العثور على جثث 13 عاملا بعد اختطافهم من منجم ذهب في بيرو    ترامب يأمر بإعادة فتح سجن الكاتراز بعد 60 عاما على إغلاقه    مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي يقرر توسيع العمليات العسكرية في غزة    تفاصيل إحباط تفجير حفلة ليدي غاغا    إسرائيل توافق على توزيع المساعدات    شغب الملاعب يقود أشخاصا للاعتقال بالدار البيضاء    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تزور بباكو المهرجان الدولي للسجاد بأذربيجان    أكاديمية المملكة تحتفي بآلة القانون    ولاية أمن طنجة توضح حقيقة "اختطاف الأطفال" وتوقف ناشرة الفيديو الزائف    وهبي مدرب المنتخب لأقل من 20 سنة.. "نتيجة التعادل مع نيجيريا منطقية"    توقعات أحوال الطقس اليوم الاثنين    مقبرة الرحمة بالجديدة بدون ماء.. معاناة يومية وصمت الجهات المعنية    فيديوهات خلقت جوًّا من الهلع وسط المواطنين.. أمن طنجة يوقف سيدة نشرت ادعاءات كاذبة عن اختطاف الأطفال    العثور على جثث 13 عاملا بالبيرو    طنجة.. حملات أمنية متواصلة لمكافحة الدراجات النارية المخالفة والمعدّلة    ريال مدريد ينجو من ريمونتادا سيلتا فيغو    كأس أمم إفريقيا U20 .. المغرب يتعادل مع نيجيريا    الاحتفاء بالموسيقى الكلاسيكية خلال مسابقة دولية للبيانو بمراكش    المغرب التطواني يحقق فوزًا ثمينًا على نهضة الزمامرة ويبتعد عن منطقة الخطر    تطوان تحتضن النسخة 16 من الأيام التجارية الجهوية لتعزيز الانفتاح والدينامية الاقتصادية بشمال المملكة    اتهامات بالمحاباة والإقصاء تُفجّر جدل مباراة داخلية بمكتب الاستثمار الفلاحي للوكوس    كأس إفريقيا لأقل من 20 سنة: تعادل سلبي بين المغرب ونيجيريا في قمة حذرة يحسم صدارة المجموعة الثانية مؤقتًا    طنجة تحتضن اللقاء الإقليمي التأسيسي لمنظمة النساء الاتحاديات    الدوري الألماني.. بايرن ميونخ يضمن اللقب ال34 في تاريخه بعد تعادل منافسه ليفركوزن    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    وزيرة تكشف عن مستجدات بشأن الانقطاع الكهربائي الذي عرفته إسبانيا    شركة بريطانية تطالب المغرب بتعويض ضخم بقيمة 2.2 مليار دولار    المغرب يتصدر قائمة مورّدي الأسمدة إلى الأرجنتين متفوقًا على قوى اقتصادية كبرى    انخفاض جديد في أسعار الغازوال والبنزين في محطات الوقود    الأميرة لالة حسناء تشارك كضيفة شرف في مهرجان السجاد الدولي بباكو... تجسيد حي للدبلوماسية الثقافية المغربية    الفن التشكلي يجمع طلاب بجامعة مولاي إسماعيل في رحلة إبداعية بمكناس    "البيجيدي" يؤكد انخراطه إلى جانب المعارضة في ملتمس "الرقابة" ضد حكومة أخنوش    الطالبي العلمي يمثل الملك محمد السادس في حفل تنصيب بريس كلوتير أوليغي نغيما رئيسا لجمهورية الغابون (صورة)    المغرب يطلق برنامجًا وطنيًا بأكثر من 100 مليون دولار للحد من ظاهرة الكلاب الضالة بطريقة إنسانية    الناخب الوطني يعلن عن تشكيلة المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة لمواجهة نيجيريا    الشرطة البرازيلية تحبط هجوما بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا في ريو دي جانيرو    المغرب يجذب الاستثمارات الصينية: "سنتوري تاير" تتخلى عن إسبانيا وتضاعف رهانها على طنجة    مصادر جزائرية: النيجر تتراجع عن استكمال دراسات أنبوب الغاز العابر للصحراء    العداء الجزائري