واشنطن طلبات من إسرائيل تعطي إجابات بخصوص "المقابر الجماعية" ف غزة    هذه توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    اتفاقية الصيد البحري..حجر ثقيل في حذاء علاقات إسبانيا والمغرب!    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    لا تيتي لا حب لملوك: اتحاد العاصمة دارو ريوسهم فالكابرانات وتقصاو حتى من كأس الجزائر    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    الشاطئ البلدي لطنجة يلفظ جثة شاب فقد الأسبوع الماضي    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    أخنوش يرد على خصومه: الدولة الاجتماعية ليست مشروعا ل"البوليميك" والحكومة أحسنت تنزيله    مكافأة مليون سنتيم لمن يعثر عليه.. هذه معطيات جديدة عن حيوان غريب ظهر في غابة    بالأرقام .. أخنوش يكشف تدابير حكومته لمساندة المقاولات المتضررة جراء الأزمة الصحية    سانشيز: أفكر في إمكانية تقديم الاستقالة بعد الإعلان عن فتح تحقيق ضد زوجتي بتهمة استغلال النفوذ والفساد    هادي خبار زينة.. أسماء المدير مخرجة "كذب أبيض" فلجنة تحكيم مهرجان كان العالمي    قميصُ بركان    مطار مراكش المنارة الدولي: ارتفاع بنسبة 22 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    طقس الخميس.. أجواء حارة وقطرات مطرية بهذه المناطق    المغرب ومنظمة "الفاو" يوقعان على وثيقة "مستقبل مرن للماء" بميزانية 31.5 مليون دولار    تسريب فيديوهات لتصفية حسابات بين بارونات بتطوان    اللجنة الجهوية للتنمية البشرية بالشمال تصادق على برنامج عمل يضم 394 مشروعا برسم سنة 2024    الجزائر تتوصل رسميا بقرار خسارة مباراة بركان و"الكاف" يهدد بعقوبات إضافية    بنكيران يهاجم أخنوش ويقول: الأموال حسمت الانتخابات الجزئية    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    أخنوش مقدما الحصيلة المرحلية: إجراءات الحكومة هدفها مناعة الأسرة التي هي "النواة الصلبة لكل التدخلات"    خارجية أمريكا: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    سنطرال دانون تسلط الضوء على التقدم المحقق في برنامج "حليب بلادي" لفلاحة مستدامة ومتجددة    أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المدينة العتيقة لطنجة تواجه المستقبل بحنين إلى الماضي
نشر في المساء يوم 02 - 09 - 2008

تعكس المدينة القديمة الوجه الآخر لمدينة البوغاز، بأزقتها الضيقة الملتوية ومعالمها التاريخية الشاهدة على حضارتها، لقد كانت عاصمة موريتانيا الطنجية في عهد الرومان وهدية «غيلينا» ملكة البرتغال للأمير شارل الثاني، التي شكلت رفقة بومباي جوهرة التاج البريطاني. وكانت أيضا مكان أول بناية أمريكية خارج الولايات المتحدة، إنها تراث عالمي بكل المقاييس.
شوارع مزدحمة وحركة مرور كثيفة وبنايات تنتشر كالنار في الهشيم بجوانب المدينة تلتهم ما تبقى من مساحات فارغة، هذه بعض مظاهر طنجة في ثوبها الجديد، فتطور المدينة في العشر سنوات الأخيرة واتساع أوراش الشغل فيها جعل منها قبلة يؤمها المغاربة من كل الأقاليم، إما بحثا عن العمل والاستقرار أو لانتظار فرصة للوصول إلى أوربا. هذا التدفق السكاني والحركة العمرانية أثرا بشكل كبير على المدينة التي لم يكن يتعدى عدد سكانها سنة 1950 المائة وخمسين ألف نسمة منها عشرون ألفا من الإسبان.
لكن العمل أو الهجرة ليسا وحدهما دافع القدوم إلى طنجة، فسحر المدينة وتاريخها وشهرتها المتنامية أسالت لعاب العديد من الأوربيين ودفعت بهم إلى التوجه للمدينة من أجل الإقامة أو للحصول على منزل يرتادونه أثناء الصيف، وغالبا ما تكون الوجهة المفضلة هي المدينة القديمة «لأنها أكثر دينامية حيث الأطفال يلعبون في الزقاق والناس طيبون والحياة أكثر متعة» تقول مونيك، إحدى الفرنسيات اللائي اخترن شراء منزل في المدينة القديمة، هربا من «فرنسا الحزينة حيث العمل والناس لا يخرجون من البيوت»، حسب مونيك التي كانت تحتسي فنجان قهوة بمقهى سنطرال وسط المدينة القديمة بساحة السوق الداخل.
