رئيس البرلمان الأنديني: المغرب عاصمة عالمية للدبلوماسية البرلمانية    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا أسماء تقوم بزيارة عمل إلى جامعة غالوديت بواشنطن من أجل شراكة استراتيجية    هل يتجه حزب العدالة والتنمية إلى الحظر بعد أن تحول إلى جماعة إسلامية حمساوية    "ندوة السلام".. بن عبد الله يدعو لتكثل عالمي يواجه إجرام إسرائيل ويحيي سكان طنجة    سوريا.. السلطات تعتبر القصف الإسرائيلي لمنطقة قريبة من القصر الرئاسي بدمشق "تصعيدا خطيرا"    لهذه الأسباب سيغيب الدولي المغربي مزراوي عن فريقه … !    اعتقال مروج مخدرات خطير بمراكش وبحوزته آلاف الأقراص المهلوسة    توقيع اتفاقية إطار بشأن الشراكة والتعاون من أجل تطوير الحكومة الإلكترونية وتعميم استخدام ميزات الهوية الرقمية    يونس مجاهد: مجالس الصحافة وضعت للجمهور وليست تنظيمات بين-مهنية    رغم القطيعة الدبلوماسية.. وفد برلماني مغربي يحل بالجزائر    مخاريق: لا يأتي من بنكيران سوى الشر.. وسينال "العقاب" في الانتخابات    الناظور ضمن خريطة أطول أنبوب غاز في العالم يربط إفريقيا بأوروبا    الجامعة الملكية المغربية تكرم المنتخب الوطني النسوي المتوج بكأس الأمم الإفريقية للفوتسال    بسبب اختلالات رياضية.. الجامعة الملكية تصدر قرارات التوقيف والغرامة في حق عدد من المسؤولين    مواطنون إسبان يشيدون بالمساعدة المقدمة من المغرب إثر انقطاع الكهرباء    البواري يتفقد مدى تقدم مشاريع كبرى للتنمية الفلاحية والبحرية بجهة الداخلة    لبنان يحذر حماس من استخدام أراضيه للقيام بأي أعمال تمس بالأمن القومي    توقعات أحوال الطقس في العديد من مناطق المملكة اليوم الجمعة    الفنان محمد الشوبي في ذمة الله    الصحة العالمية تحذر من تراجع التمويل الصحي عالميا    بعد 25 سنة.. شركة "FRS" تُعلن رسمياً توقف نشاطها البحري بين طنجة وطريفة    اللاعب المغربي إلياس أخوماش يشارك في جنازة جدته بتطوان    "إغلاق أخضر" في بورصة البيضاء    دراسة: هذه الأطعمة تزيد خطر الوفاة المبكرة    دراسة: مادة كيمياوية تُستخدم في صناعة البلاستيك قتلت 365 ألف شخص حول العالم    « بين التاريخ والرواية» كتاب جماعي يرصد مسارات أحمد التوفيق    في كلمة حول جبر الأضرار الناجمة عن مآسي العبودية والاتجار في البشر والاستعمار والاستغلال بإفريقيا: آمنة بوعياش تترافع حول «عدالة تعويضية» شاملة ومستدامة    «غزة على الصليب: أخطر حروب الصراع في فلسطين وعليها»    حادثة سير مميتة تنهي حياة سبعيني بالفقيه بن صالح والسائق يفرّ هاربا    العرائش تسجل أعلى نسبة تملك.. وطنجة تتصدر الكراء بجهة الشمال    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    كلية الآداب بالجديدة وطلبتها يكرمون الدكتورة لطيفة الأزرق    عبد الله زريقة.. علامة مضيئة في الشعر المغربي تحتفي به "أنفاس" و"بيت الشعر"    مقاطعة مديري مؤسسات الريادة للعمليات المصيرية يربك مشروع الوزارة في الإصلاح التربوي    للمرة الخامسة.. مهمة سير فضائية نسائية بالكامل خارج المحطة الدولية    سفينة مساعدات لغزة تتعرض لهجوم بمسيرة في المياه الدولية قرب مالطا    العلاقات التجارية بين المغرب ومصر.. وفد اقتصادي مغربي يزور القاهرة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    كوريا: الرئيس المؤقت يقدم استقالته لدخول سباق الانتخابات الرئاسية    "الكورفاتشي" تستعد للتنقل إلى مدينة الدار البيضاء لحضور "الكلاسيكو" أمام الوداد    رسالة مفتوحة إلى السيد محمد ربيع الخليع رئيس المكتب الوطني للسكك الحديدية    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    خُوسّيه سَارَامَاغُو.. من عاملٍ فى مصنعٍ للأقفال إلى جائزة نوبل    تفاصيل إحداث قطب تكنولوجي جديد بالدار البيضاء يوفر أزيد من 20 ألف منصب شغل    كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة: المغرب يستهل مشواره بفوز مثير على كينيا    الذهب يتعافى بعد بلوغ أدنى مستوى في أسبوعين    كرة القدم.. توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    احتراق شاحنة على الطريق السيار طنجة المتوسط    منتجو الفواكه الحمراء يخلقون أزمة في اليد العاملة لفلاحي إقليم العرائش    الزلزولي يساهم في فوز بيتيس    هل بدأت أمريكا تحفر "قبرها العلمي"؟.. مختبرات مغلقة وأبحاث مجمدة    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غزوة فرنسية جديدة على التعليم ....فهل من مخلصين مقاومين؟
نشر في التجديد يوم 11 - 03 - 2014

نجح حزب فرنسا ببلادنا في تسجيل هدف كبير في عمق مرمى الهوية الوطنية، وبادر في غفلة من الكثيرين لعقد الاتفاق مع "أناه الأعلى" لفرنسة الباكالوريا المغربية بدءا من الجذع المشترك ومؤكدا على تعميم نماذجه على مختلف النيابات انطلاقا من الموسم القادم، وقد جاءت هذه الغزوة الجديدة تتويجا لعمله الدؤوب منذ إملاء "اتفاق إكس ليبان" الذي يضمن له النفوذ في مختلف المجالات في مستعمراته القديمة بعد "الاستقلال" ومنه "عشيقته المغرب".
