ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة إلى النهائي بعد تجاوز المنتخب السعودي في نصف النهاية    لقاء الجيش و"الماص" ينتهي بالبياض    تراجع عجز السيولة البنكية إلى 142,1 مليار درهم    تتويج المغربي بنعيسى اليحياوي بجائزة في زيورخ تقديرا لالتزامه بتعزيز الحوار بين الثقافات    بنكيران: "البيجيدي" هو سبب خروج احتجاجات "جيل زد" ودعم الشباب للانتخابات كمستقلين "ريع ورشوة"    الأقاليم الجنوبية، نموذج مُلهم للتنمية المستدامة في إفريقيا (محلل سياسي سنغالي)    نبيل باها: عزيمة اللاعبين كانت مفتاح الفوز الكبير أمام كاليدونيا الجديدة    مجلس الشيوخ الفرنسي يحتفل بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    نصف نهائي العاب التضامن الإسلامي.. تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة أمام السعودية    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    كرة القدم ..المباراة الودية بين المنتخب المغربي ونظيره الموزمبيقى تجرى بشبابيك مغلقة (اللجنة المنظمة )    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    بعد فراره… مطالب حقوقية بالتحقيق مع راهب متهم بالاعتداء الجنسي على قاصرين لاجئين بالدار البيضاء    حماس تدعو الوسطاء لإيجاد حل لمقاتليها العالقين في رفح وتؤكد أنهم "لن يستسلموا لإسرائيل"    أيت بودلال يعوض أكرد في المنتخب    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    شباب مرتيل يحتفون بالمسيرة الخضراء في نشاط وطني متميز    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوقائع والصرامة في صميم الأخلاقيات السوسيولوجية/ جوفري بلاييرز


توطئة لا بد منها:
هذا النص الذي أترجمه كسوسيولوجي عضو بالجمعية الدولية للسوسيولوجيا بشكل شخصي لتنوير الراي العام القارئ باللغة العربية، ما دامت اللغات الرسمية بالجمعية الدولية للسوسيولوجيا هي الإنجليزية، والإسبانية، والفرنسية. وكنت قد توصلت به عبر الإيميل عن طريق الزميل جوفري بلايرز رئيس جمعيتنا، كما أنني اطلعت عليه على موقع الجمعية الدولية للسوسيولوجيا. وفي هذا الصدد، كتب رئيس جمعيتنا على هامش وحيد لهذا النص، ما يلي: « أكتب هذا الرد بصفتي كسوسيولوجي والرئيس الحالي للجمعية الدولية للسوسيولوجيا. هذا النص ليس ردًا من الجمعية نفسها، ولا من لجنتها التنفيذية، ولكن كما شارك ألكسندر بوكَنر في توقيع مقالته بصفته رئيسًا للجمعية النمساوية للسوسيولوجيا، وليس باسم هذه الجمعية الوطنية. »
وأشير إلى أن ترجمة هذا النص ليست تبنيا رسميا لما ورد في هذا النص من طرف الهيئة المغربية للسوسيولوجيا التي أشغل منصب منسقها الوطني، والتي كانت وراء احتضان الرباط، مدينة الأنوار وعاصمة الثقافة ما بين 6 و11 يوليوز 2025 بشراكة مع جامعة محمد الخامس والجمعية الدولية للسوسيولوجيا. وقد اخترت ترجمته ونشره لإشراك الرأي العام المغربي والعربي عموما، والرأي العام الأكاديمي على الخصوص بكل شفافية، وذلك من أجل متابعة تطورات القضية من جهة، ولمحاولة تأطير النقاش حولها؛ على اعتبار أننا ضمن هيئة أكاديمية مدنية غير سياسية، لكن مع ذلك مواقفها واشتغالها مع جميع مكوناتها لها امتداداتها السياسية، كما لها تداعيات لا من حيث أخلاقيات العلم، وإنما أيضا بالنظر لأخلاقيات العمل السياسي في محاولة من عدم السقوط ضحية أوهام الموقف السياسي، ودون تبخيس أو تجاهل لما هو سياسي مع حرص على الاحتكام إلى القيم الديموقراطية.
