ربع نهائي كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة.. الناخب الوطني: طموح أشبال الأطلس "الذهاب إلى أبعد نقطة ممكنة"    برشلونة يقترب من حسم لقب الدوري بفوز مثير 4-3 على ريال مدريد    تاراغونا- كتالونيا مهرجان المغرب جسر لتعزيز الروابط الثقافية بين المملكتين بحضور السفيرة السيدة كريمة بنيعيش    الوساطة السعودية تنجح في وقف التصعيد الباكستاني الهندي    إحالة أربعة أشخاص على النيابة العامة لتورطهم في سرقة باستعمال دراجة نارية بالدار البيضاء    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    سبتة.. إحباط محاولة تهريب أزيد من 11 ألف قرص مهلوس نحو المغرب    الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم تمويل استثمارات بقيمة 150 مليون أورو في الأقاليم الجنوبية    "فاموس تطوان والفوز بداية البقاء".. البرلماني الطوب يدعم المغرب التطواني قبل مواجهة السوالم    برقية تهنئة من أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس إلى قداسة البابا ليو الرابع عشر بمناسبة انتخابه لاعتلاء الكرسي البابوي    وزير الخارجية الفرنسي: العلاقات مع الجزائر "مجمدة تماما" بعد تبادل طرد الموظفين    خطأ غامض يُفعّل زلاجات طائرة لارام.. وتكلفة إعادتها لوضعها الطبيعي قد تتجاوز 30 مليون سنتيم    شجرة الأركان في يومها العالمي رمز للهوية والصمود والتحدي الأمازيغي المغربي .    جمعية الشعلة تنظم ورشات تفاعلية للاستعداد للامتحانات    البابا ليون الرابع عشر يحث على وقف الحرب في غزة ويدعو إلى "سلام عادل ودائم" بأوكرانيا    المحامي أشكور يعانق السياسة مجددا من بوابة حزب الاستقلال ويخلط الأوراق الانتخابية بمرتيل    مراكش تحتضن أول مؤتمر وطني للحوامض بالمغرب من 13 إلى 15 ماي 2025    نجم هوليوود غاري دوردان يقع في حب المغرب خلال تصوير فيلمه الجديد    الحزب الشعبي في مليلية يهاجم مشروع محطة تحلية المياه في المغرب للتستر على فشله    مشروع النفق البحري بين المغرب وإسبانيا يعود إلى الواجهة بميزانية أقل    سعر الدرهم يرتفع أمام الأورو والدولار.. واحتياطيات المغرب تقفز إلى أزيد من 400 مليار درهم    انهيار "عمارة فاس".. مطالب برلمانية لوزير الداخلية بإحصائيات وإجراءات عاجلة بشأن المباني الآيلة للسقوط    إسرائيل تستعيد رفات جندي من سوريا    شراكات استراتيجية مغربية صينية لتعزيز التعاون الصناعي والمالي    الصحراء المغربية تلهم مصممي "أسبوع القفطان 2025" في نسخته الفضية    "سكرات" تتوّج بالجائزة الكبرى في المهرجان الوطني لجائزة محمد الجم لمسرح الشباب    ميسي يتلقى أسوأ هزيمة له في مسيرته الأميركية    رفع تسعيرة استغلال الملك العام من 280 إلى 2400 درهم للمتر يغضب المقاهي ويدفعها للإضراب    موعد الحسم.. هذا توقيت مباراة المغرب وسيراليون في ربع نهائي كأس إفريقيا    شاهد.. سائحات يطلبن من لامين يامال أن يلتقط لهن صورة دون أن يعرفن من يكون    "الاتحاد" يتمسك بتلاوة ملتمس الرقابة لسحب الثقة من الحكومة    مزور: