بنك المغرب: 71 بالمائة من المقاولات تعتبر مناخ الأعمال عاديا    كيوسك السبت | التجارة الإلكترونية بالمغرب تلامس 2200 مليار سنتيم سنويا    الصحافة الفرنسية تفتح ملف رئيس مسجد باريس وعلاقاته المريبة بالنظام العسكري الجزائري    زوما يصفع من جوهانسبرغ النظام الجزائري والموالين له بجنوب أفريقيا: نجدد دعمنا لمغربية الصحراء وعلم جنوب إفريقيا رمز للشعب وليس أداة بيد السلطة    الحرب في أوكرانيا.. ترامب سيلتقي بوتين في 15 غشت في ألاسكا    فتح بحث قضائي مع ضابط شرطة بمراكش بعد تداول فيديو يوثق شبهة رشوة    تمديد فترة الميركاتو الصيفي بالمغرب إلى غاية 25 غشت    مجلس الأمن الدولي يعقد اجتماعا طارئا الأحد بشأن خطة إسرائيل السيطرة على غزة        المقاتل المغربي الرشيدي يرفع التحدي في بطولة PFL إفريقيا    رئيس جنوب إفريقيا الأسبق يدافع عن زيارته للمغرب        الشان يؤخر صافرة بداية البطولة الوطنية في قسميها الأول والثاني        أربع أولويات كبرى ضمن مشروع قانون المالية 2026        حرائق كاليفورنيا .. 2000 هكتار في ساعات وأوامر إخلاء عاجلة للسكان    فتح تحقيق مع ضابط أمن للاشتباه في تورطه في طلب رشوة من سائق سيارة    تيزنيت : شبهات تواطؤ بين مسؤولين ولوبي العقار في قضية الواد المدفون    الولايات المتحدة.. ترامب يعين مستشاره الاقتصادي عضوا في مجلس البنك المركزي    مشروع قانون مالية 2026.. 60% من الاستثمارات للمناطق القروية والجبلية وبرامج اجتماعية لتعزيز العدالة المجالية    أسود البطولة يرفعون التحدي قبل مواجهة كينيا    فرنسا تندد ب"شدة" بخطة الحكومة الإسرائيلية لاحتلال غزة بالكامل    قانون مالية 2026.. مواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية والحفاظ على التوازنات المالية    شيخ الطريقة القادرية البودشيشية في ذمة الله    موجة حر مع درجات حرارة تصل الى 48 بعدد من مناطق المغرب    الحضري: بونو يستحق الأفضل في العالم    تداولات بورصة البيضاء تنتهي بالأخضر    وقفات مغربية تواصل مناصرة غزة    "أولمبياد تيفيناغ" .. احتفاء بالهوية عبر منافسات تربوية في الحرف واللغة    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    المغرب يحتفي بأبنائه في المهجر ببرامج صيفية تعزز الانتماء للوطن وتواكب ورش الرقمنة (صور)    عيطة الحال ... صرخة فنية من قلب البرنوصي ضد الاستبداد والعبث    الرباط تحتضن النسخة الأولى من «سهرة الجالية» بمناسبة اليوم الوطني للمهاجر    المعرض الوطني للطوابع والمسكوكات يتوج نسخته الثانية في مدينة خنيفرة بندوة علمية حول تاريخ النقود والبريد    مدافع برشلونة إينيغو مارتينيز في طريقه إلى النصر السعودي    الجمارك المغربية تجدد إجراءات الرقابة على المعدات العسكرية والأمنية    المغرب في قائمة الوجهات الأكثر تفضيلا لدى الإسبان في 2025    بطولة إسبانيا.. مهاجم برشلونة ليفاندوفسكي يتعرض للإصابة    بطولة أمم إفريقيا للمحليين.. بوابة اللاعبين المحليين صوب العالمية    وفاة الفنان المصري سيد صادق    مقاييس الأمطار المسجَّلة بطنجة ومناطق أخرى خلال ال24 ساعة الماضية    لطيفة رأفت تعلق على "إلغاء حفلين"    النجم الحساني سعيد الشرادي يغرد بمغربية الصحراء في مهرجان "راب افريكا"        العربيّ المسّاري فى ذكرىَ رحيله العاشرة    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    مسؤول أممي يرفض "احتلال غزة"    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    المغرب يواجه ضغوطا لتعقيم الكلاب الضالة بدل قتلها    تسجيل 4 وفيات بداء السعار في المغرب خلال أشهر قليلة    "دراسة": تعرض الأطفال طويلا للشاشات يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب    من هم الأكثر عرضة للنقص في "فيتامين B"؟        الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حينما قال الحسن الثاني: الشرطي يبقى دائما شرطيا..