وقد عشنا قبيل انعقاد هذا المنتدى العالمي الخامس للسوسيولوجيا إعلان مواقف رافقها نقاش وردود أفعال دون الرجوع إلى ما أعلنت عنه الهيئة المغربية للسوسيولوجيا من مواقف وما قدمته من آراء. وكالعادة، سرعان ما خفتت الأصوات خاصة بعد انسدال ستار أشغال هذا المنتدى، والذي كسبت فيه السوسيولوجيا بالمغرب مكانتها المرموقة مع اعتراف رسمي خاصة من خلال الرعاية الملكية السامية التي أسبغها جلالة الملك محمد السادس على هذا المنتدى. وهو سابقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وبقارتنا الإفريقية كذلك، لأنه أول لقاء عالمي علمي من حيث الطبيعة والحجم.
ولهذا نحن مطالبون بتقييم هذا الحدث والعمل على جني ثماره ليس فقط كسوسيولوجيين مغاربة، ولكن أيضا كجامعيين وأكاديميين لما قدمه من صورة عن بلادنا وعن المدرسة المغربية في السوسيولوجيا عزّ نظيرها في عالم تتجاذبه الصراعات والأزمات.
ترجمة النص
في 4 سبتمبر 2025، نشرت الصحيفة العامة لفرانكفورت الألمانية Frankfurter Allgemeine Zeitung مقالاً بعنوان « انقلاب في أدوار النشطاء ونقيض الجامعيين »، بقلم ألكسندر بوكَنر Alexander Bogner وكاسبار هيرشي Caspar Hirschi ينددان فيها بِ »التسييس المتزايد للعلم »، ويقدّمان « طرد رابطة علم الاجتماع الإسرائيلية The Israeli Sociological Society » من قِبل الجمعية الدولية للسوسيولوجيا (ISA) كمثال على تسييس البحث من قِبل « الأكاديميين المناضلين ». ويثبتان أن الكثير من العلماء الاجتماعيين يسعون وراء أهداف سياسية أو نضالية، ويدعون إلى صرامة وموضوعية أكبر في العلوم الاجتماعية.
أشارك ألكسندر بوكَنر وكاسبار هيرشي دعوتهما إلى الصرامة في العلوم الاجتماعية، لا سيما عندما يكتبان أن « المهم هو أن يتناول الباحثون البعد السياسي لعملهم بنفس التشكيك المنظم الذي يطبقونه على جميع ادعاءات الحقيقة ». إن الصرامة العلمية، وفحص الوقائع، ورفض الإثباتات المغلوطة من أسس السوسيولوجيا والعلم. ومن الضروري الدفاع عنها بقوة أكبر في عصر أصبحت فيه للأخبار الزائفة تأثيرٌ قوي للغاية. وهذا يقتضي تصحيح بعض التصريحات الخاطئة والتأويلات المزيفة المتعلقة بقرار الجمعية الدولية للسوسيولوجيا.
تصحيحات وقائعية
1. قرار اللجنة التنفيذية للجمعية الدولية للسوسيولوجيا
خلافًا لما ينص عليه المقال، فإن رابطة علم الاجتماع الإسرائيلية لم تُطرد بل عُلِّقت عضويتها في الجمعية الدولية للسوسيولوجيا، وهو ما يُشكّل، بحكم التعريف، إجراءً مؤقتاً.
