شكلت الأخبار المتعلقة بطلب وزارة الداخلية لرأي الأحزاب السياسية بخصوص مسألة إجبار الناخبين المغاربة علىالتصويت، مادة لإعادة طرح الجدل المرتبط بنسب مشاركة المواطنين في الانتخابات، وأيضا مناسبة لإلقاء الضوء علىالمرحلة السياسية هذه، وقد بدأت في أكتوبر 2016، وما أفرزته من أعطاب، أدت إلى ظهور هذه الفكرة مجددالتفادي أي سيناريوهات مظلمة بعد سنتين. في 2015، وخلال ندوة عقدت حول المشاركة السياسية في المغرب، أقر وال في وزارة الداخلية بصعوبة اللجوء إلىوسائل غير تلك المعمول بها للترويج لفائدة الانتخابات، وقال إن وزارته لا تستطيع جر الناس من أعناقهم إلى صندوقالاقتراع. بعد 4 سنوات، يبدو أن رأي هذا الوالي ليس هو رأي وزارته. قبل ذلك الوقت، كان حزب العدالة والتنمية، قدصادق سنة 2014 على مذكرة حزب “المصباح” حول الاستحقاقات الانتخابات ل 2015، والتي رفعت إلى وزيرالداخلية محمد حصاد وقتها وجاءت محملة بعدة إجراءات زجرية ضد المتخلفين عن التصويت، كما طالبت بضرورةالتنصيص على إجبارية التصويت، وأشرف على إعدادها لجنة مصغرة مكونة من نائب الأمين العام آنذاك الراحل،عبدالله بها، ورئيس المجلس الوطني آنذاك، ورئيس الحكومة الحالي، سعد الدين العثماني، ورئيس الفريق البرلمانيآنذاك، عبدالله بوانو، فضلا عن القياديين في حزب البيجيدي جامع المعتصم، وعبدالحق العربي. وليس العدالة والتنمية وحده المؤيد للقوانين الزجرية ضد الممتنعين عن التصويت الانتخابي، بل أيضا تقدم كل منحزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال باقتراح لفرض عقوبات تصل إلى 500 درهم، على الذين لم يدلوابأصواتهم خلال الانتخابات الجماعية لسنة 2015. أحمد البوز، أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس، قال إن خبر فرض إجبارية التصويت يحتمل وجهين،“قد يكون حقيقة وواقعا جديا تماما، كما من الممكن أن يكون نقاشا داخل الأغلبية لا يعكس إرادة جدية تختمر لدىالحكومة، وتسعى إلى تضمينها في القوانين المقبلة“. وأشار البوز في حديثه ل“أخبار اليوم” إلى أن إجراء فرض إجبارية التصويت الانتخابي ليس بالجديد، بل فكرة سبقطرحها وظلت تترنح منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، وبالضبط خلال التحضير للقوانين الانتخابية في 2002،“كما أنها إجراء تعتمده التجارب الدولية من بينها بلجيكا، بحيث إن هناك بعض الأنظمة القانونية التي تذهب إلى حدفرض غرامات على الممتنعين عن الإدلاء بأصواتهم، منطلقة من كون التصويت هو واجب وليس حقا، مع أن التصويتبحد ذاته فيه الكثير من الجانب المرتبط بالحق، أكثر مما هو مرتبط بالواجب“، يقول البوز، مسجلا أن “الخلفيةالمتحكمة في هذا الإجراء هي ضعف نسبة المشاركة“. البوز قال إنه في حالة تطبيق هذا الإجراء يمكن أن “تحولنسبة المشاركة فقط، في بعدها الإجرائي، ولكن ارتفاع نسبة المشاركة لن يكون له مضمون سياسي واجتماعي، وهوما يعكس انعدام ثقة الناس في المؤسسات والعملية الانتخابية والطبقة السياسية“، مضيفا “المطلوب اليوم، هو تقريبالهوة بين الناخبين والمنتخبين، من خلال إعادة الثقة وجعل الناس يستعيدون الثقة في المؤسسات المنتخبة والفعلالسياسي والعمل السياسي، وليس عن طريق البحث عن آليات إكراهية لإرغام الناس على التصويت، فهذا لن يغيرشيئا، بل سيخلق مؤسسات بمشاركات كثيفة، ولكن مضمونها في عقول وذهن الناس لا يمثل شيئا“. وشدد المحللالسياسي على أن حل مسألة العزوف السياسي لم تكن في أي وقت مضى “مسألة إجرائية بهذه البساطة، بلبالأساس مرتبطة بطبيعة العرض السياسي، وهل يسمح للناخبين بتكوين فكرة جيدة عن العملية الانتخابية والطبقةالسياسية والفعل السياسي أم لا. ولذلك طرح هذا الأمر أم لم يطرح لن يحل المشكل. ثم هل فعلا دوائر مركز القرارالحقيقية متوفرة على هذا النضج وهذه الشجاعة التي تسمح باتخاذ قرار من هذا النوع؟ وهل هناك إدراك أن قرار منهذا النوع قد يصب في مصلحة ألوان سياسية واختيارات سياسية قد لا ترضي مراكز القرار في المغرب؟