نشرة إنذارية: موجة حر مع الشركي من الاثنين إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    مجلس الحكومة المقبل يُناقش مشروعي قانونين حول تنظيم المجلس الوطني للصحافة والنظام الأساسي للصحافيين المهنيين    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية بالعيد الوطني لبلاده    300 مليون أورو من البنك الإفريقي لدعم التشغيل ومواجهة تغير المناخ بالمغرب    فرنسا تعلّق على اعتقال صحفي فرنسي في الجزائر    مدرب أولمبيك آسفي: اللقب جاء في وقته ويمثل مكافأة لتاريخ الفريق ومكوناته    المنتخب المغربي لمواليد 2000 فما فوق يخوض تجمعا إعداديا من 29 يونيو إلى 4 يوليوز    فرحات مهني: الحديث عن القبائل بات جريمة إرهابية في الجزائر    لشكر: هناك مؤامرة لتصفية القضية الفلسطينية    إيران تعلن ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي إلى 935 قتيلا    القضاء ينتصر للوزير.. المهداوي يدان بسنة ونصف وغرامة ثقيلة    بعد ضغوط مقاطعة منتدى الرباط.. الجمعية الدولية لعلم الاجتماع تُعلق عضوية الإسرائيليين    وزير خارجية إسرائيل: نرغب بالتطبيع مع سوريا ولبنان لكننا لن نتنازل عن الجولان    القضاء البريطاني يرفض طلب منظمة غير حكومية وقف تصدير معدات عسكرية الى إسرائيل    تراجع أسعار الذهب إلى أدنى مستوى في شهر    تراجع طفيف في أسعار الإنتاج بقطاع الصناعات التحويلية    تراجع معدل الادخار الوطني إلى 26.8% من الناتج المحلي    سِنْتْرا: حانَةُ المَغرب المُغترب    اختتام فعاليات رالي "Entre Elles" الأول بدرعة تافيلالت    كنون ل"رسالة 24″ تصنيف "البوليساريو" كتنظيم إرهابي بات وشيكا والجزائر في مأزق    أخنوش يمثل جلالة الملك في مؤتمر الأمم المتحدة حول تمويل التنمية        بنسعيد: الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية جريمة تمس الذاكرة الجماعية وتُغذي الإرهاب والجريمة المنظمة    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    حي جوهرة بمدينة الجديدة : اعمى بريقه شاحنات الديباناج وسيارات الخردة.    أمين الكرمة: بعد 104 سنوات من الوجود.. كان الوقت قد حان للفوز بهذا اللقب العريق    بووانو يرفض تصنيف البوليساريو "منظمة إرهابية"    حسين الجسمي: علاقتي بالمغرب علاقة عمر ومشاعر صادقة    رحلات جوية مباشرة تعزز التقارب الصيني السعودي: بوابة جديدة بين هايكو وجدة تفتح آفاق التعاون الثقافي والاقتصادي    الكاف يكشف عن المجسم الجديد لكأس أمم إفريقيا للسيدات الأربعاء المقبل    التامني تحذر من تكرار فضيحة "كوب 28"    الانخفاض يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    بايرن ميونيخ يتجاوز فلامنغو ويضرب موعداً مع سان جيرمان في ربع نهائي المونديال    مقتل شخصين في إطلاق نار بشمال ولاية أيداهو الأمريكية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    ماذا يجري في وزارة النقل؟.. محامٍ يُبتّ في ملفات النقل خارج الوزارة والسماسرة يُرهقون المهنيين    ميسي يقرر الاستمرار مع إنتر ميامي رغم اهتمام فرق الدوري