الكفاءات المغربية عماد السيادة الصناعية ومستقبل واعد للصناعة الوطنية    بوتين يقترح إجراء محادثات مباشرة مع أوكرانيا في إسطنبول انطلاقا من 15 ماي    الصحراء المغربية.. الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم تمويل استثمارات بقيمة 150 مليون أورو    تحريك السراب بأيادي بعض العرب    القاهرة.. تتويج المغرب بلقب "أفضل بلد في إفريقا" في كرة المضرب للسنة السابعة على التوالي    غ.زة تعيش الأمل والفلسطينيون يحبسون أنفاسهم    سلا تحتضن الدورة الأولى من مهرجان فن الشارع " حيطان"    زلزال بقوة 4,7 درجات يضرب جنوب البيرو    في بهاء الوطن… الأمن يزهر    موريتانيا ترغب في الاستفادة من تجربة المغرب في التكوين المهني (وزير)    بعد فراره لساعات.. سائق سيارة نقل العمال المتسبب في مقتل سيدة مسنة يسلم نفسه لأمن طنجة    الأشبال: الهدف التأهل إلى المونديال    جناح الصناعة التقليدية المغربية يفوز بجائزة أفضل رواق في معرض باريس    الأسهم تحفز تداولات بورصة البيضاء    البيضاء تحدد مواعيد استثنائية للمجازر الكبرى بالتزامن مع عيد الأضحى    الموت يفجع الفنان المغربي رشيد الوالي    مهرجان مغربي يضيء سماء طاراغونا بمناسبة مرور 15 سنة على تأسيس قنصلية المملكة    بينالي البندقية.. جلالة الملك بوأ الثقافة والفنون المكانة التي تليق بهما في مغرب حديث (مهدي قطبي)    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوريد ل«المساء»: «البام» ليس مقدسا والترهات أرد عليها بالآية الكريمة: «سلاما»
قال إن الحديث عن الديمقراطية من دون السيادة الشعبية لغو من القول
نشر في المساء يوم 31 - 08 - 2012

في الجزء الأول من الحوار المطول الذي أجرته «المساء» مع حسن أوريد يكشف مؤرخ المملكة السابق عن ملابسات
الهجوم الذي تعرض له من طرف قيادة الأصالة والمعاصرة، وقال إنه لم يهاجم أحدا، والأصح أنه هو من تعرض للهجوم. وأضاف «أنا أجريت قراءة على وضع سياسي أمام جامعة صيفية، بصفتي أستاذا أدرّس مادة العلوم السياسية. وتقاطع تحليلي مع تحليل زملاء آخرين». ووجه أوريد الكلام إلى بنشماس قائلا: «وأتساءل، مثلما قد يتساءل القراء الذين سيقرؤون هذا الحوار: ماذا يعني السؤال: «هل ما زال الولاة...»، أفلا يعني ضمنيا أنهم كانوا سابقا يدعمون حزب السيد بنشماس. مجرد تساؤل يفرضه منطق السؤال. ومرة أخرى أقول للسي بنشماس، الذي وجه إلي السؤال: ليس فقط أنني لا أدري إن كان الولاة والعمال الذين عينهم رئيس الحكومة ما زالوا يدعمون حزبه، بل ليس لدي وسائل معرفة ذلك، ثم إن الموضوع لا يهمني». وفي هذا الجزء من الحوار تحدث أوريد أيضا عن أسباب فشل التعليم بالمغرب، وتشخيصه لوضعه وآفاق إصلاحه، وقال إن «من لا يعرف تاريخه يكرر نفس الأخطاء»، مضيفا أن «مشكل التقنوقراطي أنه لا يبدع أفكارا، بل يتمثل أفكارا صاغها آخرون، يفتي من خلال مرجعية مجتثة عن واقعنا وثقافتنا وقيمنا وطموحنا». وختم قائلا إن «أصل الداء هو البنية التي ورثناها عن ليوطي، والتي أقامت نظاما شبيها بالأبارتايد».
