تعتبر الأسرة الرحم الاجتماعي للطفل والبيئة التأسيسية الأولى لكل فرد، فهي مدرسته الأولى وفيها تتشكل شخصية الطفل ونفسيته، فهي المجتمع المصغر الذي يعيش فيه الطفل ويتأثر به ويتلقى داخله المبادئ الأساسية في التنشئة الاجتماعية، إذ يلقنه التربية والأخلاق، ففيه تنمو قدراته من خلال التفاعل مع غيره ويؤهله للاندماج في المجتمع الكبير. كما أنها الحضن الطبيعي الذي ينشأ فيه الأطفال ويتأثرون بوالديهم تأثرا بالغا، بحيث أن الأولاد ينطبعون بطابع الوالدين وهو ما يسمى في علم النفس بالتقمص، أي تقليد الآباء في سلوكهم والتخلق بأخلاقهم، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في حديثه الشريف»كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه، أو يمجسانه « ويقول الشاعر: وينشأ ناشئ الفتيان فينا ...على ما كان عوده أبوه مما لاشك فيه أن للوسط الأسري الذي يعيش فيه الطفل أثر بالغ كبير على شخصيته وقيمة أفكاره وسلوكه، فالبناء الاجتماعي المتماسك لا يتحقق إلا ببناء نفسيات أبنائه وقيمهم وثقافتهم، لأنها السور الذي سيؤمن لهم الحماية والقدرة على التفكير السليم والعطاء. فالأسرة تقوم بوظيفة نفسية، تتمثل في إشباع احتياجات أفرادها من الأمن والسكينة والاستقرار والحب واللعب وممارسة هوايات مختلفة. فالجو النفسي الأسري يؤثر على النمو العام للطفل والدليل على ذالك التجربة التي قام بها العالم النفسي» سكوت» على 1550 طفل وخلص إلى أن الأطفال المتحدرين من أوساط تفتقر إلى الاستقرار الأسري والهدوء يكونون أكثر عرضة للصراع النفسي، بينما الذين يعيشون في بيت هادئ أكثر اتزانا وتماسكا في ذواتهم. والملاحظ هنا، أن الإنسان ينمو جسديا ونفسيا بشكل أفضل حين تتم رعايته بواسطة شخص يمنحه الحنان والأمان. فالوسط الأسري المستقر أساسه الحب المتبادل، والتوافق الأسري يمر عبر تحقيق الإشباع الأساسي والحاجات الأولية الأساسية: الأكل والشرب والراحة والحاجة إلى الجنس، أما الحاجات النفسية والاجتماعية: فهي مثل الحاجة إلى المحبة والحاجة إلى التقدير والاحترام. ومثال ذلك فالطفل المهمل من والديه ينسحب من المجتمع وينعزل ليغوص تدريجيا في بحور من الصعوبات والمشكلات النفسية. إن انعدام الاستقرار في الأسرة وكثرة الخلافات الزوجية تسبب مباشرة في إحداث خلل يترك أثارا نفسية سيئة وسلبية، تبدأ من فترة الحمل وتمتد إلى مراحل العمر المتقدمة. فاغلب الأطفال الذين أصبح مصيرهم الشارع بسبب التفكك الأسري والطلاق يتم استغلالهم في الدعارة والسرقة والاتجار في المخدرات، فكل هذه المظاهر كانت ناتجة عن المشاكل الأسرية والمتمثلة في الشجار المستمر والعنف داخل الأسرة. والخلافات بين الزوجين والتوتر المستمر وعدم التفاهم بينهما يشيع في جو الأسرة الاضطراب، مما يؤدي إلى أنماط من السلوك غير السوي لدى الأطفال، مثل التوتر والقلق الدائم والانطواء والعدوانية. وأشير إلى أن إهمال هذه الحالة النفسية للأطفال قد يؤدي إلى مضاعفات أكثر تفاقما، كالأمراض العصابية مثل: القلق والهستيريا الطفولية، الخوف المدرسي والاجتماعي والوساوس القهرية والاكتئاب. إذن فالأسرة هي الخلية الأساسية في المجتمع، وهي المسؤولة عن قوة أو ضعف البنية المجتمعية العامة، لكونها تقوم بوظيفة الأمن لأفرادها، ووظيفة التضامن بينهم، ووظيفة التكوين والتنشئة الاجتماعية، ووظيفة المراقبة والتربية...فهي بالتالي مؤسسة شمولية تؤدي مختلف الأدوار. المصطفى يطو (مختص في علم النفس)