فالنخبة التي كونها في بعثاته المنتشرة في ربوع الوطن وفي المدارس الوفية لمنهجه لم تعد كافية لإدارة شؤون المستعمرات القديمة أو لضمان الولاء الأبدي منها، ولا بد من زحف قوي على تعليمه العمومي لتوسيع القاعدة وتطعيم شيخوخته هناك في فرنسا بأدمغة مغربية شابة وضمان ولاء النخبة المتحكمة هنا في البلاد،
والغزوة بطبعها تعتمد التمهيد والمباغتة في نفس الآن، وحزب فرنسا قد أدى دوره بوفاء وإخلاص على شاكلة المحميين الذين مهدوا للاستعمار الأول، فعرقلوا مسلسل تعريب التعليم العالي ليتحقق تذمر الناس من الوضع الشاذ والغريب الذي يرون فيه ضياع أبناءهم، حيث تصعب عليهم مواكبة تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية في التعليم العالي، وكذا صعوبة التباري في مباريات يقل فيها تكافؤ الفرص بين أبناء الوطن الواحد بين من تلقى دعما في الفرنسية وبين من حرم ذلك لظروفه الاجتماعية، وتكون الحصيلة اتساع دائرة القبول للفرنسة ليس حبا في هذه الأخيرة وإنما استجابة لضغط الحاجة وسوق العمل.
كما عمل المحميون الجدد على إضعاف اللغة العربية باعتبارها "الضرة" المرشحة للمنافسة القوية، فعرقلوا تعريب الإدارة وأصروا على الفرنسة المزمنة للمؤسسات الاقتصادية الفاعلة، وعطلوا إخراج أكاديمية اللغة العربية، وأوجدوا للعربية "ضرائر" وشغلوا الناس بمعارك هامشية يتهارشون في القاع، حتى تبقى الهيمنة لصاحبة الصولة والصولجان "الفرنسية" والتي أصابها الهرم هناك عقر دارها وفي عموم أوروبا ويزحف عليها الموت في بقية أرجاء العالم، فوجدت فرصة لتجديد شبابها وحياتها هنا في بلاد الأيتام المتلاعب بهم بمأدبة اللئام.
ولأن الحرب خدعة لا بد من تغليف الغزوة بأسماء براقة ومصطلحات خادعة، فكانت أكذوبة "الباكالوريا الدولية" وما هي بدولية إن هي إلا إنعاش للفرنسية وإخراجها من بيت "الإنعاش اللغوي" وحصد منافع اقتصادية ومناصب شغل للكادر الفرنسي وضمان تبعية مستدامة وقتل للإبداع باللغات الوطنية. إذ لم يحدث في العالم استنبات تقدم حقيقي وحضارة مبدعة بلغة أجنبية.وإلا فانظروا إلى من تبنوا الفرنسة الكاملة من الروضة إلى الدكتوراة من الدول الإفريقية الدائرة في الفلك الفرنكفوني هل أغنتهم الفرنسية في تقدم أو"حداثة".
