كومنولث دومينيكا تجدد تأكيد دعمها لمخطط الحكم الذاتي المغربي في الصحراء    نشرة إنذارية: طقس حار وزخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح مرتقبة بعدد من المناطق    الأمم المتحدة/الصحراء.. سيراليون تجدد تأكيد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية    البنك الأوروبي يجدد تأكيد التزامه لفائدة بنيات تحتية مستدامة وشاملة بالمغرب    المغرب أولًا .. ومن يرفع "راية إيران" يسقط في امتحان الوطنية    ترامب: تغيير النظام الإيراني "قد يحصل"    بونو يحبط ريال مدريد ويمنح الهلال تعادلا ثمينا في كأس العالم للأندية    بونو ينقذ الهلال من مقصلة الريال    نادي الدشيرة يبلغ نهائي كأس التميز    المغرب يستعد لإحصاء وطني جديد للماشية ويعد بشفافية دعم الكسابة    الأزهر يثمن "الكد والسعاية" المغربي    احتجاج جديد أمام البرلمان.. خريجو الجامعات يصعّدون ضد شروط الإقصاء في مباريات التعليم    لقجع: المغرب ملتزم بجعل مونديال 2030 نموذجا للاندماج والاستدامة البيئية    انتخاب المغرب نائبا لرئيس المجلس العلمي لاتفاقية اليونيسكو حول حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه    بنعلي وقيوح يبحثان فرص تعزيز الربط القاري وتطوير الصناعات المرتبطة بالطاقات المتجددة والنقل البحري    المغرب يراجع اتفاقه التجاري مع تركيا لتعويض العجز التجاري    نشرة إنذارية.. طقس حار وزخات رعدية مصحوبة ببرد وهبات رياح    فطيمة بن عزة: برامج السياحة تقصي الجهة الشرقية وتكرس معضلة البطالة    الأحمر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    مباحثات رئيس مجلس النواب و"سيماك"    الوداد البيضاوي يستهل كأس العالم للأندية بالخسارة أمام مانشستر سيتي    التوصية بتسريع التقنين وتيسيير التمويل تتوج "مناظرة الاقتصاد التضامني"    تفكيك شبكة دولية لتهريب السيارات المسروقة نحو المغرب عبر ميناء طنجة المتوسط    معرض باريس الجوي.. مزور: 150 شركة طيران تتوفر على وحدة إنتاج واحدة على الأقل بالمغرب    مونديال الأندية.. الوداد يكشف عن التشكيلة الرسمية لمواجهة مانشستر سيتي    السعودية تُعلن فتح باب التقديم لتأشيرات العمرة لموسم 2025 بشروط جديدة وتسهيلات موسعة    ثلاثة مغاربة ضمن قائمة أغلى عشرة لاعبين عرب بمونديال الأندية    السيّد يُهندس مسلسل شارع الأعشى في كتاب    الدرك الملكي يحجز 8 أطنان من الشيرا    إيران: سيطرنا على أجواء الأرض المحتلة اليوم وبداية نهاية أسطورة الدفاع للجيش الصهيوني    النقابة الوطنية لموظفي التعليم العالي تفقد الثقة في إصلاح النظام الأساسي    أفلام قصيرة تتبارى على ثلاث جوائز بالمهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    خامنئي: إيران "لن تستسلم أبدا" للضغوط    التصعيد الاسرائيلي – الإيراني.. تأكيد خليجي على ضرورة وقف إطلاق النار ودعم جهود السلام في المنطقة    فجيج بين ازيزا النادرة والتربية العزيزة.. حكاية واحة لا تموت    دورة تكوينية وورشات فنية لفائدة الأطفال والشباب بالمركز الثقافي لمدينة طانطان    مسرح رياض السلطان يحتضن أمسيات شعرية موسيقية من الضفتين وقراءة ممسرحة لرواية طنجيرينا وأغاني عربية بإيقاعات الفلامينغو والجاز والروك    جلالة الملك يهنئ رئيس السيشل بمناسبة العيد الوطني لبلاده    لقجع: الدعم الاجتماعي المباشر حلقة جديدة ضمن المبادرات الملكية الهادفة إلى صون كرامة المواطن    اعمارة: أنماط التشغيل الجديدة تواجه تحديات غياب التأطير القانوني والحرمان من الحماية الاجتماعية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    أردوغان: "نتنياهو تجاوز هتلر في جرائم الإبادة"    "واتساب" ينفي نقل بيانات مستخدمين إلى إسرائيل    فياريال الإسباني يتعاقد مع لاعب الوسط موليرو لخمس سنوات    مشروع سكني بالغرب يجلب انتقادات    تأجيل محاكمة محمد بودريقة إلى الأسبوع المقبل بطلب نافيا "أكل الشيك"    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    برنامج "مدارات" يسلط الضوء على مسيرة المؤرخ والأديب الراحل عبد الحق المريني    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    الصويرة ترحب بزوار مهرجان كناوة    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج    نصائح ذهبية لحماية المسنين من ارتفاع الحرارة    برلماني يطالب بالتحقيق في صفقات "غير شفافة في مستشفى ابن سينا الجديد        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب‮ الذي‮ نريد
نشر في المساء يوم 24 - 03 - 2011

أحد‮ أهم‮ الفصول‮ في‮ كتاب‮ عالم‮ السياسة‮ الإيطالي‮ الكبير‮ «‬ميكيافيلي‮»‬،‮ يدور‮ حول‮ حاشية‮ الأمير‮.
