1. الرئيسية 2. المغرب أخنوش يُخوصص مرافق جماعة أكادير.. والمعارضة تعتبر الخطوة تعكس الفشل الذريع في ممارسة أبسط مهام التدبير الجماعي الصحيفة - خولة اجعيفري السبت 30 غشت 2025 - 15:42 أعلن المجلس الجماعي برئاسة عزيز أخنوش، رئيس الحكومة ورئيس جماعة أكادير، عن توجهه نحو خوصصة عدد من المرافق والخدمات الجماعية، وذلك خلال اجتماع رسمي عقد الاثنين الإثنين، وهو القرار الذي وُصف من طرف معارضين بكونه بمثابة "إعلان رسمي عن الفشل في التدبير"، بعدما أشار صراحة إلى اعتماد "أنماط جديدة لتدبير المرافق الجماعية بما يضمن جودة الخدمات واستدامتها". وحسب نص البلاغ الذي اطلعت عليه "الصحيفة"، فإن هذه الخطة تشمل تفويت تدبير المتاحف، قصبة أكادير أوفلا، المسابح الرياضية، ملجأ الحيوانات الضالة، المرابد، مع التفكير في صيغ خاصة بالمحطة الطرقية ودار الفنون، كما أورد البلاغ أهمية إشراك القطاع الخاص في مجالات تتطلب خبرات متخصصة مثل تدبير المساحات الخضراء وصيانة الإنارة العمومية والنافورات والمراحيض العمومية. وقد أثارت صياغة هذا البلاغ، موجة من السخرية بعدما تساءل معارضون كيف لجماعة ترابية من حجم أكادير أن تعجز حتى عن تدبير "المراحيض العمومية" وتدفع ساكنتها نحو تحمل تبعات اللجوء إلى الخوصصة، ومن بينهم عبد العزيز السلامي، عضو المجلس الجماعي عن فريق فدرالية اليسار الديمقراطي، الذي اعتبر أن هذا التوجه "يمثل فشلا صريحا للفريق المسير ولرئيسه في ممارسة صلاحياته وتنفيذ التزاماته السياسية ووعوده الانتخابية تجاه الساكنة"، حيث أكد أن ما يجري هو "تهريب للمهام الموكلة للمجلس نحو شركات القطاع الخاص، رغم أن الأمر يتعلق بمشاريع حيوية أُنجزت بكلفة مالية ضخمة من أموال دافعي الضرائب". السلامي ذهب أبعد من ذلك، حيث تساءل أيضا عن المستفيد الحقيقي من هذه "الهستيريا" على حد وصفه، في تفويت قطاعات حيوية بجماعة أكادير إلى الخواص، مضيفا: "كيف يعقل أن نصف ميزانية الجماعة مخصص لمصاريف التسيير، ورغم ذلك تعجز عن تدبير مرافِقها؟ وإذا كان المجلس لا يستطيع القيام بأبسط مهامه، فما جدوى الديمقراطية التمثيلية وما معنى التدبير المحلي للشأن العام؟". ويطرح هذا القرار إشكالات متعددة حول جدوى النموذج التدبيري الذي اعتمده المجلس الحالي بقيادة أخنوش، خاصة في ظل الشعارات التي رُفعت خلال الانتخابات الجماعية لسنة 2021 حول "الحكامة الجيدة" و"التسيير العصري"، غير أن الانتقادات تذهب إلى أن المجلس اختار الطريق الأسهل بتفويت المرافق الجماعية للقطاع الخاص عوض تحمل مسؤولية إصلاح الأعطاب الداخلية المرتبطة بتدبير الموارد البشرية والمالية. وساكنة أكادير، التي كانت تنتظر مشاريع تنموية كبرى ووعودا انتخابية بالارتقاء بجودة العيش تجد نفسها اليوم أمام واقع مغاير هو خدمات أساسية سيتم تفويتها إلى الخواص، مع ما قد يترتب عن ذلك من انعكاسات على أثمنة الاستفادة منها وعلى طابعها العمومي، فيما يرى مراقبون أن قرار خوصصة هذه المرافق يفتح الباب أمام نقاش أوسع حول حدود التدبير الجماعي، وحول ما إذا كانت الجماعات الترابية قادرة فعلا على تحمل مسؤولياتها الدستورية في مجال تقديم الخدمات العمومية، أم أنها ستتحول تدريجيا إلى مجرد واجهات سياسية تنقل الأعباء إلى شركات خاصة. من جانبه، قال مصدر مسؤول داخل جماعة أكادير ل "الصحيفة"، إن ما يروج حول "فشل المكتب المسير" ليس سوى قراءة انتقائية تغفل حقيقة المعطيات، مؤكدا أن قرار إشراك القطاع الخاص "خيار مدروس يندرج في إطار الحكامة الحديثة، وليس تهريبا للمهام كما يُروّج". وأضاف المصدر ذاته: "من غير المقبول الاستمرار في التضحية بجودة الخدمات من أجل حسابات سياسية ضيقة، فالساكنة تريد مرافق تشتغل بمعايير حديثة، وليس أعذاراً عن عجز في التسيير التقليدي". المصدر شدد على أن "المجلس لم يتخل عن صلاحياته، بل