رغم انخفاضها الكبير عالميا.. أسعار المحروقات بالمغرب تواصل الارتفاع    من المثقف البروليتاري إلى الكأسمالي !    كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة.. وهبي : "قادرون على تعويض الغيابات و اللاعبين في أتم الجاهزية ضد نيجيريا"    تنغير.. مسار المضايق والواحات، غوص في طبيعية دادس الساحرة    نقابة تندد بتجاهل الأكاديمية لأستاذة معتدى عليها بخنيفرة    الشرطة البريطانية تعتقل خمسة أشخاص بينهم أربعة إيرانيين بشبهة التحضير لهجوم إرهابي    الجمعية المغربية لطب الأسرة تعقد مؤتمرها العاشر في دكار    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    قطر تعلن رفضها القاطع للتصريحات التحريضية الصادرة عن مكتب نتنياهو    دراسة: الشخير الليلي المتكرر قد يكون إنذارا مبكرا لارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب    استدعاء آلاف جنود الاحتياط الإسرائيليين استعدادا لتوسيع العمليات العسكرية في غزة    وهبي: مهمة "أشبال الأطلس" معقدة    مسؤول فلسطيني يثمن أدوار الملك    طنجة.. العثور على جثة شخص يُرجح أنه متشرد    بعد خيباته المتراكمة .. النظام الجزائري يفتح جبهة جديدة ضد الإمارات    في خطوة رمزية خاصة .. الRNI يطلق مسار الإنجازات من الداخلة    منتخب "U20" يستعد لهزم نيجيريا    وداعاً لكلمة المرور.. مايكروسوفت تغيّر القواعد    برشلونة يهزم بلد الوليد    الوداد يظفر بالكلاسيكو أمام الجيش    الناظور.. توقيف شخص متورط في الاتجار في المخدرات وارتكاب حادثة سير مميتة وتسهيل فرار مبحوث عنه من سيارة إسعاف    حقيقة "اختفاء" تلميذين بالبيضاء    جلالة الملك يواسي أسرة المرحوم الفنان محمد الشوبي    من الداخلة.. أوجار: وحدة التراب الوطني أولوية لا تقبل المساومة والمغرب يقترب من الحسم النهائي لقضية الصحراء    مقتضيات قانونية تحظر القتل غير المبرر للحيوانات الضالة في المغرب    أمسية احتفائية بالشاعر عبد الله زريقة    نزهة الوافي غاضبة من ابن كيران: لا يليق برئيس حكومة سابق التهكم على الرئيس الفرنسي    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    52 ألفا و495 شهيدا في قطاع غزة حصيلة الإبادة الإسرائيلية منذ بدء الحرب    تقرير: المغرب يحتل المرتبة 63 عالميا في جاهزية البنيات المعرفية وسط تحديات تشريعية وصناعية    تفاصيل زيارة الأميرة للا أسماء لجامعة غالوديت وترؤسها لحفل توقيع مذكرة تفاهم بين مؤسسة للا أسماء وغالوديت    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها    حادث مروع في ألمانيا.. ثمانية جرحى بعد دهس جماعي وسط المدينة    ابنة الناظور حنان الخضر تعود بعد سنوات من الغياب.. وتمسح ماضيها من إنستغرام    توقيف شخص وحجز 4 أطنان و328 كلغ من مخدر الشيرا بأكادير    الملك: الراحل الشوبي ممثل مقتدر    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    مجموعة أكديطال تعلن عن نجاح أول جراحة عن بُعد (تيليجراحة) في المغرب بين اثنين من مؤسساتها في الدار البيضاء والعيون    كلية العلوم والتقنيات بالحسيمة تحتضن أول مؤتمر دولي حول الطاقات المتجددة والبيئة    بيزيد يسائل كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري حول وضعية مهني قوارب الصيد التقليدي بالجديدة    إسرائيل تعيد