قيادات "الأحرار" تلتئم بالداخلة.. تنويه بمنجزات الصحراء وحصيلة الحوار الاجتماعي    الأميرة للا أسماء تترأس بواشنطن حفل توقيع مذكرة تفاهم بين مؤسسة للا أسماء وجامعة غالوديت    جهة الداخلة-وادي الذهب.. الوزير البواري يتفقد مدى تقدم مشاريع كبرى للتنمية الفلاحية والبحرية    تعاف قوي لصادرات المندرين المغربي بعد سنوات الجفاف.. وروسيا في صدارة المستوردين    إسرائيل تهاجم بنيات عسكرية سورية    ولادة طفلة "بلا دماغ" بقطاع غزة ومطالب بالتحقيق في الأسلحة المحرمة التي تستعملها إسرائيل (فيديو)    توقيع اتفاقية إطار بشأن الشراكة والتعاون من أجل تطوير الحكومة الإلكترونية وتعميم استخدام ميزات الهوية الرقمية    إجهاض محاولة للتهريب الدولي للمخدرات وحجز طنين من الشيرا بمعبر الكركارات    حادثة سير بين بوعرك وأركمان ترسل سائق "تريبورتور" ومرافقه للمستعجلات    حين تصبح الحياة لغزاً والموت خلاصاً… "ياقوت" تكشف أسراراً دفينة فيلم جديد للمخرج المصطفى بنوقاص    رئيس برلمان دول الأنديز : أحب المغرب .. رسالة مؤثرة من قلب مراكش إلى العالم    الدار البيضاء تطلق قطبا تكنولوجيا جديدا بسيدي عثمان    أشغال تجهيز وتهيئة محطة تحلية مياه البحر بالداخلة تبلغ نسبة 60 بالمائة    شركة FRS DFDS تعلن عن موعد توقف استغلالها لخط "طريفة – طنجة المدينة"    بعد مقال "شمالي".. مجلس جماعة طنجة يؤجل التصويت على منح 45 مليون سنتيم لجمعية مقرّبة من نائبة العمدة وهذه أبرز النقاط المصادق عليها    جماهير الوداد الرياضي والجيش الملكي مع موعد تاريخي    هل يتجه حزب العدالة والتنمية إلى الحظر بعد أن تحول إلى جماعة إسلامية حمساوية    سوريا.. السلطات تعتبر القصف الإسرائيلي لمنطقة قريبة من القصر الرئاسي بدمشق "تصعيدا خطيرا"    توقيع اتفاقية إطار بشأن الشراكة والتعاون من أجل تطوير الحكومة الإلكترونية وتعميم استخدام ميزات الهوية الرقمية    لهذه الأسباب سيغيب الدولي المغربي مزراوي عن فريقه … !    يونس مجاهد: مجالس الصحافة وضعت للجمهور وليست تنظيمات بين-مهنية    الجامعة الملكية المغربية تكرم المنتخب الوطني النسوي المتوج بكأس الأمم الإفريقية للفوتسال    بسبب اختلالات رياضية.. الجامعة الملكية تصدر قرارات التوقيف والغرامة في حق عدد من المسؤولين    رغم القطيعة الدبلوماسية.. وفد برلماني مغربي يحل بالجزائر    مخاريق: لا يأتي من بنكيران سوى الشر.. وسينال "العقاب" في الانتخابات    توقعات أحوال الطقس في العديد من مناطق المملكة اليوم الجمعة    لبنان يحذر حماس من استخدام أراضيه للقيام بأي أعمال تمس بالأمن القومي    الفنان محمد الشوبي في ذمة الله    الصحة العالمية تحذر من تراجع التمويل الصحي عالميا    حقوقيون يسجلون إخفاق الحوار الاجتماعي وينبهون إلى تآكل الحريات النقابية وتنامي القمع    اللاعب المغربي إلياس أخوماش يشارك في جنازة جدته بتطوان    "إغلاق أخضر" في بورصة البيضاء    دراسة: هذه الأطعمة تزيد خطر الوفاة المبكرة    دراسة: مادة كيمياوية تُستخدم في صناعة البلاستيك قتلت 365 ألف شخص حول