بسبب رغبة إدريس البصري في معرفة كل ما يقع داخل الإذاعة والتلفزة
نشر في المساء يوم 08 - 09 - 2011

ينبش الإعلامي محمد بن ددوش في ذاكرته الإذاعية قبل 60 سنة، ويسجل في كتابه «رحلة حياتي مع الميكروفون» مجموعة من الذكريات والمشاهدات التي استخلصها
من عمله في مجال الإعلام السمعي البصري، وهي ذكريات موزعة على عدد من الفصول تبدأ بأجواء عودة الملك الراحل محمد الخامس من المنفى، وانطلاقة بناء الدولة المستقلة بعد التحرر من الاحتلال الفرنسي والإسباني، مبرزا موقع الإذاعة المغربية في خضم التيارات السياسية التي عرفتها الساحة المغربية في بداية عهد الاستقلال ومع توالي الحكومات الأولى وتعاقب المديرين الأوائل على المؤسسات الإعلامية. ويرصد الكتاب مكانة وعلاقة الملك الراحل الحسن الثاني بعالم الصحافة ومكانة الإذاعة والتلفزة في حياته، مع الانطباعات التي سجلها المؤلف خلال مواظبته على تغطية الأحداث الهامة التي عاشتها المملكة، وفي مقدمتها حدث المسيرة الخضراء وهيمنة الداخلية على الإذاعة والتلفزة، وضمن الكتاب وقائع تاريخية تنشر لأول مرة حول احتلال الإذاعة خلال محاولة الانقلاب التي كان قصر الصخيرات مسرحا لها في سنة 1971.
إن الهاجس المخابراتي لإدريس البصري هو مصدر تطلعه الدائم إلى معرفة كل صغيرة وكبيرة، وهذا ما أكده لي العامل عبد السلام الزيادي عندما انتقلنا إلى الإذاعة، حيث قال لي: إنه بوليسي، ألا تعرف هذا؟ إنه بوليسي يريد أن يعرف كل شيء وقد صدق الحسن الثاني حين قال في حق إدريس البصري، «الشرطي يبقى دائما شرطيا» .
وهكذا وبعد أيام قليلة، جاءت موجة الداخلية لتطبق على الإذاعة والتلفزة بمسؤولين جدد استقدموا من وزارة الداخلية التي انفتح أمامها هذا المجال الإعلامي الهام لتتصرف فيه كما شاءت أهواؤها لعدة سنوات، ورغم انفصال وزارة الإعلام فيما بعد عن وزارة الداخلية فقد ظلت الإذاعة والتلفزة تحت سيطرة الداخلية قائمة بصفة غير مباشرة مادام العامل والقائدان مستمرين في مناصبهم ولمدة سنوات أخرى.
ولابد من القول هنا بأن العامل الجديد على الإذاعة والتلفزة رفض دعوتي لحضور تنصيب المسؤولين الجدد عندما استفسره عن ذلك المدير العام، بل لم يكن هناك حتى الاجتماع التقليدي لتسليم السلطة لمدير الإذاعة الجديد كما هو معروف في الإدارات حين يقع أي تغيير للمسؤولين.
إن تسرع الوزير في اتخاذ قراره بشأني بدون إجراء أي بحث إداري، كما طلبت ذلك منه وكما تقتضيه الأعراف الإدارية، أكد أن (دكاكة) السيطرة على القطاع السمعي البصري قد تحركت ولا أحد بإمكانه اعتراضها أو وقف زحفها.
وعندما نشرت إحدى الصحف المغربية مباشرة بعد توقيفي خبرا بارزا في صدر صفحتها الأولى يقول: زلزال في الإذاعة: «توقيف محمد بن ددوش»، سارعت مصالح الداخلية والإعلام إلى تنبيه الصحف إلى عدم التعرض لهذا الموضوع.
وأسدل ستار الصمت ... بينما انطلقت حملة ترويج الشائعات المغرضة من أجل تشويه سمعتي، ولكنها حملة باءت بالفشل، كما اتضح ذلك من خلال الأعداد الكبيرة من موظفي الإذاعة التلفزة وحتى من خارج الإذاعة، الذين كانوا يتواردون على منزلي كل يوم ولعدة أيام للتعبير عن استنكارهم لما أصابني وتأكيد تضامنهم معي. وأود التأكيد هنا، وأنا أستعرض هذه الوقائع، أن الذي آلمني في قرار وزير الداخلية والإعلام ليس هو إنهاء مسؤوليتي على رأس مديرية الإذاعة الوطنية، لأني أعرف أن لا أحد خالد في منصبه، ولكن طريقة التصرف الهوجاء التي قضت بهدم حياة مهنية دامت أربعين سنة في مجال السمعي البصري هي التي آلمتني.
