عبد الحكيم العيّاط الخميس 6 نونبر 2025 - 22:12 هل حان وقت نهاية اقتصاد الريع في الصحراء المغربية؟ لطالما اعتمدت الدولة منذ إسترجاع الأقاليم الجنوبية مقاربة تعتمد اعطاء الامتيازات و الرخص مقابل الولاء هذا الأمر أدى الى انشاء شبه "كارتيلات" عائلية تستفيد من الريع ولكنها لا تقوم بتوزيعه بين ابناء الصحراء المغربية، حيث استحوذت على الثروة ووزعت "بطائق الإنعاش" لحفظ الولاء القبلي والانتخابي. ولكن مع اعتماد مجلس الأمن الدولي للقرار رقم 2797 المتعلق بقضية الصحراء المغربية، يطرح النقاش مجددا حول مستقبل النموذج التنموي بالأقاليم الجنوبية، خاصة في ظل التحولات الإقليمية والدولية التي تشي بأن مرحلة جديدة تتشكل في العلاقة بين التنمية والريع. فهل يكون هذا القرار الأممي إيذانا ببداية نهاية اقتصاد الريع الذي طبع لعقود إدارة الشأن المحلي بهذه الأقاليم؟ فمنذ استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية، اعتمدت الدولة مقاربة تقوم على الولاء مقابل الامتياز، وهو ما أفرز مع مرور الوقت بنية اقتصادية تعتمد على الامتيازات الريعية أكثر من المبادرة الحرة والإنتاج الحقيقي. فقد كانت الصفقات العمومية، ورخص الصيد في أعالي البحار، وامتيازات النقل والرعي، تشكل مصدر أساسي للثروة لفئة محدودة، دون أن تنعكس على تحسين المؤشرات الاجتماعية أو خلق طبقة متوسطة فاعلة في الإنتاج. لكن ما تغير اليوم هو السياق الدولي والداخلي معا. فالقرار 2797 أكد على دينامية الدبلوماسية المغربية ومصداقية مقترح الحكم الذاتي، لكنه في الوقت نفسه يعزز الحاجة إلى نموذج تنموي جديد أكثر فعالية واستدامة. فالمغرب، وهو يحقق مكاسب سياسية غير مسبوقة في الملف، مطالب داخليا بإقناع المنتظم الدولي أن مشروعه ليس فقط مشروع سيادة، بل أيضًا مشروع حكامة وتنمية. ويبدو أن الدولة باتت واعية بضرورة الانتقال من اقتصاد الامتياز إلى اقتصاد الإنتاج، وهو ما تعكسه المشاريع الكبرى كميناء الداخلة الأطلسي، ومناطق الخدمات اللوجستيكية، وربط الأقاليم الجنوبية بالشبكة الوطنية للطاقة والمواصلات. هذه المشاريع تحمل في طياتها رؤية جديدة تسعى إلى إدماج هذه الأقاليم في الاقتصاد الوطني على أساس التنافسية وليس على أساس الريع. غير أن هذا التحول لا يمكن أن ينجح من دون إصلاح ثقافي ومؤسساتي يضع حدا لذهنية الاتكال السياسي على الدولة، ويشجع على روح المقاولة والاستثمار الخاص. فاقتصاد الريع لم يكن مجرد سياسة، بل أصبح نمط ثقافي متجذر يقوم على منطق الزبونية والانتماء القبلي، وهو ما يستدعي إصلاح عميق في منظومة التمثيلية المحلية والمؤسسات المنتخبة. كما أن الجيل الجديد من أبناء الصحراء، لم يعد يقبل بالمنطق الريعي الذي يحصر التنمية في أيدي قلة من المستفيدين. هؤلاء الشباب يطالبون بفرص متكافئة، واستثمارات حقيقية تخلق الشغل والقيمة المضافة، بدل استمرار الريع في تعطيل الطاقات. من جهة أخرى، يضع القرار 2797 المغرب أمام تحدي إعادة صياغة سرديته التنموية أمام العالم. فالمجتمع الدولي، الذي منح ثقته للمبادرة المغربية، ينتظر نموذجا ناجحا في التنمية المحلية يُترجم فعلاً مبادئ الحكم الذاتي في بعدها الاقتصادي والاجتماعي. إن نهاية اقتصاد الريع في الأقاليم الجنوبية لن تكون قرار إداري أو إجراء فوقي، بل تحول استراتيجي يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، ومحاسبة شفافة، وجرأة في القطع مع شبكات المصالح التي راكمت الثروة على حساب التنمية. فالمغرب الجديد الذي يسعى إلى الريادة الإقليمية لا يمكن أن يستمر في تحمل كلفة الريع، لا في الجنوب ولا في غيره. لقد آن الأوان لأن تتحول الأقاليم الجنوبية من مجال للإنفاق السياسي إلى قطب للإنتاج الوطني، ومن فضاء للامتيازات إلى نموذج في العدالة المجالية. حينها فقط يمكن القول إن القرار 2797 لم يكن مجرد انتصار دبلوماسي، بل لحظة تاريخية لانطلاق عهد ما بعد الريع في الصحراء المغربية. باحث جامعي في العلوم السياسية الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة