سويسرا تصفع الجزائر وبوليساريو: لا وجود لتمثيلية لانفصاليي البوليساريو لدى مكتب الأمم المتحدة بجنيف ولا على الأراضي السويسرية    الحموشي يوقع مذكرة تفاهم مع نظيره البرازيلي بشأن تعزيز التعاون الثنائي في المجال الأمني    2.1 مليون زائر إلى الأبواب المفتوحة للأمن الوطني في أكادير في رقم قياسي    انتشار متحور "بيرولا" يقلق سكان مليلية    الملك محمد السادس يأمر بتوشيح ضباط أمريكيين لتعزيز التعاون مع المغرب    تفاوتات لسعر الغاز بالجنوب الشرقي    تداولات بورصة البيضاء تنتهي بالأحمر    الاتحاد الأوروبي يقرر الزيادة في رسوم "تأشيرات شنغن" للإقامة قصيرة الأمد    "الكتاب" يعدد نواقص العمل الحكومي    طقس الأربعاء.. أمطار ورياح قوية بهذه المناطق    اتفاق أمني يجمع بين المغرب والبرازيل    ارتفاع المداخيل الضريبية بنسبة 12,3 في المائة عند متم أبريل 2024    دولة أوروبية تهدد باعتقال نتنياهو وغالانت    أمن بني مكادة يوقف شخصين متلبسين بحيازة وترويج المخدرات    خلال أسبوع.. 21 قتيلا و2808 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية وتسجيل أزيد من 39 ألف مخالفة    توني كروس يعتزل اللعب بعد كأس أوروبا 2024    الأميرة للا حسناء تدشن المنتزه التاريخي لحبول في مكناس بعد تجديده    "الفيفا" يهدد الوداد بالحرمان من المشاركة في "الموندياليتو"    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (13)    انعقاد مجلس الحكومة بعد غدٍ الخميس.. وهذه المراسيم التي سيتم تدارسها    مناورات الأسد الإفريقي.. 20 عاما من الخبرات المتراكمة    عائلات ضحايا المحتجزين في ميانمار تنتظر مخرجات مباحثات الصين والمغرب    الأمثال العامية بتطوان... (604)    نفاذ تذاكر حفل أم كلثوم قبل شهر من انطلاق مهرجان "موازين"    المغرب ورومانيا تحتفلان بعلاقاتهما الدبلوماسية بإصدار خاص لطابعين بريديين    الشامي: الفقيه بنحمزة ساند بالتصويت توصية المجلس لتجريم تزويج القاصرات    من تبريز.. بدء مراسيم تشييع الرئيس الإيراني ومرافقيه وسط حشود ضخمة    فضيحة الإخراج التلفزي لمباراة الزمالك وبركان تدفع ال"كاف" للاعتماد على مخرج إسباني في نهائي الأهلي والترجي    يامال يتفوق على الخنوس بخصوص جائزة أفضل لاعب شاب في الدوريات الأوروبية    الذهب يقترب من ذروة قياسية وسط حالة من عدم اليقين الجيوسياسي    عملية مرحبا 2024 : اجتماع بطنجة للجنة المغربية – الإسبانية المشتركة    إدانة نائب رئيس جماعة تطوان بالحبس النافذ    "مايكروسوفت" تستعين بالذكاء الاصطناعي في أجهزة الكومبيوتر الشخصية    محاكمة أمير ألماني وعسكريين سابقين بتهمة التخطيط لانقلاب    وزارة الإقتصاد والمالية… فائض في الميزانية بقيمة 6,1 مليار درهم    ارتفاع ب 18 بالمائة في أبريل الماضي بمطار محمد الخامس الدولي بالدار البيضاء    الحكومة تتوقع استيراد 600 ألف رأس من الأغنام الموجهة لعيد الأضحى    أكثر من 267 ألف حاج يصلون إلى السعودية    الاتحاك الإفريقي يدين الأحداث التي أعقبت لقاء نهضة بركان والزمالك    تصفيات المونديال: المنتخب المغربي النسوي يواجه زامبيا في الدور الأخير المؤهل للنهائيات    في مسيرة احتجاجية.. مناهضو التطبيع يستنكرون إدانة الناشط مصطفى دكار ويطالبون بسراحه    إميل حبيبي    مسرحية "أدجون" تختتم ملتقى أمزيان للمسرح الأمازيغي بالناظور    مساء اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية: أكنسوس المؤرخ والعالم الموسوعي    صدور كتاب "ندوات أسرى يكتبون"    بلاغ صحافي: احتفاء الإيسيسكو برواية "طيف سبيبة" للأديبة المغربية لطيفة لبصير    هاشم بسطاوي: مرضت نفسيا بسبب غيابي عن البوز!!    