وزير الداخلية يعقد بالرباط اجتماعين مع قادة الأحزاب السياسية في شأن التحضير للانتخابات التشريعية المقبلة    4 أحواض مائية لا تتجاوز 30 بالمائة.. وملء السدود يلامس "مستويات حرجة"        أخبار الساحة    الرجاء البيضاوي ومرسى ماروك: شراكة غير مسبوقة تؤسس لعصر جديد    الشيبي وبنتايك الأفضل بدوري مصر    طمعا في لعب دور قيادي خلال الموسم القادم.. الدفاع الحسني الجديدي يغير جلده بالكامل    نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية مصحوبة بتساقط البرد وبهبات رياح من الأحد إلى الجمعة بعدد من مناطق المغرب    غياب الرؤية والرقمنة بمسرح محمد عفيفي بالجديدة وزارة الثقافة إلى المساءلة    جمعية أنزا الهجرة والتنمية تنظم الدورة الرابعة لمهرجان المهاجر    استياء واسع بسبب ضعف صبيب الأنترنيت باقليم الحسيمة    بنكيران: مافهمته من خطاب سيدنا هو أنه "Il a désavoué" تجربة حكومة 2021    وزير خارجية غامبيا: المغرب، ركيزة للاستقرار في إفريقيا    الدبلوماسية البيئية في مواجهة خصوم الوحدة الترابية للمغرب.. الوكالة الوطنية للمياه والغابات نموذجا    بأمر ملكي .. مساعدات مغربية تعبر الحصار وتصل إلى جرح غزة    دراسة تحذر: هل يكون عام 2027 بداية نهاية البشرية بسبب الذكاء الاصطناعي؟    "واشنطن بوست" تنشر صورا جوية نادرة تكشف حجم الدمار الهائل الذي لحق بقطاع غزة    بوعياش ضمن قائمة نساء إفريقيات ملهمات لسنة 2025    تدشين فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بالعرائش    كتاب طبطبة الأحزاب /3من5    ارتفاع الرواج الإجمالي على صعيد الموانئ المغربية في الفصل الأول من 2025    بنك المغرب يدق ناقوس الخطر بشأن أنظمة التقاعد ويطالب بإصلاح عاجل لتفادي الانهيار    اختتام معرض الصناعة التقليدية بالعرائش    طقس الأحد.. جو حار مع تشكل سحب منخفضة وكتل ضبابية    سيتضاعف استهلاك البلاستيك في العالم ثلاث مرات بحلول عام 2060    نقابيو بني ملال يحتجون على فرض تكوينات صيفية على مربيات التعليم الأولي    إعدام ثمانية أشخاص بينهم سبعة مدانين بتهريب المخدرات في السعودية    أنفوغرافيك | جهة سوس ماسة.. تتصدر حالات إفلاس الشركات    شهادات جامعية مزورة تهز المشهد السياسي في إسبانيا    "عرش المحبة حين يغني المغرب في قلب تونس"    النجمة أصالة تغني شارة "القيصر" دراما جريئة من قلب المعتقلات    المركز السوسيوثقافي أبي القناديل يحتظن حفلا مميزا تخايدا لذكرى 26 لعيد العرش المجيد    السياسة وصناعتُها البئيسة !        ثوران بركان في روسيا للمرة الأولى منذ أكثر من 450 عاما        انطلاق النسخة الثامنة من كأس أمم إفريقيا للاعبين المحليين بدار السلام    حملة دولية للمطالبة بالإفراج الإنساني عن ناصر الزفزافي    تسمم أسرة مغربية مقيمة بالخارج يؤدي إلى إغلاق محل للوجبات السريعة بالناظور    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    مطالبًا بالحقيقة والعدالة.. شقيق مروان المقدم يشرع في إضراب مفتوح بالحسيمة    قلق داخل الجيش الإسرائيلي من ارتفاع معدلات انتحار الجنود بسبب المشاهد الصعبة في غزة    قافلة طبية تخفف معاناة مرضى القلب بجرسيف    تقرير: أكثر من 12 ألف رأس نووي في العالم .. 87 بالمائة منها بيد دولتين فقط    تهديدات جهادية تستنفر درك السنغال    جباري يعزز هجوم سينسيناتي الأمريكي    ولاء يتجاوز المال .. باحث يرفض عرضًا ب1.5 مليار دولار من مارك زوكربيرغ    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    الدار البيضاء .. نجوم العيطة يلهبون حماس عشاق الفن الشعبي    في رحيل زياد الرّحْباني (1956-2025) سيرةُ الابْن الذي كَسَّر النَّاي .. ومَشَى    دراسة: مشروب غازي "دايت" واحد يوميا يرفع خطر الإصابة بالسكري بنسبة 38%    دراسة تُظهِر أن البطاطا متحدرة من الطماطم    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    بعد فصيلة "الريف" اكتشاف فصيلة دم جديدة تُسجّل لأول مرة في العالم    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    تطوان تحتفي بحافظات للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تشيني.. جولة حرب لا جولة سلام
نشر في المساء يوم 30 - 03 - 2008

أن يؤكد ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي أن إدارة بلاده لن تمارس أي ضغوط على إسرائيل لتقديم تنازلات تتعارض مع مصالحها الأمنية، فهذا ليس مفاجئا، ولكن ما هو مفاجئ الحفاوة التي استقبل بها في الدول العربية التي زارها في جولته الحالية، وخاصة من قبل القيادة السعودية التي سلمته أعلى وشاح في الدولة.
