أخنوش.. هناك واقع يعاني منه المواطن في المستشفيات يجب أن يتحسن بتدخل الإدارة    البرتغال تعلن الاعتراف بدولة فلسطين    وزير الدفاع الهندي يصل المغرب.. مصنع مدرعات جديد يعزز الشراكة الدفاعية بين الرباط ونيودلهي    بطولة ألمانيا.. دورتموند يستعيد المركز الثاني    عصبة الأبطال.. الجيش يهزم ريال دي بانجول الغامبي في ذهاب الدور التمهيدي الأول    تواصل البحث عن القارب "ياسين 9" المختفي منذ 7 شتنبر وسط ظروف مناخية مفاجئة        توضيحات بخصوص اعتماد المغرب مسطرة طلب ترخيص إلكتروني للدخول إلى التراب الوطني خلال كأس إفريقيا    الدولي المغربي صيباري يهز شباك أياكس في قمة الدوري الهولندي    أخنوش: الإجراءات التي اتخذتها الحكومة شملت جميع الفئات    وجدة: توقيف شخص متورط في ترويج المخدرات والمؤثرات العقلية وحجز آلاف الأقراص    "كوباك" تعرض منتجات في "كريماي"    موهوب يسجل في مرمى "أورينبورغ"    تساقطات مطرية مرتقبة بالريف وشرق المملكة    في بيان المؤتمر الإقليمي للاتحاد بالعيون .. المبادرة الأطلسية من شأنها أن تجعل من أقاليمنا الصحراوية صلة وصل اقتصادي وحضاري    هولندا.. مقتل مشتبه به برصاص الشرطة نواحي روتردام    الدوري الدولي لكرة القدم داخل القاعة بالأرجنتين..المنتخب المغربي يتفوق على نظيره للشيلي (5-3)    الحسيمة.. نقابة تحذر من انهيار المنظومة الصحية وتطالب بلجنة مركزية للتحقيق    ميناء طنجة المتوسط يطلق مشروع توسعة بقيمة 5 مليارات درهم    الرجاء ينهي ارتباطه بالشابي وفادلو على بعد خطوة من قيادة الفريق    بريطانيا وكندا وأستراليا تعترف رسميا بدولة فلسطينية    مصرع شابين في حادثة سير مميتة بإقليم شفشاون        المغرب يترقب وصول دفعة قياسية من الأبقار المستوردة الموجهة للذبح        أداء مطارات أوروبية يتحسن عقب هجوم سيبراني    خط أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي يجسد الرؤية الملكية الاستراتيجية من أجل إفريقيا أكثر اندماجا (أمينة بنخضرة)    الناظور.. اعتقال شرطي اسباني وبحوزته 30 كيلوغرامًا من الحشيش        دور الفرانكفونية تجدد الثقة بالكراوي    بنخضرة: خط أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي يجسد رؤية الملك للاندماج الإفريقي    الملك: علاقات المغرب وأرمينيا متينة    إسرائيل تعيد إغلاق معبر الملك حسين    عملية بئر لحلو.. إنزال عسكري مغربي مباغت يربك "البوليساريو" ويفضح تورطها مع شبكات التهريب    "اقطيب الخيزران" تدشن موسمها الفني بمسرح المنصور بالرباط    استخدام الهواتف الذكية يهدد الأطفال بالإدمان    فريق يتدخل لإنقاذ شجرة معمرة في السعودية    نقابة: لن نقبل بالتفريط في مصالح البلاد وحقوق العمال بشركة سامير    بطولة إنكلترا: ليفربول يحافظ على بدايته المثالية ويونايتد يعبر تشلسي    ميلوني تأمل حكومة فرنسية محافظة    اتحاد طنجة لكرة القدم الشاطئية ينهي المرحلة الثانية بانتصار ثمين ويحافظ على صدارة الترتيب    جريمة قتل تهز جماعة العوامة ضواحي طنجة إثر شجار دموي        الشرادي يتغنى بالصحراء المغربية في قلب موريتانيا    "الغد كان هنا" منجية شقرون تقيم معرضا شاعريا بين الذاكرة والضوء    المقاطعة الثقافية لإسرائيل تتسع مستلهمة حركة مناهضة الفصل العنصري    الانبعاثات الكربونية في أوربا تبلغ أعلى مستوى منذ 23 عاما (كوبرنيكوس)        دراسة.. النحافة المفرطة أخطر على الصحة من السمنة    انفصال مفاجئ لابنة نجاة عتابو بعد 24 ساعة من الزواج    الرسالة الملكية في المولد النبوي    تقنية جديدة تحول خلايا الدم إلى علاج للسكتات الدماغية        تسجيل 480 حالة إصابة محلية بحمى "شيكونغونيا" في فرنسا    الذكاء الاصطناعي وتحديات الخطاب الديني عنوان ندوة علمية لإحدى مدارس التعليم العتيق بدكالة    مدرسة الزنانبة للقرآن والتعليم العتيق بإقليم الجديدة تحتفي بالمولد النبوي بندوة علمية حول الذكاء الاصطناعي والخطاب الديني    رسالة ملكية تدعو للتذكير بالسيرة النبوية عبر برامج علمية وتوعوية    الملك محمد السادس يدعو العلماء لإحياء ذكرى مرور 15 قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا حلال ولا حرام في منطق الحكام..