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    رئاسة النظام السوري تعلن إصابة زوجة بشار الأسد بمرض خطير    نقاد وباحثون وإعلاميون يناقشون حصيلة النشر والكتاب بالمغرب    صلاح يلمّح إلى بقائه مع ليفربول "سنقاتل بكل قوّتنا"    رغم خسارة لقب الكونفدرالية.. نهضة بركان يحصل على مكافأة مالية    أكاديميون يخضعون دعاوى الطاعنين في السنة النبوية لميزان النقد العلمي    الأمثال العامية بتطوان... (603)    تحقيق يتهم سلطات بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوث أودت بنحو 3000 شخص    المغرب يضع رقما هاتفيا رهن إشارة الجالية بالصين    شركة تسحب رقائق البطاطس الحارة بعد فاة مراهق تناوله هذا المنتج    لماذا النسيان مفيد؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبيابة: العدالة والتنمية لا يحكم ولا يسيطر على أدوات التدبير الاقتصادي للبلاد
قال إن حكومة بنكيران حاربت الفساد إعلاميا وثقافيا دون تحقيق تقدم ملموس على أرض الواقع
نشر في المساء يوم 29 - 08 - 2012

حذر حسن عبيابة، رئيس مركز ابن بطوطة للدراسات الاستراتيجية، من دخول المغرب مرحلة تقويم هيكلي جديد.
وأشار إلى أن المغرب سيدشن هذه المرحلة لحظة صرفه الدولار الأول من الخط الائتماني الوقائي، البالغة قيمته 6.2 مليارات دولار، الذي حصل عليه مؤخرا من صندوق النقد الدولي. ووجه عبيابة، وهو أيضا قيادي في حزب الاتحاد الدستوري المعارض، انتقادات لاذعة إلى الحكومة، واتهمها بالقيام بسلوكات خاطئة أضرت بالاقتصاد المغربي. وتتمثل أبرز هذه السلوكات، وفق عبيابة، في الإعلان العام وغير المحدد عن محاربة الفساد، معتبرا أن الحكومة اكتفت بمحاربة الفاسد إعلاميا وفرجويا وشعبويا دون أن تحقق تقدما ملموسا على أرض الواقع. وطالب رئيس مركز ابن بطوطة للدراسات الاستراتيجية الحكومة بالتحلي بالشجاعة السياسية الكافية لترقيع قانون مالية السنة الجارية، وقال إنها تنهج في الواقع سياسة تقشفية غير معلنة بعد إقدامها على تحديد الوظائف العمومية وإقرار زيادة في أسعار المواد الاستهلاكية وسن ضرائب جديدة.
هل الوضعية الاقتصادية للمغرب حاليا تدعو فعلا إلى القلق أم أنها لم تصل بعد إلى مستوى الخطر؟
الأزمة المالية والاقتصادية التي بدأت سنة 2007 أصبحت تجلياتها اليوم واضحة. جميع تقارير المنظمات الدولية، بما فيها تقارير الأبناك الدولية، أقرت بأن الأزمة قادمة. فقد تضررت العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك مع الاتحاد الأوربي. وهذا شيء طبيعي، لأن انكماش اقتصاد أوربا أثر على أمريكا وآسيا، ولم تستثن تداعياته إفريقيا وشمالها، رغم أن نسبة التضرر متفاوتة من بلد أوربي إلى آخر. في المغرب، كانت جميع التقارير تشير لحظة تشكيل الحكومة الحالية إلى أن الأزمة ستضرب المغرب. غير أن الحكومة لم تضع في حسبانها، لحظة إعدادها قانون مالية السنة الجارية، هذه الأشياء، بل غيبتها تماما، ووضعت بنية للاقتصاد على معطيات غير موفقة، منها تحديد سعر برميل للبترول في حدود 100 دولار، ولم تعر اهتماما لوتيرة النمو المتوقفة حاليا في أوربا. كما لم تتم دراسة وضعية الصادرات المغربية، باعتبارها المسؤولة عن عجز الميزان التجاري.
