قيوح يرأس تنصيب عامل إقليم أزيلال    المدير العام للأمن الوطني يتقلَّد وسام الصليب الأكبر للاستحقاق للحرس المدني الإسباني    زيدان يبسط تفاصيل مِنح دعم المقاولات الصغرى باستحضار البعد المجالي    منتخب الناشئين يواجه نظيره الأمريكي في الدور 32 من مونديال قطر    استئنافية الحسيمة تؤيد أحكاما صادرة في حق متهمين على خلفية أحداث إمزورن    عمالة طنجة-أصيلة : لقاء تشاوري حول الجيل الجديد من برنامج التنمية الترابية المندمجة    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم (المغرب 2025).. تعبئة 15 ألف متطوع استعدادا للعرس القاري    نادية فتاح تدعو إلى وضع تشغيل النساء في صلب الاستراتيجيات الاقتصادية والسياسية    إصدارات مغربية جديدة في أروقة الدورة ال44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب    قراءة تأملية في كتاب «في الفلسفة السياسية : مقالات في الدولة، فلسطين، الدين» للباحثة المغربية «نزهة بوعزة»    المنتخب الوطني يجري حصة تدريبية مفتوحة امام وسائل الاعلام المعتمدة بملعب طنجة الكبير    حادثة سير خطيرة بالطريق السيار العرائش – سيدي اليماني    (فيديو) بنسعيد يبرر تعين لطيفة أحرار: "كانت أستاذة وهل لأن اسمها أحرار اختلط على البعض مع حزب سياسي معين"    الكشف عن الكرة الرسمية لكأس أمم إفريقيا المغرب 2025    كيف أصبح صنصال عبئاً على الديبلوماسية الجزائرية؟    رسميًا.. المغرب يقرر منح التأشيرات الإلكترونية لجماهير كأس إفريقيا مجانا عبر تطبيق "يلا"    برلمانية تستفسر وزير التربية الوطنية بشأن خروقات التربية الدامجة بتيزنيت    اقتراب منخفض جوي يجلب أمطارًا وثلوجًا إلى المغرب    لتعزيز جاذبية طنجة السياحية.. توقيع مذكرة تفاهم لتطوير مشروع "المدينة المتوسطية"    انعقاد الدورة ال25 للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان    "ساولات أ رباب".. حبيب سلام يستعد لإطلاق أغنية جديدة تثير حماس الجمهور    مجلس القضاء يستعرض حصيلة 2024    "واتساب" يطلق ميزة جديدة تتيح للمستخدمين الوصول إلى جميع الوسائط الحديثة المشتركة    الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تعرض تجربة الذكاء الاصطناعي في منصة "SNRTnews" بمعرض كتاب الطفل والشباب    رونالدو يكشف أن مونديال 2026 سيكون الأخير له "حتما"    منيب تتقدم بمقترح قانون للعفو العام    تستر ‬عليها ‬منذ ‬سنوات‮ ‬.. ‬    ملايين اللاجئين يواجهون شتاء قارسا بعد تراجع المساعدات الدولية    تفجير انتحاري يوقع 12 قتيلا بإسلام أباد    رصاص الأمن يشل حركة مروج مخدرات    خط جوي جديد بين البيضاء والسمارة    الحكومة تعتزم إطلاق بوابة إلكترونية لتقوية التجارة الخارجية    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض    بموارد ‬تقدر ‬ب712,‬6 ‬مليار ‬درهم ‬ونفقات ‬تبلغ ‬761,‬3 ‬مليار ‬درهم    المغرب ‬رائد ‬في ‬قضايا ‬التغيرات ‬المناخية ‬حسب ‬تقرير ‬أممي ‬    مهرجان الدوحة السينمائي 2025 يكشف عن قائمة المسابقة الدولية للأفلام الطويلة    الكاتب ديفيد سالوي يفوز بجائزة بوكر البريطانية عن روايته "فلش"    الشاعرة والكاتبة الروائية ثريا ماجدولين، تتحدث في برنامج "مدارات " بالإذاعة الوطنية.    