تقرير غوتيريش يوصي بتمديد ولاية "المينورسو" ويكشف موافقة أممية على بناء ملاجئ عسكرية مغربية في الصحراء    ماذا يجري داخل مجلس جماعة خريبكة؟.. اتهامات ثقيلة لرئيس الجماعة بالمسّ بسمعة الأطباء وتأجيج الأزمة الصحية!    الإشكال ‬الكبير ‬ليس ‬اقتصادياً ‬فحسب ‬بل ‬هو ‬في ‬جوهره ‬إشكالُ ‬القيم    جدل ‬الدعم ‬العمومي ‬للمصحات ‬الخاصة.. ‬وزير ‬الصحة ‬يوقف ‬‮«‬ملايين ‬الدراهم‮»‬ ‬من ‬الإعانات ‬الاستثمارية ‬    المفوضية الأوروبية تشيد بتوقيع الاتفاق الفلاحي المعدل مع المغرب    المغرب ‬وجهة ‬سادس ‬أكبر ‬ناقل ‬بحري ‬في ‬العالم ‬لفتح ‬خط ‬تجاري ‬جديد    المغرب ‬يصوب ‬التوجهات ‬الفلاحية ‬لأوروبا.. ‬حين ‬تتحول ‬الحقول ‬المغربية ‬إلى ‬رئة ‬غذائية ‬لبريطانيا ‬ما ‬بعد ‬البريكست    67 قتيلا حصيلة انهيار المدرسة في إندونيسيا مع انتهاء عمليات البحث    مولودية وجدة يحقق فوزه الأول وشباب المحمدية يتعثر    من باريس إلى الرياض.. رواية "جزيرة القارئات" الفرنسية بحرف عربي عبر ترجمة مغربية    حركة "جيل زد" تلجأ إلى سلاح المقاطعة للضغط على أخنوش    ارتفاع الذهب إلى مستوى قياسي جديد وسط الطلب على الملاذ الآمن    جيل Z اخترق الشارع، والإعلام .. ودهاليز الحكومة    مباحثات إسرائيل و"حماس" "إيجابية"    من النت إلى الميادين: لماذا خرج جيل Z؟    انطلاق "دوري الملوك" في السعودية    عمدة مدينة ألمانية يقترح إشراك التلاميذ في تنظيف المدارس    طقس حار في توقعات اليوم الثلاثاء بالمغرب    مجلس جهة الشمال يصادق على ميزانية 2026 ومشاريع تنموية كبرى    جدل بتطوان حول ميزانية 2026 بين الأغلبية والمعارضة    اجتماع اللجنة التحضيرية والمجلس الوطني للحزب يوم الجمعة 17 أكتوبر ببوزنيقة    هذا الموريسكي .. سر المخطوط الناجي (2)    دراسة: التدريبات الرياضية تقلل الإحساس بالجوع        منتخب المغرب يبدأ التحضير للبحرين    الخلايا التي تمنع أجسامنا من مهاجمة نفسها.. نوبل الطب 2025 تكرّم اكتشاف "فرامل المناعة"    الوزير التهراوي يوضح: ما أوقفته هو "طلبات" مصحات خاصة كانت بصدد الحصول على الدعم        بالصور.. مناورات جوية مغربية- فرنسية بالمنطقة الشرقية للمغرب    أداء بورصة البيضاء يسجل الارتفاع    أهم نصائح التغذية لشهر أكتوبر    قناة RTL Info البلجيكية: الاتحاد الأوروبي يدمج رسمياً الصحراء المغربية في اتفاقاته التجارية مع المغرب    استقالة رئيس الحكومة الفرنسية بعد أقل من 24 ساعة من تعيينه تعمّق الأزمة السياسية بفرنسا                    دار الشعر بمراكش تنظم الدورة السابعة لمهرجان الشعر المغربي        وزارة الصحة تحيل ملف وفيات بمستشفى أكادير على القضاء    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    عنوان وموضوع خطبة الجمعة القادمة    "الأشبال" أمام كوريا في ثمن "المونديال"    الدوري الإسباني.. الزلزولي يقود بيتيس للفوز على إسبانيول    نادية صبري مديرة جديدة لمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر    98 منظمة حول العالم تطالب بالإفراج عن نشطاء أسطول الصمود.. ودعوات لتدخل رسمي من أجل حماية عزيز غالي    دراسة: فحص بسيط يكشف عن خطر الإصابة بالخرف قبل عقود من ظهور الأعراض    منتخب U17 يستعد للمونديال في السنغال    غالي وبنضراوي واعماجو: سفراء مغاربة للضمير الإنساني.. تحرك يا بوريطة    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب    منح جائزة نوبل في الطب لثلاثة علماء عن أبحاثهم في مجال التحكم في الجهاز المناعي    من أصول مغربية.. نعيمة موتشو تتولى وزارة التحول والوظيفة العمومية في فرنسا        العلماء يدرسون "التطبيب الذاتي" عند الحيوانات    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا كل هذا الاكتئاب؟


