فيديوهات خلقت جوًّا من الهلع وسط المواطنين.. أمن طنجة يوقف سيدة نشرت ادعاءات كاذبة عن اختطاف الأطفال    العثور على جثث 13 عاملا بالبيرو    طنجة.. حملات أمنية متواصلة لمكافحة الدراجات النارية المخالفة والمعدّلة    ريال مدريد ينجو من ريمونتادا سيلتا فيغو    كأس أمم إفريقيا U20 .. المغرب يتعادل مع نيجيريا    الاحتفاء بالموسيقى الكلاسيكية خلال مسابقة دولية للبيانو بمراكش    احتفاء فريد من نوعه: مهرجان التوائم الدولي يجمع أكثر من ألف مشارك في جنوب غربي الصين    المغرب التطواني يحقق فوزًا ثمينًا على نهضة الزمامرة ويبتعد عن منطقة الخطر    شبكة نصب لتأشيرات الحج والعمرة    كأس إفريقيا لأقل من 20 سنة: تعادل سلبي بين المغرب ونيجيريا في قمة حذرة يحسم صدارة المجموعة الثانية مؤقتًا    اتهامات بالمحاباة والإقصاء تُفجّر جدل مباراة داخلية بمكتب الاستثمار الفلاحي للوكوس    تطوان تحتضن النسخة 16 من الأيام التجارية الجهوية لتعزيز الانفتاح والدينامية الاقتصادية بشمال المملكة    الدوري الألماني.. بايرن ميونخ يضمن اللقب ال34 في تاريخه بعد تعادل منافسه ليفركوزن    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    جريمة بيئية مزعومة تثير جدلاً بمرتيل... ومستشار يراسل وزير الداخلية    طنجة تحتضن اللقاء الإقليمي التأسيسي لمنظمة النساء الاتحاديات    ملتقى بالقدس يشيد بجهود الملك    تحالف مغربي-صيني يفوز بعقد إنشاء نفق السكك الفائقة السرعة في قلب العاصمة الرباط    انخفاض جديد في أسعار الغازوال والبنزين في محطات الوقود    وزيرة تكشف عن مستجدات بشأن الانقطاع الكهربائي الذي عرفته إسبانيا    شركة بريطانية تطالب المغرب بتعويض ضخم بقيمة 2.2 مليار دولار    المغرب يتصدر قائمة مورّدي الأسمدة إلى الأرجنتين متفوقًا على قوى اقتصادية كبرى    الأميرة لالة حسناء تشارك كضيفة شرف في مهرجان السجاد الدولي بباكو... تجسيد حي للدبلوماسية الثقافية المغربية    الفن التشكلي يجمع طلاب بجامعة مولاي إسماعيل في رحلة إبداعية بمكناس    الخيط الناظم في لعبة بنكيران في البحث عن التفاوض مع الدولة: الهجوم على «تازة قبل غزة».. وإيمانويل ماكرون ودونالد ترامب!    الطالبي العلمي يمثل الملك محمد السادس في حفل تنصيب بريس كلوتير أوليغي نغيما رئيسا لجمهورية الغابون (صورة)    "البيجيدي" يؤكد انخراطه إلى جانب المعارضة في ملتمس "الرقابة" ضد حكومة أخنوش    المغرب يطلق برنامجًا وطنيًا بأكثر من 100 مليون دولار للحد من ظاهرة الكلاب الضالة بطريقة إنسانية    الناخب الوطني يعلن عن تشكيلة المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة لمواجهة نيجيريا    الشرطة البرازيلية تحبط هجوما بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا في ريو دي جانيرو    إسبانيا: تحديد أسباب انقطاع الكهرباء يتطلب "عدة أيام"    المغرب يجذب الاستثمارات الصينية: "سنتوري تاير" تتخلى عن إسبانيا وتضاعف رهانها على طنجة    مصادر جزائرية: النيجر تتراجع عن استكمال دراسات أنبوب الغاز العابر للصحراء    استشهاد 16 فلسطينيا بينهم أطفال ونساء في قصف إسرائيلي جديد على غزة    الحارس الأسبق للملك محمد السادس يقاضي هشام جيراندو    العداء الجزائري للإمارات تصعيد غير محسوب في زمن التحولات الجيوسياسية    معهد الموسيقى بتمارة يطلق الدورة السادسة لملتقى "أوتار"    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    توقيف 17 شخصا على خلفية أعمال شغب بمحيط مباراة الوداد والجيش الملكي    حريق بمسجد "حمزة" يستنفر سلطات بركان    "الأونروا": الحصار الإسرائيلي الشامل يدفع غزة نحو كارثة إنسانية غير مسبوقة    علماء يطورون طلاء للأسنان يحمي من التسوس    المنتدى الدولي للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين يعبر عن دعمه للوحدة الترابية للمغرب    نجم الراب "50 سنت" يغني في الرباط    من المثقف البروليتاري إلى الكأسمالي !    الداخلة.. أخنوش: حزب التجمع الوطني للأحرار ملتزم بتسريع تنزيل الأوراش الملكية وترسيخ أسس الدولة الاجتماعية    الشرطة البريطانية تعتقل خمسة أشخاص بينهم أربعة إيرانيين بشبهة التحضير لهجوم إرهابي    الجمعية المغربية لطب الأسرة تعقد مؤتمرها العاشر في دكار    دراسة: الشخير الليلي المتكرر قد يكون إنذارا مبكرا لارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب    وهبي: مهمة "أشبال الأطلس" معقدة    وداعاً لكلمة المرور.. مايكروسوفت تغيّر القواعد    مقتضيات قانونية تحظر القتل غير المبرر للحيوانات الضالة في المغرب    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحساب‮ صابون‮
نشر في المساء يوم 17 - 03 - 2011

لعل‮ السؤال‮ الكبير‮ الذي‮ يطرحه‮ جل‮ المغاربة‮ اليوم،‮ بعد‮ التحدي‮ الدستوري‮ الذي‮ طرحه‮ الملك،‮ هو‮: هل‮ برلماننا‮ وأحزابنا‮ السياسية‮ مستعدة‮ لكي‮ تكون‮ في‮ مستوى‮ هذا‮ التحدي؟
بعد‮ أقل‮ من‮ سنة،‮ في‮ حالة‮ تصويت‮ الشعب‮ بالموافقة‮ على‮ الدستور‮ الجديد،‮ سيتحمل‮ الشعب‮ مسؤولية‮ من‮ سينتخبهم‮ لتسيير‮ أموره‮. كيف،‮ إذن،‮ سيفرز‮ الشعب‮ النخبة‮ التي‮ ستسير‮ شؤونه‮ إذا‮ كان‮ سواده‮ الأعظم‮ غير‮ منخرط‮ في‮ الأحزاب‮ السياسية‮ ولا‮ يذهب‮ إلى‮ التصويت‮ في‮ الانتخابات؟
هذا‮ سؤال‮ إشكالي‮ يتطلب‮ جوابا‮ صريحا‮ وعاجلا‮.