السعودي    شيرين تشعل جدلا في موازين 2025.. "بلاي باك" يغضب الجمهور ونجوم الفن يتضامنون    قيوح ‬يجري ‬العديد ‬من ‬اللقاءات ‬والأنشطة ‬الوزارية ‬الهامة ‬في ‬إطار ‬منتدى ‬الربط ‬العالمي ‬للنقل ‬بإسطنبول    أمن طنجة يتدخل بساحة أمراح لردع الوقوف العشوائي وتحرير مخالفات في حق المخالفين    حريق مهول بمنطقة خضراء بحي الشرف شمال طنجة تسبب في اختناق سيدتين    عبد اللطيف حموشي يطلع على الترتيبات الأمنية لمباراة نهائي كأس العرش بفاس    الأمير مولاي رشيد يترأس نهائي كأس العرش بين نهضة بركان وأولمبيك آسفي بفاس    بدر صبري يشعل منصة سلا في ختام موازين وسط حضور جماهيري    تنصت أمريكي على اتصالات إيرانية بعد ضربات واشنطن يكشف أن البرنامج النووي لم يدمر بالكامل    اشتداد موجة الحر في جنوب أوروبا والحل حمامات باردة وملاجىء مكيفة    حفل شيرين يربك ختام "موازين"    القفز بالرأس في الماء قد يسبب ضرراً للحبل الشوكي    طبيب يحذر من المضاعفات الخطيرة لموجة الحرعلى صحة الإنسان    خريبكة.. الفيلم الصومالي "قرية قرب الجنة" يحصد الجائزة الكبرى    موازين 2025 .. مسرح محمد الخامس يهتز طرباً على نغمات صابر الرباعي    تراجع تلقيح الأطفال في العالم يهدد حياة ملايين الأشخاص وفقا لدراسة حديثة    تراجع التلقيحات يعيد شبح الأوبئة .. والمختصون يطالبون بتعبئة مغربية    ضجة الاستدلال على الاستبدال    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكاتب الأمريكيّ بُولْ بَاوَلز في ذكراه: من مدينة ناطحات السّحَاب إلى حَاضِرة مُلتقىَ البَحْريْن طنجة
نشر في الصحيفة يوم 28 - 01 - 2022

في الثلاثين من شهر ديسمبر المنصرم 2021 مرّت الذكرى 112 لميلاد الكاتب الأمريكي المعروف بول باولز، (وُلد في 30 ديسمبر 1910 بنيويورك، وتوفّي في 18 نوفمبر 1999 بمدينة طنجة)، هذه الحاضرة التي يُطلَق عليها مُلتقىَ البّحرين، المحيط الأطلسي، والبّحر الأبيض المتوسّط، مرتع أحلام، ومقرّ إقامة هذا الكاتب الرحّالة صاحب «السّماء الواقية»، ما انفكّت الأوساط الأدبية فيها، وفي نيويورك، وفي مختلف البلدان الأوروبية، وأمريكا اللاتينية وفي جهاتٍ أخرى من العالم تحتفي بهذا الكاتب الغريب الأطوار في ذكرى ميلاده أو رحيله .
مسافر حَطّ الرِّحالَ بطنجة
يقول عنه الرّوائي الغواتيمالي «رُودْرِيغُو رَايْ رُوسَّا»: «لقد كان باولز محافظاً، ولكنّه في الوقت نفسه كان متفتّحاً مع جميع الناس على اختلاف مشاربهم، وكان يتحدّث بالطريقة نفسها مع أيّ مغربيّ مغمور، أو مع موسيقار مشهور جاء لزيارته من نيويورك، كان بيته مفتوحاً على مصراعيْه لأيّ زائر طرق الباب». العديد من أصدقاء باولز ما زالوا يذكرونه، ويستحضرون ذكرياتهم ومعايشاتهم معه إلى اليوم، هذا هو الكاتب الذي نقل «الخبز الحافي» لمحمد شكري من المحليّة إلى العالمية عندما كتب تقديماً لهذه الرّواية الجريئة وترجمها إلى الإنكليزية، أعماله الرّوائية ما زالت تترى وتتصدّر المجلاّت الأدبية، ومكتبات العالم، وتطل علينا بشكل متواتر عبر دهاليز، وشبكات، عناكب الإنترنيت إلى اليوم .