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    الحسيمة: مرضى مستشفى أجدير ينتظرون منذ أيام تقارير السكانير... والجهات المسؤولة في صمت!    ألمانيا تضع النظام الجزائري أمام اختبار صعب: الإفراج عن بوعلام صنصال مقابل استمرار علاج تبون    مجلس الشيوخ الأميركي يصوّت على إنهاء الإغلاق الحكومي    350 يورو مقابل التقاط صورة ومقعد على مائدة والدة النجم يامال    وزير الداخلية يبدأ مرحلة ربط المسؤولية بالمحاسبة؟    مع تعثّر انتقال خطة ترامب للمرحلة التالية.. تقسيم قطاع غزة بات مرجحاً بحكم الأمر الواقع    أتالانتا الإيطالي ينفصل عن مدربه يوريتش بعد سلسلة النتائج السلبية    كيوسك الثلاثاء | المغرب يعزز سيادته المائية بإطلاق صناعة وطنية لتحلية المياه    إيران تعدم رجلًا علنا أدين بقتل طبيب    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    انخفاض طلبات الإذن بزواج القاصر خلال سنة 2024 وفقا لتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد أخريف: لا أنشر الوثائق التي سبق نشرها إلا إذا رأيت فيها قراءة جديدة
قال إن من المؤسف أن نجد في القرن الواحد والعشرين من لا يزال يكتب على طريقة الحوليات ولا يهتم إلا بالعظماء والحوادث الكبرى
نشر في المساء يوم 07 - 01 - 2015

هذا الحوار، مع مؤرخ مدينة القصر الكبير الأستاذ محمد أخريف صاحب الأبحاث التاريخية العديدة حول المدينة. أردناه، من البداية، حوارا في حدود الحيز المطلوب، والمتفق عليه، غير أنه طار، بإجاباته المسترسلة وبصوره وصور وثائقه النادرة ابتداءً، إلى "كتاب محتمل". طاف بنا الحوار حول أهمية مدينة القصر الكبير، وبنائها فوق موقع روماني، وحول رسومها الحجرية الحمراء، التي ترجع إلى أكثر من 6000 سنة ق. م، في قبيلة بني يسف، وحول عهد الفينيقيين، ودلالة اسم هسبيردس Hesperides، واستحالة العثور على مخلفات الفنيقيين والقرطاجيين والرومان، وحتى مخلفات الموحدين وغيرهم... وصولا إلى الوطنيين بالمدينة، فرقة جهجوكة وعلاقاتها بالرولينغ ستونك، ثم "التجريف المعماري" الذي لا تستحقه المدينة. وللضرورة، فقد بدا لنا أن نركّز على مجمل "الأجوبة" ذات الصلة بما يمكن نعته ب"المعرفة التاريخية المحلية"، على النحو الذي يكشف عن جوانب من آليات اشتغال المؤرخ المحلي وطرائق تفكيره ونهج الكتابة لديه والصعاب التي تصادفه.
- في إطار البحث التاريخي، صرت علامة على مدينة القصر الكبير، كما الأستاذ إبراهيم كريدية علامة على مدينة آسفي، وكما الأستاذ عبد الرحيم الجباري علامة على مدينة أصيلا، ومن دون شك فالمدن تختلف بالنظر إلى اختلاف سياقاتها التاريخية. في أي سياق جاء ارتباطك بمدينة القصر الكبير؟
يرجع ارتباطي بالقصر الكبير إلى وجودي بها منذ طفولتي، ودراستي واستقراري الدائم بها إلى اليوم. كما كنت عضوا بمجلسها البلدي لفترتين متتابعتين منذ سنة 1976. وفيها اشتغلت بالتعليم والإدارة إلى يوم إحالتي على المعاش سنة 2006.
- ما هي أهم إنجازاتك حول المدينة؟
لقد أنجزت عدة أعمال لهذه المدينة، ولا زلت أشعر بدين علي من طرفها لأنها أعطتني الشيء الكثير، وقد تمحورت أعمالي حولها في ميدانين هما : الميدان التوثيقي اعتمادا على جمع الوثائق غير المنشورة ونشرها، والميدان الأثري المتمثل في أبحاث أثرية قمت بها بالمدينة وأدت إلى اكتشاف لقى ونقائش وأحجار رومانية غيرت المعلومات التاريخية في العصر الروماني.
بداية، لا بد من الإشارة إلى أن الوثائق التي أنشرها ليست موجودة في الأرشيفات، ولا هي موجودة في المكتبات، سواء داخل المغرب أو خارجه، فأنا لا أنشر الوثائق التي سبق نشرها إلا إذا رأيت فيها قراءة جديدة، وأفضل نشر الوثائق النادرة، سواء كانت كتابية أو شفاهية، رغم صعوبة الحصول عليها.
وقد حصلت على بعض منها، وذلك بالخروج إلى المجال، والاتصال بالأسر والمسنين، وتسجيل أقوالهم وتوثيق ذلك بالصور؛ بما في ذلك المواقع التي كانت مسرحا للأحداث، متخطيا العوائق والمحددات الطبيعية والعقلية. فاستطعت توثيق عدة أحداث، وجمع عدة وثائق، وتسجيل عدة أقوال وأشعار، لها أبعاد سياسية، واقتصادية، واجتماعية وفكرية، وقد اجتمعت لدي حوالي ألف وثيقة بين أصلية ومصورة أعمل على نشرها بالتتابع إن شاء الله.
ونشر مثل هذه الوثائق فيه قيمة مضافة للمدينة والمنطقة وللتاريخ المغربي، فالتاريخ المحلي هو أساس التاريخ الجهوي والوطني، وقد أصبحت الكتب التي نشرتها في سلسلة وثائق لم تنشر، والتي وصلت الجزء الرابع، والخامس في الطريق إن شاء الله، مرجعا للباحثين والطلبة، لأن ما كتب حول المدينة، رغم أهميته الكبيرة، يفتقر إلى الدليل القاطع الذي توضحه الوثيقة.
وهذا لا يعني أن الوثيقة هي القول الفصل، فهي لا تكون كذلك إلا إذا اجتازت شروطا معينة. والتاريخ اليوم يهتم بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، أكثر من اهتمامه بالجوانب السياسية كما كان، ولكن بروح ومنهجية متجددة، معتمدا على كل المعطيات والوثائق، سواء كانت كتابية أو أثرية أو شفاهية، من أجل الوصول إلى الحقيقة، دونما إقصاء للنسبية في الأحكام من حيث الأسباب والنتائج.
- على ذكر المنهجية ما هو المنهج الذي تعتمده في الكتابة؟
قبل التطرق إلى المنهج المتبع في الأبحاث التي أقوم بها، لابد من الإشارة إلى ضرورة توفر بعض الصفات في الباحث بصفة عامة، منها رغبته وحبه في التعلم، وإيمانه بدوره في البحث طبق قواعد معينة حتى لا يكون بحثه عبارة عن دراسة أو تلخيص لموضوع أو مشكلة قام بعرضها غيره، وأن يكون مؤمنا بالنسبية ولا ينساب مع الأحكام المطلقة لأن التاريخ يتجدد باستمرار، إضافة إلى أن السلوك الإنساني أكثر تعقيدا من الظواهر الطبيعية، وعلى الباحث أيضا أن يلتزم بنوع من التجرد، وأن يكون دوما قابلا للتطور والتكامل مع تطور المعرفة الإنسانية وتكاملها.
قد يقتصر الباحث بصفة عامة على منهج معين يقتضي الالتزام به في بحث ظاهرة معينة، لكن الباحث في التاريخ يجب عليه أن يكون ملما بمجموع الطرق والتقنيات التي يتبعها للوصول إلى الحقيقة التاريخية لأنه يقوم بإعادة بناء الماضي بكل وقائعه وزواياه كما كان عليه الحدث في زمانه ومكانه وتفاعلاته.
ولذلك من الصعب على الباحث أو المؤرخ أن ينتهج منهجا واحدا. وكلمة «منهج» مشتقة من فعل نَهَجَ، أي سلك طريقا معينا، وبالتالي فإن كلمة «المنهج» تعني الطريق والسبيل. ولذلك كثيرا ما يقال إن طرق البحث مرادفة لمناهج البحث. وتعني أيضا اللّجوء إلى أنماط تحليلية خاصة بفروع علمية مميزة. والذي يعنينا هو المنهج التاريخي المرتبط بماهية التاريخ، وهذا أيضا فيه العديد من وجهات النظر بين المؤرخين، خصوصا منهم من يهتم بفلسفة التاريخ.
