بظهور تيفو “الغرفة 101″، في الديربي العربي بملعب محمد الخامس بالدار البيضاء، أشار البعض إلى أن له أبعادا سياسية. بالنسبة إلى الإلترا التي أعدته، فهو ليس كذلك، إذ يقتصر الأمر على رسالة موجهة للفريق المنافس. ومع ذلك، فالتيفووات والأغاني التي راحت تنجزها الإلترات منذ فترة، تعني الكثير، وتعبر عن مكنونات في قلوب الشعب المغربي، وشبابه على وجه الخصوص. التيفو.. سر الأسرار الكلمة المفتاح المعتمدة من قبل الإلترات في إعداد التيفووات هي “السرية التامة”. فالتيفو يشبه المفاجأة، إذ لا يطلع عليه إلا القليلون جدا، وبخاصة الأعضاء المنتمون إلى الأنوية “المسيرة” للإلترا. وفي الغالب، فإن السرية تهم حتى أغلب هؤلاء، إذ لا يكشف النقاب عن “الفكرة / الرسالة” إلا يوم الحدث؛ وهو يوم المباراة. يقول أحد الأعضاء المؤسسين ل”إلترا” بيضاوية، في حديث مع “أخبار اليوم”، إن إعداد التيفووات، وإن كان مفاجأة تنجز ليوم المباراة، إلا أنه لا يترك للصدفة، بل يهيأ له منذ ظهور البرنامج الخاص بالموسم، بحيث أن النواة “المسيّرة” للإلترا تجتمع لتضع برنامجها الخاص بالمباريات المفترض أن ترفع فيها التيفو، والتي عادة ما تكون مهمة. بطبيعة الحال تكون هناك حالات خاصة، لأن الفريق ربما يتأهل إلى أدوار متقدمة، وربما يواجه فريقا له خصوصيات، أو يتزامن لقاؤه مع وضعية ما”. العضو نفسه يؤكد أن الإعداد يحتاج إلى وقت معتبر، بداية بتوفير اللوجيستيك، ثم تنفيذ التيفو، والانطلاق إلى المرحلة الموالية، وهي وضعه في الملعب، “وغالبا ما يشاهده الأعضاء الذين يشكلون الإلترا حين رفعه، تماما مثلما يحدث مع الجمهور. فأهم شيء على الإطلاق في أي تيفو هو السرية. هذا شرط أساس من الشروط التي تقوم عليها حركة الإلترات”. ويؤكد هذا الكلام، ما قاله عضو من إلترا أخرى، موضحا بأن النواة التي تدير كل شيء بطريقة جماعية، على اعتبار أنه “لا زعامات” في الإلترات، فهي مسؤولة عن إعداد خلية خاصة باقتراح فكرة التيفو، ثم التداول بشأنها، “وحالما تصير مقبولة من طرف المجموعة الضيقة للنواة، يبدأ الإنجاز على قدم وساق، ودائما في سرية تامة”. وبطبيعة الحال، فإن التيفو وهو يوضع على مدرجات الملعب، إعدادا ليوم المباراة، يتم ذلك في غياب الإلترا المشجعة للفريق المنافس، لأن معرفتها به يعني السقطة الأكبر في مبادئ الإلترات العالمية، وهذا ما تحرص على تجنبه بقوة، “بمعنى آخر، فإن السرية تصاحب التيفو من بدايته إلى اللحظات الحاسمة؛ لحظات كشفه للجمهور”. التكلفة.. من يؤدي الثمن؟ يؤكد أعضاء من إلترات مختلفة أن التمويل لأي عمل يهمها ذاتي صرف، على اعتبار أن من بين أبرز مبادئ الإلترات في العالم الاستقلالية المالية التامة. ومن هذا المنطلق، فأي تعامل مع المكاتب المسيرة للفرق التي تشجعها الإلترات ممنوع منعا كليا، بل يعد سقطة في الهاوية بالنسبة إلى أي مجموعة “تسلمت ولو جزءا مما تحتاجه لتمويل تيفو مثلا”. عضو من إحدى الإلترات أوضح ل”أخبار اليوم” أن هذا الكلام “نظريا صحيح، غير أنه لا يقوم أي دليل على أنه صحيح حتى في الواقع”، ومع ذلك، فهو يستدرك ويقول: “ويمكن التأكيد أيضا، وحتى الآن، بأنه لا دليل على أن الإلترات البيضاوية حصلت أو تحصل على المال من المكاتب المسيرة للفريقين معا. نعم، قيل الكثير في هذا الموضوع، ولكن لا دليل إلى الآن على كل ما قيل”. ويفترض، بالاستناد إلى أعضاء من الإلترات، أن الانخراطات هي الأساس الأول لما يجعل الإلترات تستمر وتكبر وتنتشر عبر التراب الوطني، بل وحتى عبر العالم، خاصة في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي. ثم هنالك المداخيل التي تحصل عليها الإلترات من منتجاتها الخاصة، والتي غالبا ما لا تتعدى “التيشورتات” و”الكشكولات”، وتباع على نطاق واسع للأعضاء، ثم تستثمر الأموال في منتجات جديدة، وضمنها على الخصوص التيفووات. فالتكلفة، حسب الأعضاء أنفسهم، ليست