بركة: انقطاعات مياه الشرب محدودة .. وعملية التحلية غير مضرة بالصحة    الملك محمد السادس يؤكد للأمير تميم تضامن المغرب مع قطر    بنعلي: الحكومة تشتغل على تطوير البنيات التحتية للسيادة الطاقية المغربية    تداولات بورصة البيضاء تنتهي بالأحمر    إيران ترد بقوة على اغتيال عالمها النووي    بين الآلي والإنساني .. "إيسيسكو" تناقش الجامعة في زمن الذكاء الاصطناعي    "إعلان ترامب" يسكت إسرائيل وإيران    ارتفاع الحرارة يثير مخاوف كيبيك    الهلال السعودي يتواصل مع النصيري    الأهلي يتعادل ويغادر مونديال الأندية    الدرك يقتحم "فيلا الماحيا" في الجديدة    إيران وإسرائيل تطويان صفحة الحرب!    عاجل.. ترامب يعلن الاتفاق على وقف كامل وشامل لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران    ترامب: إسرائيل وإيران وافقتا على "وقف تام لإطلاق النار"    أشرف حكيمي يتألق ويقود باريس سان جيرمان لثمن نهائي كأس العالم للأندية بتتويج فردي مستحق    مفتش شرطة يشهر سلاحه لتوقيف شقيقين في حالة سكر هددا الأمن والمواطنين    شقيق مروان المقدم يدخل في اعتصام وإضراب جديد عن الطعام أمام بوابة ميناء الحسيمة    الحسيمة تترقب زيارة ملكية خلال الأيام المقبلة    جمعية تطالب بمنع دخول السيارات والدراجات إلى الشواطئ بعد حادث الطفلة غيثة        أوروبا الغربية تستقبل موسم الصيف بموجة حرّ مبكرة وجفاف غير مسبوق    تعليق مؤقت لحركة الملاحة الجوية في البحرين والكويت كإجراء احترازي في ظل تطورات الأوضاع الإقليمية    نظام أساسي جديد لموظفي الجماعات الترابية    فرنسا تجدد التأكيد على أن حاضر ومستقبل الصحراء "يندرجان بشكل كامل في إطار السيادة المغربية"    مصرع سائق دراجة ناريةفي حادث اصطدام عنيف بضواحي باب برد    الذهب يرتفع وسط الإقبال على أصول الملاذ الآمن مع ترقب رد إيران    27% من القضاة نساء.. لكن تمثيلهن في المناصب القيادية بالمحاكم لا يتجاوز 10%    حموشي: المديرية العامة للأمن الوطني تولي أهمية خاصة لدعم مساعي مجابهة الجرائم الماسة بالثروة الغابوية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    بوريطة يستقبل وزير الشؤون الخارجية القمري حاملا رسالة من الرئيس أزالي أسوماني إلى الملك محمد السادس    توقيع اتفاقية شراكة إطار بين وزارة الشباب والثقافة والتواصل والوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات لتعزيز الإدماج السوسيو اقتصادي للشباب    دعاية هزيلة.. بعد انكشاف مقتل ضباط جزائريين في طهران.. نظام العسكر يُروج وثيقة مزورة تزعم مقتل مغاربة في إسرائيل    ياسين بونو يتوج بجائزة رجل المباراة أمام سالزبورج    بنعلي: لن نتوفر على دينامية في البحث العلمي في الطاقات المتجددة بدون تمويل مستدام        كأس العالم للأندية.. "الفيفا" يحتفل بمشجعة مغربية باعتبارها المتفرج رقم مليون    إشكالية التراث عند محمد عابد الجابري بين الثقافي والابستيمي    بسمة بوسيل تُطلق ألبوم "الحلم": بداية جديدة بعد 12 سنة من الغياب    صديق المغرب رئيس سيراليون على رأس المجموعة الاقتصادية لغرب افريقيا ( CEDEAO)    الشعباني: "نهائي كأس العرش ضد أولمبيك آسفي سيكون ممتعا.. وهدفنا التتويج باللقب"    مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج تنظم المعرض الفوتوغرافي "أتيت من نظرة تَعْبُرُ" للفنان المصور مصطفى البصري    نقابيو "سامير" يعودون للاحتجاج على الموقف