كشفت دراسة تتعلق بتشخيص قدرات المغرب في مواجهة ظاهرة الاستغلال والاعتداء الجنسي على الأطفال عبر الإنترنت، اليوم بالرباط، خلاصات مقلقة بشأن ضعف التزام شركات الاتصالات ومزوّدي خدمات الأنترنيت بواجب حماية القاصرين، مؤكدة أن غياب إطار قانوني واضح يُلزم شركات الاتصال بالتبليغ الفوري وحجب المحتوى الإباحي المتعلق بالأطفال يشكل ثغرة في المنظومة الوطنية لمكافحة الجرائم الرقمية المرتبطة بالأطفال. وجرى عرض الدراسة اليوم خلال لقاء حول "الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت في المغرب: تشخيص الواقع والتحديات الجديدة للذكاء الاصطناعي". وتندرج ضمن مشروع دولي يقوده المركز الدولي للأطفال المفقودين والمستغلين (ICMEC)، بشراكة مع المركز المغربي للأبحاث متعددة التخصصات والابتكار (CMRPI)، وبدعم من مجلس أوربا. وأكدت الدراسة أن المغرب راكم جهوداً مهمة في تجريم الاعتداء والاستغلال الجنسيين، سواء عبر التشريع أو تعزيز الأجهزة الأمنية، غير أن التطورات المتسارعة في الفضاء الرقمي تفرض تحديات جديدة تتجاوز الإمكانات الحالية. التقرير سجّل غياب أي تعاون من طرف مزوّدي شركات الاتصالات مع فريق البحث، واعتبر ذلك مؤشراً مقلقاً على ضعف انخراط القطاع الخاص في حماية الأطفال رقمياً. كما أوضح أن القانون المغربي لا يفرض التزامات واضحة على شركات الاتصال فيما يتعلق ب: التبليغ الإجباري عن مواقع الاستغلال الجنسي للأطفال. الحجب الفوري للمحتوى الإباحي المتعلق بالقاصرين، ووضع آليات مراقبة داخلية لتتبع المحتويات الخطيرة. الدراسة أشارت أيضاً إلى غياب مؤسسة حكومية مركزية مكلفة حصرياً بحماية الأطفال في الفضاء الرقمي، وإلى وجود غموض في بعض المفاهيم القانونية قد يعرقل التطبيق الدقيق للنصوص. كما سجل التقرير: غياب سجل وطني للمعتدين جنسياً على الأطفال. وغياب محاكم متخصصة في الجرائم الجنسية الرقمية. هذا فضلا عن نقص في برامج المواكبة النفسية طويلة الأمد للأطفال الضحايا بعد انتهاء المسار القضائي. وأكدت الدراسة أن حماية الأطفال من الجرائم الرقمية في المغرب تتطلب تحولاً عميقاً يشمل: إصدار قوانين تُلزم مزوّدي الأنترنيت بالحجب والتبليغ. وإحداث هيئة وطنية خاصة بحماية الأطفال في الفضاء الرقمي. وتعزيز البرامج التربوية والوقائية داخل المدارس والمنصات الرقمية. كما اقترحت الدراسة تطوير برامج إعادة تأهيل الجانحين والمعرضين للانحراف الجنسي. وتعزيز قدرات الشرطة والنيابة العامة في تتبع وتحليل الجريمة الرقمية. الذكاء الاصطناعي يخلق أشكالاً جديدة من الجريمة يوسف بن الطالب، رئيس CMRPI، أكد أن الذكاء الاصطناعي أصبح يطرح تحديات كبيرة في رصد الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت، مشيراً إلى أن الطبيعة المتغيرة للفضاء الرقمي تجعل تحديد الفاعلين أمراً بالغ التعقيد. وأضاف أن تطور أدوات الذكاء الاصطناعي أدى إلى ظهور أشكال جديدة من الجريمة تستوجب مواكبة تشريعية فورية. من جهتها، اعتبرت كارمن مورتي كوميز، مديرة مكتب مجلس أوربا بالرباط، أن «الأطفال لهم الحق في استعمال آمن للتكنولوجيا»، مؤكدة أن الذكاء الاصطناعي يؤثر بشكل مباشر على حياتهم، سواء عبر الألعاب أو التطبيقات. وشددت على أن هذه الدراسة تشكل خطوة أساسية لاستكمال مصادقة المغرب على اتفاقية لانزروت المتعلقة بحماية الأطفال من الاستغلال الجنسي. أما أنا مينيال، المكلفة بالبرنامج الجهوي لتقوية القدرات، في المركز الدولي للأطفال المفقودين والمستغلين (ICMEC)، فأكدت على ظهور أشكال خطيرة من الاعتداء الجنسي على الأطفال عبر الإنترنت، ووصفت بعض أشكال الاستغلال بأنها "سادية وبربرية"، مشيرة إلى استعمال الذكاء الاصطناعي لإنتاج صور استغلال جنسي غير حقيقية، وأيضاً لاختراق الحاجز اللغوي واستهداف الأطفال بلغات متعددة. وشدد يوسف بن الطالب على أن المشرع المغربي مطالب اليوم بفهم كيفية تطور الذكاء الاصطناعي، وكيف خلق أنماطاً جديدة من الجرائم ضد الأطفال في الفضاء الرقمي، مؤكداً ضرورة تسريع الإصلاحات القانونية لمواكبة هذا التطور.