سفير إسرائيل يمزق ميثاق الأمم المتحدة أمام الجمعية العمومية (فيديو)    القطاع السياحي يسجل رقما قياسيا بالمغرب    مزور تستقطب شركة عالمية رائدة للمغرب    اضطرابات في حركة سير القطارات ما بين 12 و26 ماي نتيجة أشغال تأهيل منشآت التشوير بين الدار البيضاء والقنيطرة    هكذا ساهمت دبلوماسية روسيا والصين في مقاومة "طالبان" للضغوط الغربية    143 دولة تدعم عضوية فلسطين بالأمم    حماس: إسرائيل تعيد الأمور للمربّع الأول    تصفيات كأس العالم لكرة القدم النسوية لأقل من 17 سنة .. المنتخب المغربي يفوز على نظيره الجزائري    "الطاس" ترفض الطلب الاستعجالي للاتحاد الجزائري لكرة القدم    منتخب "لبؤات الأطلس" يكتسح الجزائريات    رسميا.. مبابي يعلن الرحيل عن سان جرمان    خبراء يناقشون حكامة منظومات التربية    اعتراض 133 مرشحا للهجرة في طانطان    اللعبي: القضية الفلسطينية وراء تشكل وعيي الإنساني.. ولم أكن يوما ضحية    لحجمري ينصب 3 أعضاء جدد في الأكاديمية    المغرب يسجل 26 إصابة جديدة ب"كورونا"    بعد إحداثها لطفرة في إصدارات الAI وطنيا.. الأمانة العامة للحكومة تُناقش آخر إصدارات الدكتورة رومات حول الذكاء الإصطناعي    تفاصيل قاعدة عسكرية مغربية جديدة لإيواء الدرونات والصواريخ    سماء المملكة غائمة وطقس حار بهذه المناطق!    بالصور.. اعتقال خمسة أشخاص بتهمة تنظيم الهجرة غير الشرعية والعثور على زوارق وسيارات وأموال    مدرب الجيش مطلوب في جنوب إفريقيا    صدمة جمهور الرجاء قبل مواجهة حسنية أكادير    جديد موسم الحج.. تاكسيات طائرة لنقل الحجاج من المطارات إلى الفنادق    الشركات الفرنسية تضع يدها على كهرباء المغرب    دكار توضح حقيقة وجود مهاجرين سنغاليين عالقين بالصحراء المغربية    الشبيبة التجمعية بطنجة تلامس منجزات وتحديات الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة    بهدف تأهيله لاستقبال 4.4 ملايين مسافر .. هذه تفاصيل مشروع توسيع مطار طنجة    "طاس" ترفض الطلب الاستعجالي للاتحاد الجزائري لكرة القدم    هل تحتاج الجزائر إلى المغرب لتطوير اقتصادها؟    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الدراسة الطبوغرافية لأنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا تترجم فلسفة إفريقيا للأفارقة    قرار أمريكي يستهدف صادرات المغرب    توقع تسجيل هبات رياح قوية نوعا ما فوق منطقة طنجة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    ثنائية الكعبي تقود أولمبياكوس إلى نهائي "كونفرنس ليغ"    المغرب يعلن حزمة جديدة من مشاريع الترميم والإعمار في المدينة المقدسة    امرأة مسنة تضع حدا لحياتها شنقا بالجديدة    بعد أن أفرغت الحكومة 55 اجتماعا تنسيقيا ومحضر الاتفاق الموقع بين الوزارة والنقابات من محتواها    شفشاون على موعد مع النسخة الثانية من المهرجان الدولي لفن الطبخ المتوسطي    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    نقابة "البيجيدي": آن الأوان لإيقاف التطبيع وإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط    غوتيريش يحذر من أن هجوما بريا إسرائيليا على رفح سيؤدي إلى "كارثة إنسانية"        تأشيرة الخليج الموحدة تدخل حيز التنفيذ مطلع 2025    نقابة تنبه لوجود شبهات فساد بالمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الجمعة