فأول مظاهر الخداع طرح جوهر الباكالوريا الدولية وكأنه مشكل لغوي إذا أنطقنا تعليمنا وموادنا الدراسية وشعبنا العلمية بالفرنسية زال عنها التخلف وركبت صهوة "الحداثة" الدولية، والحال أن الباكالوريا الدولية مضمون متقدم ومنهج فعال في التدريس والتكوين ومواصفات في التواصل وقبول الآخر، ويشترط أن يكون على الأقل بلغتين إحداهما محلية وطنية وأخرى دولية وعالمية.وما أدري بالنسبة لنا نحن في المغرب ما دخل الفرنسية في الباكالوريا الدولية فلا هي لغتنا الوطنية ولا هي لنا لغة عالمية لوجود ما هو أحسن منها في التواصل العالمي والدولي. وغير مفهوم أيضا هذه الوساطة غير النزيهة من فرنسا بيننا وبين منظمة دولية مختصة في هذا الشأن أم تراه استمرار عقلية الحجر والحماية؟
ذلك أن منظمة الباكالوريا الدولية منظمة مستقلة مسجلة بجنيف بسويسرا تأسست منذ عام 1968، وهي بحسب وثائقها مؤسسة غير ربحية تطرح برامج تعليمية عالية الجودة بالمدارس على مستوى العالم، واكتسبت على مدار هذه العقود سمعة مرموقة من خلال وضع معايير عالية وصارمة لتأهيل التلاميذ وتزويدهم بالمهارات المطلوبة لمواجهة المستقبل والتكيف مع عصر العولمة،
وتتطلع هذه المنظمة إلى تحقيق الريادة في بناء التلميذ المبدع المفكر وتطوير بيئة تعلم جاذبة بمدرسين أكفاء .. يوظفون تقنية الاتصال الحديثة واستراتيجيات التعلم المتنوعة ليمارس خلالها التلميذ أنشطة متميزة تعزز القيم الأصيلة وتحترم التنوع الثقافي لبناء شخصيته المتكاملة وبمشاركة مجتمعية وفق مؤشرات الجودة العالمية .
وقد حددت هذه المنظمة في وثائقها ملامح متعلم الباكالوريا الدولية الذي يفكر بعقلية دولية ويسهم في إيجاد عالم أفضل، وتتمثل تلك الملامح في مفردات محددة بحيث يكون: متسائلا ومطلعا، يطبق مهارات التفكير بشكل ناقد ومبدع، ويكون متواصلا وصاحب مبادئ ومتفتح ومهتم بعطف واحترام تجاه حاجات الآخرين، ولديه التزام شخصي بخدمة من حوله، وله شجاعة ويبدو وكأنه مجازف له شخصية مستقلة تمكنه من استكشاف أدوار وأفكار واستراتيجيات جديدة، ومتعلم الباكالوريا الدولية يدرك أهمية التوازن الفكري والجسدي والعاطفي في تحقيق الخير والسعادة له وللآخرين، وهو متأمل قادر على تحديد مكامن قوته وحدود قدراته وتقييمها في سبيل دعم تعلمه ونموه الشخصي (انظر وثيقة:ما هو تعليم الباكالوريا الدولية على الشبكة المعلوماتية)
وتتعاقد مختلف الدول والحكومات والمنظمات التربوية والمؤسسات التعليمية مباشرة مع هذه المنظمة، بحيث يكون من جهتها الاعتراف بالمناهج والبرامج والمؤسسات والشواهد التي تراعي معاييرها سواء في المستوى الأولي أو الابتدائي أو الثانوي الإعدادي والتأهيلي ويوجد لها تعاقدات في بريطانيا وألمانيا وروسيا واليابان والإمارات والسعودية والأردن وغيرها بغير أن يكون في تلك الدول نصيب للفرنسية وإنما هي لغاتها الوطنية ثم لغة ثانية هي في الغالب الإنجليزية كلغة دولية.
فالمتصفح لوثائق منظمة الباكالوريا الدولية يعجب من سياسة التدليس الممارس في الاتفاقية الحاصلة بين الوزير رشيد بلمختار والذي حظي بضيافة كريمة من نبيل عيوش المهموم بتدريج التعليم ببلادنا، وبين نظرائه الفرنسيين والتي تحاول في تعسف واضح الربط بين هذا النوع من الباكالوريا وفرنسة المواد العلمية وزيادة حصص اللغة الفرنسية وربط هذه الأقسام بالبعثات الفرنسية في مختلف جهات المملكة وحشر مسألة التبريز والتفتيش الخاص والتكوين المهني والتسهيلات المقترحة لمن يلج هذه الباكالوريا.