نحن‮ نعيش‮ أزمة‮ مصداقية‮ حادة‮ لدى‮ النخب‮ السياسية‮ جعلت‮ العملية‮ الانتخابية‮ برمتها‮ تتحول‮ إلى‮ مسخرة‮. هذا‮ يعني‮ أن‮ أولوية‮ الأولويات‮ اليوم‮ في‮ المغرب‮ هي‮ إعادة‮ المصداقية‮ إلى‮ اللعبة‮ السياسية‮ التي‮ أطلق‮ الهمة‮ وحزبه‮ نحو‮ صدغها‮ رصاصة‮ الرحمة،‮ إلى‮ درجة‮ أنه‮ (‬الهمة‮) لم‮ يتورع‮ خلال‮ الأسبوع‮ الماضي‮ عن‮ إجلاس‮ وزير‮ في‮ الأغلبية‮ الحكومية‮ وسط‮ أعضاء‮ المكتب‮ السياسي‮ لحزبه‮ الذي‮ يوجد‮ في‮ المعارضة‮. «‬وسير‮ فهم‮ نتا‮ شي‮ زفتة‮».‬
ولذلك،‮ فأول‮ خطوة‮ لإعادة‮ المصداقية‮ إلى‮ المشهد‮ السياسي‮ يجب‮ أن‮ تبدأ‮ بإعادة‮ حزب‮ الهمة‮ إلى‮ حجمه‮ الطبيعي‮ وتجريده‮ من‮ القداسة‮ التي‮ أحاطه‮ بها‮ مؤسسه‮ والتي‮ استعملها‮ تابعوه‮ لإرهاب‮ خصومهم‮ واستدراج‮ ذوي‮ السوابق‮ منهم،‮ تحت‮ الإكراه‮ المادي‮ والمعنوي،‮ إلى‮ صفوف‮ الحزب‮.‬
هذا‮ لا‮ يعني‮ أن‮ بقية‮ الأحزاب‮ الأخرى‮ يقودها‮ أشخاص‮ نورانيون‮ ملائكيون‮ لا‮ يأتيهم‮ الباطل‮ من‮ بين‮ أيديهم‮ ولا‮ من‮ خلفهم،‮ لكن‮ مهما‮ طغى‮ هؤلاء‮ الزعماء‮ وتجبروا‮ على‮ قواعدهم‮ الحزبية‮ فإنهم‮ لن‮ يبلغوا‮ المستوى‮ الخطير‮ الذي‮ وصل‮ إليه‮ طغيان‮ الهمة‮ وحوارييه‮.‬
في‮ جميع‮ الدول‮ الديمقراطية،‮ يكون‮ زعماء‮ الأحزاب‮ السياسية‮ مثالا‮ للنزاهة‮ ونظافة‮ اليد‮ وسلامة‮ الذمة،‮ بحيث‮ يقدمون‮ إلى‮ مناضليهم‮ المثال‮ الذي‮ يجب‮ أن‮ يتم‮ الاقتداء‮ به‮.‬
في‮ المغرب،‮ لدينا‮ زعماء‮ أحزاب‮ سياسية‮ سبق‮ لهم‮ أن‮ مروا‮ من‮ دواليب‮ الحكومات‮ التي‮ تعاقبت‮ على‮ المغاربة،‮ وتركوا‮ ما‮ يدل‮ على‮ آثارهم‮ المدمرة‮ في‮ القطاعات‮ التي‮ تحملوا‮ مسؤولية‮ تسييرها‮. ومن‮ يعود‮ إلى‮ تقارير‮ المجلس‮ الأعلى‮ للحسابات‮ سيعثر‮ على‮ «‬منجزاتهم‮» بالأرقام‮ والتواريخ‮ والفواتير‮.‬
لذلك،‮ فالمطلوب‮ هو‮ أن‮ تنجز‮ الأحزاب‮ السياسية‮ ثوراتها‮ الخاصة‮ وتنظف‮ بيتها‮ الداخلي‮ وتفرز‮ نخبة‮ جديدة‮ بدماء‮ جديدة‮ ووجوه‮ جديدة،‮ لأن‮ الوجوه‮ القديمة‮ والمستهلكة‮ تجاوزت‮ مدة‮ صلاحيتها‮ السياسية‮ ولم‮ تعد‮ تقنع‮ أحدا‮ بالمشاركة‮ في‮ الانتخابات‮.‬
الشيء‮ الثاني‮ المهم‮ الذي‮ سيشجع‮ المغاربة‮ على‮ الإقبال‮ على‮ السياسة،‮ هو‮ تفعيل‮ مبدأي‮ المحاسبة‮ القانونية‮ والعقاب‮ ضد‮ كل‮ من‮ يتورط‮ أثناء‮ تسييره‮ للشأن‮ العام‮ في‮ اختلاس‮ أموال‮ دافعي‮ الضرائب‮.
وشخصيا،‮ أعتقد‮ أن‮ أهم‮ وأخطر‮ المرتكزات‮ في‮ الدستور‮ الذي‮ اقترحه‮ الملك‮ في‮ خطابه‮ هو‮ المرتكز‮ السادس‮ المتعلق‮ بتقوية‮ آليات‮ تخليق‮ الحياة‮ العامة‮ وربط‮ ممارسة‮ السلطة‮ والمسؤولية‮ العمومية‮ بالمراقبة‮ والمحاسبة‮.
إن‮ هذا‮ المرتكز‮ يشكل،‮ بالإضافة‮ إلى‮ المرتكز‮ الثالث‮ المتعلق‮ بالارتقاء‮ بالقضاء‮ إلى‮ سلطة‮ مستقلة‮ وتعزيز‮ صلاحيات‮ المجلس‮ الدستوري‮ تعزيزا‮ لسيادة‮ القانون‮ والمساواة‮ أمامه،‮ صلب‮ الثورة‮ الدستورية‮ التي‮ يبشر‮ بها‮ الملك‮.
