المغاربة على موعد مع عطلة رسمية جديدة هذا الشهر    الجزائر.. السلطات توقف بث قنوات تلفزية بسبب تغطيتها لحادث سقوط حافلة بوادي الحراش    أرقام التعليم والتكوين وانتظاراتهما في طموحات مشروع قانون المالية لسنة 2026    ترويج المخدرات والخمور يجر أربعينيا للتوقيف ببني أنصار    النظام الجزائري يكمّم الأفواه: عقوبات جديدة تطال قنوات محلية بعد تغطية فاجعة الحافلة    مذكرات مسؤول أممي سابق تكشف محاولات الجزائر للتدخل وعرقلة المغرب في قضية الصحراء    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    المنتخب الوطني يواجه الكونغو الديمقراطية.. هذا موعد المباراة والقنوات الناقلة    المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تنظم زيارات لعائلات معتقلي الحراك    بورصة الدار البيضاء تنهي أسبوعها على وقع ارتفاع طفيف لمؤشر مازي    مستكشفو كهوف في فرنسا يجمعون مخلفات عشرات البعثات في "إيفرست الأعماق"    إسرائيل تقصف منشأة للطاقة باليمن        قادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا ينظمون مؤتمرا لمناقشة خطة ترامب للسلام في أوكرانيا    مصرع شرطي في حادثة ببني ملال    "لاغتيست" يشعل منصة "رابأفريكا"    هكذا يتجنب عشاق ألعاب الفيديو متاعب العين    دراسة: أطباء يفشلون في تشخيص السرطان بالذكاء الاصطناعي    دموع الأم ووفاء الوطن.. لحظات استثنائية في حفل كزينة بالرباط    توقيف سيارة رباعية الدفع محملة بكمية كبيرة من المعسل المهرب ضواحي طنجة    البقالي يكتفي بالمرتبة 12 في سباق 1500 متر    تيزنيت: محاولة فاشلة لعصابة تسرق أسلاك الكهرباء و أنابيب السباكة النحاسية من منازل في طور البناء ( صور )    وثيقة l من حصار بيروت 1982 إلى إبادة غزة 2025: رسالة السرفاتي وأسيدون إلى ياسر عرفات تتحدى الزمن وتفضح جٌبن النٌخب    الطالبي يتألق في أول ظهور بالبريميرليغ ويقود سندرلاند لانتصار هام على وست هام    لقاء بين ترامب وزيلينسكي الاثنين المقبل بالبيت الأبيض    وقفات ومسيرات تضامنية مع غزة بعدد من المدن المغربية    المنتخب المغربي للمحليين يلعب آخر أوراقه أمام "فهود الكونغو" في "الشان"    بطولة كأس أمم إفريقيا للمحليين (الجولة5/المجموعة2) .. مدغشقر تتأهل لربع النهائي بفوزها على بوركينا فاسو (2-1)    شكوك تحوم حول مستقبل نايف أكرد مع ويستهام    معركة غزة تدخل مرحلة جديدة .. "القسّام" تواجه أشرس هجوم إسرائيلي    وكالة الغابات تصدر خرائط للمناطق الحساسة المعرضة لخطر اندلاع الحرائق    أطباء القطاع الحر يطالبون الصيادلة بإثبات مزاعم التواطؤ مع شركات الأدوية    استقرار أسعار المحروقات في المغرب    بركة .. أول مغربي يسبح حول مانهاتن    هل يقود لفتيت حكومة 2026؟‬    بورصة البيضاء .. أقوى ارتفاعات وانخفاضات الأسبوع        اتلاف كمية من الفطائر (السفنج) الموجة للبيع في الشواطئ لغياب معايير الصحة    الحرارة المفرطة تفاقم أزمة المياه بالمغرب.. حوض ملوية في وضع حرج    طنجة تتصدر الوجهات السياحية المغربية بارتفاع 24% في ليالي المبيت    منظمة الصحة العالمية تحذر من استمرار تدهور الوضع العالمي للكوليرا    ابتكار أول لسان اصطناعي قادر على استشعار وتمييز النكهات في البيئات السائلة    في بلاغة الغياب وحضور التزييف: تأملات في بيان حزب الأصالة والمعاصرة بالعرائش !    غاب عن جل الأحزاب    عادل شهير يوقع أحدث أعماله بتوقيع فني مغربي خالص    ملتقى الثقافة والفنون والرياضة يكرم أبناء الجالية المغربية بمسرح محمد الخامس بالرباط    أوجار: مأساة "ليشبون مارو" رسالة إنسانية والمغرب والصين شريكان من أجل السلام العالمي    تطوان تحتضن انطلاقة الدورة الثالثة عشرة من مهرجان أصوات نسائية    سفارة الصين بالرباط تحتفي بالذكرى الثمانين لانتصار الحلفاء بعرض وثائقي صيني    صحيفة أرجنتينية تسلط الضوء على عراقة فن التبوريدة في المغرب    مشروع قانون يثير الجدل بالمغرب بسبب تجريم إطعام الحيوانات الضالة    النقابات تستعد لجولة حاسمة من المفاوضات حول إصلاح نظام التقاعد    راب ستورمي وحاري في "رابأفريكا"    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تدابير الثقة وأجرأة الوثيقة
نشر في المساء يوم 24 - 05 - 2012

الدستور الجديد جاء بالعديد من المكتسبات والضمانات التي تؤثث لدولة المؤسسات وتنظيم العلاقة بين السلط وحماية الحقوق واقتسام السلط بين المؤسسة الملكية ورئاسة الحكومة،
لكن التنزيل السليم للوثيقة الدستورية بدأ يعرف مجموعة من الانتكاسات والضربات الموجعة التي لا تساير دولة الحق والقانون.