فرفض الغيورين لهذا الاتفاق ليس تعصبا أو رفضا من أجل الرفض وإنما لأعطابه العديدة فهو اتفاق فوقي ليس فيه توسيع المشورة ولا إشراك مؤسسات المغاربة ومختلف الفاعلين المعنيين بمستقبل التربية بالبلاد، ويخالف الدستور الذي ارتضاه المغاربة والذي ينص في فصله الخامس على النهوض والعناية باللغتين الرسميتين وليس منها الفرنسية ويدعو إلى «الانفتاح على اللغات الأكثر تداولا» وليست هي الفرنسية والتي تأتي في الترتيب التاسع في العالم من حيث عدد المتكلمين بها، والذين لا يشكلون سوى 2.5 في المائة من سكان المعمور، فيما تتقدم عليها اللغة العربية التي تحتل المرتبة السادسة بعد الصينية والإنجليزية والهندية والإسبانية والروسية.ويضرب الاتفاق ميثاق التربية والتكوين كوثيقة إطار تحقق حولها توافق وطني، كما يخالف الاتفاق البرنامج الحكومي المعلن للمغاربة فليس فيه فرنسة تعليمهم ولا نكوص عن التعريب،
ثم إن فرنسا لا تشكل نموذجا ناجحا في التعليم وأفضل جامعاتها وصل بالكاد إلى الرتبة 37، ثم إن هذا الاتفاق سيضر بالباكالوريا الوطنية - والتي كانت ولا تزال تقبل في معظم جامعات الدنيا- بحجة أنها بكالوريا غير دولية، وفي الاتفاقية مس واضح بالسيادة التعليمية المغربية وتكريس للفرنسة التي قاومها الآباء والأجداد وأسسوا المدارس الوطنية للحفاظ على هوية البلاد، وتقوية للفرنكفونية التي لا تؤمن إلا بالتبعية والحنين إلى عهد الحجر والحماية ولا تقبل الندية وعلاقات المصالح المشتركة ومنطق (رابح،رابح) وهي اتفاقية تعمق المشاكل التعليمية والتربوية ولا تحل أيا مما هو موجود منها، وتكرس التفرقة والطبقية ويغيب فيها تكافؤ الفرص،
وهي اتفاقية تكرس سياسة التجريب المرتجل والمغامرة بمستقبل التعليم والمقامرة بمصير الأجيال (كما عبر عن ذلك الأستاذ الحراق في مقاله المتميز حول الموضوع) وهي اتفاقية تعيد إنتاج نفس النخب الفركفونية المتنفذة، ليستمر حزب فرنسا في حكم المغرب، كما أن الباكلوريا الدولية بلغة غير العربية والانجليزية في بلادنا لا تعني سوى السير في الطريق الخطأ، فمن يدرس بالفرنسية يحتاج في مرحلة من دراسته وبحثه ونشره إلى اللغة الإنجليزية،
فالاتفاقية ترتكب جريمة حضارية تتمثل في إقصاءَ اللغةِ العربيةِ من تعليم المواد العلمية، بدلَ تطوير العلوم فيها وبها، الأمر الذي سيترتب عليه في الآماد المستقبلية، تجميدِ العربية وإدامة تخلفها عن ركب المدنية باعتبار حياتها وتطورها بتطور الناطقين بها والمستعملين لها، فالمهم هو البعد الحضاري في المسألة ولغة الوطن بمثابة الأم والحر لا يمكن أن يستبدل أمه بأخرى ولو أعجبته وإلا دخل في العقوق الحضاري والذي لن تكون عواقبه غير العقم والتبعية.
فيبقى الحل الذي لا يظهر غيره في اقتحام عقبة التعريب في مستوى التعليم العالي وإلزام مختلف المؤسسات العامة والخاصة باعتماد العربية ثم اختيار اللغة الأكثر جدوى وانفتاحا وتواصلا كالإنجليزية، فالدراسات تؤكد أن نتائج التلاميذ في المواد العلمية حتى البكالوريا لا بأس بها رغم الأعطاب الكامنة في منظومتنا التربوية وهي على العموم أحسن حالا مما كانت عليه قبل التعريب،وأما على المستوى الجامعي فالحال أسوأ مما كان قبل التعريب والسبب هو إرغام الطلاب للعودة لتلقي دروس المواد العلمية بالفرنسية، فالمشكل ليس في التعريب وإنما في عدم استكمال مسار التعريب.
والعربية لن تكون أقل شأنا من لغات هامشية ومحدودة أتيحت لها فرص التواصل بها والتدريس في مختلف المستويات التعليمية وفرض احترامها في المؤسسات العامة والدوائر الرسمية، ومن يقف على حال الكورية واليابانية والعبرية وغيرها يدرك هذه الحقيقة، وأعجبني هنا نموذج قدمه الكاتب د.نافع الشعيري في مقال له في الموضوع يقول:" ويكفي أن أقدمَ مثالاً هو "ايسلاندا" لعلنا نتعلمُ من هؤلاءِ بعض ايجابياتِهم، لأننا للأسفِ الشديدِ لا نأخذُ منهم الا السلبياتِ.
