مباحثات مغربية إماراتية لتعزيز التعاون الأمني    مبيعات الإسمنت بالمغرب تقفز بأكثر من 10% في نهاية غشت 2025.    ساركوزي بعد حكم بسجنه خمس سنوات: "سأنام في السجن ورأسي مرفوع"    ترامب: أعتقد أننا على وشك التوصل إلى اتفاق ما بشأن غزة    "الكاف" يؤجل إطلاق المرحلة الأولى لبيع تذاكر كأس إفريقيا 2025 بالمغرب    الاتحاد الأوروبي يوافق بشروط على علاج جديد للزهايمر    "فيفا" يكشف عن التمائم الرسمية لكأس العالم 2026    تأجيل إطلاق المرحلة الأولى لبيع تذاكر "كان المغرب"    بنيويورك، وزراء خارجية تحالف دول الساحل يشيدون بالمبادرة الأطلسية لجلالة الملك    أسطول الصمود يرفض عرض لإسرائيل    في سياق اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على صحرائه، الحكومة الأمريكية تعلن أنها تشجع الاستثمارات الأمريكية في الأقاليم الجنوبية                            بني ملال: توقيف شرطيين للاشتباه في تورطهما في قضية ابتزاز ورشوة        "مازي" يتراجع في بورصة الدار البيضاء    الاتحاد الأوروبي يجيز دواء "كيسونلا" لداء الزهايمر    وسط تحذيرات من هجوم وشيك.. مشارك مغربي في "أسطول الصمود" يطالب وزارة الخارجية بالتدخل    انطلاق المرحلة الأولى لبيع تذاكر "كان المغرب 2025"    وزير الخارجية الكيني: المبادرة المغربية للحكم الذاتي "تمهد الطريق" نحو تسوية قضية الصحراء    ميكرونيزيا تؤكد أن الصحراء كانت على الدوام جزءا لا يتجزأ من تراب المغرب    البيضاء على وشك ثورة في مجال النقل بعد قطارات القرب        مئوية بي بي كينغ… صوت الجموع الخاص    زيدان يدعو إلى دعم المقاولات السياحية الصغرى وتطوير منتجات خضراء تنافسية    700 ألف فلسطيني نزحوا من مدينة غزة وفقا لجيش الاحتلال    حكيمي يكسر صمته: "تهمة الاغتصاب أقوى شيء حدث لي.. لقد شوهوا صورتي واسمي"    تراجع تزويج القاصرات ب65%.. ائتلاف يطالب بالإلغاء الكلي ويحذر من استمرار "زواج الفاتحة"    خشية الاعتقال.. طائرة نتانياهو تتجنب أجواء دول أوروبية في رحلتها الى الولايات المتحدة    الذهب يرتفع وسط إقبال على الملاذ الآمن وترقب بيانات أمريكية    "محطات الوقود" تقاطع بنعلي وتتهم الوزارة بالتغاضي عن العشوائية    بيان حقيقة: ولاية أمن مراكش تنفي مزاعم منسوبة لعناصر الأمن الوطني بمطار مراكش المنارة تم نقلها على لسان مواطنة أجنبية    تنديد بفض وقفة احتجاجية لساكنة "كيش لوداية" بالقوة ومطالب بسراح الموقوفين وإنصاف المتضررين    مونتريال.. المغرب وروسيا يبحثان سبل تعزيز الربط بين البلدين في مجال النقل    طقس الخميس.. زخات رعدية فوق الريف وانخفاض في درجات الحرارة شمال المملكة    الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، مناسبة لإبراز رؤية المغرب (أخنوش)    حموشي يجري زيارة عمل إلى الإمارات العربية المتحدة        نيويورك.. أخنوش يتباحث مع رئيسة المفوضية الأوروبية    إطلاق اتفاقية متعددة الأطراف بالرباط لمكافحة المنشطات في المجال الرياضي    عمر عزيمان يتوج بالجائزة الدولية "ذاكرة من أجل الديمقراطية والسلم"    "لامورا..الحب في زمن الحرب" للمخرج الراحل محمد اسماعيل يدخل سباق القاعات السينمائية    سناء العلوي… من تكريم وزان إلى لجنة تحكيم سلا    قراءة في مسرحية «عيشه ومش عيشه»: «الوجود الإنساني لا يفهم إلا في ضوء تناقضاته»    6 روايات عن العائلة إلى المرحلة النهائية من جائزة "بوكر"    مؤسسة الدوحة للأفلام تسلط الضوء على الأصوات الفلسطينية في مهرجان الدوحة السينمائي    منظمة الصحة العالمية: لا علاقة مؤكدة بين الباراسيتامول والتوحد    دراسة: تلوث الهواء قد يضر ببصر الأطفال    دراسة: غثيان الحمل الشديد يرفع خطر الإصابة بأمراض نفسية        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلى متى تستمر الخيانة الأمريكية؟
نشر في التجديد يوم 30 - 04 - 2004

أثارت الصورة التي نشرتها صحيفة نيويورك تايمز على صفحتها الأولى بتاريخ 30 دجنبر 2003 ردود فعل متفاوتة. ويظهر في تلك الصورة شاب في مقتبل العمر، جالسا على كرسي أمام تلاميذ إحدى مدارس مدينة بليرسفيل التابعة لولاية بنسلفانيا الأمريكية، بينما تقف بجانبه امرأة، قد يحسبها البعض مدرسة. وهي في الواقع والدته. فقد كان أعمى.