للإمارات تصعيد غير محسوب في زمن التحولات الجيوسياسية    استشهاد 16 فلسطينيا بينهم أطفال ونساء في قصف إسرائيلي جديد على غزة    معهد الموسيقى بتمارة يطلق الدورة السادسة لملتقى "أوتار"    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    "الأونروا": الحصار الإسرائيلي الشامل يدفع غزة نحو كارثة إنسانية غير مسبوقة    توقيف 17 شخصا على خلفية أعمال شغب بمحيط مباراة الوداد والجيش الملكي    علماء يطورون طلاء للأسنان يحمي من التسوس    المنتدى الدولي للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين يعبر عن دعمه للوحدة الترابية للمغرب    نجم الراب "50 سنت" يغني في الرباط    من المثقف البروليتاري إلى الكأسمالي !    الداخلة.. أخنوش: حزب التجمع الوطني للأحرار ملتزم بتسريع تنزيل الأوراش الملكية وترسيخ أسس الدولة الاجتماعية    الشرطة البريطانية تعتقل خمسة أشخاص بينهم أربعة إيرانيين بشبهة التحضير لهجوم إرهابي    الجمعية المغربية لطب الأسرة تعقد مؤتمرها العاشر في دكار    دراسة: الشخير الليلي المتكرر قد يكون إنذارا مبكرا لارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب    مقتضيات قانونية تحظر القتل غير المبرر للحيوانات الضالة في المغرب    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العوا: أساسا العلاقة الإسلامية بالآخر هي المساواة في الأخوة الإنسانية
نشر في التجديد يوم 29 - 05 - 2014

قدم رئيس محمد الحمداوي حركة التوحيد والإصلاح بتقديم درع الحركة للمفكر الإسلامي المصري محمد سليم العوا، في إطار تأطيره لمحاضرة علمية بعنوان "المسلم والآخر"، يوم الاثنين 26 ماي 2014 بالمركب الثقافي أكدال بالرباط. ضمن سلسلة دروس سبيل الفلاح التي تستضيف فيها الحركة وجوها علمية وفكرية وأكاديمية.
"التجديد" واكبت أطوار المحاضرة، وأعدت الملف التالي عن المحاضرة، التي حاول من خلالها المفكر المصري شرح علاقة المسلم بالآخر، وسبل الوصول إلى العيش الواحد والعيش المشترك وتعزيز الأخوة الإنسانية، مستندا أساسا على وثيقة المدينة التي اعتبرها أول دستور في المدينة المنور نضم العلاقة بين فئات وأديان مختلفة، ويطرح تصورا لكيفية القبول بالآخر.
وكان للفكرة التي تثير الكثير من الإشكاليات حول دار حرب ودار إسلام نصيبا من مطارحة العوا والتي تفاعل معها تدخل العالم المقاصدي أحمد الريسوني الذي نفى أن يكون هناك تصنيف إسلامي ثابت حول دار إسلام ودار حرب ودار كفر قائلا ولنا نحن في زماننا أن نطلق ما نرى من توصيف مناسب.
مدخل مفاهيمي
قال المفكر الإسلامي المصري محمد سليم العوا، إن المسلم والآخر كلمتان قلما تجتمعان ولكنهما جديرتان بأن تدرسا معا، وأن تدرس كل واحدة على حدى، لنصل إلى موقف سواء بيننا وبين الآخر، فالمسلم من نطق بالشهادتين وأقر بأركانه، فمن أتى بهذا فهو المسلم الذي له ذمة الله ورسوله، وإن زاد على ذلك بأن أقر بأركان الإيمان فهو المؤمن الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم "المؤمن بكل خير على كل حال". ويسع الناس إذا كانوا مسلمين أو كانوا مؤمنين مع هذا الإسلام أن يختلفوا في آلاف المسائل بل في ملايين المسائل، مادام هذا الأصل المتعلق بالإسلام والإيمان ثابتا لا يتزعزع على مر الدهور والأعوام، لأنهم مع هذا الاختلاف يبقون مسلمين، ومع تجدد الخلاف في كل جيل يبقون مسلمين، وينبغي أن يعاملوا على هذا الأساس.