- وما هي تجليات هذه القراءة الخاطئة؟
أعطت هذه القراءة الخاطئة نتائج خاطئة: عجز كبير في الميزان التجاري، وتضاؤل النمو بشكل كبير، حيث تحدثنا في البداية عن نسبة نمو تعادل 5.5 في المائة، والآن نتحدث عن 2 في المائة، وقد لا نصل إليها إذا استمر هذا الوضع. الواقع أن أكثر من 60 في المائة من التوقعات لم تتحقق بعد بناء على معطيات تقارير المندوبية السامية للتخطيط وما يرد في التقارير الدولية. ومعروف أن هناك ثلاثة مؤشرات تدل على الأزمة في المغرب: عجز الميزانية، إذ ثمة توقعات بأن يناهز العجز 8 في المائة في نهاية السنة الحالية، ومؤشر النمو، الذي يتضاءل شهرا بعد آخر، وقد يصل إلى 2 في المائة كأقصى تقدير، بالإضافة إلى توقف الاستثمار بشكل كبير. وقد نجم هذا التوقف عن سلوكات الحكومة الخاطئة التي صاحبت مناقشة قانون المالية للسنة الجارية.
- عن أية سلوكات تتحدث بشكل أكثر دقة؟
لم نشعر بوجود الأزمة في سنتي 2007 و2008 بفضل الأسلوب الذي تبنته الحكومة السابقة تجاه القطاع الخاص، ورجال الأعمال على وجه التحديد. إذ منحتهم ضمانات وبادرت إلى حذف الاستحقاقات الضريبية المستحقة للدولة لدى الشركات التي تعاني من مشاكل مالية. أما تلك السلوكات، فتتمثل بالأساس في الإعلان العام وغير المحدد عن محاربة الفساد. كانت هذه الكلمة مدمرة لأن محاربة الفساد توجه أساسا إلى رجال الأعمال. لم تكن هذه العملية موفقة، فقد كان ممكنا الحديث عن الإصلاح قبل إثارة محاربة الفساد. صحيح أن هناك تعاملا غير منصف مع إدارة الضرائب في المغرب، غير أن الفساد الحقيقي يتمثل في هدر المال العام من قبل ذوي النفوذ. يجب أن نفرق بين رجل أعمال يستثمر، لأنه منتج بجميع المقاييس، وشخص آخر ينهب الأموال ولا يؤدي الضرائب. لم تفرق الحكومة في شعار محاربة الفساد بين هذين النوعين من الأشخاص.
كما تأثر الاقتصاد المغربي أيضا بقرار الحكومة سحب الاستحقاقات الضريبية من الأبناك. والغريب أن ثمة أشخاصا لم تبت المحكمة بعد في قضاياهم ومع ذلك سحبت إدارة الضرائب الأموال من الحسابات البنكية لشركاتهم، مما دفع كثيرين إلى سحب الأموال وتوقيف الاستثمار مع تقليص حجم أنشطتهم الإنتاجية، وقد أدى هذا الأمر إلى انكماش اقتصادي داخلي. وهنا أشير إلى أن الدولة لا تشغل سوى أقل من مليون شخص، في حين يشتغل في القطاع الخاص 10 ملايين مغربي. كما أن الخواص يشكلون النواة الأساسية لدافعي الضرائب.
