الأمن المغربي والإسباني يفككان خيوط "مافيا الحشيش"    ميارة يستقبل رئيس الجمعية البرلمانية لأوروبا    السجن المحلي بتطوان يحتفل بالذكرى ال16 لتأسيس المندوبية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    أسماء المدير تُشارك في تقييم أفلام فئة "نظرة ما" بمهرجان كان    سكوري : المغرب استطاع بناء نموذج للحوار الاجتماعي حظي بإشادة دولية    وزارة الفلاحة: عدد رؤوس المواشي المعدة للذبح خلال عيد الأضحى المقبل يبلغ 3 ملايين رأس    مطار الصويرة موكادور: ارتفاع بنسبة 38 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    الجيش الملكي يرد على شكاية الرجاء: محاولة للتشويش وإخفاء إخفاقاته التسييرية    مشروبات تساعد في تقليل آلام المفاصل والعضلات    الزمالك المصري يتلقى ضربة قوية قبل مواجهة نهضة بركان    خمري ل"الأيام24″: الإستقلال مطالب بإيجاد صيغة جديدة للتنافس الديمقراطي بين تياراته    تحديات تواجه نستله.. لهذا تقرر سحب مياه "البيرييه" من الاسواق    أمن فاس يلقي القبض على قاتل تلميذة    بلينكن: التطبيع الإسرائيلي السعودي قرب يكتمل والرياض ربطاتو بوضع مسار واضح لإقامة دولة فلسطينية    رسميا.. عادل رمزي مدربا جديدا للمنتخب الهولندي لأقل من 18 سنة    مجلس النواب يطلق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية    برواية "قناع بلون السماء".. أسير فلسطيني يظفر بجائزة البوكر العربية 2024    عملية جراحية لبرقوق بعد تعرضه لاعتداء خطير قد ينهي مستقبله الكروي    المحكمة تدين صاحب أغنية "شر كبي أتاي" بالسجن لهذه المدة    المديرية العامة للأمن الوطني تنظم ندوة حول "مكافحة الجرائم الماسة بالمجال الغابوي"    هذا هو موعد مباراة المنتخب المغربي ونظيره الجزائري    الشرطة الفرنسية تفض اعتصاما طلابيا مناصرا لفلسطين بجامعة "السوربون"    غامبيا جددات دعمها الكامل للوحدة الترابية للمغرب وأكدات أهمية المبادرة الملكية الأطلسية    الملك يهنئ بركة على "ثقة الاستقلاليين"    تحرير ما معدله 12 ألف محضر بشأن الجرائم الغابوية سنويا    "التنسيق الميداني للتعليم" يؤجل احتجاجاته    نيروبي.. وزيرة الاقتصاد والمالية تمثل جلالة الملك في قمة رؤساء دول إفريقيا للمؤسسة الدولية للتنمية    الرئاسيات الأمريكية.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن    يوسف يتنحى من رئاسة حكومة اسكتلندا    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري        اتفاق بين الحكومة والنقابات.. زيادة في الأجور وتخفيض الضريبة على الدخل والرفع من الحد الأدنى للأجور    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين        إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    رئيس ريال مدريد يهاتف مبابي عقب التتويج بالدوري الفرنسي    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدخول الثقافي بالمغرب.. بحث عن متغيب
المثقفون يتحسرون عليه والسياسيون لا يعلمون به
نشر في المساء يوم 19 - 09 - 2013

مسعود بوحسين: المغرب لا يتوفر على صناعة ثقافية محترفة
يرى مسعود بوحسين، رئيس النقابة المغربية لمحترفي المسرح، أنه من الصعب الحديث في المغرب عن دخول ثقافي على غرار الدخول المدرسي أو السياسي أو الرياضي...الخ، لأن المغرب بكل بساطة، حسب بوحسين، لا يتوفر على صناعة ثقافية محترفة، تستغل المحطات الفاصلة في الحياة الثقافية كالدخول الثقافي من أجل الترويج لمنتجاتها، الشيء الذي يحتاج بالطبع إلى سابق إعداد. فدور النشر تعلن عن إصداراتها والمسارح تعلن عن عروضها الجديدة، وتتفنن المنشآت الثقافية في تزيين واجهاتها من أجل جذب زبناء جدد. ويضيف بوحسين أن الحركة الثقافة في المغرب استعادت شكلها التقليدي في روح جديدة، فالموسم التقليدي عوضه المهرجان الحديث وليس هناك مجال واسع للاستهلاك الثقافي على طول السنة، بل «حتى لو فكرنا في مرحلة ما في الاستهلاك الثقافي في المغرب، فيجب انتظار شهر فبراير، حيث تنشط الحركة الثقافية نسبيا إلى حدود شهر ماي، ثم تخبو بعد ذلك في دورة عمر قصيرة».
