الصحراء المغربية .. دعم دولي واسع للمقترح المغربي    إسرائيل تمنع وصول سفينة الحرية    النصيري يقترب من الدوري الإنجليزي    منتخب البولو يهزم نظيره الأمريكي    في حالة تخدير وهيجان.. مهاجر غير نظامي يهاجم مقرا أمنيا    التهيئة تستمر بساحة "سور المعكازين"    عيد لصاحبة القبر    وفاة 7 أشخاص في انقلاب دراجة نارية ثلاثية العجلات بقلعة السراغنة    المديرية العامة للأمن الوطني: تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن    في ذكرى السبت الأسود بسيدي إيفني    نفاد تذاكر المباراة الودية بين المغرب والبنين التي ستجري مساء الإثنين بفاس    ما حقيقة اهتمام نهضة بركان بخدمات حكيم زياش؟    زيارة وفد غانا إلى المغرب تثمر عن اتفاقيات استراتيجية تعزز التعاون الثنائي في التعليم والأمن الغذائي والنقل    تحديث جديد في واتساب يغير طريقة استخدام التطبيق    حادث غير مسبوق.. ترامب يرسل الجيش إلى ثاني كبرى مدن البلاد لقمع الاحتجاجات ضد اعتقال المهاجرين    معلومة مفبركة واتهام باطل.. هشام جيراندو يزيف الحقائق ويورط وزير العدل في حادثة وهمية    سلطات أنتويرب تنفذ حملة تفتيش ضد مقاهي تشغّل مهاجرين بدون أوراق قانونية    تشانغشا تستعد لاحتضان الدورة الرابعة من المعرض الصيني-الأفريقي.. تعاون ينبض بالحياة بين القارتين    الصحة العالمية تحذر من ارتفاع إصابات "كوفيد-19" بسبب متحور جديد وتدعو لتشديد الإجراءات الوقائية    الإيطاليون يصوتون في استفتاء يهدف لتسهيل الحصول على الجنسية وتعديل قوانين العمل        اعتقال شخصين في إسبانيا مرتبطين بقيادي في بوليساريو بتهم تتعلق بالإرهاب والتطرف    انسيابية في رمي الجمرات واستعدادات مكثفة لاستقبال المتعجلين في المدينة المنورة    رئيس جماعة الداخلة يشارك في مؤتمر نيس للأمم المتحدة حول المحيطات ويدافع عن النموذج المغربي للحماية البيئية    المغرب ضمن أكبر خمسة اقتصادات إفريقية في 2025    اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية تعقد جمعها العام العادي    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "الربحة"    صادرات المغرب الفلاحية نحو إسبانيا تسجل رقما قياسيا    "واتساب" يختبر ميزة جديدة تمنح مستخدمي "أندرويد" حرية الاختيار    نماذج جديدة للذكاء الاصطناعي تتفوق على أنظمة الطقس التقليدية    السعودية تفعّل مبادرة "إحرام مستدام" في موسم الحج    كولومبيا.. إصابة مرشح رئاسي برصاصتين في الرأس خلال تجمع انتخابي    بعد 114 سنة على تأسيسه.. نادي بريشيا الإيطالي يتجه لإعلان إفلاسه    الصين: اكتشاف أكثر من 100 موقع من العصر الحجري القديم شمال غرب البلاد    نيس تستضيف مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات على خلفية تهديد كائناتها الحية    صحيفة بريطانية: فاس جوهرة خالدة    الصين تخصص حوالي 6,26 مليون دولار لدعم جهود الإغاثة من الكوارث    طقس الأحد: استمرار الأجواء الحارة بعدد من مناطق المملكة    نابولي يواصل مطاردة إلياس بنصغير    كلب مسعور تسلل من الناظور يستنفر سلطات مليلية المحتلة    "الفيفا" تعتزم اعتماد تقنيات مبتكرة جديدة خلال منافسات كأس العالم للأندية    هولندا.. اكتشاف مزرعة سرية وحجز أضاحي في ثاني أيام العيد    شركة طيران إسبانية توفر 10 آلاف مقعد عبر خطوطها نحو المغرب    يوميات حاج (9): بين منى ومكة .. الانعتاق من شهوات سنين الغفلة    أداء "بورصة البيضاء" يواصل التقدم    سجل يا تاريخ !    اليوم العالمي لسلامة الأغذية نحو غذاء آمن وصحة أفضل    قناة إيطالية تشيد بالوثائقي المغربي "إشعاع مملكة" الذي تنتجه شركة "Monafrique Prodcom"    على هامش غياب الكاتب حسونة المصباحي    أطباء مغاربة يحذرون من تزايد حالات الاجتفاف نتيجة ارتفاع درجات الحرارة    محمد حماقي ينضم لنجوم الدورة ال20 لمهرجان موازين    هشام جعيط وقضايا الهوية والحداثة والكونية...    