اتّخذ بول باولز من ملتقى البحرين مدينة البوغاز طنجة مقرّاً، ومستقرّاً له منذ 1947 عاش فيها أسعدَ وأحلى أيام عمره، هو وزوجتُه ورفيقةُ حياته جِين، هناك تعرّف على العديد من الشخصيّات السياسية، والأدبية، والفنية العالمية. ويحلو للكاتب«رُودْرِيغُو رَايْ رُوسَّا»: أن يحكي عن ذكرياته في طنجة، وعن صداقته مع بول باولز الذي كان برفقته قبيل وفاته. في هذه المدينة – التي عاش فيها روسّا هو الآخرعدّة سنوات- وكتب فيها روايته «السّاحل الافريقي» تحت إشراف الكاتب الأمريكي نفسه، وفي ورشته الأدبية، والتي تدور أحداثها في مدينة البوغاز، وعندما أهداه روايته «سجن الأشجار» (من أدب الخيال العلمي) تصدّرها إهداء خاص إلى باولز الذي نقلها إلى الإنكليزية، وكتب عنها دراسةً مستفيضة يعبّر فيها عن إعجابه بها، وقورنت برواية «اختراع موريّيل» للرّوائي الأرجنتيني المعروف أدُولفُو بيّو كاسَارِيسْ.
وكان المواطن الإسباني بيبي كارليتون من أقرب أصدقاء بول باولز يقول عنه، وعن زوجته :" بول وجين كانا بالنسبة لي اكتشافا كبيرا، ومنذ أن تعرّفتُ عليهما لم أغب قطّ عن الاجتماعات التي كانت تعقد بمنزلهما والتي غالباً ما كانت تتمّ في جُنح الليل، كان أحد أصدقائهما وهو الفريدو توخان يطلق عليهما «الرُحّل المُترفين». لقد أضحى باولز معروفاً في طنجة، حتى كاد أن يصبح من معالم هذه المدينة، وهو نفسه كان يقول عن نفسه :"إنّ الأمريكيين كانوا يصلون إلى طنجة، وبعد زيارتهم لقصر السّلطان، ومغارة هرقل الشهيرة ومعالم أخرى في المدينة الجميلة يأتون لزيارتي ثم ينصرفون"
الشّاي الأخضر تحت "السّماء الواقيّة"
أصبح بول باولز خلال إقامته بطنجة شاهداً على العديد من التطورات التاريخية التي عرفتها هذه المدينة، وشهدها العالم في عصره، اندلاع حروب، وانطفاء أخرى، ظهور ثقافات واندثار أخرى، هذا الكاتب كان دائما محطّ أنظار، واهتمام العديد من النقاد والقرّاء والسينمائيين، فقد قام المخرج الايطلي العالمي برناردو برتلوتشي صاحب «آخر الأباطرة» بإخراج فيلمه «شاي في الصّحراء» وهو مستوحىً من رواية باولز «السّماء الواقية». كان باولز يقول إنّ ثقافة اليوم تفتقر إلى الإبداعات الكبرى، إنها لم تعد كما كانت عليه فيما مضى، إنّ كتّاب العصور السالفة وفنّانيها قداإضطلعوا بدورهم، وأنجزوا أعمالاً رائعة ولامعة، الثقافة الغربية تكاد تصبح اليوم نوعاً من الزّيف، ومعظم الكتّاب يسخرون من جمهورهم، كما أنّ وضع التربية في العالم أصبح وضعاً مؤسفاً. ففي أمريكا تزداد نسبة الأميّة يوماً بعد يوم، على عكس ما يبدو للعيان. وهناك العديد من الناس لا يقرأون. وكان باولز يعتقد انّ الوضع في أوروبا سوف يؤول هو الآخر إلى الأسوأ، لانّ العالم كله أصبح يقلّد الولايات المتحدة الأمريكية في كلّ شيء، وما يحدث هناك يهمّ الناس في الخارج، وإن كانت الحياة هناك غير ذات أهميّة.