وبالنسبة لخبو الحركة الثقافية، يقول بوحسين إن الأسباب كثيرة ومتنوعة ولا يسع المجال لذكرها كلية، منها: غياب سياسة ثقافية لدى الدولة، قيام الثقافة المغربية على المبادرات الفردية في غياب المؤسسات الثقافية، لاسيما في مجالات فنون العرض، تدني جاذبية الثقافة من خلال تدني صورة المثقف الذي اقترنت بالبؤس والتشكي عوض أن يكون نموذجا للنجاح الاجتماعي، تأثير أزمة التعليم بالمغرب على المجال الثقافي المغربي، تفشي ظاهرة النجاحات الإعلامية غير المستحقة بناء على عوامل خارج ثقافية أو خارج إبداعية والمرتبطة أساسا بالمجال السياسي، والتي تقدم صورة ناجحة ظاهريا، لكنها غير نافذة على مستوى الواقع، تنامي النزعات التجريبية غير الرصينة والعميقة، ضعف القوانين المؤطرة للمجال الثقافي، والتي لا تجعل من دعم الدولة - على قلته- محفزا على الاستثمار، بل غالبا ما يكون مجالا للاعتياش والريع الثقافي.
ويضيف بوحسين أن كل هذه الملاحظات تطرح أمام الثقافة المغربية تحديات جديدة، لا يمكن تجاوزها إلا من خلال جعل مسألة الثقافة بالمغرب من أولويات الدولة، لكن بمنهجية ومقاربة جديدتين قادرتين على خلق مناخ ثقافي جديد، مبني على تحويل الثقافة إلى صناعة فاعلة في الاقتصاد، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر...وهي عملية تحتاج إلى فهم الطبقة السياسية لدورها أولا في التقدم المجتمعي، وإلى ضبط مفارقات المنتوج الثقافي المتراوح بين النجاح التجاري والثقافي المحض، وإلى إعادة النظر في وزارة الثقافة وأدوارها حتى لا تبقى حبيسة التنشيط الثقافي الممركز؛ واعتماد مقاربة مؤسساتية مختصة في مجالات ثقافية محددة، كما هو الحال بالنسبة لمجال السينما الذي يعرف تقدما نسبيا لوجود مركز مختص، زيادة على نهج مقاربة عرضانية للثقافة تأخذ بعين الاعتبار جميع المتدخلين في الشأن الثقافي.
إبراهيم الحجري :الدُّخول الثّقافي الجديد..إشْعار باللاّ دُخول
ويتساءل الكاتب والناقد إبراهيم الحجري: «لست أدري متى يخرج شعب من الثقافة ليُعيد الدخول إليها مرة أخرى؟ أو متى يتوقف عن ممارسة سلوكياته الثقافية، لوقت ما محدّد، ثم يعود ليمارسها في لحظة معلومة؟ ثم ماذا نسمي ما يقوم به هذا الشعب أو ذاك لما يكون في لحظة خروجه الثقافي؟ هذه مفارقة لا تستساغ أبدا، ولا أرى لها من مبرر ولا من مرجعية تستند إليها هذه النظرة القاصرة إلى الفعل الثقافي. ليس للممارسة الثقافية خروج حتى يكون لها دخول. الفعل الثقافي أوسع بكثير من التصور الذي يلصقه به من يتبنى، للثقافة، فصولَ السنة الدراسية أو الفلاحية أو الاقتصادية أو حتى السياسية، لأنه سيرورة متزامنة مع الوجود البشري لا يمكن الفصل بينهما، حتى في الحالات التي يكون غير واع بما يقوم به. إذن فهذا الربط بين الفعل الثقافي وفصول السّنة؛ المستمدّ، أساسا، من الدّورة الطبيعيّة؛ ومن المواسم الدراسية؛ يرهن السلوك الثقافي في أنشطة معينة نخبوية تقوم بها المؤسسات في أوقات محددة، وهي نظرة تقصي الممارسات الثقافية الشعبية التي تكثر في الصيف خاصّة، وتختزل مفهوم الفعل الثقافي في نشاطات محدودة ونخبوية لا تعبر إلا عن فئة قليلة».