نشر في المساء يوم 26 - 10 - 2011

كان والدي يؤكد لي أن المال الحرام «لا يمري» علينا، وإذا دخل قرش حرام إلى بيتنا فسوف يكلفنا غاليا، وهذه عقيدة يؤمن بها معظم الناس الراضين بما قسم الله لهم من رزق بكدّهم وتعبهم وعرق جبينهم.
المال الحرام يؤدي حتما إلى مرض أحد أفراد الأسرة أو نفوق دابة يوازي تعطل محرّك سيارة أو انكسار آنية منزلية أو أداة عمل، وهذا يوازي دخول فيروس إلى حاسوبك وتعطيله في هذه الأيام.
كان والدي، رحمه الله، يدعم عقيدته هذه بقصص كثيرة حدثت لأناس كانوا مثالا في الغنى، ضاعت أموالهم وخربت بيوتهم ورجعوا (على الحديدة) بسبب البطر والاعتداء على الآخرين، ولم يخل الأمر من قصة شخصية كان يرويها لي.. «كان خالك في مطلع شبابه يشتغل في حيفا ويعود مرة في نهاية الأسبوع إلى القرية. في يوم ما، قرر قضاء ليلته عندنا في البيت القديم. مع المغيب، خرج خالك إلى الحارة، ثم عاد وبيده ديك دجاج؛ كان الديك غريبا ليس من دجاج الحارة، وقبل أن نعرف صاحبه ذبحه ونظفه وطلب من (والدتك) أن تحمّره له في الطابون مع البصل والزيت، وانتقل الديك الذي لم نعرف صاحبه إلى البطون ونمنا، (هنا يقسم والدي أنه لم يأكل من لحم الديك، ولكنه تناول نصيبه من البصل المحمّر). قبيل الفجر، استيقظنا على صوت غريب... بق بق بق .. قمت لأرى ما الأمر، فانزلقت على المسطبة، أيقظنا بعضنا البعض وصرنا نمشي على المسطبة فنتزحلق، كان الزيت يغمر الحصيرة والمسطبة والفراش، فقد كانت خابية الزيت الممتلئة بعشرات الأرطال قد نقرت نقرا صغيرا كأنما نقرها ديك بمنقاره، اندلقت كلها حتى وصلت عتبة البيت، حاولنا إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولكن الخسارة كانت فادحة؛ وحينئذ تذكرنا الديك... يومها قلنا... يلا مليح أجت بالجرّة ولا بالأولاد...
كنت أرد على والدي محاججا، ولكن فلانا وفلانا غير مشهورين بالأمانة ولا بأخلاقهم الحميدة، يصولون ويجولون بل ويتعاملون مع السلطة، يخونون شعبهم ويسمسرون على الأرض بلا رادع أو وازع.. ورغم هذا فهم يعيشون في بحبوحة ولا ينقصهم شيء، فيرد والدي: نعم هناك أناس يمري عليهم الحرام ولكن إلى حين، لا بد وأن يأتي يوم يذهب فيه هذا المال هو وأصحابه...
وها نحن في عصر الإبحار الإلكتروني والفضائيات والهاتف الذي ينقل أهازيج الثوار والثورة والشبيحة والتشبيح مباشرة، ها نحن في عصر اكتشاف باطن الأرض من الفضاء، وتخصيب العجائز واليورانيوم والحمل في الأنبوب ومعرفة جنس الجنين وموعد سقوط الأمطار، ورغم هذا ما زلت أؤمن بأن المال الحرام لا يمري عليّ وأخاف منه، ليس من زمن بعيد هبطت من سيارتي في موقف عام للسيارات فوقعت عيناي على عدد من الأوراق النقدية، كانت مرتبة ومطوية داخل بعضها البعض كأنها تقول: «شبّيك لبّيك خذني يا حبيبي إليك»، كنت مهموما وبأمسّ الحاجة إليها، كأن هناك من أرسلها إلي خصيصا في ذلك النهار، نفس المبلغ الذي كنت بحاجته، وطرأت لي فكرة المؤامرة، لعلها مؤامرة... كيف يمكن أن يكون هذا المبلغ نفسه الذي أحتاجه في هذا المكان بالذات، وكيف لم يره أحد قبلي رغم مرور المئات، وربما الآلاف، من هنا في كل ساعة؛ لا تكن غبيا يا ولد... أي مؤامرة وأي بطيخ أصفر... إنها محض صدفة، الحياة كلها عبارة عن مسلسل من الصدف، لكن الدّيك.. الدّيك يا ولد.. الدّيك الذي نقر الجرّة قبل ستين عاما قد ينقر محرّك سيارتك، فيسيل زيته دون أن تدري ويحترق، ولكن كيف أستطيع معرفة صاحب هذا المال في مكان عام كهذا، لقد ولى زمن البراءة، سأكون غبيا لو صحت الآن: يا ناس من أضاع منكم مبلغا من المال فليتفضل لاستلامه، سأتعرض للضرب من أكثر من مدع بأنه له، وقد تتقدم أكثر من امرأة ومن قوميات ولغات مختلفة تدعي أنه مالها، وقد أضطر إلى تسليمه إلى أحد البلطجية بالقوة، وطبعا لن أسلمه إلى الشرطة لأن الثقة بيننا معدومة، وقد يأتي بعد أيام من يدعي أنه صاحب المال الحقيقي، وقد يبكي ويندب ويقول إن هذا كان راتبه ومصدر رزقه الوحيد ومن أخذه لم يكن سوى نصاب...