نكهة تقليدية في مدينة عصرية
تعكس المدينة القديمة الوجه الآخر لمدينة البوغاز، بأزقتها الضيقة الملتوية ومعالمها التاريخية الشاهدة على حضارتها، لقد كانت عاصمة موريتانيا الطنجية في عهد الرومان وهدية «غيلينا» ملكة البرتغال للأمير شارل الثاني، التي شكلت رفقة بومباي جوهرة التاج البريطاني. وكانت أيضا مكان أول بناية أمريكية خارج الولايات المتحدة، إنها تراث عالمي بكل المقاييس.
من طنجة أيضا كان انطلاق الفتوحات نحو الأندلس على يد طارق بن زياد، كما جعل منها المرابطون والموحدون معقلا لتنظيم جيوشهم وحملاتهم، ودخول الإسبان والبرتغاليين وكذا الإنجليز إلى طنجة ترك بصمات واضحة بالمدينة كالأسوار والكنائس، قبل أن تسترجع دورها الدبلوماسي والتجاري كبوابة على البحر المتوسط فشيدت الأبواب والحصون وازدهرت الحياة فبنيت القصور والنافورات والقنصليات والإقامات الخاصة بالمقيمين الأجانب، حتى أصبحت طنجة عاصمة دبلوماسية بعشر قنصليات وخمسة مكاتب بريد دولية بالإضافة إلى 50 بنكا مختلف الجنسيات.
بموقعها المطل على الميناء وعلى مرمى حجر من إسبانيا تتميز المدينة العتيقة بطبيعة عمرانها الذي يعكس الطابع الدولي للمدينة، فخلافا لبعض المدن العتيقة الأخرى كفاس ومراكش التي تتميز منازلهما بأبوابها الصغيرة ونوافذها الضيقة، يغلب الطابع الإسباني على منازل طنجة العتيقة، حيث النوافذ الكبيرة المطلة على الخارج والشرفات (البلكونات) التي لا وجود لها في أي مدينة عتيقة أخرى، ويرجع ذلك إلى الاحتكاك الأوربي خاصة الإسباني. «الإسبان كانوا يفرون من المجاعة في أندلوسيا ويأتون إلى طنجة حيث الرواج والرخاء، وهؤلاء المهاجرون أثروا على معمار وهندسة طنجة»، يقول أحد أبناء المدينة القديمة.
الزخرفة لا تقتصر على المنازل بل تشمل السكان أيضا، فصفة التعددية كانت و لا تزال أصل المدينة وهذا يظهر جليا من خلال بعض أسماء الأزقة مثل زنقة الشرفاء وزنقة المسيحيين وعقبة فرانسيس، وغيرها من الأسماء التي تشهد على مظاهر التعددية الثقافية والتعايش بين سكان من مختلف الأديان والثقافات، هذا التعايش الذي كان يطبع المدينة ولا يزال، يبرز أكثر من خلال المسجد الذي لا تفصله سوى أمتار قليلة عن الكنيسة، وكذا من خلال هندسة بعض المنازل والدروب التي لا يتعدى اتساعها المتر الواحد حيث من الممكن لنافذة بيت أن تطل على غرفة في البيت المقابل.
مدينة متعددة الجنسيات والمعالم
في ساحة السوق الداخل، القلب النابض للمدينة القديمة، تتجسد بوضوح معالم طنجة الدولية، فبين مقهى «سنطرال» ونزل «فوينتيس» المقابل ومقهى «طودو سييمبري» في الجهة الأخرى ينتشر عشرات الأجانب من جنسيات مختلفة لتناول الفطور أو للاستراحة واحتساء كأس من الشاي تحت نغمات طرب الآلة الأندليسة أو إحدى روائع العندليب الأسمر، وتجدهم بين الفينة والأخرى يلتقطون صورا لما بقي من أطلال شاهدة على تاريخ المكان.