ويضيف الحجري بأنه يجبُ على المؤسّسات أن تغيّر من نظرتها التشييئية للممارسة الثقافية، وأن توسّع اهتماماتها بمكونات ثقافة الشعب، وترعاها بكل تلويناتها وأطيافها عبر فتح سجال وطني شامل يشخصها ويقومها ويشجعها، وأن عليها، في الآن نفسه، رفع الالتباس عن ارتباط الممارسة الثقافية بالممارسة التربوية التي تستهدف فئة معينة، وتستند إلى مفهوم «التنشئة الاجتماعية» التي تستهدف استمرار النموذج الثقافي، وردّ الاعتبار لقيمة الفعل الثقافي الرّمزي والإعلاء من دوْر الثقافة في التنمية البشرية، وإعادة الدفء إلى الفضاءات الثقافية التي أصبحت خرابات تعشّش فيها العناكبُ وطيورُ الخطّاف بسبب سيّاسة التهميش الثقافية (دور الشباب- دور الثقافة- المسارح البلدية- الخزانات البلدية- دور السينما...)، وتوزيع المنح الثقافية على الجمعيات والفعاليات النشطة بالقسط وتبعا للعطاء، وتحفيز الفعل الثقافي الجادّ، الذي يكوّن الفرد تكوينا رصينا يؤهله لخوض الاستحقاقات والتحديات المستقبلية بكل ثقة؛ فعل ثقافي ينبع من هوية المجتمع وأصوله ومشاربه المتعددة، مع الحرص على عدم استصدار أذواق الناس ومشاعرهم وموروثاتهم؛ وتبذير الثروات الباذخة في مهرجانات لا تسمو بالذائقة، ولا تخلق وعيا جديدا بالفن، ولا تنبثق عن انشغالات الأغلبية الساحقة.
ويقول إبراهيم الحجري إن «الأمّة إذا أرادتْ أن تسير بعيدا في زمن تحتضر فيه الأممُ الصغيرة وتتآكل، فعليها أن تحصّن موروثها الثقافيّ والرمزيّ وتعضّ عليه بالنواجذ؛ وتسعى إلى حفظه من الذوبان والتلاشي؛ خاصّة بالنسبة لأمم لا رأسمال لها سوى هذا الموروث، لأن الحرب الطاحنة الدائرة رحاها الآن باسم العولمة لا تقوم على السلاح فحسب، بل تقوم كذلك على صراع الهويات بالدرجة الأولى. فكيف ونحن في أمة تدخل هذه الحرب وهي تعي أنها تفرط في إرثها الذي تحسدها عليه الأمم الأخرى؟».
محمد بوجبيري : الدخول الثقافي
لا يوجد إلا في ذهن المثقفين
في جوابه عن سؤالنا حول ما إن هناك دخول ثقافي، قال الشاعر محمد بوجبيري: «كدت أكتب الدخول المدرسي، لأنه الشاغل الحقيقي للناس في هذه الأيام، وكدت أيضا أكتب الدخول السياسي، لأن المغرب يعيش حاليا مخاض ولادة حكومة جديدة، أو مرممة على الأصح، أما الدخول الثقافي، فهو لا يوجد إلا في ذهن المثقفين».