لا يتجاوزُ عددُ سكانِ ايسلاندا سنة 1998 أكثرَ من 27700 نسمةٍ. واللغةُ الايسلانديةُ من عائلةِ اللغاتِ الاسكندنافيةِ. ويعتبرُ نحوُها من أعقدِ الأنحاءِ في العالمِ. كما أنها من أكثرِ اللغاتِ التي حافظتْ على بنياتِها في أوروبا لدرجةٍ أنها وصفتْ ب"متحف لغوي حي"musée linguistique vivant " .وتتميزُ اللغةُ الايسلنديةُ عن غيرِها من اللغاتِ الأوروبيةِ بالنقاءِ المعجميِّ، حيث تعملُ على وضعِ الكلماتِ والمصطلحاتِ الجديدةِ عن طريقِ الاشتقاقِ والقياسِ على كلماتٍ قديمةٍ في الايسلنديةِ. وقد تعرضتْ ايسلاندا للاستعمارِ الالمانيٍّ ثم الأمريكيِ. وبعد حصولِها على الاستقلالِ سنة1944 عملتْ الدولةُ على عصرنةِ اللغةِ الاسلنديةِ بترسيمِها وتطويرِ معجمِها البدائيِ الذي يعودُ الى القرونِ الوسطى، من أجلِ مواكبةِ التطوراتِ العلميةِ والتكنولوجيةِ. وفرضتْ على جميعِ المؤسساتِ التعليميةِ التدريسَ باللغةِ الايسلنديةِ من رياضِ الاطفالِ الى الجامعةِ، في جميعِ التخصصاتِ العلميةِ، كما فرضتْ على الادارةِ والاعلامِ ذلكَ. وتعملُ الجرائدُ الوطنيةُ على نشرِ لائحةٍ بكلِ المستجداتِ المعجميةِ التي تضعُها "لجنة اللغةِ الايسلانديةِ"la Commission de la langue islandaise والتي تسعى جاهدةً الى رفضِ كلِ المصطلحاتِ العلميةِ ذاتِ الأصولِ اللاتينيةِ واليونانيةِ، أو غيرهما من اللغاتِ المعاصرةِ. فهي من اللغاتِ القليلةِ في العالمِ التي تسمى الهاتفَ ب simi المشتقةِ من كلمةِ "أرسل" الايسلنديةِ، وتسمى الحاسوبَ ب tolva و الفاكسَ ب" sembref " بخلاف أغلبِ اللغاتِ الأوربيةِ. ومع كلِّ هذه الصعوباتِ استطاعتْ ايسلاندا أن تحققَ مراتبَ متقدمةً جداً في سلمِ التنميةِ البشريةِ، ويعدُ نظامُها التعليميُّ من أحسنِ النظمِ في العالمِ، كما تعتبرُ من الدولِ القليلةِ في العالمِ التي تصلُ فيها نسبةُ هجرةِ الأدمغةِ الى الصفرِ."
فالحل واضح بين لكل ذي عينين لم تعميهما إيديولوجية التبعية ولا بريق اليورو، وهو ما قامت به الدول التي تحترم نفسها وتقدر شهداء مقاومتها، ولم تدخل العدو من النوافذ بعد أن أخرجه البواسل من الأبواب، فاختارت اللغة الوطنية للتدريس في مختلف المراحل من الروضة إلى الجامعة، واستدركت الفجوة المعرفية بالترجمة، وبعد فترة ليست كثيرة في عمر الأمم بدأت نتائج التقدم تبرز للعيان وظهرت ثمار استنبات التكنولوجيا والإبداع وتحررت الإرادات من التبعية والإلحاق. فهل من مخلصين ومقاومين يحفظون للبلد استقلاله وللوطن كرامته وللتعليم أصالته؟ ومن هزم فرنسا في عنفوان شبابها لن تعجزه هي وحزبها في هرمها وأفول أمرها. ومن اقتلع جذورها من أرضنا لن يعجز عن تخليص فصولنا وأقسامنا من تدليسها وخداعها.
غزوة فرنسية جديدة على التعليم ....فهل من مخلصين مقاومين؟
د.محمد بولوز
نجح حزب فرنسا ببلادنا في تسجيل هدف كبير في عمق مرمى الهوية الوطنية، وبادر في غفلة من الكثيرين لعقد الاتفاق مع "أناه الأعلى" لفرنسة الباكالوريا المغربية بدءا من الجذع المشترك ومؤكدا على تعميم نماذجه على مختلف النيابات انطلاقا من الموسم القادم، وقد جاءت هذه الغزوة الجديدة تتويجا لعمله الدؤوب منذ إملاء "اتفاق إكس ليبان" الذي يضمن له النفوذ في مختلف المجالات في مستعمراته القديمة بعد "الاستقلال" ومنه "عشيقته المغرب".
فالنخبة التي كونها في بعثاته المنتشرة في ربوع الوطن وفي المدارس الوفية لمنهجه لم تعد كافية لإدارة شؤون المستعمرات القديمة أو لضمان الولاء الأبدي منها، ولا بد من زحف قوي على تعليمه العمومي لتوسيع القاعدة وتطعيم شيخوخته هناك في فرنسا بأدمغة مغربية شابة وضمان ولاء النخبة المتحكمة هنا في البلاد،
والغزوة بطبعها تعتمد التمهيد والمباغتة في نفس الآن، وحزب فرنسا قد أدى دوره بوفاء وإخلاص على شاكلة المحميين الذين مهدوا للاستعمار الأول، فعرقلوا مسلسل تعريب التعليم العالي ليتحقق تذمر الناس من الوضع الشاذ والغريب الذي يرون فيه ضياع أبناءهم، حيث تصعب عليهم مواكبة تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية في التعليم العالي، وكذا صعوبة التباري في مباريات يقل فيها تكافؤ الفرص بين أبناء الوطن الواحد بين من تلقى دعما في الفرنسية وبين من حرم ذلك لظروفه الاجتماعية، وتكون الحصيلة اتساع دائرة القبول للفرنسة ليس حبا في هذه الأخيرة وإنما استجابة لضغط الحاجة وسوق العمل.
