رغم أن البصري شبع موتا، والعهد الجديد صار قديما، وسنوات الرصاص أصبحت عصرا حجريا، فإن بعض رجال السلطة مازالوا فرحانين بالنياشين والقبعة، يعتقدون أن «فيستاتهم» الزرقاء تجعلهم فوق البشر، وأن علينا أن نحمد الله إذا ما مروا من أمامنا دون أن نتعرض للصفع، لأن «الشعب» في نظرهم تنقصه «التربية» وهم يتقاضون أجورهم كي يتكفلوا بهذه «المهمة النبيلة»! عبد الله سحنون، والي أمن القنيطرة الجديد، واحد من هؤلاء؛ الرجل لا يتردد في التشمير عن ساعديه كي يسهر على «تأديب» الناس في الشارع، كما حدث يوم الجمعة الماضي قرب إقامة مروة، حيث كان القنيطريون على موعد مع «حصة تربوية» ساخنة على «يد» الوالي المحترم، الذي لم يتردد في النزول من سيارته إثر خلاف على الأسبقية في المرور مع أحد المواطنين؛ وأمام ذهول المارة، شرع في استعراض عضلاته على المسكين بمساعدة سائقه: أشبعه صفعا قبل أن يكبّل يديه ب«المينوط» ويقتاده إلى مخفر الشرطة القضائية كأنه «قاطع طريق». الحادث وقع في النهار «القهار»، ولم يسع الذين حضروا إلا أن يرددوا في استنكار: «لا حول ولا قوة إلا بالله». الصفعة، في الحقيقة، ليست موجهة إلى ذلك المواطن البسيط، بل إلى مدير الأمن الوطني ووزير الداخلية ورئيس الحكومة والشعب الذي صدق أن المغرب تغير بعد دستور 2011. وإذا لم يتحرك ارميل وحصاد وبنكيران لرفع الحيف عن المواطن المظلوم، فلن يبقى أمامنا إلا أن نرفع أكفنا إلى الواحد القهار كي «يأخذ فيهم الحق» جميعا، خصوصا وأن دعوة المظلوم مستجابة، إذا لم تضع الدولة حدا لسحنون وأمثاله، فإن ثمة عشرات الجمعيات الدولية مستعدة للتكفل بملفاتهم أمام القضاء الدولي. ولا شك أن سحنون ليس سوى الشجرة التي تخفي الغابة. قبل أيام، كنت في السيارة أعبر «رومبوان» 16 نونبر في اتجاه السويسي، حين سمعت أحدهم يدعس على «الكلاكسون» ويقترب مني كما في مطاردة هوليودية، انتبهت إلى أن الأمر يتعلق بضابط أمن؛ ولأنني أملك حق الأسبقية، تفاديته مسرعا وتركته ورائي يحرك أصابعه من وراء الزجاج كالمعتوه وأنا أردد: «مخطئ إذا كنت تعتقد أنني سأترك لك الطريق فقط لأنك تضع نياشين على كتفيك وتلعب ب«الكلاكسون»! لكن بعد أقل من مائة متر، طلع علي شرطي وأمرني بالوقوف وعلامات الشرر تتطاير من عينيه؛ ولأنني أؤمن بالمثل القائل: «مادّيرش ماتخافش» فقد ركنت السيارة جنب الطريق دون أن أفقد هدوئي، وانتظرت أن يقترب مني الشرطي كي أساله: «ياك لاباس؟»، غير أنني فوجئت بالضابط الذي كان يتسابق معي في «رومبوان» 16 نونبر يقف على نافذة سيارتي وفي يده «تولكي وولكي» يتبختر كأنه ألقى القبض على «أخطر المجرمين»، قبل أن يبادرني بكثير من العنجهية: «داير الفوضى؟ آرا دوك لوريقات!»، ناولته الأوراق دون أن أتخلى عن هدوئي، مما جعله يفقد أعصابه ويردد بغضب إنه سيصادر رخصة سياقتي، أجبته مبتسما: «دير اللي بغيتي»، ثم نبهته إلى أن هناك خلافا بيني وبينه على الأسبقية ولا يمكنه أن يكون الخصم والحكم في نفس الوقت، لأن ذلك يسمى «شططا في استعمال السلطة»، ونظرت إليه بتحدّ. فهم بسرعة أنني من هواة «كبّرها تصغار». وبمجرد ما قرأ على هويتي أنني «صحافي» بدأ يلطِّف الكلام وحوّل الموقف إلى نقاش بين «ناس مثقفين» قبل أن يعيد إلي الأوراق وهو يصافحني مثل صديق قديم، أمام دهشة الشرطي الذي بدا خائفا أن يحمّله «الشاف» مسؤولية ما جرى... ومادام رجال السلطة يتصرفون مع المواطنين حسب هوياتهم ومركزهم الاجتماعي، فإن دولة الحق والقانون ستبقى مجرد مزحة. وعلى المسؤولين الذين يتركون سحنون وأمثاله دون عقاب أن يتحملوا النتائج التي يمكن أن تتجاوز كل التكهنات.