- ولكن الحكومة تؤكد أنها لن تتراجع عن محاربة الفساد، رغم أن رئيسها عبد الإله بنكيران قال متحدثا عن الفساد: «عفا الله عما سلف»؟
هذا خطأ فادح. وأتخوف ألا نستطيع بلورة ميزانية للسنة المقبلة. هناك أيضا تعامل انتقائي. وأشير، في هذا السياق، إلى أن إيطاليا نفسها فتحت مؤخرا قنوات للحوار مع «المافيا» للحيلولة دون تحويلها الأموال نحو الخارج، ولا أعتقد أن ثمة فسادا أفظع مما تفعله المافيا. ذلك أن درء المفسدة يقدم على جلب المصلحة. يجب ألا تكون محاربة الفساد سببا لفساد آخر، هو الأزمة. كان حريا بالحكومة أن ترفع شعار الحكامة بدل محاربة الفساد. فقد أفضت سياستها إلى بروز إشاعة اجتماعية تخلق صراعا طبقيا لكونها جعلت من كل مالك ثروة لصا ومخادعا وناهب أموال. المؤكد أن هناك أزمة أخرى غير معلنة، تتجسد في عدم الثقة في المؤسسات الحكومية، بل في الحكومة كلها. هذا العامل أدى إلى توقف الاستثمار الداخلي، ويمكن أن يستمر سنتين إلى ثلاث سنوات إذا تواصلت هذه النوعية من السلوكات الحكومية.
- تمنح التقارير الدولية، وكذلك تقارير بنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط، للطلب الداخلي مكانة محورية في تحريك عجلة الاقتصاد المغربي في ظل الأزمة الراهنة. إلى أي حد سيتأثر هذا الطلب بتوقف الاستثمار الداخلي؟
يرتبط الطلب الداخلي بشكل وثيق بالاستثمار الداخلي. الحكومة رصدت 159 مليار درهم للاستثمار الداخلي من إجمالي الاستثمارات المقدرة ب188 مليار درهم. أعتقد أن هذه الميزانية لن تجد طريقها نحو الاستثمار، بل ستضخ لتغطية العجز الحاصل في المدفوعات. أكثر من ذلك، كيف يمكن الحديث عن الاستثمار الداخلي، وهناك شركات تنتظر منذ سنتين الحصول على مستحقاتها مقابل مشاريع أنجزتها لصالح الدولة دون جدوى. هذا يعني أن ثمة أزمة كبيرة في الاستثمار الداخلي تؤثر سلبا على الطلب الداخلي. وتتحمل الحكومة مسؤولية هذه الوضعية، لأنها اعتمدت محاربة الفساد إعلاميا وثقافيا وفرجويا دون تحقيق تقدم ملموس على أرض الواقع. تنزيل الدستور متوقف، وكذا توقف الصفقات ذات المردودية الهامة، بسبب تغليب الجانب الثقافي والشعبوي على الاقتصادي والاجتماعي.
- أنت قيادي في حزب الاتحاد الدستوري الموجود حاليا في المعارضة. ما هي مسؤولية المعارضة في ظل هذه الظرفية؟
سياسيا، تتجاذب المغرب ثلاث مرجعيات سياسية: المرجعية الاشتراكية، وقد استنفدت آلياتها ومالت في العالم كله، وليس في المغرب وحده، إلى الليبرالية، والمرجعية الإسلامية، التي لم يثبت أنها مكنت أي دولة من الدول التي أمسكت بزمام السلطة فيها من تحقيق الثروة، وحتى العدالة والتنمية التركي يتبنى مرجعية ليبرالية علمانية محضة، ثم المرجعية الليبرالية.
- حزب العدالة والتنمية المغربي أيضا يدافع عن الليبرالية.
كيف يمكن ادعاء تبني المرجعية الليبرالية بعد خلق إيديولوجيا لجمع الأصوات الانتخابية وترويج سياسة قائمة على الحلال والحرام؟ حين وصل الاتحاد الدستوري إلى الحكومة في ثمانينيات القرن الماضي وجد المغرب في وضعية مماثلة، وقد أدت تلك الأوضاع إلى دخول المغرب عهد التقويم الهيكلي.