كما عمل المحميون الجدد على إضعاف اللغة العربية باعتبارها "الضرة" المرشحة للمنافسة القوية، فعرقلوا تعريب الإدارة وأصروا على الفرنسة المزمنة للمؤسسات الاقتصادية الفاعلة، وعطلوا إخراج أكاديمية اللغة العربية، وأوجدوا للعربية "ضرائر" وشغلوا الناس بمعارك هامشية يتهارشون في القاع، حتى تبقى الهيمنة لصاحبة الصولة والصولجان "الفرنسية" والتي أصابها الهرم هناك عقر دارها وفي عموم أوروبا ويزحف عليها الموت في بقية أرجاء العالم، فوجدت فرصة لتجديد شبابها وحياتها هنا في بلاد الأيتام المتلاعب بهم بمأدبة اللئام.
ولأن الحرب خدعة لا بد من تغليف الغزوة بأسماء براقة ومصطلحات خادعة، فكانت أكذوبة "الباكالوريا الدولية" وما هي بدولية إن هي إلا إنعاش للفرنسية وإخراجها من بيت "الإنعاش اللغوي" وحصد منافع اقتصادية ومناصب شغل للكادر الفرنسي وضمان تبعية مستدامة وقتل للإبداع باللغات الوطنية. إذ لم يحدث في العالم استنبات تقدم حقيقي وحضارة مبدعة بلغة أجنبية.وإلا فانظروا إلى من تبنوا الفرنسة الكاملة من الروضة إلى الدكتوراة من الدول الإفريقية الدائرة في الفلك الفرنكفوني هل أغنتهم الفرنسية في تقدم أو"حداثة".
فأول مظاهر الخداع طرح جوهر الباكالوريا الدولية وكأنه مشكل لغوي إذا أنطقنا تعليمنا وموادنا الدراسية وشعبنا العلمية بالفرنسية زال عنها التخلف وركبت صهوة "الحداثة" الدولية، والحال أن الباكالوريا الدولية مضمون متقدم ومنهج فعال في التدريس والتكوين ومواصفات في التواصل وقبول الآخر، ويشترط أن يكون على الأقل بلغتين إحداهما محلية وطنية وأخرى دولية وعالمية.وما أدري بالنسبة لنا نحن في المغرب ما دخل الفرنسية في الباكالوريا الدولية فلا هي لغتنا الوطنية ولا هي لنا لغة عالمية لوجود ما هو أحسن منها في التواصل العالمي والدولي. وغير مفهوم أيضا هذه الوساطة غير النزيهة من فرنسا بيننا وبين منظمة دولية مختصة في هذا الشأن أم تراه استمرار عقلية الحجر والحماية؟
ذلك أن منظمة الباكالوريا الدولية منظمة مستقلة مسجلة بجنيف بسويسرا تأسست منذ عام 1968، وهي بحسب وثائقها مؤسسة غير ربحية تطرح برامج تعليمية عالية الجودة بالمدارس على مستوى العالم، واكتسبت على مدار هذه العقود سمعة مرموقة من خلال وضع معايير عالية وصارمة لتأهيل التلاميذ وتزويدهم بالمهارات المطلوبة لمواجهة المستقبل والتكيف مع عصر العولمة،
وتتطلع هذه المنظمة إلى تحقيق الريادة في بناء التلميذ المبدع المفكر وتطوير بيئة تعلم جاذبة بمدرسين أكفاء .. يوظفون تقنية الاتصال الحديثة واستراتيجيات التعلم المتنوعة ليمارس خلالها التلميذ أنشطة متميزة تعزز القيم الأصيلة وتحترم التنوع الثقافي لبناء شخصيته المتكاملة وبمشاركة مجتمعية وفق مؤشرات الجودة العالمية .
وقد حددت هذه المنظمة في وثائقها ملامح متعلم الباكالوريا الدولية الذي يفكر بعقلية دولية ويسهم في إيجاد عالم أفضل، وتتمثل تلك الملامح في مفردات محددة بحيث يكون: متسائلا ومطلعا، يطبق مهارات التفكير بشكل ناقد ومبدع، ويكون متواصلا وصاحب مبادئ ومتفتح ومهتم بعطف واحترام تجاه حاجات الآخرين، ولديه التزام شخصي بخدمة من حوله، وله شجاعة ويبدو وكأنه مجازف له شخصية مستقلة تمكنه من استكشاف أدوار وأفكار واستراتيجيات جديدة، ومتعلم الباكالوريا الدولية يدرك أهمية التوازن الفكري والجسدي والعاطفي في تحقيق الخير والسعادة له وللآخرين، وهو متأمل قادر على تحديد مكامن قوته وحدود قدراته وتقييمها في سبيل دعم تعلمه ونموه الشخصي (انظر وثيقة:ما هو تعليم الباكالوريا الدولية على الشبكة المعلوماتية)
وتتعاقد مختلف الدول والحكومات والمنظمات التربوية والمؤسسات التعليمية مباشرة مع هذه المنظمة، بحيث يكون من جهتها الاعتراف بالمناهج والبرامج والمؤسسات والشواهد التي تراعي معاييرها سواء في المستوى الأولي أو الابتدائي أو الثانوي الإعدادي والتأهيلي ويوجد لها تعاقدات في بريطانيا وألمانيا وروسيا واليابان والإمارات والسعودية والأردن وغيرها بغير أن يكون في تلك الدول نصيب للفرنسية وإنما هي لغاتها الوطنية ثم لغة ثانية هي في الغالب الإنجليزية كلغة دولية.
