ما الذي يجعل الحقائق تنقلب رأسا على عقب، وما الذي يجعل الإعلام هو الفضاء الوحيد لتسريب تبريرات واهية تخفي تورط كبار المسؤولين في فضائح مكشوفة.. وما الذي يجعل فضيحة من حجم قضية رئيس بلدية طنجة لا تنشر إلا بعد مرور أسبوع على الأقل.. خيوط الفضيحة متشابكة والترتيبات الإعلامية تخفي هول واقع الحال... ففي الوقت الذي كانت فيه الحكومة ونواب الأمة مجتمعين في تطوان لحضور مراسيم حفل الولاء. كانت مصالح أمن طنجة قد حررت مذكرة بحث عن رئيس بلدية طنجة الجبهوي عبد الحق بخات المحكوم بثلاث سنوات حبسا نافذة من طرف جنايات طنجة في ملف الذوق دي طوفار ويذكر أن الرجل متابع في ملفات كثيرة تتعلق معظمها بقضايا تزوير.. وطبقا لمذكرة البحث تم اعتقال السيد عبد الحق بخات أمام الرأي العام الطنجي من مقهى عمومي، وقضى مدة ساعات لدى مصالح الأمن. الغريب أن جهات نافذة ودوائر برلمانية سارعت إلى التدخل لطي الملف فتدخلت لدى مسؤول كبير بوزارة العدل بواسطة محامية السيد عبد الحق بخات وهي بالمناسبة إحدى قريبات المسؤول الكبير... فتم التماس إطلاق سراحه لمدة 48 ساعة بدعوى وجود ملفه في مديرية العفو بوزارة العدل، لكن المسؤول عن هذه المديرية نفى أن يكون الرجل قد أدرج اسمه ضمن لائحة العفو، فتم تبني دعوى أخرى مفادها أن الرجل قدم طلب مراجعة للمحكمة... وأمام هذه التدخلات، ولاعتبارات انتخابوية، أصدر المسؤول الكبير أمره إلى السيد الوكيل العام بإطلاق سراح السيد عبد الحق بخات حتى تسنى له السعي للحصول على عفو ملكي أو الضغط في دوائر العدل للاستجابة لطلب المراجعة... لكن الرجل اختفى عن الأنظار بقدرة قادر ليجد كل من المسؤول الكبير والجهات التي تدخلت لتسوية الملف أنفسهم في حرج شديد من الموقف؟! وأمام هذه الفضيحة المتمثلة في التلاعب بالقانون من طرف مسؤول كبير المفروض أن يكون حريصا على تنفيذ الأحكام والقوانين وألا يستجيب لمنطق الوساطات والترضيات والاعتبارات الانتخابية تم تسريب نبأ هروب رئيس البلدية بعد عشرة أيام من اعتقاله وذلك قصد التنصل من المسؤولية... وإزاء هذا الحدث / الفضيحة يتساءل الرأي العام: من الذي سمح للسيد بخات بالهروب، ومن أعطى الأمر للوكيل العام بإطلاق سراحه وما هو التكييف القانوني لمثل هذا القرار؟ وهل يجوز لمسؤول كبير في العدل أن يأمر بإطلاق سراح رجل صدرت مذكرة بحث بصدده وتم اعتقاله؟ وهل كل المغاربة المتهمون المعتقلون يطلق سراحهم بدعوى البحث عن عفوملكي أو مراجعة المحكمة؟!.. ثم ما الدواعي التي جعلت مسؤولا كبيرا في العدل يستجيب لبعض الجهات ثم يتنصل من المسؤولية مطلقا ويلقيها على آخرين؟ ولماذا بالذات يتم نشر خبر الهروب في جريدة الاتحاد الاشتراكي بعد مضي أكثر من أسبوع؟ إن الرأي العام الطنجي ليتساءل عن الاجراءات اللازم اتخاذها فيمن اتخذ نفسه واسطة، واستغل مكانته وموقعه النافذ لخرق القانون والتستر على مرتكبي جرائم التزوير والتمكين لهم بالهروب من قبضة العدالة؟ من الذي سنحاكم في هذه الفضيحة؟ الجهات النافذة التي تدخلت؟ أم من نفذ التعليمات؟ أم المسؤول الكبير في العدل؟! أسئلة لن يجيب عنها سوى التحقيق الذي ينبغي أن يفتح على الفور لإقرار القانون والتمكين لسلطته ودولته. أحمد المسيح