السلبي للحكومة وضياع الحقوق    "تالويكاند" في دورته الرابعة.. تظاهرة فنيّة تحتفي بتراث أكادير وذاكرتها    رأي اللّغة الصّامتة – إدوارد هارت    وسط ارتباك تنظيمي.. نانسي عجرم تتجاهل العلم الوطني في سهرة موازين    هذه تدابير مفيدة لتبريد المنزل بفعالية في الصيف    موازين 2025.. الفنانة اللبنانية نانسي عجرم تمتع جمهورها بسهرة متميزة على منصة النهضة    موازين 2025 .. الجمهور يستمتع بموسيقى السول في حفل المغني مايكل كيوانواكا    كأس العالم للأندية 2025.. ريال مدريد يتغلب على باتشوكا المكسيكي (3-1)    موجة الحر في المغرب تثير تحذيرات طبية من التعرض لمضاعفات خطيرة    دراسة تكشف وجود علاقة بين التعرض للضوء الاصطناعي ليلا والاكتئاب    وفاة سائحة أجنبية تعيد جدل الكلاب الضالة والسعار إلى الواجهة    ضمنها الرياضة.. هذه أسرار الحصول على نوم جيد ليلا    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شموع تحترق
نشر في اليوم 24 يوم 03 - 07 - 2019

بمجرد ما تخرجت من المعهد العالي للمسرح، في نهاية التسعينيات، أسست رفقة زميل الدفعة عبدالصمد مفتاح الخير وبعض الأصدقاء الشعراء جمعية سميناها، بغير قليل من الخفة، «جماعة الأكروبول». لم تكن «الجماعة» إرهابية، بل تعنى بالشعر والمسرح والعلاقة بينهما، وأعتقد أن الصديق الشاعر حسن الوزاني، هو الذي عثر على الاسم، ليس حبا في الثقافة الإغريقية، بل تيمنا بشاعر عراقي يعيش في سان فرانسيسكو، اسمه سركون بولص، وبديوانه الذي يحمل عنوان: «الحياة قرب الأكروبول»، والذي شكل إنجيلا لكثير من الشعراء الشباب في عقد التسعينيات.
الحياة قرب الأكروبول المغربي لم تكن تخلو من مشاكل. بعدما نظمنا أمسية شعرية جميلة في مسرح محمد الخامس، قدمتها الصديقة لطيفة أحرار وشارك فيها محمود ميگري بقيثارته الذهبية، اختلفنا فيما بيننا كما يحدث في كل الجمعيات. انسحب الشعراء وبقي المسرحيون، فحولناها إلى فرقة تحمل ذلك الاسم الغريب: «مسرح الأكروبول».
كانت وزارة الثقافة أطلقت لأول مرة برنامج «الدعم المسرحي»، وكان «مسرح الأكروبول» على قائمة الفرق التي حصلت على الدعم، بعدما تقدمنا بمشروع عرض مسرحي مستلهم من قصائد شعرية. كان الحسن الثاني على قيد الحياة والمغرب بالأبيض والأسود، والمسرح هو الطيب الصديقي والطيب لعلج ونبيل لحلو وثريا جبران وعبدالقادر البدوي وعبدالحق الزروالي… بالإضافة إلى عدد من الشباب الصاعدين، الذين تخرجوا من المعهد العالي للمسرح أو من ورشات المرحوم عباس إبراهيم في مسرح محمد الخامس. لا أعرف من أين أتتنا الفكرة، لكننا قررنا أن نجعل من مشروعنا «جسرا بين القصيدة والمسرح» و»قنطرة بين أجيال مختلفة من الشعراء المغاربة»، رغم أننا تخرجنا من «ليزاداك»، وليس من مدرسة «الطرق والقناطر»!
النص كان عبارة عن توليفة من القصائد لمجموعة من الشعراء الراحلين: محمد الخمار الكنوني وأحمد المجاطي وعبدالله راجع ومحمد خير الدين وكمال الزبدي وأحمد بركات… ودائما، في إطار ولعنا بالطرق والقناطر، قررنا أن نربط بين جيلين من المسرحيين، وفتشنا عن أحد الممثلين المخضرمين كي يلعب معنا. لا أعرف كيف وقع اختيارنا على الحاجة فاطمة الركراكي، لكنني أتذكر أنها كانت في أوج العطاء، في التلفزيون والمسرح، وعندما طلبنا منها الانضمام إلى المشروع، تحمست وقالت بلا تردد: أنتم أولادي، وهؤلاء الشعراء – رحمهم الله – أحبائي، أعرفهم واحدا واحدا، وأصبحت تصل قبلنا جميعا للتداريب!