فصداقة تشيني لإسرائيل معروفة ومعلنة، فالرجل كرّس كل حياته السياسية والوظيفية من أجل خدمتها، والسهر على مصالحها وأمنها، فقد تزعم مجموعة المحافظين الجدد، ومعظمهم من اليهود أنصار إسرائيل، الذين كانوا، ومازالوا، يقفون خلف الحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان خدمة لإسرائيل، وتكريسا لها كقوة إقليمية عسكرية نووية عظمى في المنطقة، وتدميرا لبلد عربي شقيق وقتل مليون من أبنائه على الأقل وتشريد خمسة ملايين آخرين، فهل هذه إنجازات يستحق أن يكافأ عليها؟
تشيني يكره المسلمين، والعرب منهم تحديدا، ويحتقر الزعامات العربية، والنفطية من بينها بشكل خاص، ومن يقرأ كتاب الصحافي الأمريكي الشهير بوب وودورد وخاصة كتابه عن حروب بوش والعلاقة بين أسرته والأسرة السعودية الحاكمة، يجد الكثير من المعلومات التي تؤكد هذه الحقيقة.
زيارته الحالية للمنطقة هي زيارة للترويج للحرب وليست لها أي علاقة بجهود السلام. فالجانب المعلن غير الجانب الخفي، والتصريحات التي يدلي بها في مؤتمراته الصحافية تتناقض كليا مع مباحثاته مع الزعماء العرب الذين التقاهم في اجتماعات ثنائية في الغرف المغلقة.
تشيني جاء من أجل تهيئة المنطقة للحرب المقبلة ضد إيران وسوريا وحزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، وتوزيع الأدوار على الحلفاء، كل حسب إمكانياته وموقعه، ولهذا اختار الدول التي زارها بعناية شديدة، فلم يكن من قبيل الصدفة أن يزور سلطنة عمان التي أسقطها الرئيس جورج بوش من جولته الأخيرة في المنطقة قبل شهرين، وأن يعرّج على المملكة العربية السعودية، ويختتم هذه الجولة بزيارة تركيا، بعد مباحثات مطولة مع إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي، وتوقف قصير في رام الله لذر الرماد في العيون.
زيارة سلطنة عمان تتعلق بموقعها الاستراتيجي في فم الخليج العربي، وإطلالتها على مضيق هرمز حيث يمر يوميا 18 مليون برميل من النفط، أي ما يعادل عشرين في المائة من الإنتاج العالمي. ومن المعروف أن إيران هددت بإغلاق هذا المضيق في حال تعرضها إلى أي عدوان أمريكي بسبب برنامجها النووي.
أما الرياض العاصمة السعودية فهي المحطة الأكثر أهمية في هذه الجولة بعد المحطة الإسرائيلية، فللسعودية دور مركزي في كل الحروب الأمريكية في المنطقة، فقد لعبت دورا كبيرا في الغزو الأمريكي للعراق قبل خمس سنوات، والحرب الأمريكية ضد الإرهاب، واستضافت نصف مليون جندي أمريكي في صيف عام 1990 تمهيدا لإخراج القوات العراقية من الكويت في حرب العراق الأولى.
