1. الرئيسية 2. تقارير ملف "الدماء المنسية" يعود إلى الواجهة.. مطالب لمدريد بفتح تحقيق في هجمات "إرهابية" للبوليساريو على بحارة إسبان ومغاربة الصحيفة - خولة اجعيفري الجمعة 15 غشت 2025 - 21:42 وجّه المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية بالرباط، رسالة رسمية إلى كل من رئيس الحكومة الإسبانية، ووزيرة الدفاع، ووزير الشؤون الخارجية، ورئيسة مجلس النواب، يدعو فيها إلى فتح تحقيق برلماني شامل حول الهجمات التي استهدفت، خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، سفن الصيد العاملة في السواحل المحيطة بالصحراء المغربية، وخاصة تلك التي كانت ترفع العلم الإسباني أو تضم أطقم عمل مشتركة من البحارة الإسبان والمغاربة. الرسالة، طالبت كذلك بمراجعة الموقف الرسمي الإسباني من جبهة البوليساريو، على ضوء المعايير الدولية لمكافحة الإرهاب، في انسجام مع الأصوات المرتفعة في الكونغرس الأمريكي مؤخرا في مسار تصنيف هذه الجبهة كتنظيم إرهابي. المرصد ذكّر في مراسلته بأن هذه الهجمات، الموثقة عبر شهادات مباشرة للضحايا وذويهم، أسفرت عن مقتل وإصابة عدد كبير من البحارة المدنيين، فضلا عن اختطاف بعضهم واحتجازهم في مخيمات تندوف من طرف الجبهة الانفصالية، وقد نُفذت هذه العمليات بأسلحة ثقيلة وبأساليب منسقة، تتطابق مع التعريفات القانونية الدولية للأعمال الإرهابية. ووفق المعطيات المعلنة من السلطات الإسبانية، فإن ما يقارب 289 مواطنا إسبانيا تم تسجيلهم كضحايا لهذه الهجمات، إما بالقتل أو الاختطاف، دون أن يتم فتح تحقيقات مؤسسية جادة أو اتخاذ إجراءات قانونية حازمة بشأن هذه الوقائع، وهو ما يطرح، حسب المرصد، إشكاليات واضحة تتعلق بمبدأ المساواة أمام القانون، ويمس بحقوق الضحايا في العدالة والإنصاف. المراسلة التي اطلعت عليها "الصحيفة"، تضمنت ثلاث مطالب صريحة تتمثل فتح تحقيق برلماني شفاف وشامل يحدد المسؤوليات السياسية والقانونية عن هذه الجرائم، الاعتراف الرسمي بمعاناة الضحايا وعائلاتهم وإدراج هذه الحالات ضمن الجهود الوطنية لمكافحة الإرهاب، ومراجعة الموقف الإسباني من جبهة البوليساريو بما ينسجم مع الالتزامات الدولية في مكافحة الإرهاب، وقد أعرب المرصد عن استعداده الكامل للتعاون مع المؤسسات الإسبانية المختصة لتوثيق الوقائع بدقة وكشف الحقيقة وتحقيق الإنصاف. من جهة ثانية، فإن أهمية هذه الدعوة تتعاظم حين توضع في سياقها التاريخي ففي أواخر سبعينيات القرن الماضي، ومع احتدام الصراع حول الصحراء ، لجأت جبهة البوليساريو إلى توسيع دائرة عملياتها المسلحة لتشمل استهداف سفن الصيد العاملة في المنطقة وأشهر هذه الحوادث وقعت سنة 1978، حين تعرضت سفينة "كروز دل مار" لهجوم مسلح قبالة سواحل الداخلة، أسفر عن مقتل خمسة من أفراد الطاقم الإسباني، ونجاة ثلاثة فقط بعد أن قفزوا إلى البحر. وفي عام 1980، جاءت مأساة "مينسي دي أوبونا"، حيث قتل معظم أفراد الطاقم في ظروف وحشية، وعُثر على جثث تحمل آثار تعذيب، بينما أُلقي