الأدبُ المُعَاصِر هل هو مُتْرَعٌ ببُذُورَ الإحبَاط والسَّوْدَاوِيَّة والإكتئاب؟    الحجاج ينهون رمي الجمرات في أول أيام العيد    الحجاج يبدأون رمي "جمرة العقبة" الكبرى في مشعر منى    يوميات حاج (8): الهدي ورمي الجمرات .. تطهير النفس وتحرير الروح    "يمكن" عمل جديد للفنان زياد جمال – فيديو-    قتل الكلاب والقطط الضالة بالرصاص والتسميم يخضع وزير الداخلية للمساءلة البرلمانية    









بيداغوجية الإدماج وأخلاق الثقافة التربوية...؟؟ الجزء الأول
نشر في المسائية العربية يوم 20 - 07 - 2010

في البدء لا بد من مكاشفة الذات، ومعرفة جوانب قوتها ومكامن ضعفها، واكتشاف قدراتها الحقيقية وإمكاناتها الروحية والفكرية والبشرية والمادية. وإدراك صورة هذه الذات عند بعضنا البعض، ولا بد بعد ذلك من تقديم فهم عقلي لواقعنا المعاصر،
كما يتطلب التقديم الإجابة الواضحة عما يسمى (بأخلاقية الثقافة التربوية) . وتوضيح الرؤى لما يطلق عليه الثقافات التربوية الأخرى ) الوافدة لمجتمعنا المغربي تحت مسميات مختلفة بأخطارها الزئبقية، وما هي حدود هذه الأخطار التي تدق لاستثارتها الطبول؟ وكيف يمكن إعادة صياغة ثقافة تربوية الآخر في إطار من التسامح الثقافي؟
لكل مرحلة مجتمعية هويتها المعبرة عن مكتسباتها ومنجزاتها وممارساتها وأفكارها وعقائدها وقيمها وأعرافها السائدة ولكن ليست ثمة استمرارية لهوية ثابتة جامدة محددة طوال فترات تاريخية، فهذه، رؤية شكلية للهوية يغلب عليها الطبيعة لا التاريخ الذي هر جوهر إنسانية الإنسان. إنما لكل مرحلة جديدة هويتها التي هي تطور متجدد للهوية في المرحلة السابقة، أو انحدار وتدهور لها. إنه التماثل واللا تماثل، الاستمرار والانقطاع، الثابت والمتغير ثقافيا وموضوعيا في جدل التاريخ ولهذا فكل تثبيت إطلاقي للهوية وجعلها معيارا مرجعيا جاهزا ناجزا نهائيا طوال تاريخ مجتمع من المجتمعات هو رؤية تجميدية لا تاريخية وغير موضوعية لهذا المجتمع.وهذا الأمر يقاس على المشهد التربوي في بلادنا. هناك التنوعات والاختلافات في الثقافات وأشكال العمل والحياة والممارسات والعلاقات والأبنية المجتمعية ومستويات المعيشة إلى غير ذلك. ولكن الإنسان ليس مجرد طبيعة تتحرك وتتحقق بشكل آلي أو غريزي شأن النبات والحيوان، بل هو تاريخ مضاف إلى الطبيعة. والتاريخ الإنساني ليس مجرد حركة أو نقلة في الزمان، بل هو سيرورة من الوعي والإرادات والمصالح والثقافات الذاتية والجماعية المتصارعة المتفاعلة المتلاحقة، مع ضرورات الطبيعة الإنسانية والطبيعة الخارجية المادية. ولهذا فإن خصوصية الإنسان الحقيقية ليست خصوصية طبيعية بقدر ما هي خصوصية تجمعية وتاريخية.وهذه الخصوصية تقتضي توفير فضاء تربوي متزن يساعد على الاندماج بكيفية سلسة. في الحقيقة ، لقد تغيرت وتطورت أمور عديدة في حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية عامة، وتحققت قفزة شبه نوعية في حياتنا المعيشية، بل تحققت منجزات مبدعة خاصة في مجالات عدة عند جيراننا في القرية الصغيرة كما يوصف بها عالمنا. ولكنه أزعم أن ما حدث من تغيير وتطوير وتنوير حياتي أو ثقافي تربوي،عندنا كان ولا يزال نخبويا علويا برانيا، أو كان ولا يزاد متناثرا في جزر محاصرة متفرقة، ولم يمس جذور الأبنية العميقة الأساسية لمجتمعنا المغربي. فما زال تخلفنا الاجتماعي قائما، ولا يزال بل يتفاقم تمزقنا السياسي، ولاتزال أميتنا الأبجدية شائعة بين أغلبية سكانه فضلا عن التدني الثقافي السائد إلى جانب أن اقتصادنا لا يزال اقتصادا هشا تابعا يغلب عليه الطابع الريعي والاستهلاكي والبذخي في محيط من الفاقة والتخلف.
