في هذه الحلقة يتناول المحجوبي أحرضان الفترة التي تمت فيها مؤامرة الباشا الگلاوي والمقيم العام جوان بإبعاد السلطان محمد بن يوسف عن العرش، وهي الفترة التي كان فيها «الزايغ» قايد أولماس. ترجمة: أيوب الريمي
كان الشك هو السائد في ما يخص قضية الباشا الگلاوي، هذه القضية التي ستصبح قضية الجميع وقضية الوطن، وقبل أن يُعرف الباشا الگلاوي، فقد كنت أحس بأن عاصفة على وشك الانفجار، لأن ذلك كان هو منطق المرحلة التي تم إعدادها من طرف إدارة الحماية، وعمِلتْ على وضع كل تفاصيل هذه المؤامرة. وهذا ما يفسر التعامل الحذر الذي كان يتعامل به السلطان محمد الخامس مع سلطات الحماية ولماذا قام السلطان محمد الخامس بالتعامل ببرود مع الباشا الگلاوي، وعمد إلى التقليل من شأنه، عندما قدم إلى القصر من أجل زيارته. فقد بدأت سلطات الحماية تحضر من أجل الضرب في عمق الملكية في المغرب، وذلك منذ 23 دجنبر سنة 1950، بمناسبة الاحتفال بعيد المولد النبوي، حيث قدم التهامي الگلاوي ليهنئ السلطان ويحذره من «الخونة الوطنيين»، وفي تلك الفترة نفسها، رفض السلطان محمد الخامس أن يوقّع أي ظهير يقدمه له المقيم العام جوان، كما رفض أن يكون أداة في يد الحماية، وهو ما رد عليه في خطابه الشهير في طنجة حيث قال إن «المغرب يسعى إلى الحصول على استقلاله» وهو ما زاد من قلق سلطات الحماية التي بدأت تحضر مَن سيحل محل السلطان. الجنرال جوان استغل التهامي الگلاوي جيدا من أجل نزع كل السلطات والمهام من السلطان محمد الخامس، وكان يجب أن ننتظر أمرا مماثلا من الجنرال جوان الذي بدأ يعمل على تأسيس شبكة من القيّاد والباشوات الذين لا يأتمرون إلا بأمر المقيم العام، ويفصلهم بصفة تامة عن السلطان محمد الخامس. وقد كتب المقيم العام جوان في كتابه «المغرب العربي الملتهب» (Le Maghreb en Feu) السبب الذي دفعه إلى اتخاذ هذه الإجراءات؛ «الحكومة الفرنسية التي بعثتني إلى المغرب أعطتني الأوامر بأنه في حال اعتراض القصر على سياسة الحماية وإعاقته للقوانين والظهائر، فإنه يجب التعامل مع هذا الوضع عن طريق فرض السلطة الفرنسية ويجب على السلطان محمد الخامس أن يفهم هذا الأمر». وبالتالي، فقد تم اتخاذ القرار وأصبح واضحا أن سلطات الحماية كانت تحضر لإبعاد السلطان محمد الخامس وكان الباشا الگلاوي هو الرجل المناسب لهذه المهمة على الرغم من أن السلطان محمد الخامس رفض أن يتنازل عن أي اختصاص من اختصاصاته للباشا الگلاوي. ومن أجل تأكيد شكوكي حول سعي سلطات الحماية، فقد تلقيت يوم 23 يناير 1951 دعوة من طرف المراقب المدني لأولماس، تطلب مني التوجه إلى خنيفرة. فور وصولي إلى مدينة خنيفرة، وجدت حفلا كبيرا، حضره كل القياد وهم يرتدون الجلابيب البيضاء، كما في المناسبات الرسمية، وعلى رأسهم الباشا الگلاوي. هذا الحفل كان إعلانا على بداية عهد الباشا الگلاوي، نظرا إلى الحضور القوي لسلطات الحماية التي أرادت أن تظهر أنها تدعم الباشا الگلاوي بكل قوتها، حيث حضر وزير الدفاع الفرنسي ماكس لوجون، وكان هدف المقيم العام جوان من هذا الحفل بأن يقنع الحكومة الفرنسية بأن الباشا الگلاوي هو الرجل الأنسب للقيام بدور البديل للسلطان محمد الخامس، وأيضا أن يقدم الباشا الگلاوي بصفته رأس ما كان يسمى «الباروانات الأمازيغ»، أي أصحاب السلطة والمال، وفي تلك الليلة ستنطلق المؤامرة بمباركة الجنرال جوان. بعد هذا الاجتماع، ستنطلق سلسلة من الضغوط من طرف إدارة الحماية على المواطنين المغاربة، وأصبح التهديد والشطط في استعمال السلطة هو الذي يغلب على طريقة تعامل الفرنسيين مع المغاربة، وكان الهدف من هذه الإجراءات هو إرغام جميع القياد والزعماء على توقيع عريضة من أجل التخلص من السلطان. وبعد ثلاثة أيام من هذا الحفل، الذي كان بمثابة تنصيب للباشا الگلاوي كالرجل الأول لدى سلطات الحماية، فقد تم استدعاء جميع القياد من أجل معرفة رأيهم في هذا الحفل، ورأيهم في الباشا الگلاوي. عندما وصل دوري، سألني المراقب المدني كلود دانيي «القايد أحرضان، كيف وجدتم الباشا الگلاوي؟»، فكان جوابي بأن «المقيم العام كان حريصا على أن يظهر بأنه يقدر الباشا الگلاوي ويحرص على إعطائه مكانة كبيرة، لكن الظاهر أن الباشا الگلاوي لم يكن سعيدا بهذا الحفل، ولم ينبس بكلمة طوال الحفل». لقد كان ظاهرا أن الباشا الگلاوي يلعب لعبة أكبر منه هو أيضا، وهي أن يتم ضرب المغاربة بالمغاربة، من أجل خيانة القسم وخيانة العرش، وكانت هذه المرحلة مرحلة الهزيمة النفسية، حيث كان الجميع يتقبل الإهانات ويصمت، انطلاقا من القياد إلى الشرفاء وزعماء الزوايا الدينية، ومن بينهم الشريف عبد الحي الكتاني، الذي كان أداة طيعة في يد سلطات الحماية. «هذه مشيئة الله»، كانت هذه هي الجملة التي يرددها الجميع بل إن البعض كان يقول بأن السلطان يريد أن يعطي الانطباع بأنه يرفض منح فرنسا ما تملكه أصلا من اختصاصات وسلطات، لكن أمام مقيم عام قوي كالجنرال جوان، الذي أخذ من السلطان كل صلاحيته وجعله شبه معزول، ماذا يمكن أن يفعل محمد الخامس أمام هذا الوضع؟