- وهل عاد المغرب فعلا إلى درجة الصفر وصار حاليا على مرمى حجر من تقويم هيكلي جديد؟
لا يمكن الجزم بذلك. لكن المؤكد أننا سندشن فترة من التقشف المادي، وهو جزء من التقويم الهيكلي. الحكومة شرعت فعليا في نهج سياسة تقشفية غير معلنة بعد تحديد الوظائف العمومية وإقرار زيادة في أسعار المواد الاستهلاكية وسن ضرائب جديدة والزيادة في أخرى. وأتوقع أن تقر زيادات جدية في الأسعار، لأنه لا يوجد حل سواه عدا الزيادة في الضرائب. ولذلك، يجب أن تتخلى الحكومة عن نهج سلوكها الفرجوي وتنبري لحل المشاكل التي يعاني منها المغرب حاليا.
- بعيدا عن الزيادة في الأسعار والضرائب، ما هي البدائل المتاحة لتجاوز الأزمة أو على الأقل تدبيرها بأقل الأضرار؟
لا بد من سياسة تحفيزية للاستثمار الداخلي، لأن الخواص في المغرب يمتلكون الأموال. ومثال ذلك تقديم إعفاءات ضريبية مقابل تأسيس الشركات وخلق مناصب شغل جديدة. يمكن للحكومة أيضا أن تمنح أراضي «صوجيطا» لصندوق التقاعد ليخلق بها موارد جديدة يحل بها أزمته المالية. لا غنى أيضا عن التخلي عن التفكير الانتقامي وإقرار الحكامة ومحاورة المخالفين. تصوروا أننا بلغنا 600 إلى 700 قضية محالة على القضاء في 6 أشهر فقط، إلى درجة أن البعض صار يتساءل عما إذا كان المغرب مهددا بمحاكم التفتيش بعد أن تم الانتقال من الحديث عن كيفية خلق الثروة إلى كيف خلقت الثروة. وإذا لم تتوفر ظروف العمل والاستثمار لرجال الأعمال، فإن عائدات الضرائب ستتقلص، وقد لا يستطيع المغرب بلورة ميزانيته العامة مستقبلا. يجب أن تتوجه السياسة العامة إلى الفاعلين الاقتصاديين وتعمل على دعم الاستثمار الداخلي وتنهج مبدأ التضامن غير المضر، لأن التضامن الإجباري قد يفرز نفورا من الإسهام في المبادرات التضامنية.
- حصل المغرب مؤخرا على خط ائتماني وقائي من صندوق النقد الدولي. كيف تفسر هذه الخطوة المفاجئة؟
هذه عملية استباقية للمغرب. ليست نتاج تدخل من قبل الحكومة، وإنما تأتت بعد تدخل جهات عليا. الخطوة استبقت الأحداث وبادرت إلى التعامل مع صندوق النقد الدولي قبل أن تتطور الأزمة في المغرب إلى مستوى يجعل هذه المؤسسة المالية الدولية ترفض التعامل معه. الأبناك الدولية لا تتعامل مع الدولة التي تتعمق فيها الأزمة.
تؤكد هذه الخطوة أيضا أن المغرب سائر لا محالة نحو الاستدانة الخارجية. وعلى هذا الأساس، يجب أن تتوصل الحكومة إلى الطريقة المثلى للتعامل مع القروض الأجنبية. ذلك أن صندوق النقد الدولي، على سبيل المثال، لا يمنح الدول قروضا فقط، بل يرفق أمواله ببرنامج تكون الدولة المدينة له مجبرة على تنفيذه. ولذلك سينطلق التقويم الهيكلي لحظة صرفنا الدولار الأول من القرض الأجنبي. حينها سنصير تحت المراقبة الأجنبية، وهو ما قد يفرز خريفا عربيا وليس ربيعا عربيا.
- جعلت الحكومة من إصلاح صندوق المقاصة أولوية. كيف تتوقع مسار إصلاح نظام الدعم على ضوء الارتفاع الصاروخي في أسعار البترول والحبوب في الأسواق الدولية؟
يجب عدم اعتماد مقاربة اقتصادية في التعاطي مع إشكالية صندوق المقاصة بالحديث عن تحرير الأسعار واستهداف أشخاص معينين. اعتماد هذه المقاربة سيدخل المغرب دوامة إفلاس اجتماعي شامل. لا مجال للحديث عن تحرير الأسعار في بلد كالمغرب.
