مندوبية التخطيط: تراجع عدد العاطلين في المغرب بنسبة 1%    19 شهيدًا في غارات إسرائيلية على غزة.. و"العفو الدولية" تصف الأوضاع ب "المرعبة" واسرائيل تقرر توسيع الحرب لاحتلال القطاع    أسود الأطلس يواصلون التألق بالدوريات الأوروبية    التقنيون يواصلون الإضراب الشهري احتجاجا على تجاهل حكومة أخنوش    الرباط.. افتتاح أشغال ندوة حول موضوع "البرلمان المغربي وقضية الصحراء المغربية: من أجل دبلوماسية موازية ناجعة وترافع مؤسساتي فعال"    الانخفاض يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    الرابطة المغربية لمهنيي تعليم السياقة تطالب بإحداث رخصة خاصة للسيارات الأوتوماتيكية    فرنسا والاتحاد الأوروبي يقودان جهودا لجذب العلماء الأميركيين المستائين من سياسات ترامب    المتصرفون التربويون يلوحون بالإضراب والجامعة الوطنية تتهم الوزارة ب"اللامبالاة"    محمد وهبي: نتيجة التعادل مع نيجيريا منطقية    عودة تير شتيغن إلى برشلونة تسعد الألمان    رسميًا.. ألكسندر أرنولد يعلن رحيله عن ليفربول    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    بعد فتح الجمارك.. مواد البناء المغربية تغزو سبتة المحتلة    رحلة كروية تنتهي بمأساة في ميراللفت: مصرع شخص وإصابة آخرين في انقلاب سيارة قرب شاطئ الشيخ    كيوسك الإثنين | الذكاء الاصطناعي يراقب صحة القطيع الوطني    العثور على جثث 13 عاملا بعد اختطافهم من منجم ذهب في بيرو    ترامب يأمر بإعادة فتح سجن الكاتراز بعد 60 عاما على إغلاقه    تفاصيل إحباط تفجير حفلة ليدي غاغا    إسرائيل توافق على توزيع المساعدات    شغب الملاعب يقود أشخاصا للاعتقال بالدار البيضاء    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تزور بباكو المهرجان الدولي للسجاد بأذربيجان    أكاديمية المملكة تحتفي بآلة القانون    ولاية أمن طنجة توضح حقيقة "اختطاف الأطفال" وتوقف ناشرة الفيديو الزائف    مقبرة الرحمة بالجديدة بدون ماء.. معاناة يومية وصمت الجهات المعنية    العثور على جثث 13 عاملا بالبيرو    طنجة.. حملات أمنية متواصلة لمكافحة الدراجات النارية المخالفة والمعدّلة    كأس أمم إفريقيا U20 .. المغرب يتعادل مع نيجيريا    الاحتفاء بالموسيقى الكلاسيكية خلال مسابقة دولية للبيانو بمراكش    المغرب التطواني يحقق فوزًا ثمينًا على نهضة الزمامرة ويبتعد عن منطقة الخطر    كأس إفريقيا لأقل من 20 سنة: تعادل سلبي بين المغرب ونيجيريا في قمة حذرة يحسم صدارة المجموعة الثانية مؤقتًا    طنجة تحتضن اللقاء الإقليمي التأسيسي لمنظمة النساء الاتحاديات    انخفاض جديد في أسعار الغازوال والبنزين في محطات الوقود    وزيرة تكشف عن مستجدات بشأن الانقطاع الكهربائي الذي عرفته إسبانيا    شركة بريطانية تطالب المغرب بتعويض ضخم بقيمة 2.2 مليار دولار    الأميرة لالة حسناء تشارك كضيفة شرف في مهرجان السجاد الدولي بباكو... تجسيد حي للدبلوماسية الثقافية المغربية    الفن التشكلي يجمع طلاب بجامعة مولاي إسماعيل في رحلة إبداعية بمكناس    الطالبي العلمي يمثل الملك محمد السادس في حفل تنصيب بريس كلوتير أوليغي نغيما رئيسا لجمهورية الغابون (صورة)    المغرب يطلق برنامجًا وطنيًا بأكثر من 100 مليون دولار للحد من ظاهرة الكلاب الضالة بطريقة إنسانية    المغرب يجذب الاستثمارات الصينية: "سنتوري