على وقع الارتفاع    إحداث منصة رقمية لتلقي طلبات الحصول على "بطاقة شخص في وضعية إعاقة"    أخصائية التغذية ل"رسالة24″… أسباب عديدة يمكن أن تؤدي لتسمم الغذائي    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    خبير في النظم الصحية يحسم الجدل حول لقاح أسترازينيكا    الحسين حنين رئيس الغرفة المغربية لمنتجي الأفلام: يتعهد بالدفاع عن المهنيين وتعزيز الإنتاج الوطني    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الدمليج يقدم "بوريوس" في المهرجان الوطني الرابع لهواة المسرح بمراكش    سابقة بالمغرب .. حكم قضائي يلزم الدولة بتعويض متضررة من لقاح كورونا    النادي الثقافي ينظم ورشة في الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية/ عرباوة    ندوة دولية حول السيرة النبوية برحاب كلية الآداب ببنمسيك    أصالة نصري تنفي الشائعات    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المقدمون».. أعوان ترفض السلطة الاعتراف بهم
أسسوا تنسيقية وطنية للدفاع عن حقوقهم والمطالبة بإدماجهم في الوظيفة العمومية
نشر في المساء يوم 06 - 04 - 2014

"بركاك"، جاسوس، مرتش...، وتهم أخرى ظلت باستمرار تطارد عون السلطة، الذي تظل صورته قاتمة في المخيال المغربي. لكن خلف هذه الصورة تختبئ تفاصيل معاناة يومية يعيشها "أبناء الداخلية" دون أن يستطيعوا البوح بها. في سنة 2011، وفي عز الحراك المغربي، قرر هؤلاء تكسير جدار الصمت وخرج مجموعة منهم في مسيرات احتجاجية في عدة مدن للمطالبة بإنصافهم وإدماجهم في الوظيفة العمومية، وإخراج قانون أساسي خاص بهم، والزيادة في الأجر الخام... غير أن هاته المطالب كلها ترتطم بعقبة كأداء هي اعتراف وزارة الداخلية بهم وإدماجهم.
«أعوان السلطة ليسوا موظفين عموميين» هكذا قال امحند العنصر حين كان وزيرا للداخلية. عبارة كانت كافية لتأجيج غضب أكثر الأجهزة حساسية بوزارته. في ذاك اليوم الرمضاني (23 يوليوز 2012) سأل نائب برلماني العنصر عن كيفية تدبير تعيين أعوان السلطة وعن مستقبل هذا الجهاز، فقال الوزير عبارته تلك. قبل أن يضيف، وهو يوجه كلامه إلى النائب البرلماني: «عندما تتحدثون عن التوظيف والمساواة وغيرهما، فهذا معناه أن المقدم والشيخ والعريفة لن يصير لهم أي وجود، وسندخل آنذاك موضوعا آخر». وحتى تكون الأمور أكثر وضوحا أكد العنصر: «يجب أن نفرق بين تحسين الوضعية المالية لهؤلاء وبين وضعيتهم القانونية، التي يجب أن تظل خاضعة لبعض الشروط». لم يوضح الوزير تلك الشروط. لكن تصريحه ذاك كان أشبه بصفعة قوية تلقاها أعوان السلطة دون توقع، فكان ردهم قاسيا وسريعا في الآن ذاته. إذ في أقل من 24 ساعة أصدرت تنسيقيتهم الوطنية بيانا حادا هاجمت فيه وزارة الداخلية، وقالت إنها «عادت لتدشن حلقة أخرى من حلقات سلسلة عدائها المطلق والتاريخي لأحد أهم أجهزتها، بل أجهزة الدولة ككل». وأضافت أن هذه الوزارة تحاول إقبار ملف أعوان السلطة و«إطلاق رصاصة اللارحمة» على كل «مطالبهم المشروعة والعادلة». قبل أن تشير إلى أن الداخلية «تؤكد من جديد أن فئة أعوان السلطة مجرد عبء ثقيل من مخلفات الماضي، وأن هذه الفئة ليس لها الحق في تحسين ظروف عيشها والاستفادة من التطور الذي يعرفه المجتمع والحياة السياسية للبلاد». وتساءلت في هذا السياق: «هل نحن من أبناء الداخلية أم...؟»
أبناء الداخلية أم...