أحد البحارة في البحر مكبل اليدين والقدمين وعليه راية الجبهة، أما في 1985، فقد تعرضت سفينة "جونكيتو" لإطلاق نار من مدفع ثقيل، ما أسفر عن مقتل البحار غييرمو باتيستا، وإصابة آخرين، مع اختطاف أفراد الطاقم ونقلهم إلى الجزائر قبل الإفراج عنهم لاحقاً. وهذه الحوادث لم تكن عرضية أو نتيجة اشتباك مسلح مباشر، بل كانت عمليات مخططة تستهدف مدنيين، وهو ما يضعها في خانة جرائم الحرب وفق اتفاقيات جنيف، وأعمال الإرهاب البحري وفق التعريفات الحديثة وقد وثقت تقارير إسبانية آنذاك أن هذه الهجمات خلفت أثرا عميقا في الذاكرة الجماعية بجزر الكناري، حيث نُظمت لاحقا وقفات ومسيرات تطالب الحكومة الإسبانية بالاعتراف بالضحايا وتعويض أسرهم. ورغم أن بعض هذه الحالات أُدرجت لاحقا ضمن قوائم ضحايا الإرهاب في إسبانيا، إلا أن هذا الاعتراف جاء متأخرا ولم يُترجم إلى مساءلة أو تحقيق سياسي شامل، فيما يُرجع مراقبون هذا التجاهل إلى حساسية ملف الصحراء المغربية في السياسة الخارجية الإسبانية، وتوازناتها المعقدة مع الجزائر، الداعم الرئيسي لجبهة البوليساريو. ومن منظور القانون الدولي، يمكن تصنيف هذه الهجمات ضمن فئتين متداخلتين هما الإرهاب البحري وجرائم الحرب، فالأول كما حدده "اتفاق روما لسنة 1988" لقمع الأفعال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحرية، يشمل أي عمل عنيف ضد سفينة أو ركابها في البحر بقصد ترهيب السكان أو إجبار حكومة أو منظمة دولية على القيام بعمل أو الامتناع عنه وفي هذه الحالات، كان الهدف المعلن أو الضمني هو الضغط السياسي على إسبانيا والمغرب، من خلال ضرب أهداف مدنية اقتصادية بحتة، ما يضعها مباشرة في نطاق هذا التعريف. أما جرائم الحرب، فتستند في هذه الحالة إلى أحكام "اتفاقيات جنيف" لعام 1949، التي تحظر استهداف المدنيين في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، والبحارة المدنيون على متن سفن الصيد يُعتبرون أشخاصا محميين، وأي اعتداء عليهم خاصة في غياب مواجهة مسلحة مباشرة، يعد انتهاكا جسيما قد يرقى إلى جريمة حرب، وهو ما يعطي للضحايا أو ذويهم الحق في المطالبة بتحقيقات دولية أو إحالة الملفات إلى هيئات قضائية مختصة. إضافة إلى ذلك، فإن القانون الإسباني نفسه، بعد إصلاحاته المتعلقة بمكافحة الإرهاب، يتيح ملاحقة الجرائم الإرهابية المرتكبة ضد مواطنين إسبان حتى خارج أراضي الدولة، ما يجعل فتح تحقيق برلماني ليس فقط مسألة سياسية أو أخلاقية، بل التزاما قانونيا على مؤسسات مدريد. ورسالة المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية في هاته الحالة، تمثل تحركا استراتيجيا يعيد ملفا منسيا إلى دائرة الضوء، ويضع إسبانيا أمام امتحان شفافيتها وقدرتها على موازنة حساسياتها الدبلوماسية مع التزاماتها القانونية والإنسانية، كما أن فتح تحقيق برلماني في هذه الهجمات قد يكون ليس فقط إنصافا لضحايا الماضي، بل إشارة إلى أن القانون الدولي ومبادئ العدالة يمكن أن تسود حتى بعد عقود من الصمت.