استقرّ باولز في طنجة بعد أن عاش في عدّة بلدان مثل فرنسا وألمانيا والمكسيك وإسبانيا وسيريلانكا. وقال إنّ الذي حدا به إلى مغادرة أمريكا هو تطلّعه للتعرّف على ما كان يطلق عليه في ذلك الابّان بمركز العالم وهو باريس فذهب إلى هناك ولمّا يتجاوزْ عمرُه بَعْدُ العشرين ربيعاً، حيث عمل في البداية ملحّنا. ويشير انّ جيرترود شتاين هي التي أشارت عليه فيما بعد بالتوجّه إلى طنجة. التي كان يقول عنها: لقد تغيّرت ملامحها، وتغيّر عمرانها، واتسعت رقعةُ المدينة فيها، واتّجه الناس إلى تحديث العمارات، وطفقت بالتالي تمّحي تدريجياً آثار المعمار العربي والإسلامي الأصيل، والناس مخطئون فهم يعتقدون أنّ كلّ ما هو غربيّ أو عصري هو ذو قيمة، وهم بذلك لا يحترمون ثقافتهم الخاصّة بهم، ويرى باولز أنّ للاستعمار دوراًّ في ذلك، فعندما ذهب الفرنسيّون من المغرب أراد بعض المغاربة أن يصبحوا فرنسييّن أكثر من الفرنسيّين أنفسهم.
ثقافة المقهى أو مقهى الثقافة
وكان باولز يصف جهاز التلفزيون بأنه سمّ حقيقي للثقافة، ويقول منذ ثلاثين أو أربعين سنة كان يوجد في كل مقهى رواة قصص وحكايات وموسيقيون، أيّ كانت هناك ثقافة داخل المقهى، ومنذ أن ظهر التلفزيون لم يعد في المقهى سوى الكراسي، وبالتالي لم تعد المقاهي مكاناً للتجمّع والتّحاور، ولم يعد فيها قصّاصون ولا موسيقيّون، إنّ منظر المقهى الغاص بالروّاد وهم يشاهدون التلفزيون قد أصبح شبيهاً بمقبرة، يشاهدون مدناً، وأحداثا،ً وأفعالاً، ولكن ماذا في العمق لا شيء. وكان باولز يقول عن العامل الدّيني "إنّه حيث لا وجود للدّين لا وجود للأمل، وإذا لم يكن هناك إيمان وأمل في إمكانية تغيير الحياة، فإنّ الحياة تغدو حزينة، إنّ المتديّنين يعرفون كيف يعيشون، وليست للغربييّن الآن هذه المقدرة"
وكان بول باولز يقول عن الأدب الملتزم: «إنّه غيرُ متحمّس لهذا الأدب، وانه كان قد كتب رواية تحت عنوان «بيت العنكبوت» عن معاناة الناس تحت نير الاستعمار في المغرب، وعلى الرّغم من ذلك، فإنّ الالتزام في الأدب لم يهمّه كثيراً. ذلك انّ الأدب – في نظره – لا يمكن أن يصبح أداة في يد اديولوجية مّا، ويظل مع ذلك أدباً، ان كل ما يصدر عن أيّ كاتب له معنى أو مغزى اجتماعي، ولكن عندما يحاول الكاتب إدخال هذا العنصر، أو إقحامه عنوةً فإن الأدب لا يصبح أدباً، بل يغدو مجردَ منشور أو بيان» وعن المستقبل كان باولز يقول: «المسلمون يقولون: «ان المكتوب أو المقدّر لا يمكن تغييره» وما سيحدث لابدّ له أن يحدث، ونحن لسنا مالكين لقدَرنا ولا لأنفسنا» إننا نعتقد أننا نتّخّذ قرارات شخصية وليس الأمر كذلك. انّ قرارات الإنسان رهينة بأصله، وعرقه، ووراثته، ودمه، وظروفه، وربما تكون بعض قراراتنا قد اتّخذت منذ خمسة آلاف سنة" ،وكل هذا على ما يدو هو ترجمة للمثل الشعبي السّائر المشهور لدى إخواننا المصريين القائل : اللّي مكتوب عَ الجبين لازم تشوفو العين.!.