«أجانب من إسبانيا وفرنسا وألمانيا وحتى من أستراليا يأتون إلى هذه الساحة»، يعلق نادل بمقهى سنطرال وهو يحرك حزمة النقود المربوطة في الجانب الأيسر لسرواله وعيناه تذهبان يمينا ويسارا لمراقبة زبون متردد في الجلوس ليرحب به بكلمات بكل اللغات، بينما تمر أسراب السياح بين الفينة والأخرى جيئة وذهابا من أمام المقهى في اتجاه زنقة الصياغين حيث المنتوجات التقليدية، أو نزولا في اتجاه المسجد الأعظم أو الجامع الكبير، هذا المسجد الذي بني في موقع معبد روماني تحول إلى كنيسة إبان الاستعمار البرتغالي ليصبح مسجدا من جديد سنة 1684، وعرف عدة أعمال ترميم وتوسيع كانت آخرها عقب زيارة الملك محمد السادس لطنجة وصلاته بالمسجد سنة 1999.
«طنجة جات فحال القنطرة.. اللي ماشي لأوربا كيدوز منا ولي ماشي لإفريقيا كيدوز منا».. يردف النادل بالقول في الوقت الذي ترتفع فيه نغمات أغنية أندلسية تطالب الصبح بالاستمرار «أحسنت يا صبح في تآلفنا.. لله يا صبح طول وزد وزد».
تتميز ساحة سوق الداخل أو سنطرال كما يحلو للبعض تسميتها بتاريخ خاص. ففي مقهى فوينتس كان يجلس أنصار فرانكو إبان الحرب الأهلية الإسبانية ويقابلهم معارضوه في الجهة الأخرى، أي في مقهى سنطرال، وتجدهم إما أصدقاء وإما أعداء يتبادلون الشتائم بحسب الأخبار القادمة من الضفة الأخرى، حيث تشتد أوزار الحرب. كما كانت هذه الساحة تحتضن مكاتب البريد الفرنسي والإسباني والإنجليزي، كما كانت بهذا المكان دار النيابة حيث كان نائب السلطان الذي عينه محمد بن عبد الله لتركيز البعثات الأجنبية في طنجة ومنع تسربها إلى داخل البلاد، والآن تحولت هذه البناية إلى مقاطعة.
مثل المدن التاريخية الأخرى تحيط بطنجة العتيقة أسوار من كل الجهات تلف الأحياء الخمسة للمدينة، القصبة ودار البارود وجنان القبطان وواد أهرضان و بني إيدر. هذه الأسوار التي يحتمل أنها بنيت فوق أسوار المدينة الرومانية «تنجيس» عرفت عدة أشغال ترميم منذ الفترة البرتغالية لتحصين المدينة من الأخطار الأجنبية أضيفت إليها في عهد مولاي إسماعيل وسيدي محمد بن عبد الله أربعة أبراج، كما فتحت بها 13 بابا من بينها باب البحر وباب العسة وباب المرسى.
وفي الجهة الأخرى للمدينة تتموقع القصبة أو دار المخزن، حيث بني قصر السلطان مولاي إسماعيل على أنقاض القلعة الإنجليزية «يوبير كاستل» وكانت ترتكز فيه العديد من المرافق الأساسية للمدينة كبيت المال والسجون، وكانت تمثل المنطقة العسكرية الإدارية قبل أن يتم تحويل البناية إلى متحف لطنجة سنة 1938.
من بين أشهر المعالم في المدينة العتيقة بطنجة نجد السفارة الأمريكية، التي تعتبر أقدم بناية في ملكية الولايات المتحدة خارج التراب الأمريكي، بعد أن أهداها السلطان مولاي سليمان للجمهورية الشابة سنة 1821، واستعملت كسفارة أمريكية بالمغرب لمدة تزيد عن 130 سنة لتصبح سنة 1976، في الذكرى ال200 لاستقلال الولايات المتحدة، متحفا للفن المعاصر ومركزا ثقافيا يشتمل على معرض للوحات فنانين مغاربة كما يضم مكتبة تتوفر على مراجع نادرة.
وعلى بعد أمتار قليلة توجد معلمة هي الأخرى لها تاريخ خاص ويتعلق الأمر بالكنيسة الإسبانية التي اشتراها السلطان محمد بن عبد الله من عائلة يهودية وأهداها إلى الحكومة السويدية لتؤسس بها أول قنصلية لها بالمغرب سنة 1788، وبعد ذلك استغلها الحاكم الإسباني وجعل منها إقامة للبعثة الكاثوليكية، فبنى بها كنيسة سماها على السيدة مريم أم المسيح عليه السلام، لكن منذ ثلاثة عقود لم يعد يتردد المسيحيون على الكنيسة وأصبحت تعنى بأنشطة اجتماعية مختلفة.