ويضيف بوجبيري: «في اعتقادي المتواضع، فإن الدخول الثقافي عندنا لا يكون في مثل هذا الوقت، كما هو حاصل في أوروبا، وغيرها من البلدان التي لها تقاليد عريقة في الشأن الثقافي. موعده الحقيقي عندنا هو المعرض الدولي للكتاب، حيث تجتهد دور النشر في تقديم ما لديها من إصدارات. يصاحب ذلك نشاط مكثف، من خلال اللقاءات، والندوات في مختلف التخصصات، والتعريف بإصدارات المبدعين والمفكرين، والإنصات إليهم، وهم يحاضرون، أو يقرؤون إبداعاتهم. لا يمكن الحديث عن الدخول الثقافي، والكاتب غريب كصالح في ثمود لأن فعل القراءة ضعيف جدا حتى بين الفئات المتعلمة من خريجي الجامعات والمعاهد العليا. قلة هم أولائك الذين يقتنون الصحيفة، والكتاب، والمجلة، ويواظبون على متابعة الجديد على الأقل في مجال تخصصهم. الدخول الثقافي في فرنسا التي تصلنا أخبارها باستمرار يعني صدور مئات الكتب في كافة المجالات: الرواية، والشعر، والقصة، والفكر، وما إلى ذلك من مجالات معرفية متعددة. في المغرب هدير المطابع طيلة الصيف لا يعني غير الكتاب المدرسي، وما يلف حوله من المطبوعات الخاصة بالتلاميذ قصد التسجيل في المؤسسات التعليمية، بدءا بالروض، وانتهاء بالجامعة. أذكر الصديق الذي أعد العدة لنشر مجموعته الشعرية. أخذ من البنك المبلغ الكافي لهذه المغامرة. في دار النشر اعتذروا له بلباقة، وأكدوا له أنه ليس بإمكانهم الاستجابة لرغبته، لأنهم لا ينشغلون في الصيف إلا بالكتاب / الصفقة، والذي هو بامتياز الكتاب المدرسي. قد تصدر بعض الإصدارات لبعض الكتاب على نفقتهم، أو لأن جهة من الجهات ساعدتهم على النشر. تنزل تلك الكتب باختلاف عناوينها إلى الأكشاك، والمكتبات، ولا يباع منها إلا القليل، لأن لا أحد روَّج، أو عرَّف بها من خلال عمل منظم وفق أجندة ترصد أي إصدار، وتعمل على تنظيم لقاء تواصلي بين الكاتب والقارئ ينتهي بالتوقيع، وفي أحسن الأحوال مع حفل شاي . ما تقوم به الجمعيات الثقافية في هذا المجال محدود جدا لأن السياق العام لا يشجع على مثل هذه المبادرات، وتكفي الإشارة إلى غياب الدعم الضروري لمثل هذه الأنشطة».
نورالدين صدوق : «الدخول» الغائب الأكبر
أما الكاتب والناقد صدوق نور الدين فيقول إن التفكير في موضوع الدخول الثقافي يحتم تأسيس النظر من منطلق أن مفهوم الدخول بمثابة بنية متكاملة، لا ينظر فيها إلى الثقافي وحده، وإنما إلى السياسي والاجتماعي والفني والرياضي. هذه البنية بمثابة تصورات لما سيكون عليه شأن مؤسسة الدولة على امتداد سنة بكاملها. إذ يكفي مثلا الرجوع إلى متحققات هذه البنية، ليتم الحكم على مدى تقدم المجتمع أو تخلفه.
ويضيف صدوق نور الدين أن «الدخول الثقافي، الذي يهمنا هنا بالأساس، تقليد فرنسي صرف. وهو متوارث ويشكل ثابتا من ثوابت الحياة الثقافية في فرنسا خاصة. إذ في حال إمعان النظر خارج الفضاء الفرنسي، نجد على سبيل المثال أن دولة كالسويد لا تهتم بما يسمى الدخول، على اعتبار أن الآلة الثقافية تشتغل على مدار السنة، وفي جميع مناحي الحياة. فالإعلام مثلا يلاحق جديد المطابع طيلة السنة.. والملاحق الثقافية، كما البرامج، لا تتوقف ولو في عز الصيف، إضافة إلى إلى كون المكتبات متوافرة في كل مكان وتتابع الجديد باستمرار، حتى في المساحات الكبرى حيث وتيرة الاستهلاك لا تتوقف».