لم تَمنع الجمعية الدولية للسوسيولوجيا أبداً الزملاء الإسرائيليين من المشاركة في منتدى السوسيولوجيا [الخامس ] الذي انعقد بالرباط [ما بين 6 و11 يوليوز 2025 بشراكة بين الهيئة المغربية للسوسيولوجيا وجامعة محمد الخامس والجمعية الدولية للسوسيولوجيا] أو تثنيهم عن ذلك بل على العكس، ظل السوسيولوجيون الإسرائيليون موضع ترحيب في اجتماعات وأنشطة الجمعية الدولية للسوسيولوجيا، حتى بعد تعليق عضوية جمعيتهم الوطنية. وفي رسالة بعثتُ بها في 21 غشت [2025] إلى أعضاء الجمعية الدولية للسوسيولوجيا والجمعيات الوطنية، أوضحتُ أن « أولويتنا كانت دائما الحفاظ على فضاء يسمح للسوسيولوجيين كأفراد من جميع البلدان للمشاركة الكاملة في منتدى الجمعية وفي مختلف أنشطة الجمعية ولجان البحث. إننا لا نختزل الأفراد في جنسياتهم، ونحن واعون أن العديد من الزملاء الإسرائيليين قد تعبؤوا ضد السياسات اللاإنسانية لحكومتهم. وظلّ السوسيولوجيون الإسرائيليون موضع ترحيب في الجمعية كأعضاء فرادى ». وإلى يومنا هذا، أحافظ على اتصال منتظم مع أعضاء رابطة علم الاجتماع الإسرائيلية وزملائي الإسرائيليين، الذين أُقدّر وجهات نظرهم تقديرًا كبيرًا.
يأسف بوكَنر وهيرشي على أن « مجلس إدارة [الجمعية الدولية للسوسيولوجيا] اتخذ قرار الإقصاء بشكل منفرد، ودون استشارة الأعضاء الوطنيين [من ممثلي الجمعيات الوطنية] ». في الواقع، ثمانية من أصل 21 عضوًا في اللجنة التنفيذية هم مندوبون منتخبون من قبل الجمعيات الوطنية. وقد انطلق النقاش حول تعليق عضوية رابطة علم الاجتماع الإسرائيلية عقب طلبات رسمية من عدة جمعيات وطنية. ولا يزال النقاش مستمرًا: وتدرس حاليا لجنة الاتصال التابعة لمجلس الجمعيات الوطنية بالجمعية الدولية للسوسيولوجيا القضية، وستصوت الجمعيات الوطنية على إبقاء التعليق أو إلغائه خلال الاجتماع القادم لمجلس الجمعيات الوطنية الذي سينعقد شهر ديسمبر [المقبل].
2. المنظمون المحليون المغاربة
في فقرة استفزازية، يزعم بوكَنر وهيرشي أنه « قبل أيام قليلة من الافتتاح، أعلن المنظمون المغاربة أن المشاركة في المنتدى تتطلب احترام القيم المغربية ». وقد تم تنسيق ما قصدوه مع [الفرع المغربي] لحركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)؛ حيث كان على جميع المشاركين إدانة « الإبادة الجماعية الممنهجة » للفلسطينيين، ولن يُسمح لأي شخص من « الكيان الصهيوني بالمشاركة ». وقد « كانت الجمعية الدولية للسوسيولوجيا وفية لهذه « القيم المغربية » بطردها الفوري لرابطة علم الاجتماع الإسرائيلية ».
يمزج هذا المقطع بين ادعاءات كاذبة، وتفسيرات مغلوطة، وافتراضات غير مؤكدة.
لم يشارك أي سوسيولوجي مغربي أو منظم محلي في قرار تعليق عمل رابطة علم الاجتماع الإسرائيلية. لقد اتخذت اللجنة التنفيذية للجمعية الدولية للسوسيولوجيا القرار باستقلالية تامة.
لم يُطلب من المشاركين في المنتدى [العالمي الخامس للسوسيولوجيا] اتخاذ موقف من المجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة.
فبينما شنّ الفرع المغربي لحركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها حملةً ضد مشاركة الباحثين الإسرائيليين، عارضت اللجنة التنظيمية المحلية مقاطعة المنتدى من طرف بعض الزملاء. ونتيجةً لذلك، قاطعت حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها المنتدى كليًا.
إن المعادلة بين « احترام القيم المغربية » والشجب الإلزامي لإسرائيل تنمّ عن نقص في المعرفة بالسياسة المغربية. لقد طبّعت الدولة المغربية علاقاتها مع إسرائيل عام 2020، وحافظت منذ ذلك الحين على تعاون مفتوح، بما في ذلك بعض التعاون العسكري.