- ما هي، في رأيك، أسباب فشل التعليم في المغرب؟ ولماذا لم يستطع إلى الآن الخروج من النفق المظلم؟
من الصعب أن نرد سبب فشل التعليم إلى سبب واحد. لقد كنت من المنتقدين لتدبير قطاع التعليم، قلت ذلك قبل سنتين، ونشرته السنة الماضية في مقال بمجلة «زمان»، وقلته في مناظرة مع جمعية «أماكن»، التي يرأسها عبد الناصر الناجي، لها نظرة دقيقة وتشخيص صائب، ولا يمكن كذلك، بكامل الموضوعية أن نبخس الجهود المبذولة ولا الإنجازات التي تحققت. إذا أردنا أن نكون إيجابيين فلا ينبغي أن نكون عدميين. هذا من حيث المبدأ. ومن حيث التشخيص، هناك محطتان رئيستان في مسارنا التعليمي: المحطة الأولى عقب الاستقلال، وقد حددت المبادئ الأربعة المعروفة (التعميم، التعريب، التوحيد، المغربة)، وهي المحطة التي يمكن أن نقول عنها إن أصحابها كان لهم تصور عن المجتمع الذي يريدون، لكن بدون وسائل، وبنوع من الرومانسية والارتجال كذلك، وفي سياق سياسي مضطرب يطبعه الصراع، والالتفاف حول من قادوا معركة التحرير.في هذا السياق لم يكن ُينظر إلى قطاع التعليم كحل، ولكن كمشكل، وكان رجال التعليم موضع توجس. والمحطة الثانية هي التي بدأت مع خطاب المرحوم الملك الحسن الثاني ليوليوز 1995 حينما قيّم مشكل التعليم من منظور عدم ملاءمته لمتطلبات العولمة. وتمخض عن هذا التشخيص ما سمي بالميثاق الوطني للتربية والتكوين. هل طرحنا في هذا الميثاق مشروعنا المجتمعي أو ما أسميه طموحنا الجماعي؟ هل فكرنا في قضايا من خلال تشخيص نقدمه نحن وحلول نقدمها نحن؟ كيف يستطيع خبير له إلمام بقضايا أبناء مشاكل الضواحي الباريسية أن يقدم تشخيصا دقيقا لقضايانا ويفتي في خياراتنا التربوية والمنهجية؟ هل نختزل إشكالية التعليم في مقاربة عددية: عدد الملتحقين بأسلاك التدريس، نسبة التأطير، عدد الحجرات؟ وهي المقاربة التي لم نخرج منها منذ أخذت أعي قضايا التعليم، منذ بداية السبعينيات، حيث يقدم الوزير أرقاما وبيانات حول عدد المسجلين ونسب الناجحين، ولم يوضح مسؤول، ولو مرة، نوعية التعليم الذي يتلقاه الحاصل على الشهادة الابتدائية، مثلا، وما هي نوعية المعارف التي اكتسبها، والمفاهيم التي حذقها، والقيم التي تشبع بها.على الأقل في عهدنا كنا نعرف أن الحاصل على الشهادة الابتدائية يفترض فيه أنه يعرف القراءة والكتابة، ويعرف المبادئ العامة لتاريخ المغرب وجغرافيته ويحسن العمليات الأربع وبعض عمليات التحويل في الحساب ويحفظ سور الرحمن والواقعة والحديد، ويعرف آيات المنافق، ويميز في اللغة الفرنسية بين مجموعات الأفعال الثلاث، إلخ. لا نقيّم الشواهد ولا الحاصلين عليها، وليس لنا أدوات لتقييمها. ماذا يعني تلميذ حاصل على الباكلوريا؟ النقطة ليست هي أداة التقييم. مثال آخر : لا نزال نشتكي من نسبة الأمية، ولدينا ما هو أسوأ من الأمية: الجهل، فكثيرون ممن يحسنون القراءة والكتابة جهال لا يفهمون ميكانيزمات العالم، أو يقرؤونه من منظور ميتافيزقي، ولا يحسنون شيئا، أو مثلما يقال بالفرنسية لا يعرفون ما يصنعون بأيديهم.. كما لو أنه يكفي أن يفك شخص طلاسم رسوم الكلمات لينتقل من طور إلى طور. هذا كان ممكنا في أوربا لأن اللغة التي يتم التخاطب بها هي التي يتم التعليم بها، وسبقت هذه الثورة المعرفية ثورة فلسفية أزاحت عن العالم أي طابع ميتافيزقي. أقول ميتافزيقي وليس ديني. أنا أفضل شخصا لا يحسن القراءة ولكن لديه صنعة، وله بنية ذهنية قابلة لتلقي المفاهيم العصرية، مثل السببية، والملاحظة، والتجربة، وكل شخص يشتغل بيده ويكد يمكن أن يفهم المبادئ العامة، لأنه مثلما يقول المربون: الذكاء يصعد من اليدين، أي أن التجربة هي التي تصوغ المعرفة، وليس حفظ تجارب الآخرين، وترديدها. ليس لدينا شيء أصبح أساسيا في العملية التربوية. سوسيولوجية التعليم تكون رديفا لدور المفتش.. بإيجاز المسألة التعليمية ليست تقنية، ولكنها ترتبط بشيء أساسي هو أي مجتمع نريد. والميثاق لم يطرح قضية الطموح الجماعي، واكتفى بما يسمى الآن بالتركيز على الكفايات، ومبادئ عامة، غالبها مُملى.