التداريب كانت تجري بين دار ماراسا، مقر «الاتحاد العام للشغالين» وقتها، وملحقة «اتحاد كتاب المغرب» بالاوداية، التي كانت تؤوي فصول المعهد العالي للمسرح، قبل أن تقرر السلطات هدمها ومعها ذكريات أجيال من الفنانين، الذين قضوا أجمل سنوات العمر بين حيطانها. كانت فاطمة الركراكي راقية في علاقتها مع بقية الفرقة، التي تتكون في معظمها من شباب نزقين، تخرجوا للتو من المعهد. رغم تاريخها الحافل، وشهرتها الكبيرة، كانت تتصرف بكثير من التواضع. تأتي دائما في الوقت وتنخرط بمنتهى الجدية في التداريب وتحفظ نصها عن ظهر قلب، وفوق ذلك تتعامل معنا مثل أبنائها.
عندما قدمنا العرض الأول في مسرح محمد الخامس، حصدنا تصفيقات حارة ومقالات متحمسة ودعوات لتقديم المسرحية في مدن مختلفة. لن أنسى يوم ذهبنا إلى آسفي كي نقدم العرض في أحد المهرجانات. حين وصلنا لم نجد غرفا في الفندق الذي كان يفترض أن نقيم فيه، وكنا نستعد للذهاب إلى نزل آخر، حين جاء صاحب الفندق المليء بالزبائن كي يأخذ صورة مع الركراكي، ثم اقترح عليها أن تبقى في فندقه وأنه سيتصرف كي يعثر لها على غرفة تليق بمقامها، فردت عليه مبتسمة: «شكرًا آسيدي، ولكن ما يمكنش نبقى هنا ونخلي وليداتي»… مشيرة إلينا. كنا فعلا أولادها. كانت أمًّا مثالية، وفنانة راقية!
مثل كل أفراد جيلها الذهبي، كانت تسمي المسرحية ب»الرواية». وكم كنا نضحك من حكاياتها عن بدايات المسرح المغربي، عن قفشات الطيب الصديقي واحتيالاته، ومغامرات ثريا جبران مع الرقص، وعن لقاءاتهم المستمرة مع الحسن الثاني، الذي كان يتدخل أحيانا في إخراج المسرحيات…
مرت السنين، ونفضت يدي من المسرح، وانقطعت عني أخبارها، مثل كثيرين. إلى أن رأيت صورها مؤخرا على أحد المواقع الصفراء في حالة مزرية. بالكاد تعرفت عليها. تحالف عليها المرض والإهمال، وتحولت إلى شبح. غالبت دموعي ولعنت من تجرّأ على تصويرها في تلك الوضعية. الفنان مثل كل الناس يمرض ويهرم ويموت، ومثلهم له كرامته وحرمته التي لا يجوز انتهاكها. اللعنة على من يتاجر في مآسي المرضى والمعدمين!
الفنان يصنع سعادة الآخرين. لكي نسدد له بعض الديْن، يجدر بنا ألا نتذكر إلا وجهه المضيء. بقية الوجوه تنتمي إلى الحياة الحميمية والخاصة. الركراكي أضاءت ليالي المسرح الطويلة لمدة عقود. لعبت الأدوار الرئيسية في أشهر وأنجح المسرحيات المغربية والعالمية، في زمن كان وجود النساء على الخشبة، في حد ذاته، إنجازا عظيما. واشتهرت بتواضعها وجمالها وقربها من كل الأجيال. هذه الصورة التي ينبغي أن نتذكرها اليوم، وأن ندعو لها بالشفاء ونساعدها ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. أما التشهير وانتهاك الكرامة، فمن شيم الحقراء!
المبادرة التي يقوم بها هذا الأسبوع عدد من الفنانين، على رأسهم محمد الغاوي، تحت شعار: «ليلة الوفاء»، لمساندة زميلتهم في محنتها، تستحق التنويه. الفنانون هم من يصنع الفرحة والجمال والمثل العليا. ينبغي أن يكونوا جسدا واحدا، إذا اشتكي فيه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى. الظروف التي تمر بها الحاجة فاطمة الركراكي يمكن أن نمر منها نحن جميعا. الفنان المغربي يُمتع جمهوره لسنوات وعقود، وحين يسقط مريضا تتحول الملهاة إلى مأساة. من العيب ألا يتذكره أحد، ومن العار أن ننشر صوره في وضعية مهينة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.