“. وأوضح البوز أن الدولة تملك الوصفة السحرية للزيادة في نسبة المشاركة في العملية الانتخابية، من خلال مجموعة منالإجراءات، لعل في مقدمتها “فكرة وكالة التصويت في الانتخابات للمهاجرين، على اعتبار أن عدد المهاجرين المغاربةالموجودون في الخارج يصل إلى 6 ملايين نسمة، 4 ملايين منهم ناخبون“، مضيفا: “لكن أنا أشك في أن دوائرالقرار ممكن أن تقدم على هكذا إجراء، لأن عدم المشاركة وجعل المشاركة محدودة في نسبة معينة، هو تعبير عن إرادةورغبة لأنه كان هناك تحليل يعتبر أنه كل ما كان هناك ارتفاع في نسبة المشاركة إلا وستصب في مصلحة أحزابمعارضة أو أحزاب لها توجهات سياسية معينة“. ومن بين الإجراءات التي يراها البوز ضرورية لتكثيف نسبة المشاركة “لو كانت هذه الإرادة فعلية للدولة، هي التسجيلالأوتوماتيكي، كما هو الشأن بالنسبة إلى عدد من البلدان التي تعتمد على بنك المعلومات المتصل بالبطاقة الوطنية،وليس طلبا خطيا بكل ما يصاحب هذه العملية من عرقلة، فالكثير من الناس لا يقدمون على التسجيل فقط، لأنهم لايرغبون بالذهاب إلى الإدارة والانتظار“، يقول المتحدث، مضيفا: “هل ستقبل الإدارة بمطلب الأحزاب والمراقبينوالقوى السياسية والمدنية والملاحظين الوطنيين والأجانب بأن يكون التسجيل مرتبطا ببنك معلومات البطاقةالوطنية؟“. واعتبر المحلل السياسي أن التلويح بورقة إجبارية التصويت دون جوانب إجرائية يفسح المجال لاعتباره “بالوناختبار فقط، لذلك لا نعرف هل مصدره الحكومة أو دوائر أخرى، ولست متأكدا من الجهة المستفيدة من ارتفاعالتصويت الانتخابي لأن هناك تقديرا يقول إن نسبة مهمة من الممتنعين عن التصويت لهم مواقف سياسية، وهو تعبيرعن مواقف سياسية وليس مجرد مقاطعة سوسيولوجية، أي الإهمال، كما أن الحراك الاجتماعي والديناميكي فيالمغرب أوضح أن هناك ديناميكية التسييس وأن المقاطعة يمكن أن تكون جزءا من فعل التسييس، ولذلك أنا أتساءل منهي هذه الجهة التي لديها المصلحة اليوم، لإدخال فئة العازفين والمقاطعين إلى دائرة اتخاذ القرار، وهل بإمكانهمتحمل نتائج وتبعات هذا الإجراء؟“. ولا يختلف طرح المحلل السياسي أحمد البوز مع ما ذهب إليه مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات محمد مصباح،معتبرا بروز نقاش “إجبارية التصويت ليس بريئا، بل هو من جهة معينة لجس نبض الشارع، حول إمكانية قبول هذاالقرار وقياس درجات ردود الفعل“. مصباح، وفي تصريحه ل“أخبار اليوم“، قال إن ما يحكم هكذا إجراء، هو “الخوف من تراجع نسبة التصويت، لاسيمافي صفوف الشباب في المجال الحضري“، مشيرا إلى أن المغرب قد يذهب على غرار عدد من الدول غير الديمقراطيةوحتى الديمقراطية إلى هذا الإجراء، علما أن الدول التي تطبقه تختلف على مستويات عدة، فيما يتعلق بإجراءالعقاب، حيث إن أغلبية الدول تفرض الإجبارية بدون عقاب أو جزاءات مثل بلجيكا واليونان، فيما تقوم بعض الدول،من خلال فرض عقوبات مالية أو حبسية، مثل مصر. وتساءل مصباح حول مدى فاعلية هذا الإجراء لدفع الناس إلى المشاركة السياسية، مشيرا إلى أن سؤاله سيبقىبدون جواب “خاصة وأنه مرتبط برهبة ارتفاع نسبة الأصوات الملغاة، والتي قد تكون أكثر من الأصوات المحسوبة،وهذا قد تكون له دلالة سياسية أكبر من نسبة المشاركة المنخفضة“. على حد تعبير المتحدث. وتابع مصباح متسائلا: “هل التصويت الإجباري، سيفرض على مجموع من يحق لهم التصويت، أم أن الأمر يخصالمسجلين؟ وهنا يطرح السؤال التالي: هل التصويت يكون بناء على قاعدة البطاقة الوطنية أو فقط، اللوائح التيتعتمدها وزارة الداخلية وتجددها في كل مرة يعني عددا من الأسئلة والإشكالات التي تفتحها“. ورفض مصباح الاستهانة بهذا النقاش في قوله “التجنيد الإجباري بدوره كان يعتبر مجرد مزحة، ولكن صار واقعا،ويمكن أن يكون الأمر، كذلك، بالنسبة إلى إجراء التصويت الإجباري، لذلك يجب أن تفتح جميع الأسئلة المرتبطةبشفافية الانتخابات، بما فيها تصويت المغاربة المقيمين بالخارج والتصويت بالبطاقة الوطنية، وهي النوافذ التي قد لاتصب في مصلحة الدولة“. وقررت حكومة العثماني الخروج عن صمتها، الذي التزمته طيلة الأيام الماضية، أمام الإرهاصات الأولى للنقاش حولإجبارية التصويت، أول أمس الخميس، في الندوة التي أعقبت المجلس الحكومي، حيث تجنب مصطفى الخلفي،الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني الناطق الرسمي باسم الحكومة،الدخول في التفاصيل، مكتفيا بالقول “ليس هناك شيء مقرر على مستوى الحكومة“.