ونصيحة‮ «‬ميكيافيلي‮» للأمير،‮ لكي‮ يظل‮ في‮ مأمن‮ من‮ كمائن‮ حاشيته‮ ومكرها‮ وشرورها،‮ هي‮ أن‮ يفعل‮ ما‮ بوسعه‮ لكي‮ يظل‮ أفراد‮ هذه‮ الحاشية‮ متخاصمين،‮ لأن‮ اتحادهم‮ وصفاء‮ الأجواء‮ بينهم‮ قد‮ يجعلهم‮ يتحدون‮ ضده‮ ويتواطؤون‮ على‮ الإطاحة‮ به‮.
لذلك،‮ ففي‮ كل‮ البلاطات‮ التي‮ يسود‮ ملوكها‮ ويحكمون‮ هناك‮ خنادق‮ يحفرها‮ أفراد‮ هذه‮ الحاشية‮ يختبئون‮ داخلها‮ ويشنون‮ انطلاقا‮ منها‮ غاراتهم‮ ضد‮ زملائهم‮ في‮ الحاشية،‮ لإضعافهم‮ أمام‮ الملك‮ وجلب‮ غضبه‮ عليهم‮.
المشكل‮ هو‮ عندما‮ تتحول‮ هذه‮ الحروب‮ إلى‮ رياضة‮ وطنية‮ لدى‮ أفراد‮ الحاشية،‮ وتصبح‮ مؤسسات‮ الدولة‮ ووزاراتها‮ وقودا‮ لهذه‮ الحرب‮. هذا‮ بالضبط‮ ما‮ يحدث‮ في‮ المغرب‮.‬
منذ‮ تولي‮ الملك‮ محمد‮ السادس‮ مقاليد‮ الحكم،‮ أحاط‮ نفسه‮ بزملائه‮ في‮ الدراسة‮. وبحكم‮ وظيفة‮ كل‮ واحد‮ منهم‮ داخل‮ المربع‮ الذهبي،‮ كان‮ بعضهم‮ أقرب‮ إلى‮ الملك‮ من‮ البعض‮ الآخر‮.
لكن‮ أحدهم،‮ وبحكم‮ قربه‮ من‮ الملك،‮ استطاع‮ أن‮ يستغل‮ هذا‮ القرب‮ لإعادة‮ صناعة‮ صدر‮ أعظم‮ جديد‮ للمملكة،‮ يتجاوز‮ نفوذه‮ وسلطته‮ وجبروته‮ وتسلطه‮ حدود‮ ما‮ كانت‮ عليه‮ سلطات‮ ونفوذ‮ وتسلط‮ إدريس‮ البصري،‮ وزير‮ الداخلية‮ القوي‮ في‮ عهد‮ الحسن‮ الثاني‮.
ومثلما‮ استعمل‮ فؤاد‮ عالي‮ الهمة‮ قربه‮ من‮ الملك‮ لإشاعة‮ جو‮ من‮ الرعب‮ في‮ عالم‮ السياسة‮ والمال‮ والأعمال،‮ استطاع‮ أيضا‮ أن‮ يشيع‮ الرعب‮ داخل‮ رجالات‮ البلاط‮. وحربه‮ المفتوحة‮ مع‮ الكاتب‮ الخاص‮ للملك،‮ محمد‮ منير‮ الماجدي،‮ وحرب‮ هذا‮ الأخير‮ معه،‮ والتي‮ وصلت‮ أصداؤها‮ إلى‮ صفحات‮ الجرائد‮ والمجلات‮ في‮ أكثر‮ من‮ مناسبة،‮ تعتبر‮ التجسيد‮ الحي‮ للحرب‮ الشرسة‮ داخل‮ المحيط‮ الملكي‮ بين‮ رجال‮ الحاشية‮ الأقوياء‮.