ولعل التعيينات الأخيرة للعمال والولاة تنم عن هيمنة النظرة العتيقة والهاجس الأمني في التعاطي مع هاته الشريحة من الموظفين السامين التي أوكل إليها المشرع الدستوري تنفيذ القوانين وتقديم العون والمساعدة إلى الجماعات الترابية من أجل النهوض بمخططاتها التنموية والتنسيق بين المصالح الخارجية لمختلف الإدارات والمؤسسات العمومية. دستوريا، وزير الداخلية هو من ينتقي الأسماء المرشحة لهذا المنصب، ورئيس الحكومة يقترحها على الملك، وذلك طبقا للفصل 49.
«يتداول المجلس الوزاري في القضايا والنصوص التالية:... - التعيين باقتراح من رئيس الحكومة، وبمبادرة من الوزير المعني، في الوظائف المدنية التالية: والي بنك المغرب والسفراء والولاة والعمال....».
كما أن القانون التنظيمي، المعروف بما للملك وما لبنكيران، ركز على ضرورة توخي الكفاءة والمصداقية والشفافية والنزاهة في عملية التعيين، فإلى أي حد احتُرمت هاته المقاييس؟ الرصد التاريخي لتعيين العمال والولاة يؤكد أنه كان مجالا خصبا لمستشاري الملك، حيث كانوا يتحكمون في عملية التسمية والتنصيب والنقل والتأديب والعزل بشكل مطلق دون أن ينازعهم أحد في ذلك، وكل من يبتغي الظفر بهذا المنصب لا بد أن يتوفر بالضرورة على مظلة من حجم المظلات سالفة الذكر. التعيينات والتنقيلات الجديدة لا تظهر فيها بالبات والمطلق بصمات رئيس الحكومة الذي يوقع الظهائر الملكية بالعطف، بل إن التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى ليذكرنا بنفس الممارسات والسلوكات المتجاوزة التي أشعلت الشارع وأججت الاحتجاجات والسخط على الوضع القائم، لذلك فالدستور الجديد مجرد نصوص مدبجة جامدة تحتاج إلى من يبعث فيها الروح وينزلها على أرض الواقع بشكل ديمقراطي سليم، وخاصة في الظروف الراهنة، لأن لكل مرحلة رجالاتها، وبالتالي فإن رئيس الحكومة ينعم بمجموعة من الضمانات التي لم تتوفر لغيره في السابق، ومنها:
- المساندة الملكية للتجربة لأن الملك، بصفته رئيس الدولة والممثل الأسمى للأمة، لطالما نادى بعدم الاستجابة للتدخلات والإملاءات الفوقية مهما كان مصدرها؛
- الارتقاء بالمجلس الحكومي إلى مؤسسة دستورية؛
- مشاركة الملك في ترؤس المجلس الوزاري وفق جدول أعمال محدد واقتسام السلط في ما يتعلق بالتعيينات في الوظائف المدنية السامية؛
- يمكن للملك أن يفوض لرئيس الحكومة صلاحية رئاسة اجتماع المجلس الأعلى للأمن على أساس جدول أعمال محدد؛
- يمارس رئيس الحكومة السلطة التنفيذية والسلطة التنظيمية، كما يمكنه حل مجلس النواب بعد استشارة الملك ورئيس المجلس ورئيس المحكمة الدستورية بمقتضى مرسوم يتخذ في مجلس وزاري؛
- إن الحكومة الجديدة، وانطلاقا من السياقات العامة التي نصبت فيها والإكراهات الضاغطة للمحيط الإقليمي، كانت محظوظة بكل المقاييس، لكن ينبغي الالتزام بحجم الشعارات المرفوعة وتنفيذ الوعود الانتخابية والاستجابة لانتظارات المواطنين لامتصاص الغليان الشعبي القابل للعودة في أية لحظة إذا أجهضت أحلامه وتم الالتفاف على مطالبه بالخطب السياسية الفارغة والخرجات الإعلامية التي لن تنفعه في شيء. وفي هذا الإطار، يمكن الاستفادة من تجربة التناوب التي علق عليها الشعب المغربي آمالا عريضة دون أن تكون في مستوى طموحاته، مما جعل حزب الاتحاد الاشتراكي -كأول قوة سياسية آنذاك- يستهلك رصيده النضالي ويقبع في حيرة تنظيمية لم يخرج منها إلى يومنا هذا، كنتيجة حتمية للارتماء في أحضان المخزن والابتعاد عن هموم القوات الشعبية.