- حتى في حالة تقديم الدعم المباشر للفقراء؟
وصل عدد مستحقي بطاقة «راميد» إلى 8 ملايين، وإذا أضيف إليهم ذوو الدخل المحدود، المقدر عددهم ب9 ملايين نسمة، وهم فقراء أيضا، فإن عدد مستحقي الدعم المباشر سيصل إلى 17 مليون نسمة. سيصير هذا الدعم حقا مكتسبا، وقد تخاض الإضرابات من أجل الاستفادة منه. الدعم المباشر سيخلق أزمة من نوع جديد في المغرب، لأن الحكومة ستدشن وقتها مرحلة «مأسسة الفقر»، لأنه يقتضي تحديد عدد الفقراء وتخصيصهم بالدعم المباشر بدل العمل على تأهيلهم. وهنا تبرز الحاجة إلى التعامل مع إشكالية نظام الدعم بمقاربة سياسية تركز على السبل الكفيلة بتقليص دائرة الفقر والتقليص من عدد الفقراء. حسابيا كذلك: هل سيكفي مبلغ 45 مليار درهم لتغطية نفقات الدعم المباشر ل17 مليون نسمة؟ لذلك، أعيب على الحكومة كشفها عن نوايا قبل الدراسة الدقيقة، لأن هذه السلوكات تفقدها المصداقية. أكبر في وزراء العدالة والتنمية المجهود الذي بذلوه منذ وصولهم إلى الحكومة. غير أن العدالة والتنمية لا يسير سوى 20 في المائة من الميزانية العامة للدولة، بينما تتولى الأحزاب المشاركة في الحكومة تسيير 80 في المائة المتبقية. تصل ميزانية وزارة التربية الوطنية إلى 39 مليار درهم، وتفوق لوحدها إجمالي ميزانيات الوزارات التي يدبرها العدالة والتنمية. العدالة والتنمية لا يحكم ولا يسيطر على أدوات التدبير الاقتصادي للبلاد. الحزب نفسه لا يشرف على القطاعات المتأزمة مثل التربية الوطنية والتشغيل والصحة والاقتصاد والمالية. الوزارات التي تتولى مسؤولياتها لا تمكنها من تدبير الشأن الاقتصادي. وعلى هذا الأساس، أعتبر التلويح بالدعم المباشر تبخيسا للشأن العام. وقد تأكد منذ الحرب العالمية الثانية أن الاقتصادات لا تبنى بالسياسات الشعبوية. والحكومة الحالية لم تحقق شيئا على المستوى الاقتصادي عدا الزيادة في أسعار المحروقات وتحريك المتابعات القضائية في حق عدد من المسؤولين السابقين.
- تفاقم العجز التجاري للمغرب في الأشهر الماضية، واحتياطي المغرب من العملة الصعبة تدنى إلى مستويات قياسية. لِمَ لمْ يستطع المغرب إيقاف هذا النزيف المتواصل منذ أشهر؟
يعيدنا هذا المشكل إلى بنية الاقتصاد الوطني. فقد أصبح المغرب منذ 10 سنوات تقريبا مستوردا لمعظم المواد الأساسية والتحويلية والغذائية بسبب عدم دعم الصناعات الوطنية. صناعات لا تصمد أمام المنافسة جراء ارتفاع تكلفة الإنتاج. تعاني الصناعة المغربية أيضا من غلاء الطاقة، حيث تمثل هذه الأخيرة 60 في المائة من تكلفة الإنتاج. نموذج آخر من قطاع النسيج: قميص واحد يكلف المصانع المغربية، وفق المهنيين، ما بين 50 و60 درهما. القميص ذاته يستورد من الصين ويباع ب40 درهما في الأسواق المغربية. الغريب أيضا أن الوزارة الوصية على التجارة الخارجية لا تطلق أي مبادرات على الصعيد الخارجي. صحيح أنها تشارك في المعارض الدولية، لكنها تكتفي بإبرام صفقات فردية ولا تفتح أسواقا جديدة للصادرات المغربية. وبالإضافة إلى ارتفاع تكلفة اليد العاملة في المغرب، يشكل غياب التنظيم النقابي أيضا عقبة أساسية أمام الاستثمار في المغرب. أغلقت النقابات معامل كثيرة وتسببت في إيقاف استثمارات أجنبية بعد أن صارت أذرعا سياسية للأحزاب. المؤكد أن المغرب عرف تغييرا سياسيا ودستوريا، لكنه لم يسجل تحسنا في الاقتصاد. وقد صارت الوضعية الاقتصادية للمغرب حاليا أسوأ مقارنة بمرحلة ما قبل 25 نونبر 2011.