العلم والديمقراطية
1. تجنب الخلط بين منطقين
يتهم بوكَنر وهيرشي اللجنة التنفيذية للجمعية الدولية للسوسيولوجيا بتسييس العلم، عندما تم تعليق [عضوية] رابطة علم الاجتماع الإسرائيلية. ويصوّران القرار على أنه من عمل « نشطاء أكاديميين » [والذين] يوائمون البحث بشكل علني مع القضايا السياسية » ويضعون مطالب سياسية « باسم العلم ». هذا هو النقد المقدَّم.
ويستند هذا النقد إلى خلط مغلوط. ففي أي جمعية بحثية أو عالمة، يتعايش منطقان: المنطق العلمي والمنطق السياسي. فالبحث واللجان والمنشورات سيرورات يجب أن تحترم بصرامة الأخلاقيات العلمية، والمنهجيات، والتحاليل، وأن تناقشها على هذا الأساس، في شفافية علمية.
إن كُلّا من قرار الجمعية الدولية للسوسيولوجيا بتعليق عضوية رابطة علم الاجتماع الإسرائيلية أو الإبقاء عليها كعضو عادي، وقرار الجمعية النمساوية للسوسيولوجيا (ÖGS) بالانسحاب من الجمعية الدولية للسوسيولوجيا ليسا قرارين علميين. إن جميع المؤسسات والجمعيات البحثية تتخذ قرارات تتضمن بُعداً سياسياً. وادعاء أن هذا قد تم « باسم العلم » يدلّ على خلط بين منطقين وأخلاقيَّتين مختلفين، ويساهم في تغذية الهجمات على العلم. وكما هو الحال في جميع القرارات التي تتخذها الجمعية الدولية للسوسيولوجيا، فإن على هذه الأخيرة عليها الاسترشاد بأخلاقيات ديموقراطية. ولكي تكون شرعية، فعلى هذه القرارات السياسية أن تستند إلى تقييم لوقائع مدقَّقة، بما يتفق مع قوانين الجمعية [الدولية للسوسيولوجيا] وقواعدها وقيمها، وسيرورات مداولات وتصويت ديمقراطيين.
هذا بالضبط ما حدث داخل الجمعية الدولية للسوسيولوجيا. وبناءً على طلبات من الجمعيات الوطنية ولجان البحث، ونظرًا للوضع المتفاقم في غزة، ولسابقة تعليق عمل الجمعية الروسية للسوسيولوجيين بعد غزو أوكرانيا، أيدت أغلبية أعضاء اللجنة التنفيذية تعليق عضوية رابطة علم الاجتماع الإسرائيلية مع الاعتراف بأن تعليق عمل أي جمعية وطنية ليس قرارًا مرغوبًا فيه على الإطلاق، وبضرورة استمرار النقاش والمداولات. وقد استُرشد في المداولات المتعلقة بتعليق عضوية رابطة علم الاجتماع الإسرائيلية بخبرة المؤرخين ومن العلوم الاجتماعية، بمن فيهم باحثون إسرائيليون. ويجري حاليًا نقاش حول ما إذا كان ينبغي على الجمعية الدولية للسوسيولوجيا تعليق عضوية أي جمعية وطنية على الإطلاق داخل اللجنة التنفيذية للجمعية الدولية للسوسيولوجيا.
إن الاعتراف بأن المؤسسات العلمية تعمل حتمًا في كلا المجالين يسمح للجهات الفاعلة بتبني معايير أرقى في كل منهما، ويمنع الالتباس عند تقييم القرارات. فبينما يشير العلم والديمقراطية إلى أخلاقيات مختلفة، ويجب أن يتبعا قواعد وتقييمات مختلفة إلا أنهما يشتركان في أرضية حاسمة: الوقائع الدقيقة، والتفكير المنطقي الصارم، والنقاش المنفتِح والمحترِم.
