بالأمس كانت الأراضي يانعة ، والبساتين مزهرة ، عندما كانت الطفولة تجري فوقها بكل أريحية وحرية ، تتسابق وأفول القمر ، لتقطف تينا وزيتونا ، وتضعه في سلة من قصب ، والطبيعة ترقص بسعادة وخيلاء0 واليوم ما عاد الغدير يترنم ، وما عادت البلابل تصفر ، هاجرت بعد أن شهدت الجريمة 0 جريمة في حق الطفولة ( زواج قسري ، أعراف مدبلجة ، فتاة بعمر الزهور ، تنزف ألما وشجون ، ترتعد فرائصها لأنها ستشيب قبل الأوان 000) صحيح أننا في زمن السرعة ، لكن أي سرعة تلك ؟ التي تجيز قراءة الفاتحة ، وتحديد المهر ويوم الزفاف ، دون إشعار ، دون الإستشارة مع العروس ( الطفلة الصغيرة ) ، التي كانت بالأمس ترعى الغنم ، وتساعد أمها المهشمة في أعباء البيت ، وإطعام الدواجن ، حاملة بين ذراعيها الهزيلتين ، دمية قش وقطعة سكر مهترئة ،لا أظنها ستوافق على ولوج عش الزوجية ، وهي لازالت تلعب كلما رأت طفلا ، فكيف نزوجها غصبا ؟ أيحق غصب براءة لم تكد تتم 8 سنوات ؟ للأسف ، هاهم قد تأهبوا لتهجيرالأسيرة ، والإنتقال بها من عالم الطفولة إلى عالم الكبار ، مبررين موقفهم بأنهم يخافون عليها من واقع الفقر المدقع والعيشة المريرة ، يطمحون أن تأمن قطعة خبز دون عناء ،مع زوج يكبرها ب42 سنة يصون عفتها؛ ويحفظ كرامتها0 ياسادة !! كرامة الإنسان ليست في الأكل والشرب واللباس فقط ، كرامتها أنه عندما تستيقظ مع إشراقة شمس الصباح ، تجد يدا حانية تمسح على جبينها ، أبا راعيا لها ، وأما حنونة ، عطوفة عليها ، بيتا مبتسما قنوعا ولو بالقليل ، لا أسرة من نار ، عاقلها جاهلها ، وصغيرها كبيرها ، وما تجمعها غريزة حيوانية ، تكشر أنيابها ويسيل لعابها على جسم صغير0 8 سنوات ليست سنا للزواج ، ولا سنا للإنجاب ، ولا سنا للمسؤولية 0 8سنوات هي سن الإنطلاق في رحاب الحياة ، عمر الزهور ، لعب ولهو ، وتعلم للمبادئ والأخلاق0 للأسف مازال مسلسل إجبارالفتيات الصغيرات على الزواج ، في الدواوير والقرى النائية ، قهرا وعدوانا ، ولا زالت الطابوهات التي تكرسها العقلية الذكورية ، تنخر أحلام الملايين من الفتيات0 8 سنوات لا ترى في ذلك الزوج ، الذي يكبرها ب 42 سنة سوى أب حنون ، أو عم وشيخ وقور، بكل براءة وعفوية، بينما الواقع شيء آخر ، ذلك أن الزوج المصون 50 سنة ، لا يرى في تلك البرعمة الخضراء ، التي مافتئت تتلعثم في نطق الحروف الأبجدية ، سوى امرأة تتمتع بقدر من الأنوثة والجمال ، تضاريس وهضاب وتلال ، وما إلى ذلك من مقومات الأنوثة المزركشة0 كل وعالمه ، وكل وجيله ، بقدرما يترأى لنا أنهما قريبان كالحبل الوريد ، وتربطهما عقدة شرعية ، بقدرما يفصح الزمان والمكان ، عن الحقيقة الصماء ، تباعد جيلهما ونسق أفكارهما ، صراع بين جيل قديم ، وجيل جديد0 هاهم قد زينوا العروس ( الطفلة الصغيرة ) ، وألبسوها الأساور الفضية ، وقطعة قماش حريرية ، توارثوها جيلا عن جيل 0000 بدأت المناوشات بجرعة نفسية ، تقحمها في قالب الحقيقة الهوجاء ، رددوا قائلين لها : اليوم دخلت قفص الزوجية ، وستصبحين فيما بعد أما ، فهنيئا لك0 انتشل الزوج المحترم ( 50 سنة ) ، زوجته المصونة (8 سنوات ) ،من سجن الحياة ، إلى سجن الموت ، دخل بها الغرفة المظلمة ، إلا من شمعة صغيرة ، تكاد تذوب من فرط استعمالها 0 وبين الإباء والمقاومة ، انقض عليها بوحشية ذكورية ، والطفلة الميؤوسة تصرخ بأعلى صوتها ، وقد صفعها بيدين ضخمتين ، تجاوزتا الحدود الحمراء ، لتفرزا زفيرا وتأوها ، اهتزت له جدران البيت البالي ( زواج قسري 00 إجبار على الخنوع 00 وزايدها بالعنف والإضطهاد !!!) 