وهو يرى أن الدخول الثقافي في فرنسا دخول يعد له قبليا، فدور النشر تعلن عن جديدها من خلال المجلات والملاحق الثقافية، كما تؤشر على الزمن الذي يمكن أن يكون فيه الجديد متوفرا في السوق، بعيدا عن الخطإ في المواعيد. و»الحال أن بعض هذه المنابر تساهم في تقييم الأعمال الأدبية والإبداعية ودعوة القارئ لقرءاتها والإقبال عليها. وبذلك يتحدث عن أدب الداخل وأدب الخارج..فداخل فرنسا مثلا يتطرق هذه السنة بالضبط إلى جديد الروائية إميلي نوثومب.. وكذلك فيرونيك أوفالدي. وأما خارجيا فيتحدث عن رائد من رواد الرواية البوليسية الإسلندي أرنالدور أندريارسون، المترجم إلى اللغة الفرنسية».
ويضيف صدوق نور الدين أن الناشرين يساهمون في عملية التداول الثقافي والمعرفي عن طريق إرسال فصول من الكتب، سواء الإبداعية أو الفكرية، وتتولى المجلات كلير، مثلا، نشر هذه الفصول والتعريف بالمنتوج قبل صدوره، وكذا التقييم النقدي الموضوعي والجاد له.
ويوضح صدوق أنه «إذا كانت وتيرة الدخول تبدأ بطيئة في شهر غشت، فإنها تصل ذروتها خلال شهري شتنبر وأكتوبر، حيث مواعيد منح الجوائز على تعددها، لتبقى جائزة الكونكور أقواها في فرنسا. ويمكن القول بأن هذه الوتيرة تمتد إلى غاية السنة الجديدة..فدخول بهذا المستوى، بما فيه من نقاشات ومتابعات وأحكام وتتويجات، هو بالفعل الصورة الحقة عن حركية ثقافية متقدمة بتقدم المجتمع، وإن كانت بعض التقييمات تذهب في سياقات قاعدة المقارنة بين ما هو فرنسي وما يعد أنجليزيا أو ألمانيا، مما لا ننوي الدخول فيه».
لكن في المغرب يصعب الحديث، يضيف صدوق نور الدين، عن دخول ثقافي، لكون الشأن الثقافي غير وارد في سياق العملية التنموية. و»من هنا مفارقة تخلف منظومة التربية والتعليم واختلالها. فدور النشر مثلا تستنكف حتى عن الدعاية لما تقوم بإصداره، إن توفر لها ما تتغيا نشره، علما بأننا لا نملك ناشرين بمعنى الكلمة وإنما لدينا طابعون للكتاب المدرسي ممن يستغلون هذا الكتاب لأغراض باتت معروفة كاستغلال الورق باسم شيء وتوظيفه لصالح آخر. ثم إن البعض من هؤلاء لا يملكون لجانا للقراءة وازنة تقيم المنتوج تقييما مستحقا، مثلما تنعدم برامج دقيقة لها على مستوى الصدور، فيحدث مثلا أن يوقع الناشر عقده مع المؤلف دون أن يعرف الأخير متى سيصدر كتابه.. وقد يتحول المؤلف إلى معلن وبائع في الوقت ذاته. وهي صورة من صور فهم مؤسسة الناشر لشخصية المؤلف. أما إعلاميا فلا يتوفر المغرب على برامج ثقافية قوية بمعنى الكلمة، تساهم في الترويج للكتاب، وهو حق من حقوق الناشر والمؤلف. فجميع البرامج سياسية وتحمل عناوين لا تحيل على ذلك، وكأن الحياة في المغرب سياسوية فقط».