فالمتصفح لوثائق منظمة الباكالوريا الدولية يعجب من سياسة التدليس الممارس في الاتفاقية الحاصلة بين الوزير رشيد بلمختار والذي حظي بضيافة كريمة من نبيل عيوش المهموم بتدريج التعليم ببلادنا، وبين نظرائه الفرنسيين والتي تحاول في تعسف واضح الربط بين هذا النوع من الباكالوريا وفرنسة المواد العلمية وزيادة حصص اللغة الفرنسية وربط هذه الأقسام بالبعثات الفرنسية في مختلف جهات المملكة وحشر مسألة التبريز والتفتيش الخاص والتكوين المهني والتسهيلات المقترحة لمن يلج هذه الباكالوريا.
فرفض الغيورين لهذا الاتفاق ليس تعصبا أو رفضا من أجل الرفض وإنما لأعطابه العديدة فهو اتفاق فوقي ليس فيه توسيع المشورة ولا إشراك مؤسسات المغاربة ومختلف الفاعلين المعنيين بمستقبل التربية بالبلاد، ويخالف الدستور الذي ارتضاه المغاربة والذي ينص في فصله الخامس على النهوض والعناية باللغتين الرسميتين وليس منها الفرنسية ويدعو إلى «الانفتاح على اللغات الأكثر تداولا» وليست هي الفرنسية والتي تأتي في الترتيب التاسع في العالم من حيث عدد المتكلمين بها، والذين لا يشكلون سوى 2.5 في المائة من سكان المعمور، فيما تتقدم عليها اللغة العربية التي تحتل المرتبة السادسة بعد الصينية والإنجليزية والهندية والإسبانية والروسية.ويضرب الاتفاق ميثاق التربية والتكوين كوثيقة إطار تحقق حولها توافق وطني، كما يخالف الاتفاق البرنامج الحكومي المعلن للمغاربة فليس فيه فرنسة تعليمهم ولا نكوص عن التعريب،
ثم إن فرنسا لا تشكل نموذجا ناجحا في التعليم وأفضل جامعاتها وصل بالكاد إلى الرتبة 37، ثم إن هذا الاتفاق سيضر بالباكالوريا الوطنية - والتي كانت ولا تزال تقبل في معظم جامعات الدنيا- بحجة أنها بكالوريا غير دولية، وفي الاتفاقية مس واضح بالسيادة التعليمية المغربية وتكريس للفرنسة التي قاومها الآباء والأجداد وأسسوا المدارس الوطنية للحفاظ على هوية البلاد، وتقوية للفرنكفونية التي لا تؤمن إلا بالتبعية والحنين إلى عهد الحجر والحماية ولا تقبل الندية وعلاقات المصالح المشتركة ومنطق (رابح،رابح) وهي اتفاقية تعمق المشاكل التعليمية والتربوية ولا تحل أيا مما هو موجود منها، وتكرس التفرقة والطبقية ويغيب فيها تكافؤ الفرص،
وهي اتفاقية تكرس سياسة التجريب المرتجل والمغامرة بمستقبل التعليم والمقامرة بمصير الأجيال (كما عبر عن ذلك الأستاذ الحراق في مقاله المتميز حول الموضوع) وهي اتفاقية تعيد إنتاج نفس النخب الفركفونية المتنفذة، ليستمر حزب فرنسا في حكم المغرب، كما أن الباكلوريا الدولية بلغة غير العربية والانجليزية في بلادنا لا تعني سوى السير في الطريق الخطأ، فمن يدرس بالفرنسية يحتاج في مرحلة من دراسته وبحثه ونشره إلى اللغة الإنجليزية،
فالاتفاقية ترتكب جريمة حضارية تتمثل في إقصاءَ اللغةِ العربيةِ من تعليم المواد العلمية، بدلَ تطوير العلوم فيها وبها، الأمر الذي سيترتب عليه في الآماد المستقبلية، تجميدِ العربية وإدامة تخلفها عن ركب المدنية باعتبار حياتها وتطورها بتطور الناطقين بها والمستعملين لها، فالمهم هو البعد الحضاري في المسألة ولغة الوطن بمثابة الأم والحر لا يمكن أن يستبدل أمه بأخرى ولو أعجبته وإلا دخل في العقوق الحضاري والذي لن تكون عواقبه غير العقم والتبعية.
فيبقى الحل الذي لا يظهر غيره في اقتحام عقبة التعريب في مستوى التعليم العالي وإلزام مختلف المؤسسات العامة والخاصة باعتماد العربية ثم اختيار اللغة الأكثر جدوى وانفتاحا وتواصلا كالإنجليزية، فالدراسات تؤكد أن نتائج التلاميذ في المواد العلمية حتى البكالوريا لا بأس بها رغم الأعطاب الكامنة في منظومتنا التربوية وهي على العموم أحسن حالا مما كانت عليه قبل التعريب،وأما على المستوى الجامعي فالحال أسوأ مما كان قبل التعريب والسبب هو إرغام الطلاب للعودة لتلقي دروس المواد العلمية بالفرنسية، فالمشكل ليس في التعريب وإنما في عدم استكمال مسار التعريب.