والواقع‮ أن‮ نجاح‮ كل‮ المرتكزات‮ الأخرى‮ التي‮ جاءت‮ في‮ ديباجة‮ الخطاب‮ الملكي‮ تتوقف‮ أساسا‮ على‮ التطبيق‮ العاجل‮ لهذين‮ المرتكزين‮ المتعلقين‮ بربط‮ ممارسة‮ السلطة‮ والمسؤولية‮ العمومية‮ بالمراقبة‮ والمحاسبة‮ في‮ إطار‮ سيادة‮ القانون‮ والمساواة‮ أمامه‮.‬
عندما‮ سيقف‮ أبناء‮ الأمراء‮ وأبناء‮ الوزراء‮ والوزراء‮ والولاة‮ والعمال‮ والموظفون‮ السامون‮ والجنرالات‮ أمام‮ القضاء‮ مثلما‮ يقف‮ المواطنون‮ البسطاء،‮ آنذاك‮ سيفهم‮ المغاربة‮ أن‮ القانون‮ أصبح‮ يسري‮ على‮ الجميع‮ بنفس‮ القدر،‮ وأن‮ عهد‮ «‬واش‮ ماعترفتيش‮ مع‮ من‮ كاتهضر‮» انقضى‮ وانتهى‮ إلى‮ غير‮ رجعة‮.
آنذاك،‮ سيفهم‮ كل‮ من‮ يريد‮ أن‮ يتقدم‮ إلى‮ الانتخابات‮ لكي‮ يتحمل‮ مسؤولية‮ السلطة‮ والتسيير‮ أن‮ هناك‮ شيئا‮ في‮ الدستور‮ اسمه‮ المراقبة‮ والمحاسبة،‮ وأن‮ السياسة‮ لم‮ تعد‮ سلما‮ للارتقاء‮ الاجتماعي‮ والاغتناء‮ الاقتصادي‮.‬
إنه‮ تمرين‮ شاق‮ وضروري‮ لإعادة‮ السياسة‮ إلى‮ وظيفتها‮ الأصلية،‮ أي‮ إلى‮ ساحة‮ صراع‮ الأفكار‮ والمناهج‮ والبرامج‮ من‮ أجل‮ تشكيل‮ وعي‮ سياسي‮ لدى‮ المواطنين‮ بحقوقهم‮ وواجباتهم‮ خدمة‮ للصالح‮ العام‮.
وعوض‮ أن‮ تظل‮ الأحزاب‮ السياسية‮ بمثابة‮ دكاكين‮ انتخابية‮ يستغلها‮ زعماؤها‮ للمتاجرة‮ في‮ التزكيات،‮ ستتحول‮ إلى‮ مؤسسات‮ لصناعة‮ الرأي‮ العام‮ وخلق‮ توازن‮ في‮ ميزان‮ القوى‮ السياسي‮.‬
وهو‮ التوازن‮ الغائب‮ الآن،‮ والذي‮ بسببه‮ ظهرت‮ نبتة‮ طفيلية‮ ضارة‮ اسمها‮ الأصالة‮ والمعاصرة‮ واجتاحت‮ الحقل‮ السياسي‮ والتهمت‮ الأعشاب‮ البرية‮ التي‮ كان‮ من‮ الممكن‮ أن‮ تشكل‮ ربيع‮ الديمقراطية‮.‬
إن‮ ما‮ نفر‮ وكره‮ العمل‮ السياسي‮ والحزبي‮ إلى‮ المغاربة‮ وجعلهم‮ يهربون‮ من‮ صناديق‮ الاقتراع‮ كما‮ يهرب‮ المرء‮ من‮ الجرب،‮ هو‮ رؤيتهم‮ للعديد‮ من‮ المستشارين‮ والعمداء‮ وممثلي‮ الشعب‮ في‮ البرلمان‮ يقترفون‮ الجرائم‮ والمخالفات‮ تحت‮ غطاء‮ الحصانة‮ التي‮ توفرها‮ لهم‮ المؤسسات‮ المنتخبة‮ التي‮ يحتمون‮ بها،‮ أمام‮ أنظار‮ العدالة‮ ومؤسسات‮ المراقبة‮ والتفتيش‮.‬
إن‮ أكبر‮ تمييع‮ للحياة‮ العمومية‮ والسياسية‮ هو‮ تجميد‮ تقارير‮ قضاة‮ المجلس‮ الأعلى‮ للحسابات‮ وتقارير‮ المفتشية‮ العامة‮ للمالية‮ والداخلية،‮ ومنح‮ المدراء‮ والرؤساء‮ والمسؤولين‮ المتورطين‮ في‮ تبديد‮ المال‮ العام‮ حماية‮ قانونية‮ تشجعهم‮ على‮ الاستمرار‮ في‮ سرقاتهم‮.‬
إن‮ مجرد‮ تحريك‮ المتابعة‮ القانونية‮ في‮ حق‮ هؤلاء‮ المسؤولين‮ سيعيد‮ إلى‮ القضاء‮ هيبته‮ على‮ الفور،‮ وسيجعل‮ كل‮ من‮ يتقلد‮ مسؤولية‮ عمومية‮ يستحضر‮ شبح‮ المراقبة‮ والمتابعة‮. بمعنى‮ آخر،‮ سيفهم‮ الجميع‮ أن‮ عهد‮ «‬السيبة‮» داخل‮ المؤسسات‮ العمومية‮ والمنتخبة‮ انتهى،‮ و‮«‬اللي‮ فرط‮ يكرط‮».
