1. الرئيسية 2. تقارير تقرير ل"ديفينسا": المغرب اختار التحديث النوعي للجيش وتوطين الصناعات الدفاعية في حين تراهن الجزائر على الإنفاق العسكري الكمي لضمان التفوق العددي الصحيفة - إسماعيل بويعقوبي الأثنين 27 أكتوبر 2025 - 11:37 سلّط تقرير حديث، الضوء على ملامح سباق تسلح متجدد بين المغرب والجزائر، حيث خصص البلدان ميزانيات دفاعية غير مسبوقة خلال عام 2026، تعكس رؤيتين متباينتين للأمن القومي والاستراتيجية العسكرية في المنطقة، إذ في الوقت الذي يتجه فيه المغرب نحو تحديث نوعي وتوطين للصناعة الدفاعية، تواصل الجزائر الرهان على الإنفاق الكمي الضخم للحفاظ على تفوقها العددي والتقني في موازين القوى التقليدية. ووفقًا لمعطيات التقرير الذي نشرته منصة "ديفينسا" المتخصصة، فإن مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2026 يعبّر بوضوح عن رغبة الرباط في تسريع وتيرة تحديث قواتها المسلحة وتعزيز قاعدة صناعتها الدفاعية الوطنية، عبر تخصيص اعتمادات غير مسبوقة بلغت 157,17 مليار درهم مغربي (حوالي 14,7 مليار يورو)، أي السقف المالي المخصص لعقود التسلح والبنيات التحتية الممتدة على عدة سنوات. وبحسب المنصة الاسبانية، فقد تم توسيع نطاق هذه الاعتمادات لتشمل مشاريع البنية التحتية العسكرية الضرورية لفائدة القوات المسلحة الملكية، في زيادة بلغت 17,7 % مقارنة بالعام السابق، أما الميزانية الفعلية المقررة للصرف خلال 2026، والتي تُعرف باعتمادات الأداء، فتبلغ 55,3 مليار درهم (نحو 5,15 مليار يورو)، موجهة لتغطية النفقات الجارية وأجور الأفراد وصيانة العتاد وتسديد دفعات العقود السابقة. وتشير المنصة الإسبانية إلى أن الأموال المرصودة تتجه نحو هدفين متوازيين، أولهما استكمال برامج التحديث النوعي للفروع المختلفة من الجيش عبر اقتناء منظومات قتال متطورة وتقنيات عالية وتطوير البنيات التحتية، وثانيهما دعم الصناعة الدفاعية الوطنية عبر الإنتاج المشترك ونقل التكنولوجيا مع شركاء مثل الولاياتالمتحدة وإسرائيل والهند وتركيا، في مسعى لتقليص التبعية الخارجية وتعزيز السيادة الصناعية في مجالات حيوية كصيانة المعدات وصناعة الذخيرة والأنظمة التكتيكية الخفيفة. كما يشمل المشروع المالي، وفق المصدر ذاته، إحداث 5500 منصب شغل جديد في صفوف القوات المسلحة، وتخصيص زيادة لافتة لمركز الترصّد الفضائي الملكي، بما يعكس تزايد أهمية قدرات الاستطلاع والاستخبار الفضائي ضمن العقيدة العسكرية المغربية الحديثة. في المقابل، تُظهر أرقام مشروع ميزانية الدفاع الجزائري لسنة 2026 نهجا مختلفًا تماما، فبحسب "ديفينسا"، خصصت الجزائر 3.205 مليارات دينار جزائري (حوالي 21,1 مليار يورو) كاعتمادات أداء فعلية، إلى جانب 3.305 مليارات دينار (نحو 22,8 مليار يورو) كاعتمادات التزام، وهو تقارب في الأرقام يدل على أن معظم النفقات موجهة لتغطية التكاليف الفورية والعقود قصيرة الأجل، أو لتسديد دفعات ضخمة لاتفاقيات تسلح قائمة. وتشير المنصة إلى أن القوات الجوية الجزائرية ستتسلم قبل نهاية العام الجاري ثلاث طرازات جديدة من المقاتلات الروسية، من بينها 12 طائرة "سوخوي Su-57" من الجيل الخامس، و14 مقاتلة "سو-35" متعددة المهام، و14 قاذفة "Su-34" قيد الاختبار النهائي في روسيا. ويؤكد التقرير أن هذا المستوى من الإنفاق ليس استثنائيًا بل يندرج ضمن سياسة ثابتة جعلت من الجزائر أحد أكبر مستوردي السلاح في إفريقيا والعالم، استنادا إلى عقيدة دفاعية ترتكز على الردع عبر التفوق العددي والاحتفاظ بجيش تقليدي كبير مزود بترسانة ثقيلة، ما يجعل كلفة التشغيل والصيانة كبيرة جدا. وعند وضع هذه الأرقام في سياق القدرة الاقتصادية لكل بلد، تتضح أكثر الفوارق الاستراتيجية بين الجارين، فاستنادا إلى تقديرات صندوق النقد الدولي للناتج الداخلي الخام سنة 2025، تبلغ نفقات الدفاع المغربية نحو 5,1 مليارات يورو، أي ما يعادل 3,4 % من الناتج الداخلي الخام (154 مليار يورو) و7,6 % من الميزانية العامة للدولة (66,6 مليار يورو)، وهي نسبة تفوق المعدل الأوروبي لكنها تبقى في حدود اقتصادية معقولة. أما في الجزائر، فتصل النفقات الدفاعية الفعلية إلى 22,1 مليار يورو، أي ما يمثل 8,9 % من الناتج الداخلي الخام (247 مليار يورو) و15,1 % من الميزانية العامة (146,3 مليار يورو)، ما يضعها ضمن أعلى نسب الإنفاق العسكري في العالم، متجاوزة حتى دولا نفطية كالسعودية (7,3 %) واقتربت من معدلات دول تعيش حالة نزاع دائم مثل إسرائيل (حوالي 9 %). وتبرز الفوارق أيضا-وفق المصدر ذاته- في ترتيب الأولويات الوطنية، ففي الجزائر، يفوق ميزان الدفاع (22,1 مليار يورو) مجموع ميزانيتي التعليم والصحة (18,5 مليار يورو)، بما يعكس هيمنة المقاربة الأمنية التقليدية في سلم الأولويات. في المقابل، يحافظ النموذج المغربي على توازن مختلف، إذ تبقى ميزانية الدفاع (5,1 مليارات يورو) دون مستوى الميزانيات المخصصة للتعليم والصحة مجتمعين (نحو 13,9 مليار يورو)، ما يدل على سعي الدولة إلى تحقيق توازن بين متطلبات الأمن والدفاع وبين أولويات التنمية البشرية والاجتماعية، خاصة بعد احتجاجات "جيل زد" الأخيرة التي شهدت سقوط ضحايا ومصابين ومطالبات شبابية بتحسين الخدمات العمومية. ويردف تقرير "ديفينسا" إلى أن ميزانيات الدفاع لعام 2026 تعكس رؤيتين متباينتين للأمن والمستقبل في شمال إفريقيا، فالمغرب يتبنى نموذج "القوة الذكية" عبر تحديث نوعي وتعاون تكنولوجي واستثمار طويل الأمد في قدراته الصناعية والعسكرية، بينما تراهن الجزائر على "الكمّ الرادع" من خلال الإبقاء على جيش ضخم وتجهيزات كثيفة تتطلب نفقات مستمرة ومرهقة لاقتصاد يعتمد أساسًا على عائدات النفط والغاز.