0 قمة الإنحطاط والهلوسة ، ولم تقف الطراجيديا عند هذا الحد من القسوة ، بل تعدتها لتبرز قوله لها : كوني كما أريدك ، خضراء يانعة ، طوع إرادتي وعلى سجيتي ، هواك يوافق هواي0 كيف ستكون مع مريض مهزوم ؟؟؟ وهي طفلة لا تعرف معنى الزواج أو معنى الحب ، كل ماتعرفه عن الحب : هو حب الله ، وحب والديها ، أما الباقي فمبهم بالنسبة إليها. هي لا تعرف ، مخيلتها لا تستوعب سوى خم الدجاج التي تزوره كل صباح ، وقطيع الأغنام الذي تصحبه إلى المرعى ، وبئر الدوار الذي تسقي منه الماء ، بقلة الطين البدوية ، هي أصلا لم تصل سن البلوغ ، كل ماتعرفه أنها طفلة لا غير. لقد كان الحل بالنسبة إليها ، هو الهروب من المجتمع ، وقد دفعت ثمن العادات والتقاليد ، عندما هربت من الزواج بالإكراه ، من رجل يكبرها سنا ، في عمر أبيها أو جدها ، وسقطت من مستنقع إلى آخر ، فتناشلتها كلاب الشوارع الضالة ، التي يسيل لعابها للإنقضاض على الفريسة بأي ثمن 0 أي كرامة لهاته الطفلة !!، وقد أضحت خزانا للموروث الهدام ، ولمفاهيم السلطة الأبوية الذكورية ، أو حارسة لها ، تنقلها جيلا بعد جيل ، من إبنة إلى حفيدة ، وهكذا الدائرة تدور0 هاقد أضحت تكابد مشقة الأمرين : ماض يؤرخ للعذاب وما لحقها من ذل وانتكاسة ، وحاضر أسود ، يحمل في طياته ملامح الإنهزام والإنكسار ، فيعيقها عن ممارسة دورها في تغييره ، فتبقى سجينة اللحظة التاريخية المتأزمة ، والتي وضعوها فيها دون خيار0 من يدافع عن الزواج الإجباري للطفلات دونما سن البلوغ ، أكيد سيرجع إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويبرر بأنه تزوج أمنا عائشة ، وهي صغيرة في السن0 لكن يا أصحاب العقول الفهيمة ، أمنا عائشة تزوجت الرسول ، صلى الله عليه وسلم ،برضاها ، وقد عاملها برفق وحب وحنان ، لاعبها وداعبها ، لأنها ببساطة طفلة ، من حقها اللعب وصقل طاقتها 0 لقد علمها كيف تحبه ؟ وكيف تطيعه ، بلين وحكمة وموعظة حسنة ، إشفاقا على كينونتها ومشاعرها 0ثم إنه استثناء انفرد به رسولنا الكريم ، عليه أفضل الصلوات ، ومن يدعي وجوب اتباع سنته ( مابان ليكم غي الزواج بالطفلات الصغيرات ؟؟؟ ) باقي الخير والبركة في السنة النبوية الشريفة ؛ فبحق الإله، هل نقارنه مع اللذين استغلوا الطفولة ، ورموها في زبالة المجتمع ،بعد أن سرقوا جوهرتها الثمينة ، وورطوها بطفولة أخرى ، تستنجد من واقع مستميت0 كفانا أنها طفلة ، حرمت من اللعب ، والدراسة ، لتحمل رزم حطب شائكة ، على ظهرها المقوس كل يوم ، وقد تورمت قدماها ، وجفت يداها ، فقط كي توقد شمعة أمل ، في بيت والديها0 أيها الآباء المحترمون ، أعرف أنكم تبذلون قصارى جهدكم، لتأمين الحياة الكريمة لأبنائكم وبناتكم ، لكن لا تزيدوها بؤسا على بؤسها ، وحزنا على حزنها ، وشقاء ا على شقائها ،( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ). خلاصة القول : لن أحلل ولن أحرم زواج الفتيات القاصرات ، أو الطفلات دون سن البلوغ 0 لكن سأقول بكل بساطة : زوجوهن ، إن أردن الزواج ، إن أردن الستر والعفاف ، إن ارتضين ذلك ، فالزواج أغض للبصر وأحصن للفرج0 لكن ! لا ترغموهن على شيء تكرهنه ، لا تجبروهن على النكاح خشية إملاق ، فالله يرزق من يشاء بغير حساب0