رسم خطوط الاشتباك في سوريا .. ومخاوف من تصعيد مقصود    تونس: محكمة الإرهاب تصدر حكما بالسجن 34 سنة بحق رئيس الحكومة الأسبق علي العريض    كازاخستان تستأنف تصدير القمح إلى المغرب لأول مرة منذ عام 2008    الداخلة-وادي الذهب: البواري يتفقد مدى تقدم مشاريع كبرى للتنمية الفلاحية والبحرية    أصيلة تسعى إلى الانضمام لشبكة المدن المبدعة لليونسكو    اللحوم المستوردة في المغرب : هل تنجح المنافسة الأجنبية في خفض الأسعار؟    الكوكب يسعى لوقف نزيف النقاط أمام "الكاك"    غوارديولا: سآخذ قسطًا من الراحة بعد نهاية عقدي مع مانشستر سيتي    الفنان محمد الشوبي في ذمة الله    الصحة العالمية تحذر من تراجع التمويل الصحي عالميا    دراسة: هذه الأطعمة تزيد خطر الوفاة المبكرة    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.علي الإدريسي يرد بقوة على مفتشية حزب الإستقلال بالناظور
نشر في أريفينو يوم 25 - 09 - 2010


مادح نفسه يلومك على التخلف عن إطرائه والثناء عليه
د.علي الإدريسي
عبر الروائي الروسي الشهير دوستويوفسكي في روايته ” الجريمة والعقاب” عن طبيعة أخرى للعقاب يتمثل أساسا في تأنيب الضمير، أو ما يمكن تسميته في ثقافتنا الإسلامية ب “النفس اللوامة” التي لم توظف في ممارساتنا السياسية الراهنة، وفي ثقافتنا التاريخية إلا فيما قل وندر، كما يتمثل كذلك في الخوف الذي يسيطر على المذنب من اكتشاف أمره من قبل العدالة. ووصل الروائي في تحليله للنفس البشرية الأمارة بالسوء إلى أن المذنب لا يحس بالراحة إلا يوم يمثل أمام العدالة؛ وهو الأمر نفسه نجده في رواية الغريب لألبير كامو، على الرغم من السلوك العبثي اللامبالي لبطل رواية الغريب. والسبب في ذلك بسيط، كون العدل مبدأ الوجود وغايته في الوقت نفسه، كما في قوله تعالى {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}، الحديد 25، أو في قوله جلت حكمته {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}، النساء: 58، أي بين الناس مطلقا، وليس بين فئة ما أو المنتمين إلى حزب أو جماعة معينة، وجعل سبحانه وتعالى الميزان الأداة المثلى لإقامة العدل في الوجود كله {والسماء رفعها ووضع الميزان} الرحمن 7.
أكتفي بهذا القدر من الآيات الحاثة على الاعتدال والعدل والقسط القائم على الميزان حتى لا أتهم هذه المرة، من قبل من نشر بيان “كفى تهكما و أحكاما فارغة ضد حزب الاستقلال والعلم”، بأنني أخدم مصلحة حزب العدالة والتنمية أو جماعة العدل والإحسان، أو حتى حزب العدالة والتنمية التركي، على حساب حزب الاستقلال، كما اتهمني بخدمة أهداف حزب الأصالة والمعاصرة وتلميع صورته في الحوار الذي أجرته معي “هيسبريس”، في الوقت الذي قصدت فيه نفض بعض الغبار عن قضايا لا تزال لم تصل إليها يد العدالة إلى المتسببين فيها والمسؤولين عنها، اعتقادا منهم أن الزمن قد طواها وقذف بها إلى زاوية الماضي والنسيان. وذلك بعد أن أشرت بإيجاز إلى تموقع الأحزاب في المشهد المغربي اليوم كما في الأمس، وهو حق يضمنه الدستور لجميع المغاربة في باب ضمان حرية الرأي والتعبير. لكن عقلية ” من ليس معي فهو ضدي” هي التي لا تزال تسيطر على اللعبة الحزبية في المغرب بصفة عامة، ولا أقول اللعبة السياسية، وعند حزب الاستقلال بصفة خاصة، وفقا للبيان المشار إليه في العنوان أعلاه.