يتعلق الأمر بجيريمي فيلدبوش، وهو جندي أمريكي كان ضمن الجيوش الأمريكية بالعراق، وأصيب يوم 3 أبريل بحروق شديدة في وجهه جراء سقوط قذيفة على بعد عدة أمتار. وبعد خروجه من المستشفى العسكري حيث ظل في غيبوبة لمدة خمسة أسابيع، اكتشف أنه فقد بصره.
تعتيم
وفي نفس اليوم، أعلنت الصحف وصول عدد الجنود الأمريكيين الذين قضوا خلال تلك الحرب إلى 477 جنديا. لكن ما يتم التعتيم عليه عموما، هو أنه مقابل سقوط كل جندي أمريكي، يصاب أربع أو خمس جنود آخرين بجروح خطيرة. وقد وصل عدد هؤلاء إلى ما يقارب 3000 جريح، منهم من فقد بصره ومنهم من فقد رجليه أو ذراعيه. وخلال الأيام القليلة الماضية، صرحت الفنانة شير لقناة -سِفَ لدى عودتها من زيارة جرحى الحرب الأمريكيين بإحدى المستشفيات بواشنطن: كان أول من صادفته لدى وصولي إلى المستشفى فتى يبلغ من العمر 19 أو 20 سنة بترت ذراعاه (...) كان كل جندي مصابا بعاهة مستديمة، إما ذراع بترت، أو رجل وأحيانا الاثنان معا(...) أنا أتساءل (...) لماذا لا يأتي تشيني وولفويتز وبريمر ورئيس الولايات المتحدة...لماذا لا يأتون لأخذ صور تذكارية مع هؤلاء الضحايا ؟ لماذا يحرصون على إخفائهم عن الأنظار(...)
وفي عدة أحيان، يحاول الآباء إقناع أبنائهم بأن الحرب على العراق غير مشروعة. وتلك حالة السيدة روث أيتكن التي حاولت إقناع ابنها بأنها حرب من أجل البترول، لكن ابنها الذي كان برتبة نقيب، صمم على أنها حرب ضد الإرهاب. ولقي مصرعه في 4 أبريل خلال المواجهات التي شهدها مطار بغداد. و قد عبرت والدته عن موقفها قائلة: كان يؤدي واجبه، لكن ما أكاد أجن له هو أن الإدارة الأمريكية خدعت الرأي العام والجنود وسوقت لهم هذه الحرب على غير حقيقتها .
وببالتيمور، صرخ أحد الأباء أمام عدسات الكاميرا وهو يحمل صورة ابنه الذي راح ضحية الحرب: أيها الرئيس بوش، لقد أخذت مني ابني. وصرح آخر بولاية كاليفورنيا للصحفيين أن ابنه الذي كان ينتمي لقوات المارينز، قد قتل من أجل بترول بوش".
خيانة طويلة
لكن ليس الأباء والأبناء وحدهم من خدع في هذه الحرب. فالشعب العراقي أيضا تلقى وعودا بتحريره من النظام الديكتاتوري، وكان الثمن باهظا. إذ قتل أكثر من 10 آلاف عراقي بين الرجال والنساء والأطفال، ناهيك عن آلاف الجرحى، وظلت بلاد الرافدين في حالة فوضى عارمة. فجيش الاحتلال الذي كان فعالا في قصف العراق و تدميره، اكتفى بالتفرج على العصابات التي قامت بتدمير ونهب المعالم التاريخية للعراق.
لائحة الخيانة طويلة. إذ خانت الحكومات الأمريكية المتعاقبة العهد الذي أعطته دول العالم بتحقيق السلم والأمن الدوليين. فبعد الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها 50 مليون شخص، تعهدت منظمة الأمم المتحدة حسب ميثاقها ب: حفظ الأجيال القادمة من آفة الحرب.
ورغم انتهاء الحرب الباردة واختفاء التهديد الشيوعي الذي شكل ذريعة لتحويل ملايير الدولارات لميزانية الجيش الأمريكي، نجحت الحكومات الأمريكية في خداع شعبها و لازال نهبها لخيراته مستمرا، وذلك على حساب المرضى والأطفال والمسنين والمشردين والعاطلين...
وبعد مرور 12 سنة على الحرب العالمية الأولى، أصيب الجنود الأمريكيون الذين كان معظمهم يعاني من عاهة أو جراح، باكتئاب حاد بسبب البطالة والجوع، واضطر 20 ألف منهم إلى تنظيم مسيرة احتجاجية في واشنطن مطالبين الكونغرس بالتعويضات المالية التي وعدوا بها. فتدخلت قوات الجيش وقامت بتفريقهم بطلقات نارية والغاز المسيل للدموع.