- وما هي المصاعب التي تصادفك في الكتابة؟
الصعوبات تكون حسب اختيار منهج البحث، فإذا اختار الباحث التعامل مع ما هو موجود في المكتبات العمومية، وبعض المكتبات الخاصة والمواضيع السهلة، فالصعوبة تكون أهون من الذي يختار البحث في الجوانب الاجتماعية والثقافية، والخوض في عمق المجتمع، لأنه سيجد صعوبات، منها ما يتعلق بالسلطة أثناء البحث في الأسر، وخصوصا في البوادي، وصعوبات أخرى من السكان لأنهم لا يثقون في أي أحد، وصعوبات مادية وتواصلية إذا كان غريبا عن المنطقة التي يبحث فيها.
- لماذا هذا التركيز، من قبلكم، على أعلام القصر الكبير، وحتى نتكلم بلغة الإسطوغرافيا هذه المرة، بالمصادر الحبيسة والأصول الغميسة، مقارنة بتصيّد الهوامش والتقاييدْ... من مصادر التاريخ ومصنفاته في أفق الانفتاح، وبالموازاة، على التاريخ الاجتماعي؟
التركيز على الأعلام لا عيب فيه لأن من لا أعلام عنده يتضايق من هذه الظاهرة، غير أن هذا التركيز يجب ألا يصبح اجترارا لما قيل، ومن المؤسف أن نجد في القرن الواحد والعشرين من لا يزال يكتب على طريقة الحوليات ولا يهتم إلا بالعظماء والحوادث الكبرى، بل إن بعض المؤسسات الأكاديمية لا تهتم بتاريخ الشعوب وبحياة المجتمع، وهذا طبعا يسير مع التوجه والسياسات الثقافية وما يراد لها أن تكون. ولهذا اخترت الاهتمام بالوثائق الكتابية والشفوية لأنها مرآة للمجتمع وصورة لدواخله، وفي الزمن القصير الذي مضى كان الخوض في مثل هذا له تبعات، وربما هذا ما جعل الناس يحيدون عن هذا التوجه، الشيء الذي أدى إلى احتقار بلدنا لباحثين ومهتمين بالتاريخ الاجتماعي والثقافي والفني.
- من الذين قرأت لهم بخصوص تاريخ المدينة، سواء من المغاربة أو الإسبان؟
أغلبية المراجع والمصادر، التي تحدثت عن تاريخ المغرب، لا تخلو من إشارات إلى مدينة القصر الكبير، نظرا لأهميتها ودورها الفاعل في أغلبية الأحداث السياسية والثقافية والاجتماعية التي عرفها المغرب عبر العصور. ولهذا فالباحث في تاريخ القصر عليه أن يقرأ الكثير من هذه الكتب، وهو عمل صعب رغم نشر بعض والمراجع والمصادر التي كان التعرّف عليها يحتاج إلى زيارة المكتبة العامة بالرباط وغيرها من المكاتب، إضافة إلى الكتب المترجمة. فاسم المدينة وحده أشير إليه في عدة كتب بأسماء مختلفة.
أما الكتب التي تعرضت بالخصوص لتاريخ هذه المدينة فهي قليلة، ولم تظهر إلا في فترتنا الأخيرة، مثل كتاب محمد بوخلفة «الطريق لمعرفة القصر الكبير» سنة 1972، «أبحاث أثرية وتاريخية» لأشعبان أحمد، «القصر الكبير الذاكرة والحاضر» منشورات مجموعة الدراسات والأبحاث حول القصر الكبير، 2000. وما نشرته جمعية البحث التاريخي والاجتماعي بالقصر الكبير، التي أعمل رئيسا لها، والتي وصلت كتبها حول تاريخ هذه المدينة منذ سنة 1988 إلى 25 كتابا، ولها تحت الطبع 6 كتب أخرى، من طرف محمد العربي العسري، ومحمد بنخليفة، وعبد السلام القيسي، ومصطفى الطريبق، ومحمد أخريف. والجواب عن سؤالك يقتضي جردا للعديد من الكتب. والملاحظة الأساسية هي أن الكتب التي اقتصرت على التحدث عن القصر الكبير قليلة، بينما الكتب التي تعرضت إلى المدينة ضمن موادها كثيرة، سواء في العربية أو الفرنسية أو الإسبانية. غير أن الكتب التي تحدثت بالخصوص عن القصر هي الكتب الإسبانية.