صالون باولز الأدبيّ
يقول الكاتب المكسيكي كارلوس روسل الذي كانت تربطه صداقة متينة ببول باولز: انه كان رجلا محبوبا ومعروفا في مدينة طنجة – التي أطلق عليها إيان فينلايسون اسمَ «مدينة الأحلام». وفي هذه المدينة كان الناس ينعتون باولز ب"الكاتب الأمريكي". وتشير راشل مويال صديقة الكاتب وزوجته جين، إلى أنّ باولز كان دائما يقول: "طنجة مدينة الأحلام لن أقول لها وداعاً قطّ"..ويصف لنا روسل لحظة زيارته لصديقه باولز في بيته في مدينة طنجة فيقول: «قبل الوصول إلى منزل بول باولز يستنشقُ المرءُ روائحَ الطّيب العبقة الفواحة التي تتميّز بها هذه المدينة، إنّه بعد أن دار حول السّاحة العمومية التي تفصل المدينة القديمة (القصبة) عن المدينة الحديثة اتجه نحو ربوة صغيرة مرتفعة، ثم وصل إلى منزل الكاتب الذي استقبله بترحاب، وقال له إنه يوثر الحديث عن الأدب، وإنّ السياسة لا تعنيه. ويشير روسل إلى أنّ منزل باولز يمتلئ بالعديد من التحف والنفائس التي جمعها أثناء رحلاته، وسفرياته المتعدّدة، فهو شغوف بالسّفر، والترحال، والحفاظ على مختلف الحاجيات التي اقتناها أو حصل عليها في البلدان التي زارها، وهذه الحاجيات تنقله بسرعة عندما ينظر إليها إلى "ذلك الوادي البعيد، أو الخيمة الجميلة أو الميناء القديم"..
وعلى الرّغم من قرب البّحر من منزل باولز، فإنه كان يتوق باستمرار ليعرف ماذا يجري خلف الهضاب، والرّبى، والآكام البعيدة، وكان يقول ان حياته تنساب في هذه المدينة في هدوء، وأصبح لا يطيق العيش ولو لمدّة شهر واحد في المدن الغربية الكبرى. ولم يكن لديه ما يفعله في أخريات حياته سوى الكتابة التي كانت قد أصبحت متنفّسه الوحيد، وكما أكّد رودريغو راي روسا في الاستجواب الآنف الذكر فإنّ باولز كان يستقبل في منزله العديدَ من الأصدقاء، وقد تحوّل بيته إلى صالون أدبي يؤمّه مختلف الأدباء والكتّاب، فضلاّ عن المشتغلين بالسينما الذين كانت لهم رغبة في نقل بعض أعماله إلى الشّاشة الكبيرة، وهكذا عندما أخرج برناردو برتولوتشي روايته «السّماء الواقية» لم يكن باولز يتوقّع أن يحقّق هذا الشريط أيّ نجاح، وعندما أخبره صديقه روسل انّ هذا الفيلم قد تمّ عرضه كذلك بنجاح في المكسيك عبّر عن دهشته، وكان باولز يقول عن هذا الفيلم: إنه جيّد إلاّ انه من الصّعب ان تجمع أو تختزل في ساعتين ونيّف مجلّداً يحتوي على العديد من الصفحات، فالسينما – في نظره –تقلّص الأفكا. !
