أن يرفض النيابة، إذا قدر أن موكله ظالم أو لسبب آخر، بشروط خاصة. لكن لا يمكن تقرير قاعدة ثابتة بتجريم المرافعة عن زبون «ظالم»، أي أن كل من يؤازر موكلا مذنبا يرتكب حراماً، لأن غاية المحامي في هذه الحالة هي السهر على حسن تطبيق القانون على المذنب، ولا شيء غير القانون.
مثل هذه الفتاوى التي ذكرنا، كانت أحياناً تليها تعقيبات أو تسبقها فتاوى تخالفها الرأي، مثل حالة الفتاة التي سجنها والدها بالبيت، وانتبه ذ عمر بنحماد في تعقيب صدر يوم 20 ماي 2008 (ع1895) إلى أن فتوى ذ عمر البستاوي ناقصة، لأنها لم تندد بفعل الاحتجاز الذي تعرضت له الفتاة، ومثل قضية الرشوة التي اعتبرتها فتاوى سابقة جريمة يتعين تجنبها (التجديد: 19 ماي 2008- 17 يونيه 2008) إلا أن التحول الذي طرأ على هذا الموقف العام بعد ذلك يبعث على القلق.
وعموماً، ف«التصحيحات» تكون نادرة، وفي الأغلب الأعم تسمح الجريدة باسم الشرع بتجاوز القانون، وبصياغة دعوة مبطنة للمساس به كقيمة. وإذا كان لطرف ما اعتراض على فصول مدونة الأسرة، فليقدم مقترحات قوانين بتعديلها في البرلمان عوض الهدم غير المباشر لأسسها القانونية. لا يجب أن نستصغر العواقب الخطيرة للمنحى الذي تكشفه نماذج الفتاوى التي عرضنا، لأنه يؤسس لقاعدة أن لكل قانونه في هذه البلاد!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.