والعربية لن تكون أقل شأنا من لغات هامشية ومحدودة أتيحت لها فرص التواصل بها والتدريس في مختلف المستويات التعليمية وفرض احترامها في المؤسسات العامة والدوائر الرسمية، ومن يقف على حال الكورية واليابانية والعبرية وغيرها يدرك هذه الحقيقة، وأعجبني هنا نموذج قدمه الكاتب د.نافع الشعيري في مقال له في الموضوع يقول:" ويكفي أن أقدمَ مثالاً هو "ايسلاندا" لعلنا نتعلمُ من هؤلاءِ بعض ايجابياتِهم، لأننا للأسفِ الشديدِ لا نأخذُ منهم الا السلبياتِ.
لا يتجاوزُ عددُ سكانِ ايسلاندا سنة 1998 أكثرَ من 27700 نسمةٍ. واللغةُ الايسلانديةُ من عائلةِ اللغاتِ الاسكندنافيةِ. ويعتبرُ نحوُها من أعقدِ الأنحاءِ في العالمِ. كما أنها من أكثرِ اللغاتِ التي حافظتْ على بنياتِها في أوروبا لدرجةٍ أنها وصفتْ ب"متحف لغوي حي"musée linguistique vivant " .وتتميزُ اللغةُ الايسلنديةُ عن غيرِها من اللغاتِ الأوروبيةِ بالنقاءِ المعجميِّ، حيث تعملُ على وضعِ الكلماتِ والمصطلحاتِ الجديدةِ عن طريقِ الاشتقاقِ والقياسِ على كلماتٍ قديمةٍ في الايسلنديةِ. وقد تعرضتْ ايسلاندا للاستعمارِ الالمانيٍّ ثم الأمريكيِ. وبعد حصولِها على الاستقلالِ سنة1944 عملتْ الدولةُ على عصرنةِ اللغةِ الاسلنديةِ بترسيمِها وتطويرِ معجمِها البدائيِ الذي يعودُ الى القرونِ الوسطى، من أجلِ مواكبةِ التطوراتِ العلميةِ والتكنولوجيةِ. وفرضتْ على جميعِ المؤسساتِ التعليميةِ التدريسَ باللغةِ الايسلنديةِ من رياضِ الاطفالِ الى الجامعةِ، في جميعِ التخصصاتِ العلميةِ، كما فرضتْ على الادارةِ والاعلامِ ذلكَ. وتعملُ الجرائدُ الوطنيةُ على نشرِ لائحةٍ بكلِ المستجداتِ المعجميةِ التي تضعُها "لجنة اللغةِ الايسلانديةِ"la Commission de la langue islandaise والتي تسعى جاهدةً الى رفضِ كلِ المصطلحاتِ العلميةِ ذاتِ الأصولِ اللاتينيةِ واليونانيةِ، أو غيرهما من اللغاتِ المعاصرةِ. فهي من اللغاتِ القليلةِ في العالمِ التي تسمى الهاتفَ ب simi المشتقةِ من كلمةِ "أرسل" الايسلنديةِ، وتسمى الحاسوبَ ب tolva و الفاكسَ ب" sembref " بخلاف أغلبِ اللغاتِ الأوربيةِ. ومع كلِّ هذه الصعوباتِ استطاعتْ ايسلاندا أن تحققَ مراتبَ متقدمةً جداً في سلمِ التنميةِ البشريةِ، ويعدُ نظامُها التعليميُّ من أحسنِ النظمِ في العالمِ، كما تعتبرُ من الدولِ القليلةِ في العالمِ التي تصلُ فيها نسبةُ هجرةِ الأدمغةِ الى الصفرِ."
فالحل واضح بين لكل ذي عينين لم تعميهما إيديولوجية التبعية ولا بريق اليورو، وهو ما قامت به الدول التي تحترم نفسها وتقدر شهداء مقاومتها، ولم تدخل العدو من النوافذ بعد أن أخرجه البواسل من الأبواب، فاختارت اللغة الوطنية للتدريس في مختلف المراحل من الروضة إلى الجامعة، واستدركت الفجوة المعرفية بالترجمة، وبعد فترة ليست كثيرة في عمر الأمم بدأت نتائج التقدم تبرز للعيان وظهرت ثمار استنبات التكنولوجيا والإبداع وتحررت الإرادات من التبعية والإلحاق. فهل من مخلصين ومقاومين يحفظون للبلد استقلاله وللوطن كرامته وللتعليم أصالته؟ ومن هزم فرنسا في عنفوان شبابها لن تعجزه هي وحزبها في هرمها وأفول أمرها. ومن اقتلع جذورها من أرضنا لن يعجز عن تخليص فصولنا وأقسامنا من تدليسها وخداعها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.