مشروع قانون مالية 2026.. 60% من الاستثمارات للمناطق القروية والجبلية وبرامج اجتماعية لتعزيز العدالة المجالية    انقلاب سيارة يخلف 11 مصابا قرب جرسيف    زوما يدافع عن زيارته للمغرب: العلم الجنوب أفريقي ملك للشعب وليس للحكومة    فرنسا تندد ب"شدة" بخطة الحكومة الإسرائيلية لاحتلال غزة بالكامل    أسود البطولة يرفعون التحدي قبل مواجهة كينيا    أوغندا تكتسح غينيا بثلاثية في "الشان"    قانون مالية 2026.. مواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية والحفاظ على التوازنات المالية    شيخ الطريقة القادرية البودشيشية في ذمة الله    تداولات بورصة البيضاء تنتهي بالأخضر    واشنطن توضح سياسة "رسوم الذهب"    الحضري: بونو يستحق الأفضل في العالم    موجة حر مع درجات حرارة تصل الى 48 بعدد من مناطق المغرب    وقفات مغربية تواصل مناصرة غزة    "أولمبياد تيفيناغ" .. احتفاء بالهوية عبر منافسات تربوية في الحرف واللغة    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    المغرب يحتفي بأبنائه في المهجر ببرامج صيفية تعزز الانتماء للوطن وتواكب ورش الرقمنة (صور)    المعرض الوطني للطوابع والمسكوكات يتوج نسخته الثانية في مدينة خنيفرة بندوة علمية حول تاريخ النقود والبريد    عيطة الحال ... صرخة فنية من قلب البرنوصي ضد الاستبداد والعبث    الرباط تحتضن النسخة الأولى من «سهرة الجالية» بمناسبة اليوم الوطني للمهاجر    قادة دول ورجال أعمال يلتمسون ود ترامب بالذهب والهدايا والمديح    ارتفاع صاروخي في صادرات الطماطم المغربية نحو إسبانيا بنسبة 40%    الشرطة توقف طبيبا متلبسا بتلقي رشوة 3000 درهم مقابل تسريع خبرة طبية    موجة حر تصل إلى 48 درجة وزخات رعدية مرتقبة في عدد من مناطق المملكة    قتيل ومصاب في انهيار بمنجم إميضر    رحيل الفنان المصري سيد صادق عن عمر 80 عاما في وفاة مفاجئة    الجمارك المغربية تجدد إجراءات الرقابة على المعدات العسكرية والأمنية    بطولة إسبانيا.. مهاجم برشلونة ليفاندوفسكي يتعرض للإصابة    مدافع برشلونة إينيغو مارتينيز في طريقه إلى النصر السعودي    المغرب في قائمة الوجهات الأكثر تفضيلا لدى الإسبان في 2025    بلدية إسبانية تتخذ قرارا مثيرا للجدل بحق المسلمين    بطولة أمم إفريقيا للمحليين.. بوابة اللاعبين المحليين صوب العالمية    مقاييس الأمطار المسجَّلة بطنجة ومناطق أخرى خلال ال24 ساعة الماضية    وفاة الفنان المصري سيد صادق    المغرب يصدّر أول شحنة من القنب الهندي الطبي نحو أستراليا        قتيل بضربة اسرائيلية على جنوب لبنان    لطيفة رأفت تعلق على "إلغاء حفلين"    النجم الحساني سعيد الشرادي يغرد بمغربية الصحراء في مهرجان "راب افريكا"    السلطات تحجز بالفنيدق طنا من البطاطس مجهولة المصدر وغير صالحة للاستهلاك    العربيّ المسّاري فى ذكرىَ رحيله العاشرة    واشنطن تعلن عن جائزة 50 مليون دولار مقابل معلومات للقبض على الرئيس الفنزويلي    سان جرمان يتوصل الى اتفاق مع ليل لضم حارسه لوكا شوفالييه    مدرب الرجاء يمنح فرصة لأبريغوف    "أوبن إيه آي" تقوي الذكاء الاصطناعي التوليدي    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    مسؤول أممي يرفض "احتلال غزة"    المغرب على رادار البنتاغون... قرار أمريكي قد يغيّر خريطة الأمن في إفريقيا    أطروحات يوليوز    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    عمليتا توظيف مالي لفائض الخزينة    المغرب يواجه ضغوطا لتعقيم الكلاب الضالة بدل قتلها    تسجيل 4 وفيات بداء السعار في المغرب خلال أشهر قليلة    "دراسة": تعرض الأطفال طويلا للشاشات يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب    من هم الأكثر عرضة للنقص في "فيتامين B"؟        الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدخل لدراسة المذهب المالكي.. (47)
نشر في ميثاق الرابطة يوم 17 - 04 - 2015


[قول الصحابي]
2. تقييد المطلق بقول الصحابي
نجد الإمام مالك يقيد المطلق بقول الصحابي، وقد نص على ذلك الإمام الشاطبي في الموافقات بقوله: "فعادة مالك بن أنس –في موطئه وغيره– الإتيان بالآثار عن الصحابة مبينا بها السنن، وما يعمل به منها وما لا يعمل به، وما يقيد به مطلقاتها، وهو دأبه ومذهبه"[1].
ومثاله: ما أخرجه الإمام مالك –رحمه الله– في موطئه، حيث جمع مجموعة من الأحاديث والآثار تدلّ على مشروعية الجمع بين الصلاتين في السفر والحضر، وبوَّب لها بقوله: "باب الجمع بين الصلاتين في السفر والحضر"[2]، أما في السفر فالأمر واضح، وأما فيما يخصّ الجمع في الحضر فقد ذكر حديثا مرفوعا عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا، في غير خوف ولا سفر"[3]؛ فهذا الحديث يدل على جواز الجمع في الحضر مطلقا مع نفي أسبابه وهي: الخوف، والسفر ودلالته جاءت على خلاف الأصل في مراعاة مواقيت الصلاة والمحافظة عليها؛ لكنَّ الإمام مالك –رحمه الله- قيّد مطلق الجمع المذكور بأثر أورده بعد هذا الحديث عن ابن عمر رضي الله عنه؛ فعن نافع: "أن عبد الله بن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر جمع معهم"[4]؛ وبيَّن مذهبه في المسألة بتعقيبه على الحديث مباشرة بقوله: "أرى أنّ ذلك كان في المطر"[5]؛ أي أن الجمع في الحضر الذي دل عليه لفظ الحديث يجوز للحاجة والسبب كالمطر[6] لا مطلقا، واعتمد مالك في هذا التقييد على فعل صحابي جليل هو عبد الله ابن عمر، فابن عمر أقرَّ الأمراء وعمل بعملهم ولم يخالفهم؛ والجمع المذكور في هذا الأثر ليس فيه أنه كان في سفر؛ أي أنه في الحضر بقاء على الأصل، وعلّل الجمع فيه بالمطر، أي أنّ مطلق الجمع بين الصلاتين يجوز في السفر والحضر، غير أنّه قيد بفعل صحابي أنه في الحضر لا يجوز إلاّ بسبب كالمطر.