إن الوعي يشترط الحس الزماني وإدراك الماضي وتوقع المستقبل.واتصافنا بالأخلاق يجعلنا أكثر واقعية وفعالية لأن القيم الحميدة هي أساس البنيان الرصين الذي يعد من المداخل الأساسية لاحترام الذات والآخر. فعناصر الظاهرة الأخلاقية هي إذن الذات والوعي الأخلاقي، تنظيم المبادئ والقواعد، الآخر والجماعة. حينما تتفاعل هذه العناصر بسبب موقف أخلاقي أو مشكلة أخلاقية، نكون بإزاء "خبرة أخلاقية" يكون طرفاها الذات من جهة والآخر من جهة أخرى، أو الذات وحدها على الأقل في حالة المواقف الأخلاقية التي لا تتعين أمام الآخر، ولكني أمر بها أنا وحدي، وقد يكون ذلك الآخر، أو غيره، طرفا فيها على مستوى تأملاتي أنا وحسب. عند تكرار الخبرات الأخلاقية الفردية، منذ الطفولة، يتكون عند الذات "الخلق"، وهو تكوين أخلاقي أقرب ما يكون إلى الجهاز المنظم الذي يوجد في إطار "الوعي الأخلاقي" ويوجهه في نفس الوقت. أما مجموع الخبرات الأخلاقية فإنه يسمى "الحياة الأخلاقية"، وقد يدل هذا التعبير كذلك على الحياة المعيشة وفقا للمبادئ والقواعد الأخلاقية.و التي تؤثر وتتأثر في الذات والموضوع على حد سواء.في الواقع، في كل موقف هناك على الأقل أربعة عناصر متفاعلة: الذات، والمبادئ والقواعد، والآخر أو الآخرون، ومشكلة صغيرة أو كبيرة تتطلب حكما، وقرارا وتصرفا. والتصرف هو الذي يضع نهاية للموقف، وإن كان قد يخلق موقفا جديدا بسبب ظهور مشكلة مختلفة. إننا في الموقف الأخلاقي مدعوون إلى العمل بالضرورة، وأحيانا ما يكون عدم التصرف هو نفسه تصرفا. ولهذا، أي بسبب الطابع العملي للموقف الأخلاقي، فإننا نكتشف في كل موقف أخلاقي نوضع فيه، وعلى مر السنين، ومهما كان عدد المواقف التي مررنا بها، نكتشف أن علينا أن نعيد حساباتنا من جديد، وأن نحدد اختياراتنا الأخلاقية وأن نعيد ترتيب أولوياتها، وقد نتنازل عن بعضها ونضيف بعضا آخر. كذلك، فإن الموقف الأخلاقي يظهر لنا الفجوة القائمة دائما بين عالم المبادئ والقواعد، وهو عالم نموذجي، وعالم الوقائع، وأحيانا ما يصعب علينا الحكم والقرار والفعل، فنقع عندها في أزمة أخلاقية . فتعريف الأزمة الأخلاقية أنها حالة عدم القدرة على اتخاذ حكم وقرار بحسب المبادئ والقواعد التي كنت ارتضيتها لتوجيه وعيي الأخلاقي ولتوجيه سلوكي.
على مر الخبرات الأخلاقية، وبفعل التربية وبفعل التوجيه الذاتي، يتكون لكل منا خلق سوف يتميز به، ويسمح للآخرين أن يتنبأوا إلى درجة معقولة بالسلوك الذي يمكن أن يصدر منه في حالة متخيلة أو واقعية. إن الخلق هو التكوين الأخلاقي الوجداني الذي يعمل كجهاز لإدارة عملية الشعور الأخلاقي بصفة عامة، وعملية التأمل الأخلاقي في حالة المواقف المتعينة بصفة خاصة. ولا أتردد في أن أقول بصراحة موضوعية، إنه ما يثار سؤال أزمة التربية في مجتمعنا، إلا حين تكتفي التربية في أزمة مجتمعية كاملة، فحيث لا تكون هناك أزمة لا يثار سؤال التربية. إن سؤال التربية يكون دائما سؤالا مشروعا وصحيا، لا عندما يكون السؤال: ماذا.. ما هي التربية ؟! بل عندما يكون: كيف تكون هذه التربية ، وعندما لا يكون مجرد سؤال بل يكون إجابة تتحقق وتتنامى بالعمل والاجتهاد والإبداع في مختلف المجالات. على أن سؤال التربية مع ذلك في حياتنا المعاصرة هو سؤال مشروع تماما، وبالضرورة أن يكون كذلك في هذه المرحلة من تاريخ مجتمعنا المغربي.
وما أكثر مع الأسف من يكتفون بالغناء "بالعام زين"، وما أكثر مع الأسف من يحاولون علاج جراح الحاضر بوصفات جاهزة من الماضي السياسي البعيد. إن التربية التي نريدها حقا واعتقد أنها موجود بيننا كذلك وإن تكن محاصرة إلى حد كبير ليست التربية الوافدة فحسب من الخارج، أو التي تتنكر للتراث بل التربية هي المتجدرة في القيم والأخلاق، المنفتحة على التربيات الأخريات. المشجعة على الحرية والتحرر، المؤمنة بالإبداع والتجديد...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.