ديك تشيني يريد من الحكومة السعودية ضخ كميات إضافية من النفط لتخفيض أسعاره، وتهدئة الأسواق العالمية لمساعدة الاقتصاد الأمريكي في تقليص خسائره بعد مرحلة الانكماش التي دخلها مؤخرا، فهي الدولة الوحيدة المنتجة للنفط التي تستطيع زيادة إنتاجها في العالم، بعد أن وصلت الدول الأخرى، خاصة في الخليج مثل الكويت والإمارات إلى معدلات إنتاجها القصوى، ولم يكن غريبا أن تتجاوب فورا مع طلبه بعد يومين من زيارته وتتعهد بزيادة إنتاجها النفطي.
وربما يفيد التذكير بأن تشيني قام بجولة مماثلة، في آذار (مارس) عام 2002، في منطقة الخليج من أجل الهدف نفسه، أي قبل عام من الحرب على العراق، ولم يكن من قبيل الصدفة أن جميع الدول التي زارها شاركت في هذه الحرب، وعملت على ضخّ كميات إضافية من النفط نجحت في تخفيض الأسعار طول فترة الحرب وما بعدها.
مازلنا نعتقد أن احتمالات الحرب الأمريكية ضد إيران مازالت أكبر من احتمالات الاكتفاء بالوسائل الدبلوماسية لتسوية مسألة برنامجها النووي، لأن الأخيرة لم تعط ثمارها حتى الآن، وهناك عدة مؤشرات في هذا الخصوص نوجزها في النقاط التالية:
أولا: تأكيد تشيني بعدم ممارسة أي ضغوط على إسرائيل للإقدام على خطوات تتعارض مع متطلبات أمنها يصب في مصلحة الدور الإسرائيلي المحوري في أي حرب أمريكية قادمة ضد إيران وسوريا وحلفائهما من فصائل المقاومة. فالإدارة الأمريكية باتت في حاجة ماسة إلى إسرائيل، وربما تكون مخلب قطها في استدراج إيران إلى حرب من خلال افتعال معركة مع حزب الله في لبنان. وكانت زيارة شمعون بيريس أبو المفاعل النووي الإسرائيلي إلى فرنسا ولقاؤه مع نيكولاي ساركوزي المحرض الأكبر على ضرب إيران، علامة فارقة في هذا الخصوص، بالنظر إلى التصريحات التي أدلى بها حول الخطر النووي الإيراني على إسرائيل وأوروبا.
ثانيا: بدء حملة تحريض إعلامية أوروبية على إيران، من خلال تضخيم خطر برنامجها النووي على أوروبا، فقد نشرت صحيفة صنداي تايمز البريطانية يوم أمس تقريرا عن وجود وثائق تؤكد أن إيران تصنع رؤوسا نووية لتركيبها على صواريخ (شهاب 3) البعيدة المدى القادرة على الوصول إلى عواصم أوروبية، علاوة على إسرائيل. وهي نفس الصحيفة التي قالت إن صدام حسين على بعد ستة أشهر من إنتاج أسلحة نووية قبل حرب عام 1991 بشهر، وأكدت وجود أسلحة دمار شامل في العراق قبل الغزو الأخير.
ثالثا: الزيارات المكثفة التي تقوم بها شخصيات وقيادات غربية كبرى إلى إسرائيل لإظهار التضامن معها في مواجهة التهديدات الإيرانية، فقبل تشيني زارتها السيدة أنجيلا ميركل رئيسة وزراء ألمانيا التي اعتذرت عن جرائم النازية وبكت تأثرا من بشاعتها، وكذلك فعل جون ماكين المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية، ومن المتوقع أن يزورها الرئيس جورج بوش الابن للمرة الثانية في شهر أيار (مايو) المقبل للمشاركة في احتفالات مرور ستين عاما على قيامها.
رابعا: حالة التضييق التي يتعرض لها بعض أبناء الطائفة الشيعية في بعض الدول الخليجية تحسبا لتحولهم إلى طابور خامس لصالح إيران في حال اندلاع الحرب، ومشاركة دول خليجية فيها، وما حدث في الكويت من التحقيق مع بعض النواب والشخصيات الشيعية البارزة بتهمة المشاركة في تأبين الراحل عماد مغنية هو أحد الأمثلة وربما قمة جبل الثلج في هذا الخصوص.