تاير" تتخلى عن إسبانيا وتضاعف رهانها على طنجة    الشرطة البرازيلية تحبط هجوما بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا في ريو دي جانيرو    العداء الجزائري للإمارات تصعيد غير محسوب في زمن التحولات الجيوسياسية    استشهاد 16 فلسطينيا بينهم أطفال ونساء في قصف إسرائيلي جديد على غزة    معهد الموسيقى بتمارة يطلق الدورة السادسة لملتقى "أوتار"    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    علماء يطورون طلاء للأسنان يحمي من التسوس    المنتدى الدولي للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين يعبر عن دعمه للوحدة الترابية للمغرب    نجم الراب "50 سنت" يغني في الرباط    من المثقف البروليتاري إلى الكأسمالي !    الشرطة البريطانية تعتقل خمسة أشخاص بينهم أربعة إيرانيين بشبهة التحضير لهجوم إرهابي    دراسة: الشخير الليلي المتكرر قد يكون إنذارا مبكرا لارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب    مقتضيات قانونية تحظر القتل غير المبرر للحيوانات الضالة في المغرب    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما تنطق البغال
نشر في المساء يوم 04 - 01 - 2011

عندما تولى اليهودي المتحدر من أصول مغربية، ليون بن زاكين، وزارة البريد، لم يستوعب معنى أن تشتمل موازنة وزارته على بند يتعلق بشراء الدواب والأعلاف، وجاءه من يوضح أن الأمر يهم البغال التي كانت تستخدم في تنقلات سعاة البريد، وأن تكلفة اقتناء أطنان من الشعير كانت بمثابة كميات البنزين التي تستهلكها اليوم سيارات الدولة.
حظيرة الدواب، في ذلك الوقت، كانت أشبه بمرائب السيارات. وحين تهلك دابة، كان يتعين على مستخدمها أن يقطع أذنها، التي تضم علامة في شكل طابع، ويقدمها دليلا إضافيا يؤكد هلاكها، كي لا يحدث تلاعب في الموضوع. بمعنى آخر، فقد كانت آذان البغال تبرئ أصحابها من الشك.
غير أن البغال، في علاقاتها باستشراء ظاهرة الرشوة، تحيل على المتخيل في الذاكرة والموروث، ومن ذلك أن بغلة المحتسب في أيام زمان، قبل أن يكون هناك مراقبون ومفتشون للمالية والضرائب وسلامة الاستهلاك، كانت مثالا لفضح الممارسات الارتشائية. فالمحتسب الذي يمتطي صهوة بغلته لا يحتاج إلى أن يشير إليها حيث يجب أن تتوقف، ذلك أنها من فرط التعود باتت تعرف تاجر التوابل والبخور، الذي يجزل الهدايا، كما تتوقف أمام حانوت الذهب والمجوهرات والفضة في مواسم الأعياد والأفراح، ولا تتورع عن الانتظار أمام الجزار أو بائع الخضر والألبان أو تاجر الأثواب، من دون إغفال أصحاب الحرف التقليدية وأمنائها.
سئل أحد قضاة مدينة عتيقة، يوما، كيف يعرف الراشي والمرتشي في الأسواق، فرد بكل بداهة: يكفي أن يرصد العاقل مكان توقف بغلة المحتسب. غير أن للقضاة حكايات مع البغال، ومن ذلك أن متقاضيين اختلفا حول ملكية عقار، وأدركا بحدسهما أن القاضي الذي سيفصل في النزاع سارت الركبان بذكره في تلقي الرشاوى.
أحد المتقاضيين قدم إليه هدية عبارة عن مرآة، فيما الأخير أهداه بغلا. وفي يوم الحساب، قال المتقاضي الأول إن قضيته واضحة مثل المرآة التي يرى فيها القاضي وجهه كل صباح، ورد الثاني بأن بغلا يستطيع أن يقود صاحبه إلى ذلك العقار مغمض العينين. ولأن الهدية تحسب في ذهن القاضي بما هو أفضل منها، فقد نهض من مكانه وردد المقولة المأثورة: البغل كسر المرآة.