العالم    في كلمة حول جبر الأضرار الناجمة عن مآسي العبودية والاتجار في البشر والاستعمار والاستغلال بإفريقيا: آمنة بوعياش تترافع حول «عدالة تعويضية» شاملة ومستدامة    «غزة على الصليب: أخطر حروب الصراع في فلسطين وعليها»    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    كلية الآداب بالجديدة وطلبتها يكرمون الدكتورة لطيفة الأزرق    عبد الله زريقة.. علامة مضيئة في الشعر المغربي تحتفي به "أنفاس" و"بيت الشعر"    سفينة مساعدات لغزة تتعرض لهجوم بمسيرة في المياه الدولية قرب مالطا    للمرة الخامسة.. مهمة سير فضائية نسائية بالكامل خارج المحطة الدولية    العرائش تسجل أعلى نسبة تملك.. وطنجة تتصدر الكراء بجهة الشمال    رسالة مفتوحة إلى السيد محمد ربيع الخليع رئيس المكتب الوطني للسكك الحديدية    كوريا: الرئيس المؤقت يقدم استقالته لدخول سباق الانتخابات الرئاسية    خُوسّيه سَارَامَاغُو.. من عاملٍ فى مصنعٍ للأقفال إلى جائزة نوبل    الذهب يتعافى بعد بلوغ أدنى مستوى في أسبوعين    كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة: المغرب يستهل مشواره بفوز مثير على كينيا    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    كرة القدم.. توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    الزلزولي يساهم في فوز بيتيس    منتجو الفواكه الحمراء يخلقون أزمة في اليد العاملة لفلاحي إقليم العرائش    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوباما.. انقلاب أبيض بلون أسود
نشر في المساء يوم 20 - 11 - 2008

لقد أبهرتني الانتخابات الأمريكية الأخيرة.. وتلك مفارقة لم أستسغها بعد، ربما لأنني كأغلب الناس الكارهين للسياسة الأمريكية، كجيل عايش الغطرسة الأمريكية منذ حرب الخليج الأولى إلى الحرب على العراق وأفغانستان، تلك الغطرسة التي لم تدع في قلوبنا ولا في عقولنا فسحة من حب أو تقدير لأمريكا، عدوة الشعوب ومثيرة الحروب، كما نردد ذلك مرارا في الشعار المعلوم.
لكن أخلاق القوة تجبر كل ذي عقل أن يقف احتراما لعدو ما ترك لأي منا الخيار، فاكرهه إن شئت، أو ابغضه ما شئت، لكن ليس لك بد من أن تلقي السمع وتقلب النظر في حدث تاريخي بكل المقاييس. أمريكا اليوم أصبحت تحت سماء جديدة، وتحت أشعة شمس لم تعهدها من قبل، شمس قوة الديمقراطية التي لن يحجبها غربال أو أكثر، غربال حقد أو كره أو رغبة في التخلص من «شيطان» ملأ الدنيا وشغل الناس وقتل كثيرا منهم، أمريكا تعيش منذ انتخاب باراك أوباما انقلابا أبيض بلون أسود سيشكل دون شك علامة فارقة في تاريخ البشرية جمعاء.. فلنتأمل..
عندما ألقى زعيم الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ خطابه الشهير »لدي حلم» في 28 غشت 1963، كان عمر باراك أوباما حينها سنتين و24 يوما، كان طفلا صغيرا، لا يعرفه أحد، فقد تركه أبوه الكيني للتو مع أمه الأمريكية البيضاء، ليعود أدراجه إلى بلده الأصلي كينيا، تركه ليعيش قدره وليصبح، وهو في سن السابعة والأربعين، الرئيس ال44 للولايات المتحدة، وأول رئيس لهذا البلد من أصل أفريقي.