لم يكن سؤال التنسيقية ذاك مجرد سؤال عادي. بل كان يطرح شرعية جهاز بأكمله. كما كان يخفي في تلافيفه جرحا نرجسيا قديما، كانت تصريحات أعوان السلطة، الذين قبلوا بالتحدث إلينا، تفشي بعضا من أسراره بين الحين والآخر. كلهم تقريبا أصروا على عدم الكشف عن هوياتهم. أحدهم، وهو شاب لم يجتز بعد عتبة الخامسة والثلاثين، قال: «أنا أشتغل في هذا الميدان منذ خمس سنوات تقريبا.لكني لحد الآن لم أبتلع بعد كيف يشتغل عون سلطة في مهنة ليس فيها قانون أساسي، ولا أي شيء يحميه أو يعترف به قانونيا. ولا أدري لماذا لا يعترفون بنا». قبل أن يضيف: «قبل أن أشتغل في هذه المهنة كنت أظن أن المقدم موظف عمومي مثل بقية الموظفين، وبأنه معترف به هو الآخر مادام يشتغل في وزارة الداخلية. لكن بمجرد ولوجي هذا الميدان اكتشفت حقيقة أخرى مغايرة، ما زلت بعد كل هذه السنوات عاجزا عن استيعابها. فبعد أن وقعت على عدد من الوثائق الخاصة بتشغيلي، بعد سنوات من العمل متطوعا، اكتشفت أن أحد البنود يشير إلى أني مجرد مقدم حضري مؤقت، وأنهم يمكن أن يتخلصوا مني في أي لحظة شاؤوا. هذا المشكل لا يمسني وحدي، إذ كل من يشتغل في هذه المهنة تطارده صفة ال«مؤقت» هاته إلى أن يتقاعد أو يطرد منها».
اطلع تاكل الكرموص...
هذه الحقيقة الخبيئة، التي لا يلهج بها أعوان السلطة عادة، تجعلهم يتداولون فيما بينهم عبارة تقول إن «اسم المقدم مكتوب بالطباشير». سألنا عون سلطة آخر عن دلالة هذه العبارة، فقال: «إن عون السلطة يمكن أن يتعرض للطرد في أي لحظة دون أي مبرر واضح». قبل أن يضيف بشيء من السخرية «انت راك خدام حتى تجي فيك الضربة». ولتوضيح كلامه أكثر قال إن «المشكل الحقيقي بالنسبة إلينا هي الأوامر الشفوية التي نتلقاها عادة من القياد. إذ حين يقع أي مشكل لا تستطيع أن تثبت بأنك نفذت فقط التعليمات، لذلك تتحمل وحدك تبعات ذلك الخطأ. إنهم يمارسون معنا سياسة: اطلع تاكل الكرموص، انزل شكون اللي كالها ليك». فيما يرى عون سلطة قضى عشرين عاما في الخدمة أن «المشكل الحقيقي يكمن أساسا في أن المقدم يقوم بجميع التدخلات وعلى جميع المستويات: يراقب التجمعات، يراقب المساجد أثناء صلاة الجمعة، يراقب المرشحين خلال الانتخابات، يراقب اصحاب اللحايا والمنقبات، يراقب البزناسة ويبلغ عنهم، يشارك في الحملات الأمنية وفي مطاردة الباعة المتجولين، يوزع الاستدعاءات القضائية وغيرها.إضافة إلى تسليم شهادات العزوبة والخطوبة وشهادات السكنى والاحتياج والشواهد الإدارية...كل هذا الخليط الغريب من المهام وهو غير محمي قانونيا. لذلك حين يسقط في ورطة لا أحد يرحمه».