أما الآخر فهو شيء غير الأول، ففي الآخر غيرية مع وحدة الجنس، وفي الآخر غيرية مع اتحاد الأصل، لذاك قال تعالى في قصة سيدنا يوسف عليه السلام (ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمراً، وقال الآخر إن أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه)، ثم جاءت في الآية الأخرى (يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا، وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان). فالقرآن الكريم يعبر عن الآخر بغير الأول ومن جنسه، ولذلك نجد في الأدب العربي القديم من شعر امرؤ القيس (إِذا قُلتُ هَذا صاحِبٌ قَد رَضيتُهُ*** وَقَرَّت بِهِ العَينانِ بُدِّلتُ آخَرا). فالآخر هو الغير، وهذا ما اقتصر عليه صاحب لسان العرب، في قوله والحاصل أن الآخر هو الغير، كما أن الآخر هو ما سوى النفس والذات، وما سوى المتحدث والمتحدث إليه.
"الآخر" في 62 موضعا من القرآن
وأردف العوا أنه ورد لفظ الأخر في القرآن الكريم مفردا ومثنى ومجموعا مذكرا ومؤنثا في 62 موضعا من الكتاب العزيز، لذلك فليس لفظا جديدا علينا كما يظن بعض الناس، وليس لفظا لا نفهم محتواه وكيفية التعامل مع الآخرين، فهذا من ألفاظنا الأصلية التي يذكرها القرآن الكريم في 62 موضعا على جميع حالاته التصريفية. فما العلاقة بين المسلم وبين الآخر؟ وكيف نستطيع أن نعيش ونحن لا نعيش في مجتمع كله صنف واحد؟ هذا موضوع يجب البحث فيه في كل جيل، ومما يقال فيه إنه موضوع دائم ومتجدد، لأن كل أهل جيل يجب أن تكون لهم مواقف تحدد لهم كيفية تعاملهم مع غيرهم، كما يجب على أبناء كل جيل أن يبدعوا في هذه المسألة من الآراء وطرق التعامل ما ييسر لهم حياتهم ويجعلهم أسوة لكل الخلق. فالأخر قد يكون مسلما، فالأصل في التعامل معهم هو أن المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، فإذا كان الآخر مسلما، فالمبدأ هو حقوق الأخوة، أما إذا كان الآخر غير مسلم، فقد يكون من أهل الكتاب، وقد لا يكون، وقد يكون الآخر من أهل الأديان أصلا أو لا يكون فالتعامل معه بالاخوة الإنسانية.
"الآخر" في دستور المدينة
وأوضح العوا أنه ليس وجود الآخر في حياتنا جديدا، بل هو معنا منذ اللحظة الأولى التي أوحي فيها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وكان مجتمعها مغايرا لمجتمع مكة التي لم يكن فيها إلا مؤمنون قليل عددهم ومشركون هم أكثرية الناس، أما في المدينة فقد وجد النبي صلى الله عليه وسلم مجتمعا آخر، وجد في أهل المدينة الأوس والخزرج وهم عرب أقحاح، ووجد معهم اليهود، ووجد معهم بعض النصارى، وعددهم قليل لكن وجدوا في المدينة بتأثير وجود اليهود.
كان المجتمع المتعدد الأعراق في المدينة المنورة محتاجا إلى قانون يحكمه، وكان الوحي ينزل وفيها يهود لن يتبعوه، فكان لابد من وسيلة أخرى تدخل هؤلاء في عباءة الدولة وظلها، فهنا أملى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد مشاورة أصحابه الكبار ما نعرفه بدستور المدينة، أو وثيقة أو صحيفة المدينة، وهي وثيقة تتضمن 48 بندا، وكانت هذه الوثيقة تنصت على معاني كثيرة، باعتبارها أول دستور مكتوب في الدنيا بين حاكم ومحكومين، وأول دستور مكتوب بين فئات مجتمع مختلفة بين المسلمين ومحمدا من جهة وبين اليهود وغيرهم من جهة أخرى. فنصت الوثيقة كذلك على أن اليهود أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، فأصبح اليهود وهم الذين على دين غير الإسلام أمة مع المؤمنين.