كان حلم زعيم الحقوق المدنية المغتال بسيطا بساطة هذه الكلمات: «لدي حلم، أن يأتي يوم يتمكن فيه أبناء العبيد وأبناء أسيادهم من الجلوس معا على طاولة الأخوة».. منذ ذلك الوقت، جرت مياه كثيرة، تغيرت معها الولايات المتحدة الأمريكية، وتغير معها العالم، كما تحقق حلم أكبر بكثير من حلم مارتن لوثر، فقد دخل البيت الأبيض رئيس أسود مصحوبا بنائب له أبيض اللون. من كان يصدق أن ذلك سيحدث يوما في بلد العنصرية والاستعباد.
بدأت قصة باراك أوباما مع السياسة في سنة 1992، فقد كان يحضر حفلا عائليا في بيت زوجته، في فترة تعارفهما قبل الزواج، حينها سأله أخ زوجته، عن مشاريعه المستقبلية، فأجابه أوباما، أريد أن أمارس التدريس، وممكن أن أشتغل بالسياسة أيضا؛ فسأله أخ زوجته مرة أخرى، هل تريد أن تصبح منتخبا محليا؟ أجابه أوباما، لا، أريد مجلس الشيوخ ولم لا الرئاسة. بعد حوالي الست سنوات، يحقق أوباما حلمه.. وأي حلم.
وكان الحديث عن بقاء هذا الحلم الأمريكي واستمراره وقوة الديمقراطية الأمريكية أول ما افتتح به أوباما خطاب النصر، حيث قال بفصاحته وبلاغته الاستثنائيتين: «إذا ما زال لأحد شك في أن أمريكا هي المكان الذي فيه كل الأشياء ممكنة، أو لا زال يتساءل هل حلم آبائنا المؤسسين لا زال حيا، أو لازال يشكك في قوة ديمقراطيتنا، فالجواب قد أعطي له هذه الليلة».
حينما شاهدت خطاب النصر وخطاب الهزيمة أيضا، أبهرت حقيقة، أبهرت بخطاب الهزيمة أولا، فقد ألقى جون ماكين أحد أجمل وأقوى خطاباته، اعترافا بانتصار خصمه ورمزية ذلك بالنسبة لكثير من السود، وتحملا للمسؤولية كاملة في الهزيمة، ودعوة للأنصار وعموم المواطنين للعمل مع الرئيس المنتخب. وأبهرت أيضا بخطاب النصر الذي لم يقل شأنا عن خطاب الهزيمة، فأوباما خطيب مفوه، أضاف إلى ذلك شكرا موفى لخصمه، وشكرا لأنصاره، واستعدادا لخدمة كل مواطنيه، بمن فيهم أولئك الذين لم يعطوه أصواتهم، لكنه استمع إليها، وتعهد للجميع باستعادة الحلم الأمريكي.
بعد ذلك تساءلت كم من الناس حول العالم يكرهون الولايات المتحدة الأمريكية؟ كم من الناس ازداد كرههم للولايات المتحدة الأمريكية تحت قيادة بوش الابن؟ لكن في المقابل كم من بلد، وكم من شعب، في العالم أجمع، يمكن فيه لشاب سنه مادون الخمسين، مساره السياسي لا يجاوز الثماني سنوات، أسود اللون، من عائلة عادية من أيها الناس، يبدأ ما دون الصفر ويستطيع أن يبني قصة نجاح ستلهم أجيالا من بني قومه، وأجيالا كثيرة من أقوام آخرين الله يعلمهم. كم من بلد في العالم أجمع يمكن فيه لحلم كبير وعظيم واستثنائي أن يتحقق ويرى رأي العين. صدقوني هناك اليوم دولة واحدة يمكنها أن تضمن ذلك.. تعرفونها لا شك.. قد تتلوها دول أخرى في مستقبل الأيام.. ذلك يقين يدعمه منطق السننية والتاريخ وتطور البشرية وارتقاؤها، لكن الفضل دوما فضل السابق.