حقل ألغام
عدم الإحساس بالحماية والأمن شعور مشترك عبر عنه أكثر من عون سلطة ممن تحدثوا إلينا. يقول عون سلطة سابق يدعى (م.ر): «المقدم ديما مليوح للعصا». فيما قال زميل له: «فهاد الخدمة اللي فرط يكرط. هاد الشي علاش المقدمية ولاو خايفين». هذا الإحساس بالخوف وعدم الأمان يفسره عون السلطة الشاب ب«غياب قانون أساسي يحدد مهام عون السلطة بشكل دقيق وحدود تدخله، ويحميه من تعسفات رؤسائه». ويتساءل في استغراب: «كيف تأمرنا الدولة بمراقبة التجمعات والأجانب والبزناسة وأي شخص يهدد أمن وسلامة المواطنين...دون أن تحمينا ودون أن تؤطرنا وتخضعنا لدورات تكوينية. إننا نفتقر إلى كل شيء للقيام بعملنا، فكل ما نفعله في هذا المجال يتم بشكل عشوائي، في غياب الإمكانيات أو المساعدة من أي جهاز آخر». ولتأكيد ما يقوله يلوّح ببطاقته المهنية «انظر ما كتب في أعلاها وفي أسفلها» (نقرأ في الأعلى اسم وزارة الداخلية، وفي الأسفل: «المرجو من ممثلي القوات العمومية مد يد المساعدة لعون السلطة حامل هذه البطاقة عند الاقتضاء»). قبل أن يضيف ساخرا: «هذا يشبه إلى حد كبير ما تكتبه بعض الجمعيات على ظهر بطائق منخرطيها. إذا كنا فعلا ننتمي إلى جهاز الداخلية، كما هو مكتوب في بطائقنا المهنية فلماذا لا يعترفون بنا ويمكنونا من كل الإمكانيات لنقوم بعملنا. نحن نقدم خدمات جليلة لوزارة الداخلية وللدولة، فأجهزة الأمن تحتاج إلينا في حملاتها الأمنية.لكن بمجرد ما نطلب نحن المساعدة لا أحد يساعدنا بمبرر التعليمات وكأننا مجرد طفيليات لا أهمية لها. سأقول لك شيئا دون مبالغة. عون السلطة يشبه فعلا ذلك الذي يمشي في حقل ألغام دون دليل، وفي كل خطوة يتوقع أن ينفجر لغم ما تحت قدميه».
شهادة العزوبة المرعبة
في 17 فبراير 2014 حكمت المحكمة الابتدائية بالناظور بسنة حبسا وغرامة مالية على «مقدم» يشتغل بالدائرة الحضرية الأولى بالمدينة ذاتها بعد متابعته بتهمة تزوير شهادة عزوبة سلمها لمواطن تبين فيما بعد أنه متزوج. خلف الحكم حالة من الخوف لدى أعوان السلطة. بعضهم احتج على الحكم، وآخرون أعلنوا رفضهم التوقيع على شهادات العزوبة. يقول عون السلطة الشاب: «فعلا صرنا نخشى نحن أيضا توقيع شواهد العزوبة والخطوبة بعدما وقع لذلك المقدم. فحتى الصيغ التي ندبج بها عادة شواهد العزوبة مثل «عازب داخل القطاع» أو «غير متزوج بالعنوان المذكور أعلاه»، والتي كنا نعتقد بأنها تحمينا، يبدو أنها لا تستطيع ذلك في حال وقوع أي خطأ ما دامت المحكمة تعتبر ذلك تزويرا وليس مجرد خطأ عادي». ويضيف مستغربا «أنا لا أعرف بالتحديد لماذا تورطنا الوزارة في هذه المهمات، رغم أنها تعرف أن إمكانياتنا محدودة جدا للتأكد من صحة تلك الشهادات.فنحن نعتمد فقط على شهادات سكان الحي لمعرفة ما إن كان طالب شهادة العزوبة متزوجا فعلا في المكان الذي يقطن به أم لا. وما عدا ذلك لا يمكننا التأكد من صحة الخبر. إذ من الممكن مثلا أن لا يكون ذلك الشخص متزوجا في ذلك المكان، لكنه متزوج في مكان آخر كما يحدث عادة مع المهاجرين القرويين. إذن كيف نتأكد بأن ذلك الشخص أعزب أم لا؟ هذا يتجاوز إمكانياتنا». فيما يحكي «م.ر» قصة وقعت له شخصيا. يقول: «في سنة 1990 جاءتني امرأة متزوجة كان تقطن آنذاك بزنقة موحا أو سعيد (المدينة القديمة). كنت أعرفها لأنها تقطن في المنطقة التي كنت مكلفا بها، وقالت لي إنها تريد شهادة العزوبة. استغربت طلبها لأني كنت أعرفها، فأوضحت لي بأنها تريد السفر إلى إيطاليا وأن عليها الزواج بإيطالي. وحتى تؤثر علي أغرتني بمبلغ مالي وعرضت علي ممارسة الجنس معها إن وافقت على طلبها. لكني رفضت طبعا. الغريب أن زوجها جاءني بعد ذلك يستفسرني عن سبب رفضي منح زوجته شهادة العزوبة. لحسن الحظ أني لم أنجرّ وراء إغراءات تلك المرأة وزوجها، وإلا كان مصيري السجن أو شيئا آخر».