وليسمح لي الأستاذ المحترم الذي وقع البيان أن أشكره على شجاعته في تحمل مسؤولية التوقيع وتبني ما جاء في البيان كرد على حواري مع جريدة “هيسبريس” الإلكترونية، والذي نقلته مجموعة من المواقع. ولست في حاجة إلى التأكيد أن حق الرد والنقد يبقى حقا مشروعا لك ولغيرك، خاصة إذا كان يحمل قيمة مضافة ويسلط أضواء على زوايا تحاول كثير من الجهات إبقاءها في زوايا مظلمة، وفي دركات النسيان.
لكن للأسف لم أجد فيما “تكرمت” به إلا لغة البيانات الخشبية التي لا تفيد الباحثين والمغاربة حمعا الذين يطالبون حزب الاستقلال وغيره بنشر الوثائق والأرشيف، وليس البيانات والخطب المكررة التي ملها المغاربة؛ لأنها لم تعكس أبدا ما جرى وما يجري في الممارسة على الجغرافية السياسية للمملكة المغربية، وأنت وجميع المغاربة نعلم ذلك، حتى إذا كان البعض يتعذر عليه التعبير العلني عما حدث ويحدث أمامه لأسباب لا تخفى عليك. وشخصيا يمكن لي أن أصنف مثل هذه البيانات والردود في باب “مادح نفسه يلومك على التخلف عن إطرائه والثناء عليه”.
قلت في معرض حديث بيانك ونقدك لبعض ما جاء في الحوار “لم يستطع الأستاذ الإدريسي أن ينسلخ عن توجهاته المعهودة ومواقفه اتجاه حزب الاستقلال فقلد بقي وفيا لنهجه المبني على النيل من حزب المغاربة”. فها أنت تؤكد ما يشبه الشعار القديم”من تحزب بغير حزب الاستقلال خان” حين تقول “حزب المغاربة” وليس حزب مغربي كباقي الأحزاب، وقد كررت عبارة “حزب المغاربة” مرتين؛ مما يعني أن العبارة لم تكن من باب السهو، أو الخطأ غير العمدي. وذكرتني عبارة البيان بعبارة أخرى لا تزال متداولة بين بعض المنخرطين في الحزب عندما يقولون “نحن الوطنيين”، وكأن المغاربة غير المنضوين في حزب الاستقلال ليسوا وطنيين، ويتم بالتالي إنكار صفة الوطنية على أحزاب أخرى معتمدة رسميا، وعلى المغاربة المنتمين إليها، وعلى غير المنتمين إما اختيارا, وإما امتثالا للدستور كشخص الملك.
وأنت تعرف يا صاحب البيان حمولة مثل هذه العبارات وهي نفسها إلى أدت إلى تلك الأحداث السيئة الذكر، فمن لم يكن استقلاليا كان عدوا تجب تصفيته؛ وفي مقدمة الجميع جيش التحرير، الذي كان يوصف من قبل بعض قيادات الحزب بالإرهابيين، هل هذا تذكير فارغ أيضا، وغير لائق كذلك؟
أما ما اعتبرته توجهات ومواقف معهودة من حزب الاستقلال؛ فمما لا شك فيه أنها ستبقى وستتواصل إلى أن يقتنع حكماء الحزب الغيورين على سمعته وسمعة بلدهم، ويقتنع كل من يملك أرشيف ووثائق ذات صلة بتاريخنا الراهن، الذين يهمهم التقليل من عثرات الطريق نحو المستقبل أن ينشروا وثائق تلك المرحلة بكل أمانة لكي يستطيع المؤرخون، القيام بعملهم “بكل تجرد وموضوعية، بعيدا عن الاعتبارات السياسية الظرفية” تساوقا مع ما جاء في خطاب صاحب الجلالة بتاريخ خطاب 6 يناير 2006. آنذاك فقط سنكون مخطئين إذا لم نحيي فيهم شجاعتهم الوطنية. وسأكون شاكرا حينئذ لكل من يصحح لي ما اعتبرته ” أحكاما فارغة” بالدليل والبرهان وليس بالبيان الحزبي ولغة الخشب… التي ستبقى في مستوى حديث خرافة أم عمرو.