لكن قدماء المحاربين بفيتنام فطنوا بسرعة لدى عودتهم من الحرب إلى أن تلك الحكومة التي زجت بهم في حرب لاأخلاقية وسخيفة متسببة لهم في أمراض جسدية ونفسية، قد ولت لهم ظهرها. وكانت الولايات المتحدة قد أطلقت على عدة مناطق بفيتنام المادة البرتقالية الذي خلف مئات الآلاف من القتلى لدى شعب الفيتنام. و كان لتلك المادة تأثير على الجنود الأمريكيين أيضا، إذ أصيب عشرات الآلاف بأمراض خطيرة كالسرطان وظهرت تشوهات لدى مواليدهم الجدد. إلا أن الدولة رفضت تحمل أية مسؤولية. وبعد المتابعة القضائية للشركة المختصة بتصنيع المادة البرتقالية، تم التوصل إلى تسوية حبية من خلال صرف مبلغ 1000 دولار لكل عائلة متضررة.
وإذا كانت الحكومة تخصص مئات ملايير الدولارات للحرب، فإنها لا تخصص شيئا لقدماء محاربي الفيتنام الذين استوطنوا الشوارع أو المستشفيات العسكرية، وصاروا يعانون من اضطرابات نفسية وينتحرون بنسبة مروعة... وذلك هو الإرث المر للحرب.
ما تخفيه واشنطن
وتعتز الحكومة الأمريكية بكونها لم تخسر في حرب الخليج سنة1991 سوى 148 من جنودها مقابل مائة ألف من الجانب العراقي، لكن ما تخفيه عن الرأي العام هو أن 206000 من قدماء المحاربين في تلك الحرب تقدموا بشكاوى جراء إصابتهم بأمراض أو جراح مترتبة عن تلك الحرب. وخلال الإثنتا عشرة سنة التي تلت الحرب، توفي 8300 منهم، وتم قبول 160000 شكوى بالإصابة بالعجز من قبل إدارة قدماء المحاربين.
وتستمر خيانة الجنود وقدماء المحاربين في خضم ما يسمى بالحرب على الإرهاب. صدق الجنود مزاعم استقبالهم بالزهور من قيل الشعب العراقي ماداموا قد حرروه من الطاغية، ولا يمر يوم دون أن يلقى واحد منهم على الأقل حتفه. وقد صرح ضابط من قوات المشاة الأمريكية المتمركزة بالعراق لإحدى المجلات الأمريكية: لنتكلم بصراحة، إن معنويات جل الجنود الذين صادفتهم في أدنى مستوياتها.
وحتى أولئك الذين يعودون من الحرب أحياء، لكن عميانا أو معتوهين، سرعان ما يكتشفون أن إدارة بوش تقص من الميزانية المخصصة لقدماء المحاربين. وخلال الزيارة الخاطفة التي قام بها الرئيس بوش للعراق بمناسبة عيد الشكر في شهر نونبر المنصرم والتي حظيت بتغطية إعلامية واسعة، ذكرت ممرضة عسكرية تابعة لقاعدة لاندستل بألمانيا حيث يتم استقبال الجرحى: لقد كان احتفالي بعيد الشكر يومها مختلفا شيئا ما، إذ أمضيته في المستشفى أعتني بملازم أول أصيب بجراح في العراق(...) وحين يضغط بكفه على عينيه ويميل برأسه من الأمام إلى الخلف، فإنه يصير أشبه بطفل صغير. إن جميع الجرحى التسعة عشر الذين أعتني بهم يشبهون الأطفال الصغار، ثم إن كلا منهم فقد أحد أطرافه أو بصره، أو ما هو أسوأ. (...) من المؤسف حقا أن الرئيس بوش لم يستدعنا لحضور الاحتفالات. (...) وكل الزملاء يتفقون معي على ذلك، لكنكم لن تقرؤوا عن هذه الحالات في الصحف.
النسيان هو المطلوب
أما بالنسبة لجيريمي فيلدبوش الذي فقد بصره في هذه الحرب، فقد احتفلت مدينة بليرسفيل بعودته وهنأه عمدتها. وهنا تذكرت الجندي الذي صار أعمى وبترت جميع أطرافه، بطل رواية دالتون ترومبو تُوٌََّ َّمَ ًّف-ُّ-مَ هِّمْْم. حيث كان مستلقيا على فراشه، عاجزا عن النطق أو السمع، تذكر الاحتفال الذي أقيم بمدينته خلال توجهه إلى الحرب، تذكر الخطابات البطولية حول شرف القتال من أجل الحرية والديمقراطية. وحين تمكن من التواصل من خلال آلة المورس، طلب من السلطات أخذه إلى جميع المدارس ليظهر للأطفال حقيقة الحرب. لكن السلطات لم تستجب لطلبه. فما لبث أن أدرك الحقيقة المرة في أن السلطات كانت لها رغبة واحدة فقط، وهي نسيانه.
إن كاتب هذه الرواية يحاول بشكل أو بآخر، شأنه شأن قدماء المحاربين، أن يدعونا لأن لا ننسى وأن نكون شاهدي إثبات.
ترجمة بتصرف: رشيد المتوكي (مترجم)
عن صحيفة لوموند ديبلوماتيك/ أبريل2


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.