بعد سنوات قليلة على هذا الحادث سيطرد (م.ر) من الخدمة. الغريب، كما يقول، أنه لم يقترف أي خطأ كي يعاقب بتلك الطريقة. «أحسست في ذلك الوقت بالظلم والحكرة، لأنهم تصرفوا معي بطريقة مهينة. لو كنت ارتكبت أي خطإ لهان علي الأمر، لكني لم أقترف أي ذنب. تصور أني لحد هذه الساعة التي أحدثك فيها لا أعرف بالتحديد سبب التشطيب علي من الخدمة. لقد مرت علي تلك المرحلة صعبة جدا. لكن الآن تغير كل شيء، وأشكر ذلك القايد الذي طردني لأنه قدم لي هدية اكتشفت قيمتها فيما بعد. لقد أنقذني دون أن أدري من جحيم مدمر كنت أرزح تحته. أنا الآن مرتاح البال، أنام عميقا، وأعيش حياتي بشكل طبيعي دون خوف أو قلق أو أي توجس. فيما قبل كنت دوما متوجسا، خائفا، أراقب باستمرار ما يمكن أن يحدث. لم أكن أثق في أي أحد. الثقة لا توجد عند أعوان السلطة. شي يشريها لشي باش يطلع على ظهرك.لقد ندمت فعلا على الوقت الذي أضعته في تلك المهنة».

شبح الخوف
ما كان يعانيه «م.ر» سابقا من خوف وتوجس وعدم ثقة هو نفسه ما يعانيه حاليا أعوان سلطة آخرون. نفس السيناريو يتكرر تقريبا، وإن اختلفت الأسماء والأمكنة. يقول عون السلطة الشاب: «منذ اشتغلت في هذه المهنة وأنا أحس بالخوف.خوف مبهم يسيطر علي ولا أدرك مصدره. فأنا أترقب في أي لحظة حدوث شيء سيء. كما أن أي مكالمة هاتفية تصيبني بالهلع قبل أن أتبين هوية صاحبها. هذا الإحساس لا يساورني وحدي، بل هو شعور مشترك لدى عدد من زملائي في المهنة. وحتى حين أكون بالمنزل أحسني قلقا. أكون حاضرا فقط بجسدي، فيما ذهني منشغل بما يمكن أن يقع في المنطقة التي أنا مكلف بها، لأني أعرف أن أي حدث يقع دون أن أكون على علم به سيعرضني للعقاب. أحد زملائي تعرض للاستفسار فقط لأنه لم يكن على علم بعملية انتحار وقعت في المنطقة التي يشتغل بها». ويضيف: «هذه المهنة لم تعلمني الخوف فقط، بل علمتني الحذر أيضا، وأن أكون متوجسا من أي شيء، وألا أثق في أي أحد، وأولهم زملائي في المهنة. منذ اشتغلت عون سلطة وأنا أشعر أن حياتي تغيرت كليا. تراجعت اهتمامات كثيرة كانت هي مركز حياتي وحلت مكانها أشياء أخرى. حتى السينما التي كنت مواظبا على الذهاب إليها لمشاهدة الأفلام توقفت عن الذهاب إليها منذ مدة طويلة، بعد أن صرت مرغما على عدم مغادرة المنطقة التي أشتغل بها، وأن أكون هناك في الصباح والمساء، وفي نهايات الأسبوع، وفي الأعياد. الوثائق التي وقعت عليها أول مرة يشير أحد بنودها إلى أنه علي أن أراقب القطاع الذي أنا مسؤول عنه 7/7 و24/24. فيما لا أستفيد سوى من أسبوع واحد بالكاد كعطلة سنوية. لقد أصبحت أشعر أني معتقل في سجن كبير لا أستطيع مغادرته. الغريب أني أمارس دور السجين والسجان في الآن نفسه.فأنا بحكم عملي علي أن أراقب كل صغيرة وكبيرة. لكن في الوقت ذاته أشعر أني سجين لأنه محكوم علي ألا أغادر المنطقة التي أشتغل فيها».