خامسا: جهود التهدئة التي تقوم بها الحكومة المصرية في قطاع غزة، ومحاولة ترتيب هدنة بين فصائل المقاومة وإسرائيل تؤدي إلى وقف إطلاق الصواريخ على البلدات الإسرائيلية الجنوبية (سديروت وعسقلان) لتنفيس حالة الغليان في الشارع العربي، وتأجيل الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة، الذي يمكن في حال حدوثه أن يفجر هذا الشارع. فجهود التهدئة المصرية هذه جاءت بإيعاز مباشر من السيدة كوندوليزا رايس أثناء زيارتها الأخيرة للمنطقة.
سادسا: الضغوط المتعاظمة التي يتعرض لها الإعلام العربي، وقناة الجزيرة على وجه الخصوص، وإطلاق قنوات غربية ناطقة بالعربية، ووثيقة تنظيم الإعلام العربي والفضائي، خاصة التي اقرها وزراء الإعلام العرب للجم البرامج السياسية، وتجريم بعض الصحف والفضائيات، خطوة أساسية للتحكم بالشارع العربي وتضليله أملا بالسيطرة على ردود فعله في حال اندلاع الحرب.
سابعا: وجود بوارج حربية أمريكية قبالة السواحل اللبنانية، واختراق الطائرات الإسرائيلية الأجواء السورية شمالا، وقصف مواقع قيل إنها لمعامل نووية، فالبوارج الأمريكية هذه مزودة بنظم دفاعية للتصدي لأي صواريخ إيرانية أو من قبل حزب الله ضد إسرائيل. أما اختراق الأجواء السورية فالهدف منه هو اختبار الرادارات والأجهزة الدفاعية السورية في حال استخدام هذا الممر الجوي من قبل الطائرات الإسرائيلية، وربما الأمريكية، لقصف أهداف إيرانية.
ثامنا: تركيا قد تلعب دورا مباشرا في أي هجوم أمريكي على إيران، فهي ضد أي مشروع نووي إيراني، وحليف قوي لواشنطن، فقد صمتت الأخيرة على توغلاتها في شمال العراق الكردي، وزيارة تشيني لها تهدف إلى ترتيب درع أمريكي تركي مضاد للصواريخ.
تشيني هو مهندس كل الحروب الأمريكية، وهو الرئيس الفعلي للولايات المتحدة الأمريكية، وما يؤكد ذلك، ما قاله لي شخصيا زعيم عربي كبير التقيته قبل أربعة أشهر من الغزو الأمريكي للعراق، حيث كان مرحبا بي من قبل بعض العواصم العربية في حينه، وكان عائدا لتوه من واشنطن، قال لي هذا الزعيم إنه بعد لقائه مع الرئيس بوش، وتأكيده أنه مع المشروع الأمريكي في العراق، أوضح له الرئيس الأمريكي أنه سيعرف بالتفاصيل جميعها من تشيني نفسه حول كل ما يتعلق بالأحداث المقبلة ودور كل طرف فيها.
ترى هل وضع تشيني خطط الحرب المقبلة أمام الزعماء الذين التقاهم ووزع الأدوار بعناية فائقة، وما هو رد فعل هذه الدول على خططه هذه، وهل فكرت مليا بما يمكن أن يلحق بها من جراء مجاراة المغامرات الدموية الأمريكية هذه، وهل من قبيل الصدفة إسقاطه مصر من جولته الحالية، ومرور رئيسه بوش مرور الكرام بها، ولثلاث ساعات فقط أثناء جولته الأخيرة قبل شهرين؟
فلو كانت جولته الحالية من أجل السلام فقط، فهل يعقل أن يعفي إسرائيل من أي ضغوط ويبرر مجازرها ضد الفلسطينيين تحت ذريعة الدفاع عن النفس، ويدين الصواريخ البدائية المنطلقة من غزة ولا ينطق بكلمة عن ضحايا الغارات والتوغلات وعمليات التجويع والحصار الإسرائيلية لأهالي الضفة والقطاع؟
فكيف يتحدث تشيني عن دولة فلسطينية مستقلة تأخر قيامها وضرورة تقديم تنازلات مؤلمة من أجل الوصول إليها، بينما يؤكد أن إدارته لن تمارس أي ضغوط على إسرائيل، ويرفض أن يدين الاستيطان، أو حتى يذكره ولو من قبيل المجاملة لمضيفه الفلسطيني؟
إنها جولة حرب، وليست جولة سلام، والعرب هم حتما وقودها وضحاياها، وشهّاد زورها، والخاسر الأكبر من جرائها، بعد أن تحولوا، للأسف، إلى مطيّة لهذه الإدارة الأمريكية، وكل الإدارات السابقة وربما اللاحقة أيضا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.