فعندما‮ تجرأ‮ الباكوري،‮ الرئيس‮ العام‮ السابق‮ لصندوق‮ الإيداع‮ والتدبير،‮ وحضر‮ إلى‮ مقر‮ حزب‮ الهمة‮ عشية‮ اكتساح‮ الحزب‮ للانتخابات،‮ رأى‮ الماجدي‮ في‮ هذا‮ التقارب‮ بين‮ الباكروي‮ والهمة‮ تفسيرا‮ منطقيا‮ لما‮ كان‮ يروج‮ من‮ كون‮ الهمة‮ يريد‮ تحويل‮ صندوق‮ الإيداع‮ والتدبير‮ إلى‮ جراب‮ يمول‮ منه‮ مشروعه‮ السياسي‮. فتوصل‮ الباكوري‮ برسالة‮ نصية‮ قصيرة‮ عبر‮ هاتفه‮ النقال‮ تخبره‮ بإقالته‮ من‮ منصبه‮.
وبعد‮ استيعابه‮ جيدا‮ الدرس،‮ تمت‮ المناداة‮ عليه‮ لترؤس‮ وكالة‮ الطاقة‮ الشمسية‮ التي‮ ستعبد‮ الطريق‮ أمام‮ شركة‮ «‬ناريفا‮» التابعة‮ لمجموعة‮ «‬أونا‮» للحصول‮ على‮ مشاريع‮ الطاقة‮ الشمسية‮ والريحية‮.
هكذا،‮ أصبحت‮ مؤسسات‮ المغرب‮ الاقتصادية‮ والمالية‮ والسياسية‮ والإعلامية‮ مقسمة‮ بين‮ نفوذ‮ الرجلين‮ القويين،‮ وكل‮ من‮ يغامر‮ بالاقتراب‮ من‮ المياه‮ الإقليمية‮ للآخر‮ يرى‮ كيف‮ يتعرض‮ «‬رجاله‮» للتنحية‮ السريعة،‮ إلى‮ درجة‮ أن‮ البلاد‮ أصبحت‮ مقسمة‮ إلى‮ قسمين،‮ تتعارك‮ داخلهما‮ المصالح‮ والامتيازات‮ وتتحول‮ فيهما‮ المؤسسات‮ العمومية‮ إلى‮ رقعة‮ شطرنج‮ والمدراء‮ إلى‮ لاعبين‮ يتم‮ تحريكهم‮ وإسقاطهم‮ حسب‮ ما‮ تقتضيه‮ أمزجة‮ اللاعبين‮ الكبار‮.
وإذا‮ كان‮ الماجدي،‮ بحكم‮ مسؤوليته‮ عن‮ ثروة‮ الملك‮ وشؤونه‮ الخاصة،‮ استطاع‮ أن‮ يمد‮ أذرعه‮ باتجاه‮ قطاع‮ المال‮ والأعمال،‮ فإن‮ الهمة‮ استطاع‮ أن‮ يمد‮ أذرعه‮ باتجاه‮ المال‮ والأعمال‮ والسياسة‮ والقضاء‮.‬
هكذا،‮ وطيلة‮ العشر‮ سنوات‮ الأخيرة،‮ لم‮ يعد‮ نفوذ‮ الرجلين‮ مقتصرا‮ على‮ إدارة‮ شؤون‮ الملك‮ المالية‮ والسياسية،‮ وإنما‮ أصبحت‮ للرجلين‮ مصالح‮ خاصة‮ خارج‮ أسوار‮ البلاط‮ يدافعان‮ عنها‮ ويبحثان‮ لتنميتها‮ وتطويرها‮.
وهذا‮ ليس‮ جديدا،‮ فعندما‮ نتابع‮ قضية‮ ورثة‮ رضى‮ كديرة،‮ مستشار‮ الحسن‮ الثاني،‮ التي‮ تروج‮ اليوم‮ أمام‮ القضاء‮ ضد‮ شريكه‮ اليهودي‮ مارسيانو،‮ نكتشف‮ أن‮ ورثة‮ كديرة‮ يطالبون‮ بأراض‮ وعقارات‮ وأموال‮ كانت‮ باسم‮ والدهم‮ ويتهمون‮ مارسيانو‮ بالسطو‮ عليها‮.