يقول صاحب البيان الذي اختلط عليه الأمر بين حزب الاستقلال التاريخي لفترة ما قبل انشقاقه على نفسه سنة 1959، وبين حزب الاستقلال الحالي إن “ما عاشه المغرب سنوات 1958/1959 يجب أن ينظر إليه من زاوية التحليل التاريخي الواقعي البعيد عن إملاءات مزاجات أطراف تسعى للنيل من حزب الاستقلال بشتى الطرق مروجة و مصطنعة أكاذيب تسوق للأجيال الصاعدة التي وصلها من هذه الأحداث القليل وبالتالي أضحت لقمة سائغة لكل الأقاويل و الحكايات المنسوجة و روايات وشهادات أحادية الجانب كانت وراءها دوافع تصفية تركة حسابات تاريخية بشمال المغرب جل أصحابها انتقلوا إلى الدار الآخرة رحمة الله عليهم”.
أسجل في البداية أنني لست منتميا لأي جمعية سياسية أو حزب حتى أكون تحت إملاءاته التي لا تختلف في جملتها عن أملاءات حزب الاستقلال وعن هدفه في الظفر بمغارة علي بابا وكنزها وحده. وأؤكد أن القيم التي أنتمي إليها وأخلاقي التي أعتز بها تجعلني لا أخشى فيما أراه حقا لومة لائم، أو معتقلا سيء الذكر كمعتقل دار بريشة، أو أقبية معتقل درب مولاي الشريف غير اللائقة بهذا الوطن. ثم ماذا يمنع الحزب من تقديم ما لديه من وثائق حتى ينجز التحليل التاريخي الواقعي. وسنكون حينئذ سعداء بأن نقرأ في بياناتكم ” وشهدا شاهد علينا من أهلنا”.
ومما لاشك فيه أن هناك في حزب الاستقلال من الأساتذة الباحثين والمفكرين الذين أتشرف بمعرفتهم وأعتز بصداقة البعض منهم من يشاركني وزملائي الرأي بأنه في غياب أو تغييب الوثائق والأرشيف المحلي، يكون من الصعب أن تجيب أبحاثنا عن التساؤلات المشروعة التي يطرحها علينا المواطنون المغاربة ويحملوننا مسؤولية التكتم الحاصل في ثقافتنا التاريخية والسياسية؛ لأن الباحث في التاريخ ليس من قراء الفنجان، أو من مبتدعي الأساطير الخارقة؛ كأسطورة ظهور صورة محمد الخامس في القمر، التي تُخرج محمد الخامس، رحمه الله، من طور الإنسانية، قبل أن تستهين بعقول المغاربة، وتستغل فيهم مشاعرهم الوطنية نحو ملكهم بتحويلهم إلى كائنات بدائية تؤمن بالخرافات التي يمقتها الإسلام والعلم والمنطق، ترى من اصطنع وروج الأكاذيب على التاريخ وعلى الشعب المغربي، بل على محمد الخامس نفسه؟
أما ما يراه البيان سلوكا غير ذي جدوى في حق الأجيال الصاعدة التي لم يصلها غير القليل من تلك الأحداث التي انتقل أصحابها إلى ألدار الآخرة، فيؤكد فيما يؤكد الدفاع عن ثقافة النسيان ورفض دعوات الباحثين للجهات المعنية للكشف عن الوثائق حتى لا يتم الاعتماد على الوثائق الأجنبية فحسب، لكي يتسنى لهم القيام بمحو الذاكرة المغربية الجماعية، واتهام الباحثين بالتبعية للاستعمار حين يلجئون إلى وثائقه لإنجاز أبحاثهم، تماما كما اتهم قادة حركة 1958 بأنهم كانوا بيادق في يد الاستعمار. وفي أحسن الأحوال يصفونهم بما وصفني به البيان.
لكن الأسوأ أن البيان الموقع من قبل السيد خالد بنحمان نسب إلى حواري ما لم يرد فيه أبدا حين يقول: ” اعترف الأستاذ الإدريسي بغياب مسؤولية حزب الاستقلال بأحداث1959 التي نبسها إلى تنظيم آخر وكأنه يلقي بكل الوطنيين في سلة مهملات تاريخ أصبح يبحث له عن تفصيلة لن تفيد البلاد ولا العباد”. لا أدري من هو هذا التنظيم المقصود في البيان؟ فأنا لم أتكلم في الحوار عن دور حزب الحركة الشعبية، الذي كان في طور الجنينية، ولا حزب الشورى والاستقلال الذي كان قد أُدْخل إلى الغيبوبة أو ما يسمى الموت السريري بكثرة ما تعرض له مناضلوه من قمع وتصفية على يد حزب الاستقلال، وهروب المنتفعين منه للاحتماء بالملك كأشخاص ليس إلا.