لا يمكن لمواطن أن يلجأ إلى إحراق نفسه إلا إذا وصل إلى أعلى درجة من الخيبة والإحباط أو تعرض لاختلالات نفسية أو لضغوط خارجية أقوى من ذاته الصغيرة ونفسه الثائرة. فالحياة هي مشروع ينشئه الإنسان لنفسه، ويبنيه بعقله وطموحاته، وبأحلامه ومنجزاته. ولأننا اجتماعيون بطبعنا ويصعب علينا العيش خارج المحيط الاجتماعي، فإننا غالبا ما نتعرض لضغوط خارجية نواجهها أحيانا بأسلحتنا الطبيعية أو التواصلية أو حتى التدبيرية كالقانون والقضاء والتحكيم وأحيانا أخرى يصعب علينا مواجهتها فنشعر بالخيبة والهوان. والمراكشي الراحل مبارك الكرصي الذي أقبل على إحراق نفسه بحي السعادة في مراكش وهو بعد في عنفوان الشباب، واحد آخر من الذين ضاقوا ذرعا بالضغوط الخارجية، فاستسلم في لحظة ثورة وهيجان كما استسلم قبله آخرون. نحن نفقد يوميا آلاف المواطنين الذين يغادروننا إلى الدار الأخرى، وتلك سنة الحياة، فلكل نهاية لم يصنعها لنفسه إنما قادته الأقدار لها. والصحافة والتلفزيون لا تذكر من أمواتنا إلا من امتلك الشهرة في حياته أو كسب الجاه والمال. وبعيدا عن الأسباب التي قادت مبارك إلى الانتحار فقد افتقدنا فيه إنسانا يحمل على عاتقه مسؤولية عائلة تتكون من سبعة أفراد يعيلهم بجهاد يومي بين دروب المدينة وأحيائها لكسب لقمة العيش. من المؤكد أن مبارك تربى على الصبر والتحمل والكفاح والعطاء ولولا ذلك لما صمد كل هذا الصمود وسط عائلة متعددة الأفراد ضعيفة الزاد، ولعله كان يعتز بهذه الصفات التي اكتسبها واعتز بها باعتبارها أسمى من المال. ولعله لم يكن يتوقع وهو المتواضع البسيط أن يخلق كل هذه الضجة وأن يرحل اسمه بين المدن والعواصم باعتباره نسخة أخرى مطابقة لنموذج التونسي محمد البوعزيزي. لعل مبارك الكرصي انهار في لحظة ضعف بسبب الضغوطات الخارجية وما أكثرها، فاستسلم لشيطان التمرد الداخلي حين عجز عن التصدي لتصرف غير مسؤول من طرف قوى خارجية تزهو بسلطتها ولا تتقن التواصل مع المواطنين. كيف ما كان الحال فمبارك الكرصي ليس سوى نموذج لآلاف المواطنين الذين تكاد النار تضيء بين جوانحهم من مشاعر الغضب والخيبة والخوف والهوان إن هي أذكتها الحسرة والقهر. فحين تصمت لغة العقل ويركب التمرد خيله ويحمل سيفه البتار، فلا سلام ولا كلام إلا الهلاك والدمار : لم يغز قوما ولم ينهد إلى بلد إلا تقدمه جيش من الرعب نحن نعرف أن النفس أمانة وحرمتها كبيرة عند الإنسان، فلا يحق للمرء تدميرها ما دام ليس هو الذي صنعها، ولكننا أمام وضع ينفلت فيه الصواب، وتتبخر فيه القيم، وتغيب عنه الملل والعقائد. نحن أمام وضع يفقد فيه الإنسان السيطرة على نفسه، فلا تنجلي أمامه إلا أحاسيس الغبن والعناء والظلم، وكلها معادية للأديان والقيم. إن المنتحر لم ينتحر لحظة انتفاضته الذاتية، ولكن المؤكد أنه انتحر قبل ذلك نفسيا عشرات المرات إن لم نقل أكثر، ففكر ودبر، ثم فكر ودبر، ثم احتار وتحير، فلم يجد للحل طريقا، ولم تمتد إليه يد، ولم تداعبه أخرى لتهدئ من روعه وحيرته. وكم كان الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر رائعا حين وصف المنتحر بطفل صغير لم تطاوعه أعضاؤه على الوقوف فسقط. ولعل مبارك وغيره وصلوا جميعا إلى درجة عالية من الإحباط، فلم يهتدوا إلى طريق الوصول إلى أهدافهم رغم أنها واسعة، ودخلوا أكثر من مرة إلى بيوت القلق والاكتئاب التي تشبه إلى حد ما بيوت "دراكولا" المخيفة، فلم يعد يربطهم ببهجة الحياة رابط، ولم يعد يصلهم بلذة العيش خيط. إنهم آلاف المواطنين ممن تاهت بهم السبل، وضاقت بهم الأرض بما رحبت، فلا هم صنعوا لأنفسهم أملا يعيشون عليه، ولا هم صارعوا من أجل تحقيق هدف وضعوه نصب أعينهم. فمن أجل مبارك ومن أجل هؤلاء جميعا يجب أن نتحرك اليوم لحماية هذا الوطن من مشاعر التمرد والخيبة والقهر والاستصغار. فالنار التي قد يصعب غدا إطفاؤها هي التي نوقدها اليوم بإهمالنا ونغذيها بعدم المبالاة، ولعلها نفس النار التي يوقدها الإحباط والانتقام يوميا لدى آلاف المعطلين والمقهورين والتائهين. فالأب في بيته، والأستاذ في قسمه، والطبيب في عيادته، والمسير في مكتبه، والشرطي في عمله والصحفي في جريدته كلهم مسؤولون اليوم عن تربية جيل يؤمن بتحمل المسؤولية، والثقة بالنفس، والقدرة على مواجهة الصعوبات وتحديات الحياة. وهؤلاء جميعا هم من يدفعون اليوم بجيل المغرب إلى هذه السوداوية وسوء تدبير الذات وانعدام النضج وضعف الحصانة النفسية، وعلينا أن تعترف بهذا الضعف لكي نعالجه ونتخطاه، ولكي نزرع في أنفس المواطنين التائهين والحائرين قيم التفكير الإيجابي والتفاؤل بالغد والإيمان.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.