السؤال‮ هو‮: من‮ أين‮ جاء‮ كديرة‮ بكل‮ هذه‮ العقارات‮ والأراضي‮ والأموال،‮ إذا‮ كان‮ منصبه‮ كمستشار‮ لا‮ يمنحه‮ أكثر‮ من‮ راتبه‮ الشهري‮ الذي‮ لن‮ يتجاوز‮ عشرة‮ ملايين‮ سنتيم‮ في‮ أحسن‮ الأحوال؟‮
الجواب‮ بسيط‮ للغاية،‮ فالمستشارون‮ والمكلفون‮ بمهمة‮ داخل‮ الديوان‮ الملكي‮ يستفيد‮ أغلبهم‮ من‮ هذه‮ الوظيفة‮ لكي‮ يحصلوا‮ على‮ امتيازات‮ لشركاتهم‮ وشركات‮ عائلاتهم‮. وأكبر‮ مثال‮ على‮ هؤلاء‮ فاضل‮ بنيعيش،‮ المكلف‮ بمهمة،‮ والذي‮ استطاع‮ أن‮ يحصل،‮ هو‮ وأخته‮ السفيرة‮ في‮ البرتغال،‮ على‮ حق‮ استغلال‮ اسم‮ شركة‮ مطاعم‮ «‬لونوطر‮»‬،‮ وعلى‮ صفقات‮ مع‮ مؤسسات‮ عمومية‮ لتزويدها‮ بالمأكولات‮ وحلويات‮ ومشروبات‮ الحفلات‮.
هذا‮ دون‮ أن‮ نتحدث‮ عن‮ ابن‮ المستشار‮ الراحل‮ مزيان‮ بلفقيه‮ الذي‮ ظل‮ يستعمل‮ اسم‮ والده‮ لاحتكار‮ صفقات‮ شركة‮ الطرق‮ السيارة‮ التي‮ يسيرها‮ عثمان‮ الفاسي‮ الفهري،‮ الذي‮ يدين‮ ببقائه‮ طيلة‮ كل‮ هذه‮ السنوات‮ في‮ منصبه‮ لتوصيات‮ بلفقيه،‮ أو‮ عن‮ ابنته‮ الموثقة‮ التي‮ منحها‮ حصار،‮ عندما‮ كان‮ مشرفا‮ على‮ مشروع‮ سلا‮ الجديدة،‮ صفقة‮ تحفيظ‮ جميع‮ شقق‮ المدينة،‮ أو‮ حتى‮ عن‮ «‬ورثته‮» في‮ المجلس‮ الأعلى‮ للتعليم‮ كالسيد‮ عبد‮ اللطيف‮ المودني،‮ السكرتير‮ العام‮ للمجلس،‮ الذي‮ يعتبر‮ نفسه‮ وريث‮ بلفقيه‮ كمكلف‮ بمهمة‮ في‮ الديوان‮ الملكي،‮ والذي‮ يستغل‮ وضعية‮ المجلس‮ الحالية‮ للاستفادة‮ من‮ أربع‮ سيارات‮ ومساعدين،‮ يوجدون‮ تحت‮ إشارته‮ على‮ مدار‮ اليوم‮ والليلة،‮ ومعاملة‮ موظفي‮ المجلس‮ بطريقة‮ دكتاتورية‮ حتى‮ إنه‮ تجرأ‮ على‮ إغلاق‮ الأبواب‮ الثلاثة‮ للمجلس‮ والإبقاء‮ على‮ باب‮ واحد‮ فقط،‮ ضدا‮ على‮ قوانين‮ السلامة‮.
عندما‮ يجمع‮ المستشارون‮ والمكلفون‮ بمهمة‮ والمسؤولون‮ عن‮ الكتابة‮ الخاصة‮ للملك‮ وأصدقاؤه‮ المقربون‮ بين‮ وجودهم‮ في‮ خدمة‮ الملك‮ وبين‮ إشرافهم‮ على‮ مشاريعهم‮ الاقتصادية‮ الخاصة،‮ فإن‮ هذا‮ الخلط‮ لا‮ يسلم‮ من‮ استغلال‮ النفوذ‮.