إن الذي كان حاكما أثناء الهجوم على الريف هو حزب الاستقلال برئاسة عبد الله إبراهيم، بعد استقالة أحمد بلافريج. وإذا كانت مفتشية حزب الاستقلال في الناضور لا تعرف أن الانشقاق حصل بين مجموعة فاس ومجموعة الرباط وسلا والدار البيضاء بعد انتهاء أحداث الريف بما انتهت إليه، فإن ذلك قد يدل على طبيعة الثقافة التاريخية والسياسية للحزب العتيد، الذي يتهم مخالفيه بالجهل ويواجههم بلغة الحديد.
وأؤكد للمفتشية ولكاتب الرد وللقراء ولجميع المغاربة أن جزءا كبيرا من تلك الأحداث يتحملها حزب الاستقلال بكل مكوناته قبل الانشقاق الذي حصل في صفوفه. كما تتحمل الحركة الشعبية بقيادة المحجوبي أحرضان وعبد الكريم الخطيب نصيبا من المسؤولية قد لا يقل عما يتحمله حزب الاستقلال القديم؛ فأحرضان والخطيب كانا وراء إشعال فتيلها في كَزاية بإقليم تازة، قبل أن تنقل بقوة “فاعل خير” إلى الريف الأوسط، مسقط رأس الخطابي، لتجعل من المطالبة برفع الظلم الاجتماعي عن المنطقة “فتنة، وتمردا، وتهديدا للوحدة الوطنية، وخروجا عن طاعة ولي الأمر،” إلى آخر تلك القائمة الطويلة من التهم التي اشترك فيها حزب الاستقلال القديم والمخزن معا لتصفية حسابات معينة سيكشف عنها التاريخ حتما.
أما من يعتقد بغير ذلك فهو غافل عن مكر التاريخ, كما أن كل من يعتقد بأن التاريخ هو مجرد أحداث ماضية يطويها الزمن، فهو واهم؛ لأن التاريخ ديمومة أو كما كان يقول أستاذنا محمد عزيز لحبابي “حيْنونة”، أو حركة دائبة يصعب، بل يستحيل الفصل بين ما حدث ذات لحظة من الزمن السائل والحاضر المولَّد من ذلك السيلان المتبلور في سلوكنا، والمنبئ بما سيكون عليه غدنا. ومما لا شك فيه أن مسارنا وبناء هويتنا وتجديد طموحاتنا تتشكل من حركة التاريخ الحي وليس من الماضي الميت، ولذلك فنحن إذا ركنّا إلى القول الذي يردده البعض بإن التاريخ هو الماضي الذي انقضى أمسينا نحن أيضا كائنات ماضوية.
وأنتهز الفرصة التي أتاحها لي بيان حزب الاستقلال، أو جريدة العلم، أومفتشيتهما في الناضور، أو هم جميعا، أن أجدد النداء إلى كل الفاعلين الذين كان لهم دور ما في كل الأحداث التي عرفها المغرب المستقل، الأحياء منهم وورثتهم، الأحزاب والأشخاص، وإلى دوائر الدولة لرفع السرية عن الوثائق والأرشيف المتعلق بمرحلة ما بعد الاستقلال خدمة للحمة الاجتماعية وتعميقا للوحدة الوطنية. أما البيانات والخطب والشعارات فهي لم تعد تقنع أحدا. والذي يعتقد بأنه سيكذب على الناس كل الوقت فإنما يكون يكذب على نفسه أولا وقبل أي أحد، ولا يأخذ العبرة من كذب سابقيه.