لقد تعلمت من واحد من كبار المربين ومن الرعيل الأول للمفتشين المغاربة الأوائل محمد شفيق، إلى جانب عبد السلام ياسين والمرحوم حسين بن عبد الله، تعلمت منه المقولة الأمريكية: إذا أردت أن تُعلّم اللاتينية لجون، فليس عليك بالضرورة أن تعرف اللاتينية، ولكن يتحتم عليك أن تعرف جون. مأساتنا أننا نضيع وقتا طويلا في تعلم اللاتينيات الممكنة، والتي يمليها علينا تقنوقراط دوليون من خلال تصورات نمطية، وننسى جون. جون هو واقعنا. نعم المسألة التعليمة معقدة. هل لدينا الأطر التي يمكنها أن تقوم بالتشخيص؟ نعم. ما ينقصنا هو الطموح الجماعي، ولا بد من ناطق باسم هذا الطموح، فيخته كما في ألمانيا، أو جول فيري بفرنسا، أو ما قدمه طه حسين في كتابه «مستقبل الثقافة في مصر». لو كان لنا تصور جماعي لهانت القضايا المعقدة التي ما فتئنا نتأرجح حولها ونختصم حولها فيما يخص لغات التدريس، والتي لم نحسم فيها، ونرجئها دوما باسم ما يسمى بالتوافق، الذي، مثلما يقول واحد من خيرة العارفين بقضايا التربية في بلادنا، عبد الإله مصدق، هو إرجاء المشاكل وتعقيدها.
- كيف تتصور تطوير التعليم في المغرب وإخراجه من الوضع المأساوي الذي ظل يتخبط فيه منذ الاستقلال؟
أنا أنطلق من قاعدة مفادها أن علينا أن نفكر متشائمين ونعمل متفائلين. اللحظة التي نعيشها ذهبية من أجل الانكباب على قضايانا التربوية، بالنظر إلى التراكمات التي حصلت، والأخطاء التي ارتكبت، ولكن بالأخص بالنظر إلى السياق الوطني والإقليمي الذي نعيشه.هل يمكن أن نفصل أنفسنا عن محيطنا؟ لا. هل يمكن أن نقول ببساطة: تازة قبل غزة؟ لا. لقد سبق أن كتبت مقالا عن مصر وألمعت فيه إلى أمل المرحوم جمال حمدان في أن تكون مصر أندلس ثانية. لنعملْ جميعا، ولدينا شرعية، من أن نعيد نموذج الأندلس، في حضارته، في معارفه، في فلسفته، في احترامه للآخر، أو إن شئت في تسامحه، بل حتى في فقهه، وليس في مجونه أو «مباهجه».
- البعض يرى أن فسح المجال على عواهنه للتعليم الخصوصي يكرس التمييز بين أبناء الشعب ويحد من تكافؤ الفرص بينهم.
إن التفكير هو التمييز. الأحكام الجاهزة شأن الأطفال والمراهقين، وربما مجال التنابز في التنافس السياسي. لكن التفكير لا يمكن أن يتم بدون تحليل موضوعي لوضعية معينة بكل أوجهها. هل يمكن للتعليم الخصوصي أن يسهم في حل ما نعانيه من مشاكل تعليمية وتربوية؟ نعم، بل يمكن أن يكون قاطرة للتعليم العمومي، ولذلك ينبغي فتح المنافذ بين القطاعين، على مستوى البرامج، والمربين والتلاميذ، أن تكون نسبة من أبناء الشعب معفاة من الأداء، مثلا. طبعا هذا يفترض الإيمان بأن التعليم ليس سلعة أو عملية تجارية. لسنا وحدنا من عانى من هذا الانزياح. الرأسمالية توربو شيّأت كل شيء: التعليم، الصحة...، وهلهلت ثقافات الأمم وقيمها ووضعت الفعالية أسمى من التضامن..السؤال الذي تطرحه لا ينفصل عن تعاطي جديد مع العملية التربوية برمتها، وليس فقط إصلاحا قطاعيا، ويفترض مقاربة جديدة لدور الدولة. وهذه قضايا لا تهمنا وحدنا، وتطرح حتى في العالم المتقدم. الآن فقط أخذنا ننظر إلى سلبيات العولمة..ما نحتاجه هو إعادة صياغة جديدة Une refonte لكثير من القضايا، وعلى رأسها التعليم.