الدولة المسلمة التي يعيش فيها اليهود والمسيحيون، أو فيها مؤمنون بغير دين من الأديان، هي دولتنا كلنا باعتبار أن قانون الأرض الذي يسري على الكافة هو قانون الإسلام، حتى لو كان المطبق في البلاد قوانين تبعد كثيرا أو قليلا عن الأحكام الإسلامية الأصلية، لأننا في النهاية في دولة لا تنكر الألوهية والربوبية ولا تنكر تحكيم الشريعة الإسلامية وإن قصرت في باب من الأبواب.
الأخوة الإنسانية والأخوة الإسلامية
وقال العوا إن الصحيفة نصت على أن أهل هذه الصحيفة (المسلمون والمشركون واليهود) بينهم النصر والأسوة، ورويت الأسوة بروايتين الإِسوة والأُسوة أما الإِسوة (بكسر الهمزة) فهي المساواة في حق المواطنة، وأن يتساوى الناس في الحياة السياسية، أما الأُسوة (بضم الهمزة) فهي أن يسعى بعضهم إلى مواساة البعض إذا طرأ عليه طارئ ومأساة بالرغم من اختلاف الدين. هذا المنهج النبوي هو الأصل الثقافي الإسلامي، فالمنهج النبوي في دستور المدينة في معاملته مع اليهود والمشركين من أهل المدينة هو الأصل الثقافي الإسلامي الذي يجعل هذه الثقافة متميزة بنظرتها إلى الآخر والغير، فلا يجب أن ننظر إليه نظرة احتقار ولا نظرة اهانة، وإنما ننظر إليه نظرة الأخوة الإنسانية، كما فهم علي رضي الله عنه هذا المعنى الجميع فبعث إلى عامله على مصر فاعلم أن الناس صنفان أخ لك في الدين ونظير لك في الخلق، لأن أخوة الدين مقدمة على الأخوة الإنسانية. هذا المنهج جعلنا ننظر إلى الآخرين على أنهم أغيار محترمون، فمن حقنا أن نبقى في هذه الدنيا ونعيش ونتنافس ونأكل من خيرات الله التي أودعها في الكون، دون أن يمس بهذا الحق أننا غير متكافئين دينا، أو أننا غير متحدين دينا، فهذا كله لا فرق، والله تعالى يحكم بيننا يوم القيامة فيما كنا نختلف فيه من الدين، أما أمر الدنيا فنخضع فيه لقانون الوطن، فإن كان الوطن مسلما خضعنا لقانونه، وإن كنا نقيم في وطن آخر فلننظر ما الذي أقامنا هناك هل نبقى ونخضع لقانونه؟ أم أن لنا مندوحة حتى يجعل الله لنا بعد عسر يسرا.
الخلاف فطري
وشدد المفكر المصري على أن الخلاف الذي يقع بين المسلمين وغيرهم، وبين المسلمين هذا خلاف فطري نص القرآن الكريم عليه فقال تعالى (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: 118-119] فالاختلاف لا يقف بين المسلمين وغيرهم فقط بل بين كل أهل الأديان الأخرى (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [البقرة 113].