يبتكر أنماطا جديدة لتدبير المرافق تضمن استدامة المشاريع التي كلّفت أموالا طائلة من جيوب دافعي الضرائب"، معتبرا أن "التركيز على عبارات مثل 'المراحيض العمومية' محاولة لتبخيس النقاش وتحويل الأنظار عن جوهر الموضوع، وهو أن المدينة تحتاج إلى خدمات بمستوى تطلعاتها السياحية والتنموية". وأشار المصدر إلى أن نصف ميزانية الجماعة يُستهلك في التسيير والأجور والالتزامات الثابتة، "ومع ذلك تُنتقد الجماعة لأنها تبحث عن بدائل مبتكرة لتأمين صيانة مرافقها" مضيفا: "من السذاجة أن يُختزل هذا القرار في اتهامات بالفشل، بينما هو في الحقيقة تعبير عن شجاعة سياسية لمواجهة واقع إداري ومالي صعب". وأوضح المصدر ذاته، أن اللجوء إلى إشراك القطاع الخاص "يتم وفق مساطر قانونية واضحة، تضمن للمجلس الجماعي الاحتفاظ بدور المراقبة والتتبع وتحديد شروط العقود"، مضيفا: "الأمر لا يتعلق ببيع أو تفويت دائم للمرافق، بل بصيغ شراكة مؤقتة أو تفويض للتدبير، تخضع لتقارير دورية ومراقبة دقيقة من طرف الجماعة ومجلسها". كما شدد على أن "المجلس واعٍ بحساسية هذا الموضوع، ولهذا فإن أي اتفاقية ستأخذ بعين الاعتبار القدرة الشرائية للساكنة وضمان استفادتها من الخدمات بجودة عالية دون إثقال كاهلها بتكاليف إضافية"، مؤكدا أن الهدف النهائي هو "الحفاظ على استثمارات ضخمة أنجزت من المال العام، وضمان استمراريتها في خدمة المواطنين، بدل تركها عرضة للإهمال أو التدهور بفعل محدودية الموارد البشرية والمالية المتاحة". وختم المصدر حديثه بالقول: "الساكنة ستحاسبنا على النتائج لا على الشعارات، وإذا كنا قد اخترنا صيغة الشراكة مع القطاع الخاص، فلأننا نؤمن أن مصلحة أكادير فوق الحسابات السياسوية الضيقة التي تحاول بعض الأطراف الركوب عليها. من جهة أخرى، فإن القانون المغربي يضع إطارا واضحا لمسألة تدبير المرافق العمومية فالفصل 136 من دستور 2011 رسّخ مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية، وأكد على التعاون والتضامن ومشاركة السكان في تدبير شؤونهم، كما أن الفصل 140 نصّ على أن الاختصاصات توزّع بين الدولة والجماعات الترابية على أساس مبدأ التفريع، أي أن الجماعات هي الفاعل المباشر في ما يخص المرافق والخدمات المحلية. وهذا المبدأ فصّله القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، حيث تنص المادة 83 على أن الجماعة تُحدث وتُدبّر المرافق العمومية المحلية، فيما تحدد المادة 84 صيغ التدبير الممكنة التدبير المباشر، الوكالات المستقلة، شركات التنمية المحلية، أو التدبير المفوض. أما القانون رقم 54.05 المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العمومية فقد جاء ليضبط بدقة شروط هذا النمط من التدبير من ضرورة المرور عبر مساطر شفافة ومنافسة مفتوحة، إلى تحديد مدة العقود بوضوح، مع الإبقاء على الجماعة صاحبة القرار في المراقبة وضمان احترام الطابع العمومي للخدمة. وانطلاقا من هذه المقتضيات، فإن قرار جماعة أكادير باللجوء إلى إشراك القطاع الخاص لا يُعتبر خرقا للقانون، لكنه يطرح إشكالا سياسيا وأخلاقيا حادا، فالمشرع لم يمنح الخوصصة باعتبارها بديلا مطلقا عن التدبير الجماعي، بل كخيار استثنائي يُلجأ إليه عندما يعجز التدبير المباشر عن مواكبة التحولات التقنية أو متطلبات الجودة لذلك، فإن النقاش الحقيقي لا يكمن في مدى قانونية الخطوة، بل في مدى انسجامها مع روح النصوص التي تستهدف تعزيز المشاركة، ترسيخ الحكامة الجيدة، وصيانة الطابع العمومي للمرافق. وبالتالي، فإن مجلس جماعة أكادير الذي يرأسه عزيز أخنوش رئيس الحكومة يبقى مسؤولا أمام الساكنة عن أي إخفاق في جودة الخدمات أو ارتفاع تكلفتها، حتى لو كان التفويت محاطا بالغطاء القانوني، لأن النصوص الدستورية والتنظيمية تضعه في موقع الضامن الأول لمصلحة المواطنين قبل أي اعتبار آخر.