صورة قاتمة
هذه المعاناة اليومية ليست وحدها ما يؤرق أعوان السلطة، بل أيضا تلك النظرة الدونية التي ينظر بها عادة إلى المقدم، ليس فقط من قبل المواطنين وحدهم، بل من المسؤولين أيضا. يقول عون السلطة الشاب: «لم أشعر يوما بالمهانة كما صرت أشعر بها بعد أن ولجت هذه المهنة. أحس أني محتقر من قبل الجميع، سواء المسؤولين أو الناس العاديين.هذه ليست حساسية شخصية، بل حقيقة ملموسة يمكن أن تسأل عنها المقدمين. فحتى رجال الأمن الذين نقدم لهم خدمات عدة، خاصة أثناء الحملات الأمنية، لا يحترموننا. يكفي أن يقع مشكل أو مجرد احتكاك معهم حتى يتصرفوا معك بطريقة سيئة».
هذه الصورة القاتمة الملتصقة دوما بأعوان السلطة يرجعها الناس إلى ماضيهم البعيد، وأيضا إلى «الأدوار القذرة» التي يقومون بها: «بركاكة»، «جواسيس»، مرتشون، يستغلون مخالفات المواطنين أو حاجتهم للشواهد الإدارية لابتزازهم ماديا. فيما يدافع أعوان السلطة عن أنفسهم ويقولون إنهم ليسوا كلهم فاسدين، وأن مهنتهم مثل كل المهن، فيها الجيد وفيها السيئ. وبالنسبة إلى «م. ر» فإن «إلصاق هذه الصورة السيئة بعون السلطة وحده مرجعها بالأساس كونه هو الحيط القصير»، مضيفا أن «الرشوة التي يتهم بها عادة المقدم موجودة في كل مكان». أما «المقدم» الشاب فيقول: «نحن في كثير من الأحيان نكون وراء اكتشاف جرائم عديدة كالقبض على عصابة أو مروج مخدرات أو مداهمة وكر للدعارة. لكن هذه الأعمال عادة لا تنسب إلينا، وإنما تنسب إلى أجهزة الأمن، فيما يتجاهلوننا نحن، ولا يُنسب إلينا سوى الفساد والرشوة والتبركيك وكل الكوارث الأخرى لأننا نحن هم الحيط القصير». قبل أن يضيف أن «مشكل الرشوة الملتصق دوما بالمقدم يعود بالأساس إلى هزالة أجره، فهو لا يتقاضى سوى 2300 درهم، فيما هو يكتري شقة إيجارها لا ينزل عن 1500 درهم في مدينة مثل الدار البيضاء. فماذا سيعمل بتلك ال800 درهم المتبقية؟ يشنق بيها راسو؟. طبيعي في مثل هذه الظروف أن يلجأ إلى الرشوة حتى يستطيع أن يعيل نفسه وعائلته». فيما يقول عون سلطة آخر: «المال الذي نقبضه من المواطنين لا نعتبره رشوة وإنما مساعدة. سلم الأجور لدينا متدن جدا، فالأجر يكون في حدود 2300 درهم إذا لم يكن لك أبناء، وفي حالة وجود الأبناء يكون الأجر في حدود 3000 درهم. وبعد إحالتنا على التقاعد يكون معاشنا بين 600 و800 درهم. كما ليس لدينا الحق في الترقية، ولا نستفيد من السلف، فكيف نعيش في مثل هذا الوضع؟». ويتأسف هذا العون، الذي قضى في الخدمة عشرين سنة، على أيام زمان، أو أيام «العز» كما يسميها. «أما اليوم فصار كل شيء صعبا، كما يقول، وولينا خايفين تخلص منا الدولة».