3. بيان المجمل بقول الصحابي
فالإمام مالك -رحمه الله- يعتمد على آثار الصحابة والتابعين في تفسير الألفاظ اللغوية وتحديد الأمكنة التي تتعلق بها الأحكام الشرعية؛ وقد علق الإمام الشاطبي على بيان الصحابة وضرورة الاحتكام إليه في تفسير مراد الشارع لانفرادهم بخصائص لم تتوافر لغيرهم بقوله: "لا يقال إنّ هذا لمذهب راجع إلى تقليد الصحابي، وقد عرفت ما فيه من النزاع والخلاف، لأنَّا نقول: نعم؛ هو تقليد، ولكنه راجع إلى ما لا يمكن الاجتهاد فيه على وجهه إلا لهم، كما تقدم من أنهم عرب، وفرق بين من هو عربي الأصل والنحلة، وبين من تعرب… فإذا جاء في القرآن أو في السنة من بيانهم ما هو موضوع موضع التفسير، بحيث لو فرضنا عدمه لم يمكن تنزيل النص عليه على وجهه، انحتم الحكم بإعمال ذلك البيان لما ذُكِر ولما جاء في السنة من اتباعهم والجريان على سَنَنهم"[7]. فاللسان العربي المبين الذي يملكه الصحابة وتَمَيُّزِهم بإتقان اللغة العربية سليقة وشهودهم التنزيل كل تلك الظروف جعلتهم قادرين على فهم السنة النبوية خير فهم، وتفسيرها لنا على الوجه الصحيح، وكذا إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لهم على تلك المعاني التي فهموها، وإقرار بعضهم لبعض فقد كانوا علماء بالشريعة فقهاء فيها؛ يقول الإمام الشاطبي أيضا: "يجب على كل ناظر في الدليل الشرعي مراعاة ما فهم منه الأولون، وما كانوا عليه في العمل به، فهو أحرى بالصواب، وأقوم في العلم والعمل"[8]. ومن أمثلة هذا الفهم والبيان ما يلي:
والمثال الثاني: ما أخرجه الإمام مالك تحت باب: ما جاء في تعجيل الفطر، عن سهل ابن سعد الساعدي: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر"[9]، وعن سعيد بن المسيب مرسل مثله[10]؛ فالتعجيل المذكور في هذين الحديثين لفظ مجمل: يحتمل أن يقصد به إيقاع الفطر قبل الصلاة، ويحتمل أن يقصد به إيقاعه بعد الصلاة؛ ثم أردف هذين الحديثين بأثر عن الصحابة رضي الله عنهم يبيَّن التعجيل الوارد في الحديث: "فعن حميد بن عبد الرحمن: أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان: كانا يصليان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود قبل أن يفطرا، ثم يفطران بعد الصلاة، وذلك في رمضان"[11]. فالإمام مالك فسّر إجمال التعجيل الوارد في الحديث بالأثر الذي أورده في الباب فهو يرى أن التعجيل المطلوب في الحديث هو أن يفطر بعد الصلاة، واعتمد في هذا البيان على فعل كبار الصحابة رضوان الله عليهم، حيث كان عمر وعثمان رضي الله عنهما يصليان المغرب قبل أن يفطرا، ثم يفطران بعد الصلاة، بيانا أن هذا التعجيل لا يلزم أن يكون قبل الصلاة، بل إذا كان بعد الصلاة فهو تعجيل أيضا[12]. فهذا مثال واضح يدل أن مالكا يعتمد الآثار في بيان المجمل الوارد في الحديث، ويزيد الأمر وضوحا كون الأثر والأحاديث مردفة في الباب نفسه.
أما شرح غريب الحديث: فقد أخرج مالك أثرين عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأول في معنى الدلوك: "عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان يقول: "دلوك الشمس ميلها"[13]. والثاني في دلوك الشمس أيضا ومعه غسق الليل: "أن عبد الله ابن عباس كان يقول: دلوك الشمس: إذا فاء الفيء؛ وغسق الليل: اجتماع الليل وظلمته"[14].
يتبع في العدد المقبل..
———————————–
1. الموافقات، 3/339.
2. الموطأ، ص: 92.
3. رواه مالك في، قصر الصلاة في السفر، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر، رقم: 336.
4. المصدر السابق نفسه.
5. الموطأ، ص: 93.
6. تنبيه، نصّ بعض العلماء على أنّه لا يتخذ عادة.
7. الموافقات، 03/ 340.
8. المصدر السابق، 03/ 77.
9. رواه مالك في كتاب الصيام، باب ما جاء في تعجيل الفطر رقم: 649.
10. رواه مالك في الموضع السابق.
11. رواه مالك في الموضع السابق.
12. انظر المنتقى شرح الموطأ لأبي الوليد الباجي، 02/ 42، والموافقات: (03/ 338-339).
13. رواه مالك في الوقوت، باب ما جاء في دلك الشمس وغسق الليل، رقم: 19.
14. رواه مالك في الموضع السابق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.