حضارة يطالها الإهمال
إذا كانت بعض المعالم أنصفها التاريخ ومازالت صامدة أمام المد الذي طال المدينة، فهناك من البنايات والمعالم من طالها الإهمال وتركت عرضة لوابل الأيام، منها من ذهب إلى مزبلة التاريخ ومنها ما هو في الطريق إليها، فبرج السلام المطل على الميناء تحول إلى مرآب تقف فيه سيارات الوافدين على أحد الفنادق، ومن أراد إلقاء نظرة فوقية على الميناء فيجب أن يأخذ إذن الحارس، والبريد الإنجليزي تحول إلى متجر، أما بنك الدولة المغربية في الفترة الدولية فأصبح بازارا. «هناك العديد من المعالم التاريخية التي تتلاشى كالباب الرومانية بدار البارود وباب برتغالي قرب الزاوية الدرقاوية، وكلما دعت جمعيات إلى إنقاذ هذه المعالم لا تجد مساعدة حقيقية»، يصرح رشيد التفرسيتي، رئيس جمعية البوغاز وأحد أبناء المدينة القديمة.
ومن النماذج الشاهدة على الإهمال مسرح سيرفانتس، هذه البناية التي تؤرخ لمرحلة العصر الذهبي لطنجة، حيث كان ملتقى للمفكرين والمبدعين من مختلف بقاع العالم منذ تأسيسه سنة 1911. وخلال 50 سنة استمر مسرح سيرفانتيس في احتضان العديد من روائع الفن المسرحي سواء منها العربية مثل مجنون ليلى وصلاح الدين الأيوبي، أومسرحيات عالمية مثل روميو وجولييت وعطيل للكاتب الشهير ويليام شكسبير، كما كان المسرح قبلة للعديد من المغنيين حيث يقومون بإحياء سهرات وأمسيات جعلت من طنجة مدينة لها وقعها في الساحة الثقافية الدولية، فلولا مساعدة عاجلة من الحكومة الإسبانية لترميم المسرح لاستمرت الرياح في تقاذف تراب جدرانه.
من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من تراث المدينة العتيقة تقوم بعض الجمعيات بشراكات مع مؤسسات أجنبية بترميم بعض المعالم والمحافظة على بعض من تاريخ المدينة العتيقة، كما هو الشأن بالنسبة إلى جمعية البوغاز التي عقدت شراكة مع الخارجية الإيطالية وبعض الهيئات لتحويل منزل العلامة عبد الله كنون إلى مركز ثقافي وإعادة ترميمه مع الحفاظ على طابعه التقليدي وهندسته. لكن الأمر يبقى محدودا، فعدد من المنازل الأخرى مازالت تعاني الإهمال والتهميش مثل منزل محمد بنعلي الرباطي، أول رسام مغربي يعرض لوحاته بأوربا، الذي تحول إلى خراب.
لطفي الشرايبي الكاتب العام لجمعية «البوغاز»: لا يعقل ألا تتوفر المدينة القديمة على مكتبة أو مركز ثقافي
- كيف ترى طنجة بين الأمس واليوم؟
< عندما نتحدث عن ماضي طنجة فإننا نقصد طنجة في الفترة الدولية، ومن جهة أخرى نتحدث عن طنجة في السبعينات والثمانينات مدينة منسية حيث كل شيء بها عشوائي.
وحتى لا تكون لنا نظرة نوستالجية يمكن القول بأن طنجة تمثل الآن قاطرة المغرب الجديد بحكم المشاريع الكبرى التي تشهدها المدينة، على رأسها مشروع الميناء المتوسط وبعض المشاريع السياحية الضخمة، لكن ما أصبحنا نفتقده في طنجة هو الجانب الثقافي، فالمدينة تعرف توسعا عمرانيا شرسا وهذا أمر طبيعي بما أنها في تطور، لكن المشكلة هي أن هذه النهضة العمرانية لا تواكبها نهضة سوسيوثقافية مع العلم أن المدينة تتوفر على ذاكرة حية ألهمت العديد من الشعراء والفنانين المغاربة والأجانب، كما أصبحت المدينة تفتقد منتوجا سياحيا محليا تنفرد به لأن السائح يبحث دائما عن شيء يتذكر به المدينة، وإذا أردنا منتوجا محليا يجب رد الاعتبار للمدينة العتيقة.