2. نقاش مشروع
بينما كان الفلسطينيون يُقتلون أو يُصابون على يد الجيش الإسرائيلي في غزة، وكان لا يزال 40 إسرائيليًا محتجزين كرهائن، فإن أي قرار يتعلق بإسرائيل وغزة كان سيُثير ردود أفعال متعارضة. لاحظ بوكَنر وهيرشي، عن حق، أن قرار الجمعية الدولية للسوسيولوجيا « أثار احتجاجات، لا سيما من طرف الجمعيتين الألمانية [الجمعية الألمانية للسوسيولوجيا] والنمساوية [الجمعية النمساوية للسوسيولوجيا]. لقد كان من الممكن أن يشير التحليل الموضوعي إلى أن العديد من الجمعيات الوطنية الأخرى ولجان البحث أعربت عن دعمها لقرار الجمعية الدولية للسوسيولوجيا، وخاصة الجمعية الفرنسية للسوسيولوجيا. كما عبّر بعض الزملاء الإسرائيليين عن معارضتهم المشروعة للتعليق؛ بينما رحّب آخرون به لاعتباره وسيلة لتوعية الرأي العام بالانتهاكات المروعة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة، والعزلة الدولية المتزايدة للحكومة الإسرائيلية. ووقّع أكثر من 200 زميل إسرائيلي بيانًا يندد بالجرائم المرتكبة في غزة والضفة الغربية، وحثّ المجتمع الدولي على الضغط على الحكومة الإسرائيلية، ودعا إلى مزيد من الدعم للفلسطينيين. إن الاعتراضات التي أعربت عنها الجمعيتان السوسيولوجيتان النمساوية والألمانية مشروعة، ويجب أخذها على محمل الجد، تمامًا مثل المواقف التي تبنّتها 68 جمعية وطنية عضو بالجمعية الدولية للسوسيولوجيا. إن المواقف المهيمنة في المجال العام في البلدان الناطقة بالألمانية germanophones يمكن أن تكون أقلية في بلدان أو جهات أخرى من العالم. فتنوع الأجوبة المعبَّر عنها خلال النقاش حول موقف الجمعية الدولية للسوسيولوجيا دليل على حيويتنا وليس على ضعفنا.
لقد قررت الجمعية النمساوية للسوسيولوجيا (ÖGS)، التي يرأسها حاليًا ألكسندر بوكَنر، الانسحاب من الجمعية الدولية للسوسيولوجيا. ويتعلق الأمر بقرار معزول، وأشعر تجاهه بأسف عميق. فإدارته لم تتصل بالجمعية الدولية للسوسيولوجيا (ISA) قبل إعلان الانسحاب؛ حيث شكل ذلك فرصة ضائعة كانت ستتيح لنا توضيح السيرورة وتصحيح الأخطاء الوقائعية. إن أسفي ثلاثي:
أولًا، لطالما كان التعاون بين الجمعية الدولية للسوسيولوجيا (ISA) والجمعية النمساوية للسوسيولوجيا (ÖGS) مثمرًا، ولا ينبغي أن يطغى عليه الخلاف حول قضية واحدة، وإن كانت مهمة.
ثانيًا، تُرحب الجمعية بوجهات نظر كتلك التي عبّر عنها بوكَنر وهيرشي في المناقشات الداخلية للجمعية الدولية للسوسيولوجيا. وآمل أن تُعيد الجمعية النمساوية للسوسيولوجيا النظر في قرار تعليق عضويتها، وتُشارك بفعالية في المداولات القادمة لمجلس الجمعيات الوطنية بشأن تعليق عضوية رابطة علم الاجتماع الإسرائيلية.
ثالثًا، من المفارق أن ينتقد رئيس الجمعية النمساوية للسوسيولوجيا اللجنة التنفيذية للجمعية الدولية للسوسيولوجيا على عدم التشاور، بينما في نفس الآن، اتخذت [رئاسة] الجمعية النمساوية للسوسيولوجيا قرار الانسحاب من الجمعية الدولية للسوسيولوجيا دون استشارة أعضاء جمعيتها. وهذا يُشَكِّل مثالًا مُقلقًا حول الطريقة التي يجب فيها تطبيق معايير مختلفة على الذات وعلى الآخرين.