- رغم دراسة كثير من أطر المغرب باللغة الفرنسية وتشبعهم بثقافتها، فقليلا ما يؤمنون بمبادئ عصر الأنوار. في رأيك ما الموانع التي ترى بأنها تمنعهم من الأخذ بما جاءت به الثورة الفرنسية والمساهمة في إدارة عجلة الوطن عوض فرملتها؟
عبد الرحيم بوعبيد درس باللغة الفرنسية. جزء كبير من أبناء الحركة الوطنية تأثروا بالمثل السامية لفلسفة الأنوار أو الفكر الاشتراكي القائم على المساواة والعدل والكرامة لمقارعة الاستعمار.. لقد قلت في محاضرة إن من لا يعرف تاريخه يكرر نفس الأخطاء. لا أدري إن كنت تعرف كتابا لفرنسوا ميتران ينتقد فيه دوغول بعنوان «الانقلاب المستمر». نحن كذلك عشنا حالة استثناء مستمرة، بأشكال مختلفة، مع انفراجات طفيفة، وسمة هذه الحالة التي انتسجت خيوطها مع بداية الستينيات هي أننا نحتاج إلى روبوات، وليس إلى أشخاص لهم رؤية. أدوات لا تطرح أسئلة مزعجة.طبعا كان يمكن أن نتغاضى عن هذه الخيارات لو أن هذه «العناصر الفعالة» حلت قضايا التعليم والصحة وبوأت بلدنا مدارج الرقي، ولم يعد همنا حين تنشر هيئة دولية جدول الترتيب فيما يخص مؤشرات التنمية البشرية أن نغضب ونثور لأنها تخطئ في المؤشرات.. مشكل التقنوقراطي أنه لا يبدع أفكارا، بل يتمثل أفكارا صاغها آخرون. يفتي من خلال مرجعية مجتثة عن واقعنا وثقافتنا وقيمنا وطموحنا. أن يبقى في دوره، هذا لا يطرح مشكلا، ولكن أن ينتحل صفة المفكر والسياسي فهذا هو المشكل.
وأصل الداء هو البنية التي ورثناها عن ليوطي، والتي أقامت نظاما شبيها بالأبارتايد: نظام عصري متطور لفائدة المعمرين، في كل مناحي الحياة، ونظام تقليدي للأهالي، يعيشون في بانتوستانات جغرافية أو لغوية أو ثقافية أو قيمية. وقد عبر ليوطي عن هذا الوضع في جملة بليغة حينما حدد دوره فيما يلي: مدبرا للمعمرين وكفيلا للأهالي، والذين أشرتَ إليهم يمتحون نموذجهم ليس من مونتسكيو أو هولباك أو روسو، بل من ليوطي، في أحسن الأحوال، ومن روبير مونطاني الُمنظّر لجبهة تجمع الأعيان والقواد وشيوخ القبائل وبعض رجال الأعمال وأصحاب الطرق، تحت رعاية الإقامة العامة، من أجل الوقوف ضد المد الشعبي المناهض للاستعمار. هو ما كان أسماه «ثورة في المغرب»، ورد عليه الوطنيون بثورة الملك والشعب. حاولْ أن تعقد مقارنة بين «الثورة» التي أرادها روبير مونطاني، والتي بشّر بها البعض قبل ثلاث سنوات أو أربع. نفس المنطلق، نفس الهواجس، ونفس المآل.
- في كتابك «مرآة الغرب المنكسرة» تطرقت إلى مسألتين، تتعلق الأولى بالخطر الذي يهدد الديمقراطية جراء سطوة المال والإعلام، والثانية حول التقنوقراط في منظومة الحداثة. بعد «الربيع العربي» ألا تزال هاتان المسألتان حاضرتين بقوتهما كما كان الحال من قبل؟
تطرقت إلى أشياء كثيرة في الكتاب، منها أن الحديث عن الديمقراطية من دون السيادة الشعبية لغو من القول، ومنها ما أوردته على لسان الشاعر الإيرلندي ييتس في تصدير الكتاب:
ثورة تلوح في الأفق حتما.