«عيون السلطة التي لا تنام».. مهددة بالطرد والسجن في أي لحظة
«اسم عون السلطة مكتوب بالطباشير» هذه العبارة معروفة لدى العديد من أعوان السلطة، الذين يشعرون باستمرار بأنهم قد يتعرضون للطرد أو السجن في أي لحظة بسبب طبيعة المهنة التي يزاولون. يقول أحدهم، وهو «مقدم» فصل عن العمل سنة 2002 بعد أن قضى 18 سنة في خدمة الدولة «طردوني دون أن يمنحوني أي تعويض عن كل تلك السنوات التي قضيتها في خدمة الدولة، رغم أني كنت أشتغل بالليل والنهار وفي عطل نهاية الأسبوع، بل حتى في أيام الأعياد مثل باقي أعوان السلطة». وأضاف أن قرار الطرد نزل عليه كالصاعقة، بعد أن اتصل به قائد المقاطعة التي يشتغل بها وأخبره بأنه فصل عن العمل.
ورغم كل هذه السنوات ما يزال هذا العون، الذي رفض الكشف عن هويته، عاجزا عن إيجاد سبب منطقي لذلك القرار المجحف الذي تعرض له سنة 2002 «أقسم أني لا أعرف لحد الآن، بعد مرور كل هذه السنوات، السبب الذي طردت من أجله بالتحديد». قبل أن يستعيد تفاصيل حادث طرده قائلا: «في ذلك اليوم كنت مدعوا إلى حفل، فاتصل بي القايد وأخبرني بقرار طردي. لم أستوعب ما قاله لي، وظننت أن في الأمر لبسا ما. وفي الصباح ذهبت إلى المقاطعة التي كنت أشتغل فيها، وهناك تأكدت فعلا أنهم شطبوا علي من الخدمة دون أي مبرر. كان القرار صادما بالنسبة إلي. وحين سألت القايد عن سبب هذا القرار الجائر لم يجبني، فقط أمرني بوضع بطاقتي المهنية. لم أكن وحدي من تعرض للطرد.إذ سأعرف فيما بعد أن ثلاثة مقدمين آخرين شطب عليهم هم أيضا من الخدمة. وطيلة شهرين ظللنا نلتقي سوية ونتجه إلى العمالة وجهات أخرى للاستفسار عن سبب طردنا دون جدوى. لقد كنا نحس بالحكرة والظلم، وكنا عاجزين عن فعل أي شيء يعيد إلينا حقنا المهدور وكرامتنا. وما زاد في ألمنا أن إشاعات تسربت في ذلك الوقت تقول إن سبب طردنا، نحن الأربعة، يعود بالأساس إلى أننا سمحنا لبعض الأشخاص بالبناء بشكل غير قانوني، وأننا تقاضينا مقابل ذلك مبالغ مالية. الغريب أننا نحن الأربعة لم نكن نشتغل في دائرة واحدة، فكيف نشترك سوية في ذلك؟»
رغم مرور اثنتا عشرة سنة، لم ينس عون السلطة المطرود بعد ما حدث له من ظلم وإهانة. كما لا يزال متشبثا ببراءته «لو كنت فعلا مذنبا لحققوا معي. لكنهم لم يفعلوا ذلك. لقد طالبت «القايد» أكثر من مرة بأن يفتح تحقيقا معي، وأن يتابعوني قضائيا إن ثبت فعلا بأني ارتكبت خطأ يستوجب ذلك، لكنه لم يفعل. كل ما استطاع فعله هو طردي، دون أن يأبه بمصيري وبمصير من أعيلهم».
لحسن حظ هذا العون أنه وجد فيما بعد مهنة أخرى أنقذته من الضياع ومن مد يده إلى الآخرين، فيما اشتغل عون السلطة الثاني المطرود سائق طاكسي. أما الاثنان الآخران فما يزالان إلى حد الآن عاطلين عن العمل، كما يقول.