بعدما وجدت المبررات والحجج الشرعية دسست اللقطة في جيبي وتوكلت، قضيت بها حاجتي، ولكنني ازددت حذرا في سرعة السيارة مثلا، وامتنعت تماما عن استعمال الهاتف خلال القيادة، وغيرها من المحاذير والحيطة أثناء استعمال الأدوات الكهربائية.
في اليوم التالي، كان ابني جالسا قبالة الحاسوب وما لبث أن ناداني قائلا: يابا، يبدو أن فيروسا قد ضرب البرامج... سقط كل شيء عن الشاشة، أطفأت الحاسوب وشغلته عدة مرات، حاولت وحاولت ولكن عبثا. الحاسوب أداة العمل وبدونها أنا مشلول؛ إذن، يجب إرساله إلى تقني مختص؛ وبسرعة، اتضح أنه سيكلفني تماما المال الذي كنت قد عثرت عليه لا أكثر ولا أقل؛ طبعا، هي محض صدف، فأنا لم أسرق، وعثرت على المال في شارع في مدينة، ولكن ما يجعل البدن يقشعر هو الفيروس الغريب نفسه.. فقد كان على شكل ديك دجاج يقرقر وينقر الشاشة هازئا كلما حاولت إزالته.
كان هذا درسا بالنسبة إلي، وهو أن قانون التقادم لا يسري على حالتي، وكانت فرصة كي أحكي لأبنائي قصة الديك وجرة الزيت، والحلال والحرام.
لم يزعجني ما حدث بل سررت به، لأنه يعني أنني ما زلت تحت رقابة عليا، وهذا شرف كبير وكرم لا أعرف إن كنت أستحقه.
ورغم هذه العبر والقناعة، ما زلت أتساءل: أليس للزيتون المجبول بعرق الفلسطينيين ودمائهم أخطية، ألن يعاقب المستوطنون على جرائم اقتلاع الأشجار وسرقة المحاصيل وقتل البهائم والناس؟ ولكن ما يجعلني أتفاءل بحتمية معاقبتهم هو المصير الذي آل إليه الحكام العرب الذين نهبوا أموال الناس وقتلوا وأهانوا وأذلوا كل من وقف في طريقهم، الآن تضيق عليهم الأرض بما رحبت ولن ينجو منهم أحد، سواء من هرب أو من بقي في قفص أو من اختفى عن الأنظار أو ذلك الذي ما زال يقاوم حتمية دفع ثمن جرائمه بالحديد والنار.
الحلال والحرام لا يميز بين القومية، الدين، الطائفة، الجنس أو اللون. من ينهب مال شعبه العربي لا يختلف جوهريا عن المستوطن الذي ينهب زيتون الفلسطيني ويطرده من أرضه وبيته، من يقتل أبناء شعبه كي يبقى حاكما مؤبدا لا يختلف في جوهره عن الحاكم العسكري الذي يأمر بالقتل ومصادرة أرض الفلسطيني، اللص هو اللص والقاتل هو القاتل، سواء تستر بالقومية، بالوطنية، بالدين، بالديمقراطية أو بالشورى وغيرها، قاتل أبناء شعبه بالشنتيانات ورصاص القنص ومدافع الدبابات المهترئة لا يختلف عن القاتل بقاذفة استراتيجية أو صاروخ عابر للقارات أو بطائرة بدون طيار، من يدفع الناس إلى غياهب السجون والعذاب لأنهم طلبوا حريتهم لا يختلف عن سجاني أبوغريب وغوانتنامو وعوفر والرملة وبئر السبع، من يريق دماء أبناء شعبه ويحصل على ختم الحلال من الصين وروسيا وكوريا الشمالية لا يختلف عمّن يريق دماء العرب ويحصل على ختم الحلال الأمريكي، هل يظن هؤلاء أن المطر القادم سيغسل دماء الناس من الشوارع مثلما يغسل أشجار التين والزيتون والصبّار من الغبار... إنهم مخطئون وواهمون والحساب قادم لا محالة، وهو قريب، قريب جدا، وسيكون عسيرا...
سهيل كيوان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.