هذا الاختلاف الفكري والثقافي والسياسي أزلي لن يختفي من الأرض، ولا يظنن أحد يحكم الدنيا أنه سيقيمها كلها على سقف لا عوج فيه، فالدنيا ستظل قائمة والناس فيها مختلفون، لأن الآيات القرآنية الكثيرة تدل على أزلية الخلاف وفطريته، فلا نملك أن نمنع الخلاف بين فقهين من مذهب واحد، فضلا عن الخلاف بين المذاهب المختلفة فضلا عن كل الناس. فالبرنامج النبوي في المدينة المنورة يقوم على أمرين الاحتكام إلى الله ورسوله، وعلى الأخوة في الإنسانية، فالناس كلهم إخوة في إنسانيتهم، ومما كان يقول الرسول في دعائه دبر كل صلاة، و"أشهد أن العباد كلهم إخوة"، بهذا الإطلاق، وسبب هذا الأخير هو الأخوة بالإنسانية، وليس أصل هذه الأخوة الدين، كما أن الله خلق الناس جميعهم من نفس واحدة قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً) والبعض ضعف الحديث السابق، لكن معناه صحيح استنادا إلى الآيات القرآنية السالفة الذكر، ففكرة الأخوة هنا قرينة لفكرة الاختلاف، كلهما أزلي، وكلاهما فطري، وكلاهما منصوص في القرآن، فلا يظنن مسلم أن له اليد العليا على الناس إنما هو من الناس يرتفع عند رب العالمين بقدر إصلاحه وصدقه وإيمانه ونفعه للخلق جميعا.
المساواة الفطرية
ورأى العوا أن المنهج النبوي كان غير مسيوق قط، وهو بعد الإسلام إلى اليوم غير ملحوق قط، فلا يوجد مذهب فكري ولا منهج فلسفي ولا تفكير سياسي يقول الخلق كلهم على قدم المساواة في الحياة الدنيا، فيما نعيش اليوم تفرقة بين هذا عربي وهذا أمازيغي وهذا أوروبي وهذا إفريقي كما هناك تفرقة داخل الاتحاد الأوروبي ذاته، فالإسلام قضى على كل التفريقات في المدينة المنورة، ولن تلحق الحضارة الإسلامية في القضاء على كل هذه التميزات التي ما أنزل الله بها من سلطان، فالمعاملة المفرقة لا يعرفها الإسلام ولا يقرها، لأن أساسا العلاقة الإسلامية بالآخر هي المساواة الفطرية في الأخوة الإنسانية، ثم تأتي الفروق بعد ذلك بحسب الصلاح والفساد. ثم إن القرآن الكريم هو المصدر الأساسي لهذه الثقافة التي نطق بها الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن كلنا مطالبون أن نطيع النبي عليه السلام بعد طاعة القرآن الكريم، وعندما لا توجد الآيات والمرويات النبوية الصحيحة، لنجد حلا لمشكلتنا فيما بيننا أو مع غيرنا، فعندئذ يأتي مجال الاجتهاد وفيه سعة لا يؤطرها ولا يحدها حد إلى يوم القيام لإيجاد الحلول لهذه الأمة، ونقلد من سبقنا من الأمم في الحلول مع أن التقليد كله غير جائز، وأنا ممن لا يسمح به لأحد، لكن التقليد في حلول مشكلات الحياة هذا ليس التقليد المنهي عنه، فالمنهي عنه أن تقلد دينك الرجال، أما الحياة بتجارتها وصناعتها وزراعتها فهذا تقليد واجب، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم "الحكمة ضالة المؤمن أن وجدها فهو أحق الناس بها"، فالمحصلة التي يجب أن نحصلها من هذا الاجتهاد هو تحقيق المصالح وجلبها، ودرأ المفاسد ودفعها، والمحققون من العلماء يقولون ودرأ المفاسد مقدم من جلب المصلحة، لأن درأ المفاسد يمكننا من جلب المصالح .
لا إكراه في الدين
وأشار المفكر المصري إلى أنه في حديث القرآن عن الآخرين نجد إشارة إلى نوعين من الناس، النوع الأول هم المشركون والدهريون والوثنيون، ولن يخلو العالم يوما من هؤلاء، وقاعدة التعامل بيننا وبينهم، هي القاعدة المكية الخالدة "لكم دينكم ولي دين"، وسمى الله الكفر المحض بالدين هنا، كما سمى دين محمد بالدين، فأية مساواة هذه بين المسلم وبين الآخر؟ ولا يجوز إكراه هؤلاء على الإيمان "أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين، ولا يجوز حملهم على شيء إلا تذكيرهم بالله تعالى"فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر"، ومرجع الأمر كله، في أمر الدين كله الإيمان به والكفر به، إلى رب العالمين يوم القيامة، وليس لنا في الدنيا إلا أن نتقاسم خيراتها، وأن نعيش في بحبوحة مما أنزله الله فيها من الموارد، التي تكفي البشر جميعا لو أحسنوا وتضييق بهم إذا أساءوا.