ولذلك،‮ فالوضع‮ الذي‮ يعيشه‮ المغرب‮ اليوم‮ والذي‮ يفرض‮ علينا‮ جميعا‮ أن‮ نقول‮ الحقيقة‮ للملك،‮ يدفعنا‮ إلى‮ القول‮ إن‮ الجمع‮ بين‮ الوجود‮ داخل‮ المحيط‮ الملكي‮ وبين‮ الوجود‮ داخل‮ محيط‮ المال‮ والأعمال‮ ليس‮ في‮ صالح‮ الملك،‮ لأن‮ تجاوزات‮ هؤلاء‮ المحيطين‮ بالملك‮ تنعكس‮ مباشرة‮ على‮ هذا‮ الأخير،‮ ولأنه‮ من‮ الصعب‮ أن‮ يلجم‮ الإنسان‮ شططه‮ وهو‮ يرى‮ أن‮ الجميع‮ يخاف‮ منه‮ بحكم‮ قربه‮ من‮ الملك،‮ فإن‮ احتمالات‮ الوقوع‮ في‮ التجاوز‮ تبقى‮ كبيرة،‮ وبالتالي‮ فالأنسب‮ لكل‮ من‮ يختار‮ الاشتغال‮ إلى‮ جانب‮ الملك‮ أن‮ يغادر‮ عالم‮ المال‮ والأعمال‮ ويتفرغ‮ لخدمة‮ الملك،‮ لا‮ أن‮ يستغل‮ خدمته‮ للملك‮ من‮ أجل‮ خدمة‮ مصالحه‮ الخاصة‮ وتنمية‮ شركاته‮ ورؤوس‮ أمواله‮.
عندما‮ نشرنا‮ الوثائق‮ التي‮ تثبت‮ أن‮ شركة‮ فؤاد‮ عالي‮ الهمة‮ استفادت،‮ بطريقة‮ غير‮ قانونية،‮ من‮ صفقة‮ منحها‮ إياها‮ علي‮ الفاسي‮ الفهري‮ من‮ أجل‮ تمرير‮ مشروع‮ إدماج‮ مكتبي‮ الماء‮ والكهرباء‮ في‮ مكتب‮ واحد،‮ وقلنا‮ إن‮ هذه‮ الشركة‮ تستفيد‮ من‮ مليار‮ ومائتي‮ مليون‮ سنويا‮ لمصاحبة‮ مفاوضات‮ المغرب‮ والبوليساريو،‮ بدون‮ المرور‮ عبر‮ طلبات‮ عروض‮ كما‮ تنص‮ على‮ ذلك‮ مذكرة‮ الوزير‮ الأول،‮ فإننا‮ كنا‮ نقدم‮ الدليل‮ الواضح‮ على‮ استغلال‮ القرب‮ من‮ الملك‮ وصداقته‮ من‮ أجل‮ تحقيق‮ مكاسب‮ مادية‮ شخصية‮.
عوض‮ أن‮ يجيب‮ الهمة‮ الرأي‮ العام‮ ودافعي‮ الضرائب‮ عن‮ هذه‮ الاتهامات‮ الخطيرة،‮ فضل‮ أن‮ يجند‮ «‬مخابراته‮» بحثا‮ عن‮ طريقة‮ يرد‮ بها‮ الصاع‮ صاعين‮ لمن‮ يعتبرهم‮ محركي‮ الحرب‮ الإعلامية‮ ضده‮.
وبالنسبة‮ إلى‮ الهمة‮ الذي‮ تعود‮ أن‮ يغازله‮ الجميع‮ ويفرشوا‮ له‮ الورود‮ أينما‮ حل‮ خوفا‮ أو‮ تزلفا،‮ فإن‮ من‮ يتجرأ‮ على‮ انتقاده‮ لا‮ بد‮ وأن‮ يكون‮ مدفوعا‮ من‮ طرف‮ خصومه‮ داخل‮ البلاط‮ الملكي‮.
وهو‮ رد‮ الفعل‮ نفسه‮ الذي‮ أبداه‮ مؤرخ‮ المملكة‮ السابق،‮ حسن‮ أوريد،‮ الذي‮ ربط‮ مباشرة‮ ما‮ كتبناه‮ حول‮ تجاوزاته‮ عندما‮ كان‮ واليا‮ على‮ مكناس‮ بمؤامرة‮ نسج‮ خيوطها‮ الهمة‮ وأجهزة‮ مخابراته‮ لمعاقبته‮ على‮ بصقه‮ في‮ طنجرة‮ المخزن‮ التي‮ أكل‮ منها‮.