- كيف يمكنك أن توجز الحديث عن التراث الفني لفرقة زهجوكة التي شاركت في أكثر من ندوة بخصوصها؟
يقع مدشر زهجوكة وسط مثلث يضم الدمنة وبورخة وأمجادي بجماعة أبي جديان الحالية بقبيلة أهل سريف قيادة تطفت. وتنتمي المنطقة التي يوجد بها المدشر إلى مقدمات جبال الريف. وفيما يتعلق بالعنصر البشري يتكون المدشر من عدة عناصر أساسية هي: عنصر العطارين، وعنصر الرطويين، وعنصر الشلوشيين، وعنصر الحمدونيين. وفيما يتعلق بالعلاقة بالدولة، تظهر العلاقة في الظهائر المتعددة التي تملكها الأسر الحمدونية الشريفة، وفي ارتباط الفرق الموسيقية بالأسر الحاكمة على مر العصور. يتميز المدشر بقدم سكانه ووجود ضريح الولي الصالح سيدي أبي العباس أحمد الشيخ، الذي أشار إليه عدة باحثين ومؤرخين، منهم: صاحب الدوحة الذي تحدث عن كراماته، وعلاقته بقائد القصر طلحة العروسي، والذي حدد وفاته بين 910 و920 هجرية، وتحدث عن ترابه الذي يكون سببا في الشفاء من الكثير من الأمراض. ويعتقد سكان المدشر ومعهم المستشرق بيلر في بداية القرن العشرين أن موهبة إتقان فن الغيطة لدى أسر المدشر هو هبة من الولي. أما المستشرق موليراس (أواخر القرن 19) فيرى أن المدشر كان يحتوي على 100 غياط. بينما يقول بلير إن المدشر كان يحتوي في بداية القرن 20 على 150 منزلا و850 نسمة ومسجدين.
- وكيف تفسر سر شهرة الفرقة عالميا؟
المؤكد أن هذا الفن المعتمد على الغياطة والطبالين لم يكن محصورا على ما هو محلي، أي «المشاركة في الأفراح والعادات والاحتفالات الدينية»، بل إن إشعاعه أصبح وطنيا، فقد كانت الفرق الموسيقية تشارك في الاحتفالات بالقصر الملكي لعدة قرون، وكانت لها ظهائر للتوقير، وأُخبرت بأنها ضاعت في ظروف غامضة، وقد وجدت إشارة في ظهير موجه إلى الشرفاء البقاليين ينص بالحرف على «زهجوكة الطبالين»، وهو مؤرخ في 26 شعبان 1279، الموافق: 14 / 2 / 1863 من قبل السلطان محمد بن عبد الرحمان. لقد كان حضور الفرق الزهجوكية متواصلا في أيام السلم والحرب. إذ كانت تستدعى للقصور الملكية للمشاركة في الأفراح وتقديم وصلات فنية، كما كانت تستدعى أثناء الحروب لتحميس المحاربين.
ولدي رسالة من عامل العرائش إلى كافة أشياخ قبيلة أهل سريف العليا باستقدام رماة وطبول ومزامير القبيلة لمرافقة أنجال السلطان من العرائش إلى تطوان، وهي مؤرخة في 25 ذو الحجة 1306 ه، الموافق: 25 غشت 1889م. وكانت فرقة الغياطة تشارك أيضا في حملات وحركات السلاطين على المناطق، ويحكي لنا الضعيف الرباطي أن السلطان مولاي اليزيد حينما قام بالحركة في منطقته 1204ه، الموافق: 1790م، ببلاد الهبط ودخول القصر الكبير الذي كان أخوه محتميا به في مولاي علي بن أبي غالب، كانت معه فرقة الغياطة التي فيها نوبة الخروج. يقول الضعيف: «في هذا اليوم المذكور بعث القائد عبد الله الرحماني بأنفاق الجيش وما بقي من حوائج أبيه كالفراش والمزارق وخيل القادة والكدش، والطبالين أصحاب النوبة...».