ثلاث سنوات في مدينة العيون: عودة إلى الإذاعة
لقد كان الوزير يعرف قيمتي المهنية والأخلاقية، وقد اعترف بها علانية في كثير من المناسبات أمام الملأ، وعلى سبيل المثال، أذكر أنه عندما ارتكبت القيادة الإذاعية الجديدة أخطاءها المهنية الأولى بعد أشهر قليلة بمناسبة الاحتفالات بزفاف الأميرة للاأسماء بمدينة مراكش، انتفض إدريس البصري غضبا أمام الفرق المكلفة بتغطية الحفلات وأمر العامل المدير العام الجديد بالمناداة علي للالتحاق بمراكش (وأنا موقوف عن العمل) لكي أرشدهم كيف يكون العمل المهني الجاد.
وطلب مني مرة أخرى و(أنا موقوف عن العمل) أن أشرف مباشرة على الطاقم الإذاعي المكلف بتغطية الرحلة الملكية إلى إقليمي كلميم والسمارة، وأكثر من هذا فقد كلفني وأنا في أيامي الأولى من التقاعد بتسيير أكبر عملية إعلامية في الصحراء قامت بها الإذاعة المغربية في نطاق الدفاع عن الوحدة الترابية، وهكذا قضيت ثلاث سنوات في مدينة عيون الساقية الحمراء على رأس الإذاعة الجهوية، التي أبلت البلاء الحسن في هذه المعركة الإعلامية، فقد تحولت محطة العيون إلى إذاعة مجاهدة بالصوت والكلمة بفضل مجهودات مجموعة قليلة من الزملاء الصحافيين والتقنيين الذين رافقوني من الرباط، ومن الإخوة والأخوات الصحراويين، الذين ضربوا المثل الأعلى في حب الوطن والتشبث بهويتهم المغربية الأصيلة الموروثة عن الآباء والأجداد، وكانت السنوات الثلاث التي قضيتها في إذاعة العيون من الأهمية بمكان، خاصة وأنها صادفت وصول قوات الأمم المتحدة (المينورسيو) إلى الصحراء.
وهناك تقارير رسمية أكدت باستمرار نجاح إذاعة العيون في أداء مهمتها، حيث كانت تقض مضاجع الانفصاليين في مخيمات الحمادة.
تعاطف واسع معي في محنتي
لقد مكنتني الفترة الطويلة التي قضيناها على رأس الإذاعة الوطنية من ربط علاقات مهنية قوية مع إذاعات الدول العربية الشقيقة. وكان لما أصابني صدى واسع لدى زملائي مديري مؤسسات الإذاعة والتلفزة في تلك الدول، فقد اتصلوا بي مستنكرين التصرف الظالم ومؤكدين تضامنهم معي في هذه المحنة.
وأذكر بالمناسبة أنه في الأسبوع الأول من توقيفي عن العمل، جاء إلى الرباط وفد إعلامي سعودي برئاسة مديري الإذاعة والتلفزة. وقد ألح على أن لا يغادر المغرب إلا بعد أن يتصل بي، وفعلا كان اللقاء في أحد فنادق العاصمة، حيث عبر لي الإخوة السعوديين وعن تأثرهم البالغ لما لحقني، خصوصا في وقت بلغ فيه التعاون والتنسيق أوجه بين الإذاعة المغربية ونظيرتها السعودية (تبادل البرامج، تبادل المحررين والمذيعين، وخاصة منهم الناطقين بالفرنسية)،وهو تعاون سيعرف انتكاسة في عهد الداخلية.
وخلال اللقاء، عرض علي مدير التلفزة السعودية العمل في مؤسسته، بل إنه أخرج من محفظته نسخة من عقد العمل وقال لي: «اكتب فيه شروطك بنفسك وهي مقبولة مسبقا».
بعد ذلك جاءتني دعوة من وزير الإعلام السعودي الدكتور الشاعر لزيارة المملكة العربية السعودية أنا وزوجتي وأداء مناسك الحج.
وفعلا، لبينا الدعوة، وعند الانتهاء من أداء المناسك ونحن في أيام التشريق بمنى، رفعت أكف الضراعة إلى الله سبحانه وتعالى في تلك الأماكن المقدسة وقد فاضت دموعي أن ينتقم لي من الظالمين.
ولست في حاجة إلى وصف الحالة التي آل إليها بعض من ظلموني في أواخر حياتهم، فهم اليوم بين يدي الله تعالى ولن يفلت أحد من عقاب الله يوم الحساب (ولا يظلم ربك أحدا).
وبالمناسبة، أتذكر اليوم جملة خاطبني بها إدريس البصري أثناء المناظرة الوطنية للجماعات المحلية المنعقدة بالدار البيضاء، عندما استقبلني ضمن مجموعة من المراسلين الأجانب، (كنت إذ ذاك مراسلا لإذاعة صوت أمريكا)، فقد قال وهو يمد يده لمصافحتي: يا بن ددوش أما زلت حيا؟
طبعا لم أرد بكلمة، إذ اعتبرت أن وقوفي أمامه يختزل كل جواب، ولو كان من كلمة أرد بها عليه لقلت: «الحمد لله على أن الأرواح بيد الله سبحانه وتعالى وحده».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.