ما‮ ظل‮ يحدث،‮ للأسف،‮ طيلة‮ السنوات‮ الأخيرة‮ من‮ «‬تمياك‮» على‮ اللصوص‮ والمبذرين‮ الذين‮ نملأ‮ بفضائحهم‮ أوراق‮ هذه‮ الجريدة،‮ يجب‮ أن‮ ينتهي‮ الآن‮. فبعد‮ الخطاب‮ الملكي‮ الثوري،‮ لم‮ يعد‮ للقضاء‮ أي‮ عذر‮ للتستر‮ على‮ ملفات‮ كل‮ هؤلاء‮ المسؤولين‮ الذين‮ وردت‮ أسماؤهم‮ في‮ تقارير‮ هيئات‮ المراقبة‮ والتفتيش‮.‬
سيقول‮ قائل‮ إننا‮ نطالب‮ بالشروع‮ في‮ حملة‮ لمطاردة‮ الساحرات،‮ وسنجيب‮ بالإيجاب‮. نعم،‮ الشعب‮ يريد‮ حملة‮ تطهير‮ تطيح‮ برؤوس‮ الفساد‮ في‮ المؤسسات‮ العمومية‮ والمنتخبة‮. وإذا‮ كانت‮ تحقيقاتنا‮ ومقالاتنا‮ المعززة‮ بالوثائق‮ والأرقام‮ غير‮ كافية‮ لكي‮ تحرك‮ النيابة‮ العامة‮ المتابعة‮ في‮ حق‮ من‮ نتهمهم‮ بالفساد‮ المالي‮ والإداري،‮ فأمامها‮ تقارير‮ مفصلة‮ أنجزها‮ قضاة‮ محلفون‮ ومتخصصون‮ في‮ الشؤون‮ المالية‮.‬
ولنفترض‮ أن‮ ما‮ ننشره‮ في‮ هذا‮ الركن‮ من‮ تحقيقات‮ حول‮ الفساد‮ والمفسدين‮ تتحكم‮ فيه‮ حسابات‮ خفية‮ تجعل‮ النيابة‮ العامة‮ تحجم‮ عن‮ «‬توريط‮» نفسها‮ في‮ هذه‮ الحروب‮ الخفية،‮ فما‮ الذي‮ يجعلها‮ تحجم‮ عن‮ فتح‮ ملفات‮ المسؤولين‮ التي‮ أنجزها‮ القضاة‮. هل‮ تتحكم‮ في‮ تقارير‮ هؤلاء‮ القضاة‮ المحلفين‮ هم‮ أيضا‮ حسابات‮ خفية‮ تجهل‮ النيابة‮ العامة‮ مراميها‮ وتفضل‮ البقاء‮ بعيدا‮ عن‮ شظاياها؟
إن‮ هيبة‮ الدولة‮ ومصداقية‮ مؤسساتها‮ الدستورية،‮ بما‮ في‮ ذلك‮ المؤسسة‮ الملكية،‮ متوقفة‮ على‮ تفعيل‮ مبدأي‮ المراقبة‮ والمحاسبة‮ القانونية‮ لكل‮ من‮ يمارس‮ السلطة‮ والمسؤولية‮ العمومية‮.