دوليا، تم اكتشاف الفن الزهجوكي ونقله من المحلية إلى العالمية على يدي الكاتب والموسيقي Brion Gysin والكاتب Bowles Paul بعد التقائهما بالمرحوم الفنان محمد الحمري، فانتقل هذا الفن في البداية إلى مطعم ألف ليلة وليلة بمدينة طنجة بين سنتي 1953 و1956، على يد Brion Gysin والفنان محمد الحمري (الرسام)، حيث شغلا فرقة زهجوكة في هذا المطعم، وعندما جاء إلى المغرب ميك جاكر مغني فرقة Stones Rolling، قدم له كل من GYSIN والحمري Brian Jones الذي كان يريد دمج الصوت في الموسيقى وتسجيله، وقد تم تسجيل ذلك سنة 1968، وتبعه فنانون آخرون في سنة 1973.
وفي سنة 1962 وعن طريق الفنانة السينمائية كاترين دونوف Catherine Deneuve، التي جاءت إلى المغرب لأخذ بعض الفرق الموسيقية والتراثية، اختير عبد الرحمان العطار والفنان بوبكر الخليفي العطار من زهجوكة، وذهبا مع المجموعة إلى باريس، ثم إلى نيويورك، ومنها إلى هوليود، ثم إلى شيكاغو، فكان ذلك أول نقلة للتراث الجبلي الزهجوكي إلى القارة الأمريكية.
وقد لعبت أسرة العطار دورا أساسيا في هذا الفن، فاشتهر منهم الكثير، وعلى سبيل الذكر: الشيخ عبد السلام العطار، والشيخ عبد السلام زقانة العطار، وأحمد زقيقن، وأحمد بابا خاي، وأحمد كعيبب، وعبد السلام المجدوبي، والمعلم بلحاج الرطوبي، والمعلم العوينة العطار. وفي الثمانينيات حضر إلى المدشر إنجليزي ما فتئ أن عاد ليصحب معه فرقة من غياطة زهجوكة إلى أوروبا، ثم نقلها الحمري إلى إيطاليا، وأخيرا قام البشير العطار بنقلها إلى أغلب دول العالم، بما في ذلك أمريكا، فأصبحت الفرقة الزهجوكية مشهورة في العالم، وأصبح للفن الزهجوكي صيت دولي. ويقوم الفنان الكبير البشير العطار بدور كبير في التعريف بهذا التراث على المستوى الدولي.
- ما الذي أصاب مدينة القصر الكبير؟ وما الذي حصل لحدائق تفاح الخلود هسبيردس Hespérides، حتى انتهت إلى ما انتهت إليه مقارنة بتاريخها السابق والعامر؟
أتساءل بدوري عن هذه الظاهرة الغريبة، رغم ما يحمله تاريخ المدينة من ثقل جهادي وعلمي وثقافي وعطاءات لم تتوقف عبر العصور، إذ كانت المدينة مركزا حضاريا وعلميا، اجتمع فيه كثير من علماء الأندلس والمغاربة، وزاره الكثير من الأعلام أمثال: ابن خلدون، وابن عربي، أبو الحسن على بن موسى بن سعيد المغربي الأندلسي، وهو مؤرخ وشاعر ورحالة أندلسي غرناطي، درس بالقصر على الأديب الأندلسي أبي عمران موسى الطرياني، المتوفى بالقصر 639/1241م، ورغم إنجابها علماء الأسرة الفاسية، ومن بينهم أبو المحاسن الفاسي وعبد القادر الفاسي، وبروزها في التدريس بالقاهرة، ووقوفها في وجه الغزاة البرتغاليين بعد ما احتلت أغلبية الثغور الشاطئية، وهي مدينة الخمار الكنوني، وعبد السلام عامر.
لا أدري السبب الذي لم يشفع لها رغم كل هذا العطاء المتواصل، لتبقى دون المدن التي كانت أقل منها، بل أقل من بعض القرى التي تحولت إلى مدن جامعية. وربما ترجع أسباب ركودها إلى عوامل تاريخية وأخرى محلية. أتمنى أن يعاد لها بريقها في إطار الزخم الإصلاحي المتواصل العام.
حاوره - يحيى بن الوليد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.