- ماذا تمثل المدينة العتيقة؟
< المدينة العتيقة هي فضاء مشحون بالذاكرة، والتاريخ يشهد على ذلك. وطنجة كانت عبر العصور ملتقى الثقافات والحضارات بحكم موقعها، ومع الأسف لم نعط لهذا الفضاء الاعتبار الذي يستحقه، فعندما نتحدث عن الحفاظ على التراث لا يعني أن نتركه مغلقا ولا نلمسه، بل يجب إحياؤه كما هو الحال في العديد من المدن الأوربية حيث تقام في المعالم التاريخية أنشطة مدرة للربح وفي نفس الوقت يحافظ المكان على رونقه التاريخي، فطنجة يمكن اعتبارها متحفا في الهواء الطلق ويمكن الاستفادة من الأمر إذا أحسن استغلال معالمها.
- من الأمور البارزة في المدينة العتيقة كثرة الأجانب الذين يختارون الاستقرار بها، هل يمكن أن تتحول طنجة إلى مراكش أخرى؟
< لا أعتبر الأمر استعمارا جديدا لكنها ظاهرة مغربية بامتياز، نحن لن نمنع الأجانب من القدوم إلى المدينة العتيقة، لكن في الوقت نفسه يجب ألا نترك المدينة تتحول إلى فضاءات مغلقة خاصة بالأجانب كما هو حاصل في مراكش ومدن أخرى، فالمدينة العتيقة تحتاج إلى مشروع متكامل يأخذ بعين الاعتبار الجانب الاجتماعي والاقتصادي والثقافي ونعطي الفرصة لساكنة المدينة العتيقة لتتأهل اجتماعيا واقتصاديا لكي يبقوا في مساكنهم ويحافظوا عليها ولا يبيعونها للأجانب. ماذا نجد في المدينة العتيقة الآن؟ شباب عاطل، مخدرات، فساد.. ومع الأسف هناك فتور في العمل الجمعوي وتركت المدينة لحال سبيلها، والمواطن عندما لا يجد أنشطة ومرافق يذهب للجلوس في المقهى.
- ما هو في رأيكم السبب وراء هذا الفتور الثقافي الذي تعرفه المدينة؟
< السبب الأساسي هو اندثار العديد من المراكز الثقافية والمكتبات، فلا يعقل ألا تتوفر المدينة القديمة بتاريخها العريق على مكتبة أو مركز ثقافي. هناك بعض الجمعيات التي تهتم بالمدينة العتيقة لكنها لا تتوفر على الإمكانيات الكافية وتبقى قوة اقتراحية. كما تفتقد الجمعيات التكوين الكافي والموارد البشرية المؤهلة.
- أين يبرز دور السكان؟
< المواطن الطنجي بصفة عامة لا يعرف مدينته جيدا، وفي هذا الإطار يدخل دور المدرسة، لأنه من الرائع أن يقوم بعض الأساتذة بتنظيم جولات يعتبرونها عملا تطبيقيا ليطلعوا التلاميذ على بعض المرافق والمعالم لتعريفهم بتاريخ مدينتهم ويحسسونهم بالحفاظ على المكان لأن الشخص عندما يعرف قصة المكان يحافظ عليه.
- كيف جاءت فكرة تحويل منزل عبد الله كنون إلى مركز ثقافي في الذكرى المئوية لميلاده؟
< يدخل هذا المشروع في إطار إعادة تأهيل المدينة العتيقة بشراكة مع جمعية «كوسبي» الإيطالية وبتمويل من وزارة الخارجية الإيطالية. بدأ الإعداد للمشروع سنة 2002 بمدينة فينيزيا الإيطالية. ويهدف المشروع إلى النهوض بالعمل الثقافي داخل المدينة من خلال إعادة تأهيل بعض المعالم المهمة في المدينة العتيقة، وفي نفس الوقت تأهيلها اقتصاديا عبر إحياء بعض الحرف التقليدية.
- لماذا اختيار منزل عبد الله كنون؟
< أولا لغياب مراكز ثقافية وطنية بالمدينة، والسبب الأهم هو الاعتراف بشخص عبد الله كنون كمفكر ورجل سياسة ورجل دين كما تشهد سيرته على ذلك، وهو شخص أعطى الكثير للمغرب. ولو قمنا بنفس الأمر مع مجموعة من رجال المغرب فأظن أننا سنكون في القمة.
بالنسبة إلى المنزل سيكون بمثابة متحف صغير يعرض بعض أثاث عبد الله كنون، وسيكون في نفس الوقت فضاء جمعويا يحتضن مقر جمعية «البوغاز» ومؤسسة عبد الله كنون، وتقام فيه أنشطة لفائدة المواطنين لتشجيعهم على الانخراط في العمل الثقافي بالمدينة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.