بالهينة، وربما، تصل إلى خمسة ملايين سنتيم، في بعض الأحيان. يقول عضو مؤسس: “سمعنا مرارا حديثا عن سبعة ملايين وما أكثر. شخصيا لا أرى ذلك واقعيا. فالتيفووات التي رفعت مؤخرا في الديربي، مع التنشيط، قد لا تتعدى خمسة ملايين سنتيم. أي نعم، فالفلامات (الشماريخ) تُباع ب40 إلى 50 درهما للقطعة، وهو ما يعني الكثير، غير أن الأمر لا أظنه وصل إلى أكثر من خمسة ملايين في المجموع”. ويشير العضو نفسه إلى شيء مهم في الأخير: “ينبغي أن نعرف بأن الإلترات تعيد استغلال المادة التي صنعت منها التيفو، بحيث تستعملها لإنتاج تيفو جديد. أما بخصوص الألوان، فهي نفسها تستعمل في الغالب، فبالنسبة إلى الرجاء ستجد دائما الأخضر والأبيض والأسود، وبالنسبة إلى الوداد غالبا ما ستجد الأحمر والأبيض والأسود”. الأغاني.. من يخرجها للوجود؟ يمكن أن يقال عن الأغاني التي تنتجها الإلترات ما قيل عن التيفووات، ذلك أن كلماتها، وألحانها، تشهد إبداعها في إطار ضيق للغاية، يهم على الخصوص نواة النواة “المسيرة” للإلترا، وشعارها “أنتي ميديا”؛ أي “ضد الإعلام”، أو بعبارة أخرى “السرية”. يقول أحد أعضاء الإلترات إن من يشتغلون على إعداد الأغاني أناس يتميزون بمستوى تعليمي راق، “بل إن من بينهم من هو مختص في دراسة مفهوم الإلترا عبر العالم، وتتبع أبرز الأغاني التي تنتجها إلترات أخرى في كل الملاعب الدولية. فبعضها تعاد صياغته بشكل من الأشكال، لأن ما يُغنى في الملاعب المغربية ليس كله مغربي صرف”. ومثلما يحدث مع التيفو، فإن الأغنية حالما تكتب كلماتها، تقدم لأعضاء النواة، الذين يملكون الصلاحية التامة للقبول أو الرفض. وفي حال القبول بها، فالنواة قد تدخل عليها بعض التحسينات، إجازتها، وبدء التلحين، ثم المرور إلى المرحلة الأهم، وهي التسجيل، وبعدها البث، لكي تشيع، فتُغنى في المباريات. يقول العضو: “إنهم يعتمدون في تسجيل أغانيهم على آلات موسيقية متطورة جدا”. ويوضح أحدهم بالقول إن المعنيين بإنتاج تلك الأغاني المشاعة في الملاعب، على الخصوص، يحرصون على القافية، وأكثر منها على الموضوع الذي يودون نشره. وغالبا ما تتضمن الأنشودة خليطا من الكلمات العربية والدارجة والفرنسية، وحتى من لغات أخرى مثل الإيطالية والإسبانية. ولئن كانت تلك الأغاني تحمل في طياتها كلمات تدل على “التعصب” المطلق للإلترا المعنية، وللفريق الذي تشجعه، فقد لوحظ، منذ فترة غير قصيرة، بأنها صارت تتغنى بمآسي الشعب؛ والدليل على ذلك أن كلمات “فبلادي ظلموني” و”قلب حزين”، وغيرهما من الأغاني التي انطلقت من الملاعب المغربية، عبرت كلها عن مطالب اجتماعية، وألقت الضوء، وبقوة، عما يعتمل من مشاكل تهم الشباب، مشيرة، على سبيل المثال، إلى الهجرة السرية، ودعت إلى محاربة الفساد الذي يؤدي إلى كل المعضلات. على سبيل الختم.. مازالت الظاهرة، حتى وهي وليدة سنة 2005 بالمغرب، تحتاج إلى البحث العلمي الدقيق، لسبر أغوارها، وتوقع الاتجاهات التي يمكن أن تتخذها مستقبلا. فرغم أنها منعت في وقت من الأوقات، ونتيجة للشغب الذي أدى إلى سقوط ضحايا، إما بفعل اشتباكات بين إلترات مختلفة أو بين فصائل تشجع فريقا واحدا، فقد شكلت عودتها إلى الملاعب، أخيرا، حضورا أقوى مما كان عليه الأمر سابقا. أي نعم، فقد أسهمت “السوشيل ميديا” في هذا الانتشار الواسع، والحضور الوازن. غير أن هذا لا يعني كل شيء. ثم إن تشفير التيفووات والأغاني بما يؤدي مغزى سياسيا، لا يعني كل شيء. وكذلك، فإن الادعاء بأن الإلترات حلت محل الأحزاب والنقابات والمؤسسات الوسيطة، لا يعني هو الآخر أي شيء. فالدراسة العلمية الدقيقة هي الكفيلة بتحديد الأشياء، ومنحها معانيها التي تستحق. وحينها فقط يمكن القول إن كانت الإلترات غيرت شيئا ما في البنية السياسية للوسائط، أو أثرت فيها، أو ألزمت الحاكمين بالرد عليها سياسيا، أو غيرت المعادلة على الأرض، أو غير ذلك. من يدري؟.