فى مغارة هرقل
وقال باولز ذات مرّة ربما كان خير قرار اتخذه في حياته هو عدم الإقامة في إحدى المدن الغربية. فهو في طنجة كان يعيش حياة هانئة ولا يزعجه أحد قطّ، بل انّ قراره باختيار العيش في طنجة كان من أهمّ الاحداث المهمة في حياته، وهو لم يشعر قطّ أنه كان وحيداً بل كانت له علاقات اجتماعية متنوعة وأصبح معظم الناس يعرفونه. وكان يقول إن الحياة في الغرب تحوّلت إلى كابوس والكوابيس لديه منها الكثير. ويشيرصديقه روسل: «وجهه المستطيل، وعيناه اللاّمعتان، والصافيتان، وقامته كل ذلك لم يكن ينسجم مع صوته الخفيض الذي يبدو وكأنه ينبعث من أعماق محيط بعيد». كانت حياة باولز تمرّ في هدوء في طنجة، فهو كان يصحو باكراً ليكتب بضعَ وُرَيْقات، وعند ما يأتي المساء كان يشعر بسعادة غامرة، فالمساء جميل، وليس له نظير في هذه المدينة السّاحرة التي تطلّ على أوروبا، التي نام فيها «هرقل» في مغارته الشهيرة بعد أن أنجز عمله، والتي علق بها وعشقها العديد من الأدباء، والشّعراء، والشّخصيات التاريخية، والسياسية، والادبية، والفنية، والسينمائية المعروفة. كما تمّ تصوير العديد من الأفلام العالمية بها، أشهرها فيلم «الرّيح والأسد» مع شين كونري وسواها. كان باولز يقول: في هذه المدينة يعيش المرء في هدوء وبدون استعجال، وكان يبعث له بعضُ الكتّاب الشبّان إنتاجاتهم الإبداعية لإبداء الرّأي فيها، وكان دائماً يرحّب بذلك، ولم يكن يرفض عملاً واحداً منها أبداً .
كانت تربط بول باولز صداقات مع العديد من الأدباء الكبار مثل الكاتب المكسيكي كارلوس فوينتس، والشاعر المكسيكي أوكتافيو باث، وخوان غويتيسولو، ومحمد شكري، وخوان رولفو، وكان من أشدّ المعجبين بهذا الكاتب المكسيكي الأخير، ويشير إلى أنّ قصّته «بيدرو بارامو» ليس لها نظير في الآداب العالمية. كما كان يحلو له الحديث عن الأدباء والفنّانين والشّعراء، والمشاهيرالذين زاروا طنجة، أو أقاموا فيها، منهم باربارا هوتون، وزوجها غاري غرانت، أوجين دي لا كروا، ونستون تشرشل، خورخي لويس بورخيس، روبين داريوّ،، تنيسي وليامس، سومرست موم، ماريانو فورتوني، هنري ماتيس، جان جينيه، رامبرانت، جاك ماجوريل، إيف سان لوران، مارلين ديتريش، غاري كوبر،وماريو مورينو كانتنفلاس المكسيكي الشهير(الذي شاء القدر أن التقى به في المكسيك خلال عملي بها في التسعينيات من القرن المنصرم)، وسواهم وهم كثر كلهم هاموا بهذه المدينة، وكتبوا عنها الكثير.
من أشهر أعمال بول باولز: السّماء الواقية، الصادرة عن دار ورد السورية بترجمة عدنان حسن، بيت العنكبوت، سيرته الذاتية التي صدرت تحت عنوان: مذكرات رحّالة، بعيداً جدّاً عن البيت، الرؤوس الخُضر، الأيدي الزُّرق، زمن الصداقة، "البستان" (مجموعة قصصية) التي ترجمها الصديق ابراهيم الخطيب عن دار توبقال ،و"العقرب وقصص أخرى" ترجمة محمد هاشم عبد السلام عن المجلس الوطني للثقافة في الكويت، "توقف قصير في كورازون" و"حقول صقيعية" و"صديق العالم" ترجمة عبد العزيز جدير، و"يوميات" نشرها موقع "جهة الشعر" ترجمة عبد المنعم الشنتوف، ومن اشهر الكتب العربية التي تناولت شخصية بولز وأدبه فهي "بول بولز وعزلة طنجة" للراحل محمد شكري الصادرة عن "منشورات الجمل"، و"بول بولز ومحمد شكري- الحوار الأخير" لعبد العزيز جدير الصادر عن دار "جداول" بلبنان، وسواها من الكتب والدراسات والبحوث الأخرى .
*كاتب من المغرب عضو الاكاديمية الاسبانية الامريكية للآداب والعلوم بوغوطا كولومبيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.