صحيح‮ أن‮ الهمة‮ كان‮ وراء‮ طرد‮ أوريد‮ من‮ المربع‮ الذهبي،‮ لكن‮ الهمة‮ ليس‮ هو‮ من‮ علم‮ أوريد‮ كيف‮ يتحول،‮ في‮ ظرف‮ خمس‮ سنوات،‮ من‮ موظف‮ بسيط‮ إلى‮ ملياردير‮ هو‮ وأخوه‮ الذي‮ افتتح‮ قبل‮ يومين،‮ وأمام‮ خمارته،‮ فندقا‮ فخما‮ في‮ عمارة‮ كانت‮ تابعة‮ لمقر‮ «‬الديستي‮» في‮ شارع‮ النصر‮ بالرباط‮.‬
وإذا‮ كان‮ المحيط‮ الملكي‮ قد‮ تخلص‮ من‮ أوريد‮ الذي‮ أبلى،‮ باسم‮ القصر،‮ البلاء‮ الحسن‮ في‮ ممتلكات‮ الدولة‮ وأراضيها،‮ فإن‮ المطلوب‮ اليوم‮ هو‮ تخليص‮ هذا‮ المحيط‮ من‮ مصاصي‮ دماء‮ آخرين‮ يختفون‮ وراء‮ الملك‮ لكي‮ ينهبوا‮ أراضي‮ الناس‮ ويجردوهم‮ من‮ ممتلكاتهم‮ باستعمال‮ القضاة‮ الفاسدين‮ الذين‮ ترتعد‮ فرائصهم‮ بمجرد‮ سماعهم‮ صوت‮ أحذية‮ رجال‮ القصر‮ وهم‮ يقتربون‮ من‮ مكاتبهم‮.
إن‮ السؤال‮ اليوم‮ ليس‮ هو‮ من‮ يحرك‮ الحملة‮ ضد‮ الهمة‮ أو‮ الماجدي‮ أو‮ غيرهما‮ في‮ الشوارع‮ خلال‮ المسيرات‮ الاحتجاجية،‮ وإنما‮ السؤال‮ هو‮ متى‮ سيغادران‮ عالم‮ المال‮ والأعمال‮ والسياسة‮ ويتفرغان‮ لخدمة‮ الملك؟‮
إن‮ مغادرة‮ أقرب‮ المقربين‮ إلى‮ الملك‮ للساحة‮ السياسية‮ والمالية‮ سيفتح‮ باب‮ المغادرة‮ أمام‮ العشرات‮ من‮ المحيطين‮ بالملك‮ والذين‮ ظلوا‮ يستغلون‮ هذا‮ القرب‮ لترويع‮ أوساط‮ المال‮ والأعمال‮ والحصول‮ على‮ صفقات‮ بشروط‮ تفضيلية‮ وبدون‮ أدنى‮ منافسة‮..
هؤلاء‮ المحظوظون‮ الذين‮ ما‮ إن‮ يشهروا‮ بطاقات‮ زياراتهم‮ التي‮ يظهر‮ عليها‮ التاج‮ حتى‮ تنفتح‮ أمامهم‮ الأبواب‮ ويهجرهم‮ مفتشو‮ الضرائب‮ إلى‮ الأبد‮.
إن‮ كثيرا‮ من‮ ملفات‮ الفساد‮ الإداري‮ والمالي‮ تذهب‮ مباشرة‮ إلى‮ الحفظ‮ بسبب‮ وجود‮ أسماء‮ بعض‮ هؤلاء‮ السادة‮ ضمن‮ لائحة‮ المتورطين‮.
بعد‮ الخطاب‮ الملكي‮ الأخير‮ الذي‮ تحدث‮ عن‮ المراقبة‮ والمحاسبة،‮ يجب‮ أن‮ يفهم‮ القضاء‮ أن‮ حصانة‮ هؤلاء‮ الناس‮ قد‮ سقطت،‮ وأن‮ من‮ يخرق‮ القانون‮ يجب‮ أن‮ ينتهي‮ أمام‮ المحكمة،‮ «‬يكون‮ شكون‮ ما‮ بغا‮ يكون‮».
هذا‮ هو‮ المغرب‮ الذي‮ نريد‮.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.