الأزمة الاقتصادية الحالية ستؤدي إلى أزمة سياسية
- كيف تقيّم وتيرة تنفيذ قانون المالية للسنة الجارية إلى حدود الساعة؟
الثابت أن القوانين المالية لا تنفذ 100 في المائة. فكيف سيكون عليه الوضع في سنة لم تتم فيها المصادقة على قانون المالية إلا في شهرها الرابع؟ ثمة وزارات لم تتوصل بميزانياتها إلى حدود الساعة. ولذلك أفضل الحديث في هذه السنة عن مرحلة انتقالية للميزانية بدل قانون مالية قائم بذاته. كما أن القانون المصادق عليه لم يكن موفقا في المعطيات والبرامج، كما أن تنفيذه صعب بسبب المشاكل الحاصلة في المداخيل.
- على ضوء هذه المستجدات، ما السمات الأساسية لمشروع قانون مالية السنة المقبلة؟
لا بد من انتظار ثلاثة أشهر أخرى قبل استجلاء المعالم الرئيسية لمشروع قانون مالية 2013. يتوقف كل شيء على أربعة عوامل أساسية: أولا، إرهاصات الموسم الفلاحي المقبل، والمؤكد أن استمرار الجفاف للسنة الثانية على التوالي سيكون كارثة حقيقية. ثانيا: تطور أسعار البترول في الأسواق الدولية. ثالثا: هل سينتعش الاستثمار الداخلي ويعود إلى سالف عهده أو سيتوقف؟. رابعا: القدرة على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، إذ لم يسجل أي تطور رغم توطد علاقات الحكومة الحالية مع عدد من الدول. وحده البنك الدولي مستعد للتدخل، غير أنه لا يتدخل إلا بعد بروز الأزمة. ستنجلي هذه العوامل كلها في شهر أكتوبر المقبل. في حالة تحسنت، سنحظى بمشروع قانون المالية يمكن التحكم فيه بنسبة لا تتجاوز 70 في المائة. وإذا لم تتحسن، فإن المغرب سيدخل مرحلة صعبة جدا. معروف أن المغرب فقد في الثلاثة أشهر الماضية 110 آلاف منصب، وثمة توقعات بفقدان 100 ألف منصب إضافي بحلول شتنبر إذا لم تتحسن المؤشرات الاقتصادية. وإذا لم يتحسن الموسم الفلاحي، سيصل نزيف مناصب الشغل إلى مليون ونصف مليون منصب. ولا شك أن هذه العوامل ستفرز أزمة اقتصادية ستؤدي بدورها إلى أزمة سياسية. ذلك أن العالم يشهد حاليا تداول مفهوم جديد يسمى الديمقراطية التنموية وليس الديمقراطية من أجل الديمقراطية القائمة على الصراع. أعتقد أنه يمكن للحكومة أن تبادر إلى إجراءات استباقية لهذه الأزمة وتتدارك ما فاتها.
- وما طبيعة هذه الإجراءات؟
يمكنها إذا تحلت بالشجاعة السياسية أن تقدم على ترقيع قانون المالية للسنة الجارية وتعيد النظر في المقاربة التي تعتمدها بدل أن يقول رئيسها: «عفا الله عما سلف» بعد أشهر من رفع شعار محاربة الفساد ونشر ثقافة التشويش. الوزير الذي سيتحلى بالشجاعة ويعترف بأن المغرب يعاني من الأزمة جدير بالاحترام. لقد أصبح الوزراء بمثابة كتاب عامين ينتظرون مع المنتظرين، ولا يقدمون على أخذ المبادرة، ولا أحد منهم اتخذ إجراءات لتمكين قطاعه من موارد مالية جديدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.