لا يمكن لأحد أن يقدر حجم ورمزية الحدث إذا لم يعرف معنى الميز العنصري، إذا لم يذق نظرة ازدراء ينظر بها رجل أبيض إلى رجل أسود، كما لا يمكن أن يقدر حجم النصر من لا يعرف معاناة السود الأمريكيين مع العنصرية، رغم الترسانة القانونية الضخمة التي تحمي حقوقهم، لكن متى كان القانون وحده كفيلا بأن يجعل النظرة والبسمة والمعاملة غير عنصرية. وقد اختزلت ذلك كله دموع القس الأمريكي الشهير جسي جاكسون، الذي التقطته الكاميرا أثناء حفل النصر لأوباما، وعيناه تذرف دموعا لا تنتهي، وتختزل كل دموع السود منذ أن اقتلعتهم أيادي البيض من إفريقيا، ورمت بهم في العالم الجديد، الذي خطف منهم حريتهم وإنسانيتهم، دموع اختزلت كل آهات الأجداد وأنات الأمهات في حقول الذل والعار.. أوباما كان الرمز الذي رد بعضا من الاعتبار للرجل الأسود.
وأخيرا، إذا كان هذا هو حال الأحلام في أمريكا، بما في ذلك الحلم المستحيل، فإن حال الأحلام، بسيطها قبل كبيرها، عند شعوب التخلف والخراب، يبعث عن الأسى، فهي لم تنسى ماضيها فحسب، بل إنها تدمر حاضرها فسادا وظلما وقهرا، وتعدم أحلام أطفالها وأجيالها الآتية، أوليس الظلم مؤذن بخراب العمران، فكيف للحلم أن يتعايش مع خراب الفساد والظلم. إن شعوبا هذه أحوالها لا يمكن أن تستحق قيادة العالم، وإن كان معها الوحي، وإن كان منها النبي والرسول.. فرجاء كفوا عنا أذاكم، وكفوا عنا أوهامكم، ولا تسرقوا منا الحلم. ختاما، يحلم كثير من العرب والمسلمين بتغيير أحوالهم مع أوباما،وتلك حقا مفارقة عجيبة، فإذا كان لحلم زعيم الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ معنى، وإذا كان تحقيق حلمه قد مر بمعاناة حقيقية وتضحيات جسام، كان على رأسها تضحيته هو نفسه بدمائه فداء لحلمه، فإن أحلامنا هي أقرب ما تكون إلى الأوهام، فسماء أوباما لن تمطر علينا ذهبا ولا فضة، وهو رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، انتخب من قبل مواطنيها، لتحقيق أهداف تعهد بها، ومعلوم لكل متتبع أنه لا يوجد من بين تلك الأهداف هدف تحسين أحوال أمتنا، أوباما هو خادم لمصالح أمته التي حققت حلمه، ودوره هو الدفاع عن مصالح بلده أولا وأخيرا، قد نعول على بعض من عقلانيته وقدراته على الحوار والإنصات، لكن ما هو مؤكد أن آخر ما يمكن أن يفكر فيه أوباما هو أن يهتم بقوم غير قومه. ذلك اليقين كله، وما عداه هو عين الإثم ظنا وتمنيا.
إن المدخل الأساسي لتحقيق حلمنا، إن وجد، هو أن نعتمد على ذواتنا، وأن نستخلص من الحلم الأمريكي دروسا في قوة الديمقراطية، وفي جرأة التغيير، والثقة في الشباب، وقداسة الصوت الانتخابي، وجدية المحاسبة والتقييم. من هنا يبدأ المسير، أما غير ذلك فهي أوهام لا أحلام.. ودمتم سالمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.