في‮ غياب‮ تفعيل‮ صارم‮ وفوري‮ لهذين‮ المبدأين،‮ سيتم‮ تعويم‮ جميع‮ المرتكزات‮ الأخرى‮ للدستور‮ وتمييعها،‮ تماما‮ كما‮ تم‮ تمييع‮ أغلب‮ المؤسسات‮ الدستورية‮ التي‮ تم‮ إنشاؤها‮ خلال‮ العشر‮ سنوات‮ الأخيرة،‮ والتي‮ ظلت‮ مجرد‮ غرف‮ استماع‮ وتسجيل‮ بدون‮ صلاحيات‮ تنفيذية‮.‬
عندما‮ نرى‮ كيف‮ انتظرت‮ العدالة‮ الفرنسية‮ انتهاء‮ فترة‮ حكم‮ الرئيس‮ السابق‮ جاك‮ شيراك‮ لكي‮ تجبره‮ على‮ الوقوف‮ أمامها‮ للإجابة‮ عن‮ تهم‮ تعود‮ إلى‮ عشرين‮ سنة‮ خلت،‮ نفهم‮ المعنى‮ الحقيقي‮ لمبدأ‮ قوة‮ القانون‮.‬
هناك‮ تهمة‮ وهناك‮ متهم‮ وهناك‮ مسطرة‮ قانونية‮ يجب‮ أن‮ تحترم،‮ بغض‮ النظر‮ عن‮ اسم‮ المتهم‮ ووضعه‮ الاعتباري‮ وشعبيته‮ الكاسحة‮. هذه‮ هي‮ الديمقراطية‮ الحقيقية‮ التي‮ تجعل‮ المواطن‮ البسيط‮ مقتنعا‮ بأن‮ هناك‮ حائطا‮ أخيرا‮ يستطيع‮ الاحتماء‮ به‮ عندما‮ تنهار‮ أمامه‮ جميع‮ الحيطان،‮ هو‮ القضاء‮.‬
لذلك‮ لدي‮ إيمان‮ راسخ‮ بأن‮ الحل‮ الوحيد‮ لإعادة‮ الاعتبار‮ إلى‮ السياسة‮ والعمل‮ الحزبي‮ والعملية‮ الانتخابية‮ هو‮ إعادة‮ الاعتبار‮ إلى‮ مبدأي‮ المراقبة‮ والمحاسبة‮.‬
إلى‮ حدود‮ اليوم،‮ فالمبدأ‮ الوحيد‮ الذي‮ تم‮ تفعيله‮ في‮ المغرب‮ هو‮ مبدأ‮ المراقبة،‮ أي‮ «‬شوف‮ وسكت‮».
الصحافة،‮ «‬ديال‮ بصح‮» طبعا،‮ تراقب‮ يوميا‮. مؤسسات‮ المراقبة‮ الدستورية‮ تنجز‮ تقاريرها‮ سنويا‮. مفتشيات‮ الداخلية‮ والمالية‮ تنجز‮ تقاريرها‮ دوريا‮.
المشكلة‮ أن‮ القضاء،‮ الذي‮ يجب‮ أن‮ يتسلم‮ هذه‮ الملفات‮ ويقوم‮ بدوره‮ في‮ المحاسبة،‮ غائب‮ عن‮ الوعي‮. والسبب‮ هو‮ وجود‮ شرذمة‮ من‮ قدماء‮ محاربي‮ الإصلاح‮ داخل‮ قلعة‮ وزارة‮ العدل‮ والمحيط‮ الملكي‮ يعيقون‮ كل‮ خطوة‮ لتفعيل‮ مبدأ‮ المحاسبة،‮ لأن‮ تفعيل‮ هذا‮ المبدأ‮ سيسقط‮ رؤوس‮ بعض‮ أصدقائهم‮ الذين‮ كانوا‮ وراء‮ اقتراحهم‮ على‮ الملك‮ لشغل‮ مناصبهم‮.
أفراد‮ هذه‮ العصابة،‮ في‮ النهاية،‮ يخافون،‮ إذا‮ اندلعت‮ نيران‮ المتابعات،‮ من‮ أن‮ تصل‮ إلى‮ تلابيبهم،‮ ولذلك‮ يفضلون‮ إخمادها‮ في‮ المهد،‮ حتى‮ ولو‮ أتت‮ على‮ ثياب‮ الوطن‮. «‬المهم‮ تفوتهم‮ وتجي‮ فين‮ ما‮ بغات‮».‬
بعد‮ الخطاب‮ الملكي‮ الأخير،‮ لم‮ تعد‮ ممكنة‮ التضحية‮ بمصالح‮ شرذمة‮ من‮ الانتهازيين‮ والمنافقين‮ والمتملقين‮ على‮ حساب‮ مصلحة‮ وطن‮ بأكمله‮.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.