ويلاحظ صدوق نور الدين بأن الشأن الثقافي صار يرتبط بمعرض الكتاب الدولي فقط، بمعنى بالشهر الثاني من كل سنة، وبانتفاء هذا الموعد لا يمكن الحديث عن ثقافة نهائيا، اللهم من خلال أنشطة باهتة هنا وهناك ومواسم فلكلورية لا علاقة لها بالشأن الثقافي..
هذه الاختلالات، يضيف صدوق نور الدين، جعلت الكتاب المغربي يجد صداه في المشرق، كما في دول الخليج. وهي هجرة أخرى بمواصفات أخرى، حيث يحدث أن تتوج هنالك ولا يعترف بها هنا وتلك هي كبرى المفارقات. لذلك «فلا علاقة لنا نحن بالدخول الثقافي، مادام واقع الكتاب في تدن مستمر لا يمكن التغلب عليه إلا بنهج سياسة ثقافية دقيقة تحترم الجميع وتراعى فيها كل الأطراف ويتغلب فيها على العوائق وتتكامل فيها الإرادات».
بنيونس عميروش: على الحكومة أن تصحح نظرتها للمسألة الثقافية
في حين يرى التشكيلي والناقد الفني بنيونس عميروش بأن «بداية الموسم الثقافي الحالي لا بد أن تتأثر بالوضع السياسي الذي نعيش أحواله المتردية، الموصولة بالتراجعات الاقتصادية والاجتماعية، مثلما يتأثر بأوضاع البلدان العربية التي صارت عنوانا لانمساخ الأنظمة التي دأبت على تذويب ثقافة الاختلاف وثقافة النقد. نأمل أن تعمل الحكومة في طبعتها الجديدة على تصحيح نظرتها للمسألة الثقافية كي توليها الاهتمام اللائق، خاصة أن الثقافة والفنون وحدها الكفيلة بصنع شعب راق».

عبد الفتاح الحجمري: تدني مستوى التعليم أهم سمة لدخولنا الثقافي
وبالنسبة إلى مدير مكتب تنسيق التعريب بالرباط عبد الفتاح الحجمري، فيقول إنه «عادة ما ينشغل الرأي العامّ الثقافي بُعيْد العطلة الصيفية، وفي تزامن مع الدخول المدرسي والجامعي، بما يفترض أن يكون دخولا ثقافيا. وهذا انشغال مبرّر يبرز قيمة الثقافة وجدواها بالنسبة إلى المجتمع والأفراد. والحال أن دينامية الثقافة متصلة بدينامية المؤسسات الثقافية بمعناها العام، فضلا عن القطاعات الحكومية ذات الصلة؛ وهي دينامية تنتج عنها «صناعة ثقافية» ترسخ بنيتها في الدولة والسياسة والمجتمع. بهذا المعنى لا تغدو الثقافة مجرد تحصيل للمعرفة وتنمية للذوق والملكة النقدية في هذا المجال أو ذاك، بل هي فضاء للابتكار والإبداع وتأسيس متواصل لوعي نقدي تسنده قيم الحرية والمساءلة في المجتمع السياسي والمجتمع المدني».
ويضيف عبد الفتاح الحجمري أنه «يمكن للثقافة اليوم أن تكون أرفع سبيل لتحقيق التنمية في المجتمع وعلى كل الأصعدة، كما يمكنها أن تكون عائقا من عوائق التنمية والتأخر الفكري. الثقافة موصولة بالمجتمع وبالحياة، والمثقف ضمير الأمة. من هذا المنظور، تواجه الثقافة في المغرب تحديات جمّة موروثة على أكثر من صعيد: الأمية والفقر، وضرورة مواكبة التحولات المتسارعة في العالم من حولنا؛ ضبابية الوضع الاعتباري للمثقف في المجتمع. لذا تعتبر التربية والتعليم والبحث العلمي المحرّك الأساس الذي بدونه لن يتحقق أي نماء ثقافي مشهود ومستدام. كما أن الوعي بتدنّي مستوى التعليم في مختلف الأسلاك، يعتبر، في تقديري، أهم سمة لدخولنا الثقافي لهذا العام، فمن الضروري التفكير بجدية وهدوء في هذه المعضلة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.