في طبعة منقحة للرواية أن قاضيا مرتشيا تلقى قُلة سمن من متقاض، فصمم على أن يحكم لفائدته، لكن خصمه زاره في اليوم السابق ولم يجده في بيته، فترك بغلا. وقبل أن ينطق القاضي بالحكم، جاء من يهمس في أذنه بأن بغلا دهس قلة السمن، فانقلب الموقف لصالح الهدية البغلية.
وأستمر مع القضاة المرتشين، فقد أحيل أحدهم على التقاعد، لكنه ظل محافظا على عادته، يركب بغلته ويتجه كل صباح إلى صهريج ماء يقصده سكان قرويون للتزود بالماء. كان القاضي يفرض سطوته بترجيح كفة هذا السطل أو ذاك. وحين سئل، يوما، كيف يعرف صاحب الدور، أجاب بأنه يقتفي أثر بغلته التي تميل إلى هذا السطل أو ذاك.
كان المسرحي المغربي أحمد الطيب لعلج مفتتنا بالحكايات الشعبية، وقد صاغ من أسطورة القاضي، الذي كسر البغل مرآته، مسرحية أطلق عليها اسم «القاضي فالحلقة»، ولم ينتبه كثيرون إلى أن تلك المسرحية حازت على سمعتها على خلفية الأجواء المشحونة التي قادت إلى محاكمة وزراء بتهمة تلقي الرشاوى في صفقة طائرات أمريكية. وبالقدر الذي تلقى به الطيب لعلج المزيد من التهاني لتألقه في رصد ظاهرة الرشوة في المجتمع، انهالت عليه موجة غضب يوم أنجز والمسرحي الطيب الصديقي مسرحية «الأكباش».
كان حظ الرجلين تعيسا، فقد كتبَ بعضُ الصحافة الجزائرية أن مسرحية «الأكباش» تحيل على الواقع المغربي، مع أن نعت الأكباش ارتبط بالضحايا، كما في الاستعارة، إذ تقول: فلان قدم كبشا ضحية.
لتلافي التأويل، كتب أحد الزجالين أغنية للمطرب عبد الهادي بلخياط، جاء في مطلعها: «من ذاك الصيف لهاذ الصيف، قالوا فالحساب سنة»، وصادف أن السنة هي التي فصلت بين المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين في مطلع سبعينيات القرن الماضي، فكان الاهتداء إلى تغيير الموسم وأصبحت الأغنية على الشكل التالي: «من ذاك الربيع لهاذ الربيع».
بدأتُ بالبغال وعلاقتها بالرشوة، وأنهي بالكبش الذي جعل فنانا اسمه حمادي عمور يتعرض للاختطاف والاختفاء القسري، فقد شاهد الملك الراحل الحسن الثاني سكيتشا هزليا لحمادي عمور على شاشة التلفزيون، من خلاله كانت تصيح امرأة في مواجهة زوجها بأنها تريد كبشا أملح ذا قرنين كبيرين.. أبدى الملك استغرابه وقال «أحضروا حمادي عمور لأشرح له أن المغرب تغير».
كلمة بعد أخرى، سيتحول الإحضار من مجرد رجاء إلى أمر، وسيصبح الأمر ملزما، ثم يحاط بتداخل أوامر متسلسلة ومتناقضة، إلى الحد الذي وجد فيه حمادي عمور نفسه مقيد اليدين ومعصوب العينين في زنزانته. ما حدث أن الملك الراحل الحسن الثاني سافر إلى واشنطن في زيارة رسمية.
وهاله، يوما، أن بعض الصحافة كتب عن اختفاء حمادي عمور. وحين استفسر عن الحكاية فهم أن طلبه إحضاره تحول إلى اعتقال، ودهش الجميع حين رأوا حمادي عمور، الذي جذب من زنزانته، في مقدمة مستقبلي العاهل المغربي لدى عودته، والبقية معروفة.
لا بأس، إذن، من معاودة تقليب صفحات كتاب الحيوانات، وليكن «كليلة ودمنة»، فهو يعرض إلى طباع الإنسان عبر حكايات أبطالها حيوانات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.