النوع الثاني من الآخر الذي حدثنا القرآن الكريم عنه هم أصحاب الأديان السماوية (اليهود والنصارى وأهل الكتاب)، ولم يسوي بينهم، فقال تعالى (لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ)، وقال تعالى (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ)، يقول بعض المفسرين إن هؤلاء أسلموا، وأنا لم ينقض عجبي من هؤلاء ! فكيف يسلمون ويسميهم القرآن قسيسين ورهبانا؟ فذلك تناقض، وحتى الذين أسلموا يقال عنهم كانوا أحبارا ثم أسلموا، فالآية الكريمة توضح أن العلاقة بيننا ليست قائمة على محض إيمانهم فيصبحون منا أو البقاء على كفرهم وإنما هناك خانة وسطى.
العيش الواحد والعيش المشترك
وقال العوا إنه عندما يعيش أهل العقائد الأخرى في وطننا فإنهم أهل الدار، لهم ما لأهل الدار من الحقوق، وعليهم ما على أهل الدار من الواجبات، وهذه الأخوة الإنسانية في زمننا هذه -زمن الدول القومية الصغيرة- تصنعه الهوية الوطنية، فهذه الأخيرة نعترف بها ونقرها ونكافئ الذين يعملون في سبيل المحافظة عليها، لأنها وإن كانت إقليمية إلا أنها جامعة لخير كثير، فلا يجوز أن نفرط فيها، فهي دافعة لشر كثير لا يجوز أن نتركه يفتح علينا الأبواب ويقتحم كل شيء، فالذين تجمعنا معهم الأخوة الإنسانية والأخوة في الرابطة الوطنية لا يجوز الإساءة إليهم ولا إلى كنائسهم ومعابدهم، لأن ذلك يصنع الشحناء والبغضاء والله يقول (كُلُّ ذَ?لِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا)، والله يوصي بمجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا فيكون التعامل معهم بأننا أمة وأعدوا لهم، ولنتبه يا أولي الألباب أن إلهنا وإلههم واحد، ويكفي استحضار قوله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) وفي التعارف مفاعلة.
ورأى العوا أن العيش في الوطن الواحد بين الأديان المختلفة يسمى بالعيش الواحد، ويسمى العيش في الدنيا بين أهل الأديان بالعيش المشترك، فالفرق بين العيش الواحد أن للإنسان نفس الحقوق ونفس الواجبات على قدم المساواة، لكن في العيش المشترك يحاول الإنسان الحصول على أكبر منفعة كما هو معمول به دوليا، فبالتالي التعامل في العيش المشترك أساسه المنفعة والمصلحة التي يجب أن نسعى إلى الحصول على أكبر قدر منها كما يسعون هم للحصول على أكبر قدر منها.
أمام مشكلة دار الحرب ودار الإسلام التي قسم الفقهاء العالم وفقها، هي فكرة قانونية رد بها علماء الإسلام على فكرة الرومان واليونان التي كانت تميز هذين الشعبين وتعامل غيرهم بقانون البرابرة، ثم جاء الشافعي بعد 200 سنة فاخترع مصطلح دار عهد، فالدنيا كلها اليوم دار عهد واستثني إسرائيل ليس لأسباب تتعلق بالفقه الإسلامي، ولكن لأسباب سياسية، وحقنا في فلسطين المحتلة، فالعالم كله دار إسلام أو دار عهد يأمن فيها المسلم على دينه ومعتقداته، ولا يجوز له إن أقام بها أن يخرق قوانينها بدعوى أنهم غير مسلمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.