حالة هذا العون ليست الوحيدة. إذ هناك عشرات الحالات التي تعرضت هي الأخرى للطرد التعسفي «دون مبرر» و«دون تعويض» أيضا. أحد هؤلاء كان يشتغل عون سلطة بإحدى الدوائر بعين السبع بالدار البيضاء. يحكي هذا العون في شريط فيديو بث على «اليوتوب» كيف طرد من عمله بشكل مهين، بعدما التجأ المسؤولون عنه إلى «التدليس»، كما يقول، مضيفا بأنه لا يعرف بالتحديد سبب طرده من المهنة، التي قضى فيها 12 سنة. ويصر العون المطرود على أنه بريء، وبأنه «لم يقترف أي ذنب يستحق عليه التوقيف»، وطالب وزير العدل بإيفاد لجنة خاصة للتحقيق في هذا الموضوع. وأكد العون المطرود أن الجميع يشهد له بالجدية وبتفانيه في العمل، مضيفا أن ذلك لم ينفعه حين قرروا التخلص منه بسهولة.
التنسيقية الوطنية لأعوان السلطة بالمغرب، التي تأسست سنة 2011، وهدفها الدفاع عن أعوان السلطة، لم تسلم هي الأخرى من شبح الطرد الذي يثير فزع أعوان السلطة. إذ أوضحت في بيان لها أن ستة من أعضائها تعرضوا «للتوقيف التعسفي جراء مطالبتهم بحقوقهم». ويفسر أحد أعوان السلطة، رفض هو الآخر الكشف عن اسمه، أن سبب الطرد الذي يتعرض له أعوان السلطة يعود بالأساس إلى كونهم «الحلقة الأضعف في سلسلة السلطة المحلية، ما دام لا يوجد أي قانون يحميهم». وأضاف متسائلا: «كيف يقف القانون في صف كل عامل يطرد تعسفيا، فيما لا يقف إلى جانب عون السلطة، الذي يطرد أحيانا لأسباب هو نفسه لا يعلمها، وكثيرا ما يكون مجرد ضحية».
لكن أعوان السلطة ليسوا دائما بريئين أو مجرد ضحايا. إذ أن العديد منهم تورطوا في قضايا كالارتشاء أو البناء العشوائي. ومنهم من توبع قضائيا بتهم تتعلق بالنصب والاحتيال والتزوير والبناء العشوائي...، كما حدث لعون سلطة بسيدي سليمان قام بتزوير توقيع قائد المقاطعة التي يشتغل فيها، وسلم شهادة وفاة امرأة إلى ابنتها لاستغلالها في قضية تتعلق بالإرث، أيضا لعون سلطة آخر بتاحناوت توبع بتهمة التزوير في وثائق رسمية، بعد أن سلم شهادة العزوبة لشخص متزوج. وهي التهمة نفسها التي وجهت إلى عون سلطة يشتغل في الدائرة الحضرية الأولى بالناظور، قام بتزوير شهادة عزوبة سلمها إلى مواطن تبين فيما بعد أنه متزوج. وقد حكمت عليه المحكمة الابتدائية بالناظور بسنة حبسا وغرامة مالية قدرها عشرون ألف درهم. فيما أودع عون سلطة آخر بإقليم برشيد السجن الفلاحي عين علي مومن بسطات بعد متابعته رفقة أشخاص آخرين بتهم تتعلق بالابتزاز والنصب والاحتيال وبتلقي الرشوة.
تهمة البناء العشوائي جرت هي الأخرى عددا من أعوان السلطة إلى المحاكم، وكانت سببا في اعتقال بعضهم، كما حدث لعدد من «الشيوخ» و«المقدمين» في جماعة الهراويين بإقليم مديونة بالدار البيضاء نظموا عدة وقفات احتجاجية بعد أن قضوا عقوبة حبسية بسجن عكاشة على خلفية «فضيحة البناء العشوائي»، التي أمر على إثرها قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء بحبس 70 شخصا مشتبها في تورطهم في فضيحة البناء العشوائي الهراويين، كان من بينهم 10 «شيوخ» و3 «مقدمين». لكن غالبا ما يتبرأ أعوان السلطة من التهم التي توجه إليهم عادة، ويقولون إنهم مجرد ضحايا، وأنهم الحلقة الأضعف و«كبش الفداء»، الذي يدفع ثمن أخطاء الآخرين. فيما قال بعضهم ل«المساء» إنهم يقترفون بعض الأخطاء عن جهل وليس عن دراية أو سبق إصرار.
عبد الله عرقوب - نزهة بركاوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.