- بعد تعيينك مؤرخا للمملكة تطلع المغاربة إلى «تاريخ موضوعي» للمغرب، فلو قدر لك الاستمرار في المنصب كيف كنت ستكتب تاريخ المملكة؟
أخذت الأمر على محمل الجد كما يقال، رغم أنني كنت واعيا بأنه ليس لدي «البروفايل» الضروري لهذه المهمة الخطيرة. (والخطير بالعربية هو المهم جدا) وقد قرأت خلالها كتاب جذور تاريخ فرنسا المعاصرة لتين هيبوليت و«قرن لويس الرابع عشر» لفولتير. وقد وقعت على شيء أساسي حدث في فرنسا، وكان ينتسج أمام ناظري، وهي أن مؤسسات تحولت من وظائف إلى ألقاب يحملها أشخاص، ما بين لويس الرابع عشر ولويس الخامس عشر، وأن هذا التحول كان إرهاصا ومؤشرا لتحولات عميقة وتعبيرا عن أعراض تهم تحول بنية السلطة. ما عدا ذلك فهو مثلما يقول الأمريكيون: it's history.


الأصالة والمعاصرة ودعم الولاة والعمال
- هاجمت في خرجة إعلامية لم تكن منتظرة حزب «الأصالة والمعاصرة»، وقلت إن هذا الحزب لعب الدور الذي كانت تلعبه وزارة الداخلية. هناك من اعتبر أن الهجوم لا قيمة له لأنه جاء على لسان شخص «صنع» في دار المخزن. كيف ترد على مهاجميك؟
أنا لم أهاجم أحدا، بل الأصح هو أنني تعرضت لهجمة. لقد أجريت قراءة على وضع سياسي أمام جامعة صيفية، بصفتي أستاذا أدرّس مادة العلوم السياسية. وتقاطع تحليلي مع تحليل زملاء آخرين. والمثير أن صحافيا سألني عقب الضجة المعلومة: لماذا تحدثت في محاضرتك عن الأصالة والمعاصرة؟ فرددت عليه وكان الحديث بالفرنسية: Est-ce que le Pam est sacro-saint؟ (هل البام مقدس)، فلم يعقب. ألا يجوز في تحليلنا للوضع السياسي أن نتحدث عن حزب الأصالة والمعاصرة، وظروف النشأة؟ نحن نتحدث عن التعليم وأفق تطويره، فكيف يمكن أن يتطور البحث العلمي، إن حدته موانع، أيا كانت هذه الموانع؟ كيف يمكن أن يزدهر الفكر، وسط الترهيب، أيا كان مصدر هذا الترهيب ونوعه؟ كيف يمكن للمرء أن يزعم أنه حداثي، ويريد أن يفرض قولبة فكرية؟ أنا لست، من موقعي، لا مع ولا ضد. هي حالة درستها، يمكن أن أخطئ في تقييمي، لأن العلوم الإنسانية ليست علوما دقيقة. حينما يطرح السيد بنشماس السؤال في جريدتكم بتاريخ 21 غشت الحالي: «ويجب أن نطرح سؤالا على حسن أوريد: «هل ما زال الولاة والعمال الذين عينهم رئيس الحكومة يدعمون حزبنا؟» أجيب بكامل الموضوعية: لا أدري. ولكنني أقف عند منطوق السؤال لشخص يتقن اللغة العربية، وأتساءل، مثلما قد يتساءل القراء الذين سيقرؤون هذا الحوار: ماذا يعني السؤال: «هل ما زال الولاة...» ألا يعني ضمنيا أنهم كانوا سابقا يدعمون حزب السيد بنشماس. مجرد تساؤل يفرضه منطق السؤال. ومرة أخرى أقول للسي بنشماس، الذي وجه إلي السؤال: ليس فقط أنني لا أدري إن كان الولاة والعمال الذين عينهم رئيس الحكومة ما زالوا يدعمون حزبه، بل ليس لدي وسائل معرفة ذلك، ثم إن الموضوع لا يهمني.
أما الترهات اللفظية، والأحكام الجزافية، فلا يسعني إلا أن أردد الآية الكريمة: «سلاما».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.