الخلاصة: الوقائع الصحيحة والصرامة العلمية
أثار قرار الجمعية الدولية للسوسيولوجيا تعليق العضوية الجماعية لرابطة علم الاجتماع الإسرائيلية فعلاً جدلاً واسعاً. إن اختلاف المواقف حول موضوع حساس كهذا ليس مشروعاً فحسب بل هو أيضاً ضروري لتبادل بنّاء بين المنظمات العلمية. ومع ذلك، لا يمكن أن تستند هذه الحجج إلى وقائع غير دقيقة.
لقد أصبح تحريف الوقائع لتتناسب مع حجج صاحبها ممارسةً شائعة لدى بعض الفاعلين السياسيين. ويجب علينا مقاومة توسع هذا المنطق في النقاشات بين السوسيولوجيين. إن تحريف الوقائع لتتناسب مع حجج صاحبها يتعارض بشكل مباشر مع أخلاقيات السوسيولوجي كعالم، وأخلاقيات المواطن الديمقراطي. فباعتبارنا سوسيولوجيين، إن واجبنا الأول هو الحفاظ على معايير عالية من الصرامة العلمية، ومن التحقيق في الوقائع، ورفض التضليل. وقد أصبح هذا أكثر أهمية في وقت يستهدف فيه القادة الشعبويون العلوم الاجتماعية، ويستخدمون الأخبار الزائفة لبناء سردياتهم وكسب الدعم لسياساتهم.
غالبًا ما يمزج نفس الفاعلين الشعبويين بين تحريف الوقائع ورفض المواقف المعارضة باعتبارها « ناشطة » أو « إيديولوجية » مع تقديم مواقفهم الخاصة على أنها [نابعة من] « حس سليم » أو « بديهية ». هذه التكتيكات (= الأساليب) البلاغية تقوض النقاشات الديمقراطية. يجب علينا أن نتجنب إعادة إنتاجها [= ميميائها/محاكاتها] في النقاشات بين السوسيولوجيين. وقد كشف تقدم إبستيمولوجيا العلوم الاجتماعية خلال العقود الأخيرة عن آليات الهيمنة الكامنة وراء تقديم وجهة النظر الخاصة باعتبارها « موضوعية » و »محايدة »، مع رفض وجهات النظر المعرفية أو التحليلية المختلفة أو الدراسات التي توصلت إلى نتائج مختلفة، باعتبارها « ناشطة » أو « ذات دوافع إيديولوجية » بدل أن تكون علمية،
لقد كشف التقدم في إبستيمولوجيا العلوم الاجتماعية على مدى العقود الماضية عن آليات الهيمنة الكامنة وراء تقديم المنظور الشخصي على أنه « موضوعي » و »محايد »، مع نعت وجهات نظر الإبستيمولوجية أو التحليلية المختلفة أو الدراسات ذات النتائج المختلفة على أنها « ناشطة » أو « ذات دوافع إيديولوجية » بدلًا من كونها علمية، دون حتى مراعاة المنهجية المستخدمة في هذه الدراسات.
وللقطع مع هذا التقاطب، ينبغي على النقاش حول الموقف الواجب اتخاذه بشأن إسرائيل وغزة أن يبدأ بالاعتراف بصحة الحجج المؤيدة والمعارضة لتعليق عمل عضوية رابطة علم الاجتماع الإسرائيلية، وأن يثبت أن تعددية المواقف شرعية ومرحب بها، وأن نزاهة قراراتنا يجب أن تستند إلى الوقائع والاتساق والاحترام. وعلى الرغم من أن العلم والديمقراطية يتَّبِعان أخلاقيات وقواعد وأحكام مختلفة إلا أنهما يشتركان في أمرٍ جوهري: ينبغي اتخاذ القرارات بناءً على الوقائع، وبرهنة صارمة، ونقاشات مفتوحة ومحترمة حول القيم. وللدفاع عن العلوم الاجتماعية ضد هجمات الفاعلين الشعبويين، من الواجب التذكير أن الصرامة العلمية، وفحص الوقائع، ورفض المعلومات الكاذبة هي ركائز العلوم الاجتماعية والأخلاقيات التي نلتزم بالتمسك بها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.