إن الاستثمار القويم للصلاحيات الدستورية ينطلق لا محالة من عدم تقديم تنازلات للتأسيس لأعراف ديمقراطية جديدة؛ فلا يعقل أن يشتكي الرئيس من مرؤوسيه، الأمر الذي لا يستوي منطقيا بالشكل الذي استوى عليه، فمديرا القناتين الأولى والثانية مجرد موظفين يعملان تحت إمرة رئيس الحكومة الذي يتوفر على مجموعة من الأسلحة القانونية التي تخول له إخراس كل الأصوات الخارجة عن جادة الصواب. لقد صوت المغاربة بكثافة لصالح حزب العدالة والتنمية مفعمين بالأمل في قدرته على اجتثاث الفساد والاستبداد، وحينما يتطاول المرؤوس على رئيسه ويبقى هذا الأخير مكتوف الأيدي دون أن يشهر في وجه الأول المقتضيات القانونية، فهذا هو عين الفساد.
يمكن للمتتبع أن يستشعر القلق الذي يعيشه رئيس الحكومة، فهو يتأرجح بين الأجندة السياسية المتمثلة في المحافظة على ريادة حزبه للمشهد السياسي، خاصة وأن الانتخابات الجماعية على الأبواب، وبين توسيع ترسيخ بناء الثقة مع المؤسسة الملكية، دون أن نغفل الأزمة الاقتصادية وتنامي المطالب وهاجس الخوف من أن يكون مصير الحكومة الحالية هو نفس مصير حكومة التناوب. تأسيسا على ذلك، فإنه لا أحد يمكنه اليوم أن يخدع الشعب المغربي ويحتقر ذكاءه، لأن أيام «الباكور» السبعة غالبا ما تنقضي والمواطن البسيط ينتظر التغيير في معيشه اليومي والارتقاء بمستواه الاجتماعي وإلا فإنه لا قيمة للدستور الجديد ولا للعمل الحكومي ولا للعمل السياسي برمته.
وبالعودة إلى قضية العمال والولاة، فإن الدستور الجديد أوكل إليهم مهمة تأمين تطبيق القانون وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها وممارسة الرقابة الإدارية وتنفيذ المخططات والبرامج التنموية، لكن التعيينات الأخيرة كانت مخيبة للآمال وأفرزت واقعا مريرا يوحي بعودة الحرس القديم وتغليب المنطق الأمني على حساب الهاجس التنموي وتغييب رئيس الحكومة الذي بدأ رصيده الرمزي في التآكل دون ان نغفل أن العملية تخللتها بعض الدهون والمراهم الملينة لتمرير الأمر بسهولة كإبعاد بعض الوجوه التي كانت معرقلة للاستثمار، وفشلت فشلا ذريعا في حل الإشكالات التنموية العالقة.
وختاما، فإذا كان رئيس الحكومة قد دشن في المائة اليوم الأولى من تحمله المسؤولية بالتشكي من التماسيح والعفاريت، واعتبر أن التنزيل السليم للدستور من اختصاص رئيس الدولة، ألا يمكن اعتبار هذا توظيفا خاطئا للامتيازات الدستورية التي يتمتع بها؟ ألا يمكن التماس الأعذار للأستاذ عبد الرحمان اليوسفي الذي كان مقيدا بقيود دستورية صارمة يضيق معها هامش المناورة؟
إن المواطن المغربي لما بوأ حزب العدالة والتنمية الصدارة في الاستحقاقات السابقة كان يتوخى من ذلك حكومة منسجمة تستجيب لانتظاراته ورئيسا قويا يقوم بتدبير الشكاوى وإيجاد الحلول المناسبة لها لا أن يصبح مصدرا للشكايات والتشكي، همّه الوحيد الدفاع عن مؤسسة البيعة والملكية التي لا تحتاج إلى من يدافع عنها.
ويمكن أن نعدد مجموعة من الأخطاء التي وقع فيها بنكيران، وهي على سبيل المثال لا الحصر:
- التعايش مع الفساد واقتصاد الريع واعتبارهما من مرتكزات الحكم؛
- التهافت وراء اكتساب الثقة مع القصر على حساب شرعية الاقتراع العام والتنزيل الديمقراطي للدستور؛
- المراهنة على ولاية ثانية والقبول بوزراء السيادة وقمع الاحتجاجات مع عدم القدرة على تفجير الملفات الكبرى ومواجهة لوبيات الضغط الفاسدة؛
- التهرب من المسؤولية واعتبار حماية النصوص الدستورية تؤول إلى رئيس الدولة وليس إلى رئيس الحكومة؛
- الانبطاح للمخزن على حساب مطالب الشعب، مما سيؤدي بحزب العدالة والتنمية إلى القهقرى في الرتبة والدرجة والدخول مباشرة في غرفة الإنعاش السياسي؛
- محاولة الاستمرار في الحكم لأطول فترة ممكنة أمر غير مضمون في غياب شركات للتأمين السياسي بالمغرب.
أستاذ جامعي/كلية الحقوق-سطات


محمد عزيز خمريش


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.