وآتي الآن إلى تقديم توضيح، أراه واجبا أخلاقيا علي، لصاحب البيان (والبيان جاء من الناضور وليس من الرباط، والقصد واضح، فشرح الواضحات من المفضحات). وهذا التوضيح يخص الزعيم علال الفاسي بالدرجة الأولى، وجريدة “العلم” بدرجة من الدرجات.
فبشأن سؤال البيان الاستنكاري “كيف سمح هذا الباحث لنفسه بالتهكم على الزعيم علال الفاسي الذي نهلت منه أعلام و رجالات العلم في المشرق و المغرب و مثل شعلة في الوطنية منذ ريعان شبابه، أم أن الأستاذ نسي أن علال الفاسي ظل فكره شاملا كل أرجاء الوطن بما فيه منطقة الريف؟ أبادر وأقول ليس من طبعي ولا من أخلاقي التهكم على أي إنسان، خاصة إذا كان هذا الإنسان في مكانة الأستاذ الكبير محمد علال الفاسي. وإذا كان الكلام الذي نقلته عن جريدة “العلم”، المنشور بتاريخ 25 يناير 1959 يعد تهكما بشخص الزعيم، فيجب أن يوجه اللوم إلى أصحابه وليس إلى ما نقلته بأمانة ونزاهة عن الجريدة.
أما فيما يخص علم الأستاذ محمد علال الفاسي وفكره . فإن هذا لا ينكره إلا جاهل أو جاحد؛ فكتبه وأفكاره لا تزال من منارات العلم لنا جميعا، وبخاصة كتابه “النقد الذاتي، الذي ظهر إلى الوجود قبل استقلال المغرب بسنوات، وكتابه ” مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها”. والمشكلة ليست في الآراء والنظريات الفكرية، وإنما في السياسات والممارسات.
أما ما اعتبره البيان “إقحاما” ل”جريدة “العلم” في هذه الأحداث التي رسم لها (أي الإدريسي) صورة مغايرة للوقائع التاريخية التي حبلت بها سنوات 1958/1959 بسلبياتها و إيجابياتها حيث استحضر أرشيف الجريدة في تلك الفترة معتبرا قصاصاتها و افتتاحياتها تضرب عمق المجتمع الريفي مع أن الحقيقة هي رسائل وجهتها العلم كإشارة لكل من حاول زرع الفتنة و الركوب على أحداث بغرض تحقيق طموحات لم تخفى بعض تفاصيلها عن المتتبعين. فالجريدة حينذاك حافظت على أسلوبها كضمير للأمة و عملت على تهدئة النفوس تفاديا لانعكاسات كادت تجر البلاد إلى منعطفات خطيرة وهي في بداية سنوات الاستقلال”.
فأرجو أن يكون لدى المشرفين على جريدة “العلم” الشجاعة الأدبية الكافية ليعيدوا نشر افتتاحياتها وتصريحات قادة الحزب وافتتاحيات جريدة حزب الاستقلال الثانية الناطقة بالفرنسية، من أجل أن يعرف كل الناس ما كان ينشر آنذاك مباشرة، بدون وسائط أو إصدار بيانات، ولكي يتأكد المغاربة من أن جريدة العلم “حافظت على أسلوبها كضمير للأمة, وأنها كانت تدعو إلى علاج الموقف بما يقتضيه من الحزم والابتعاد عن المسكنات التي لا تجدي نفعا فيتأثر استقرار البلاد ووحدتها وتزداد الميكروبات الموبوءة.” نعم، بهذه العبارات وبمثلها وبألعن منها وصفت جريدة “العلم” المغاربة المطالبين برفع الظلم الاجتماعي عنهم وعن وطنهم المختطف من قبل أولئك الذين قال بشأنهم الجنرال دوكَول “هيأناهم ليحلوا محلنا”.
لا يسعني في الختام إلا أن أطالب أحرار المغرب أن يفكروا بصوت عال، كشركاء في الوطن الذي ليس لنا وطن آخر غيره، وأن يمارسوا حقهم في المواطنة المستعادة والكريمة في ظل “الملكية المواطنة” بقيادة جلالة الملك محمد السادس، وحمايتها حتى لا تختطف كما خطفت أحلامنا ذات يوم ونحن ننشد “مغربنا وطننا روحي فداه.”


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.